آلان فيليبس: مميزات الإعلامي الناجح أن يكون لديه فضول الصبي الصغير

الصحافي البريطاني المخضرم تحدث لـ «الشرق الأوسط» عن مشوار طويل بدأ بتغطية الغزو الإسرائيلي لبيروت

TT

بدأ آلان فيليبس، الصحافي المخضرم رئيس قسم الشؤون الخارجية في التلغراف البريطانية ورئيس تحرير مجلة «تشاتام هوس» حاليا، عمله موظفا تحت التدريب تابعا لوكالة «رويترز» في موسكو عام 1979. وبعد مرور عقد عصيب من العمل مع «رويترز»، عمل آلان مراسلا لدى صحيفة «صنداي» البريطانية الأسبوعية عام 1990، ثم انتقل للعمل مع صحيفة «ديلي تلغراف»، الصحيفة البريطانية الرائدة؛ حيث عمل مراسلا للصحيفة في موسكو (1994 - 1998)، ومراسلا خاصا بمنطقة الشرق الأوسط (1998 - 2003)، ثم عمل محررا خارجيا (2003 - 2006). وتحدث فيليبس لـ«الشرق الأوسط» عن مشاوره الإعلامي على النحو التالي:

* هل يمكن أن تحدثنا عن تجربتك مع اللغة العربية؟

- قواعدها تثير الإعجاب بشكل لا ينتهي؛ وعدم إجادتها كان مسار إحباط لي لفترة طويلة من الزمن. يرجع الفضل إلى اللغة العربية في الكثير من الوظائف التي شغلتها؛ فقد كان أول عمل لي في مجال الصحافة بلندن مع وكالة أنباء «جانا» الليبية، ثم حصلت بعد ذلك على منحة تدريبية مع وكالة «رويترز»، لأنني كنت أتحدث الروسية والعربية، ويعود ذلك الأمر إلى السبعينات، فقط، بعد ارتفاع أسعار النفط، وحدثت طفرة مفاجأة في الأنباء والمال في العالم العربي.

لقد درست اللغة العربية في الجامعة، ولكن تعلمت الكثير في دمشق، عندما اعتمدت على نفسي في ترجمة العقود التجارية (التي كانت متشابهة إلى حد كبير) إلى الإنجليزية، ورأى رئيس قسم الترجمة أنه يمكن الاستفادة من عملي، وسمح لي بتعلم كيفية الضرب على الآلة الكاتبة هناك.

وكان المترجمون الآخرون موهوبين ومتعلمين بشكل كبير، وكان من الممكن أن يكونوا أساتذة أو وزراء، ولكن نظرا لسياستهم (التي لا يجرؤ أحد على التحدث عنها بالطبع)، لم يتحقق ذلك الأمر، ولكنى أعتقد أن ميولهم كانت أقرب إلى أفكار حزب البعث.

* كيف استفدت من ذلك الأمر في حياتك المهنية؟

- أعتقد أن أي شخص يمكن أن يتواصل مع الآخرين بأي لغة في العالم، إذا كانت طبيعة حياته ووظيفته تعتمد على تلك اللغة. وهذا هو السبب وراء صعوبة اللغة العربية؛ حيث إن صعوبتها لا تكمن في نطقها، أو أن بها الكثير من المستويات بدءا من العادية إلى مرحلة التحدث بها وإجادتها، أو في وجود الكثير من اللهجات الأخرى، ولكن تكمن المشكلة في أن الكثير من الأشخاص بالعالم العربي يتلقون تعليمهم باللغة الإنجليزية أو الفرنسية، وذلك في سن مبكرة في كثير من الأحيان، ويفضلون الحديث بتلك اللغات. ولا ينطبق الأمر ذاته على روسيا؛ حيث نجد القليل من الأشخاص يتحدثون الإنجليزية، ويتعين عليك أن تتواصل معهم بلغتهم (اللغة الروسية)، وكذلك الحال بالنسبة لفرنسا، ولذا اعتمدت، في الواقع، كثيرا على اللغة الروسية والفرنسية في مهنتي.

* ما أفضل قصة صحافية قمت بتغطيتها؟

- لقد كنت في بيروت في الفترة ما بين 1982 - 1983 من أجل الغزو الإسرائيلي؛ حيث قال لي رئيس التحرير: «اذهب إلى بيروت لمدة ثلاثة أشهر أو نحو ذلك، لحين انسحاب الإسرائيليين»، فلم يتنبأ المحرر بالأمر بشكل جيد؛ حيث إن الإسرائيليين لم يغادروا بيروت حتى عام 2000. ونظرا لأن غرب بيروت كان محاطا بالإسرائيليين، كان إعداد المادة الصحافية والانتهاء منها يعدان بمثابة مهمة حقيقية، وذلك في ظل انقطاع التيار الكهربي والمياه. وكان مولد الكهرباء لدينا عليه لافتة كبيرة تقول إنه تحت حماية الثورة الفلسطينية، ويجب ألا يقوم أحد بسرقته. وبهذا الشكل واصلنا عملنا.

وفي ذلك الحين، كان ينظر إلى الصحافة الدولية بمزيد من الاحترام. وأتذكر أنه في أحد الأيام صباحا، وأنا في طريقي إلى العمل وأقود سيارتي (فيات ريتمو)، أوقفني خمسة رجال معهم آر بي جي (قذائف صاروخية)، وكانوا يريدون مني أن أقوم بتوصيلهم إلى الخط الأمامي، حيث يتقدم الإسرائيليون. وبينما كنت أقوم بتوصيلهم، كانوا يناقشون مسألة الاستيلاء على السيارة لاستخدامها في الدفاع عن المدينة، ولكنهم اتفقوا على ألا يستولوا عليها ويتركوها لي، لأنهم يدركون أهمية الصحافة بالنسبة لقضيتهم. هذه الأيام، من الممكن أن أتعرض للاختطاف مقابل الحصول على فدية في الحال.

* هل تعمل الآن على تأليف كتاب؟ - أكتب حاليا كتابا يدور موضوعه حول روسيا، ولكنه ليس سياسيا وإنما يتحدث عن حالة نظام الأيتام في روسيا. ويسألني الناس عن السبب وراء عدم تأليفي كتابا عن منطقة الشرق الأوسط. فبموجب وظيفتي كمحرر، أتلقى الكثير من الكتب الجديدة التي تدور حول المنطقة، ولكن يبدو أن هذه الكتب في معظمها يكون قد عفى عليها الزمن بحلول الوقت الذي تطرق فيه باب المكتبات، ولا تحقق مبيعات جيدة.

إذا كنت تريد تأليف كتاب ناجح حول منطقة الشرق الأوسط، عليك أن تدرس مثال توماس فريدمان (الذي كان يشاركنا مكتب «رويترز» ببيروت في عام 1982)؛ حيث إن كتابه المعنون «من بيروت إلى القدس»، ما زال تجري طباعته منذ عام 1989، ويجري إجراء تحديثات له بشكل منتظم، وما زال يباع في الأسواق. فبوضوح، القصة الجيدة تعد أكثر أهمية من أن تكون مطلعا على آخر المستجدات. وهذا الأمر يكون صعبا على المراسل الصحافي.

* هل قمت بتغطية أي قصة كانت تحتل الصدارة، أخبر القراء العرب عن تجربتك من فضلك؟

- هناك الكثير من المراسلين ممن يقومون بتغطية قضايا الحروب من وقت لآخر، وكنت واحدا منهم. المراسلون الحقيقيون الذين يقومون بتغطية الحروب قلة، والذي يميزهم هو ما لديهم من معرفة وقدرتهم التي تشبه قدرة الجندي؛ ففي معظم الوقت، عليهم توخي الحذر والتحلي بالشجاعة في بعض الأحيان. إنهم يمكنهم تقييم درجة الخطر، والإعداد لخطط احتياطية، ويمكنهم ذلك، في الغالب، من البقاء على قيد الحياة. وكمثال على ذلك، يمكن الإشارة إلى أنتوني لويد، التابع لصحيفة «التايمز»، الذي كان قد أوشك على الموت مرتين في سوريا، وكذلك ديدييه فرنسوا، مراسل الإذاعة الفرنسي، الذي جرى إطلاق سراحه أخيرا من الأسر في سوريا، والذي لعب دورا بارزا في تغطية حروب الشيشان بروسيا. فالناس، أمثال ديدييه، يقومون بتوجيه الجهلاء الذين لا يعرفون الفرق بين الدبابة ومركبة مدرعة ناقلة للأفراد. يمكنني القيام بذلك، ولكنني لم أكن على الإطلاق عضوا في رابطة المراسلين المختصين بتغطية الحروب، التي تتضمن أيضا بعض الزميلات، أمثال الراحلة ماري كولفين. ونصيحة واحدة: لا تستمر وقتا طويلا مع طواقم التلفزيون، حتى وإن كانوا سيوفرون لك أفضل وسائل النقل؛ حيث إنهم يقضون وقتا طويلا في مكان واحد، ويجذبون اهتماما أكثر مما ينبغي.

* لقد قمت بتغطية الأخبار في كثير من الصراعات والبلدان المختلفة، وبالطبع، شاهدت الكثير من الأمور المثيرة للقلق. فهل ما زالت تواجه مثل تلك الأمور أو هل تتجاهل هذه الأمور عندما تنتهي مهمتك؟

- أحلم دائما بأنني عدت مرة أخرى إلى بيروت في عام 1983، وأنا أجري باتجاه سحابة من الدخان على الواجهة البحرية، وقد دمرت السفارة الأميركية جراء انفجار شاحنة ملغومة. كانت هذه نقطة تحول حاسمة في التاريخ، مع تنامي دور الجماعات الشيعية المستوحاة من إيران في منطقة الشرق الأوسط. لم يكن لدي المزيد من الوقت للتفكير في التاريخ. إنني بحاجة إلى هاتف، وكان هذا قبل سنوات من اختراع الهاتف الجوال، فكنت أجري في جميع الشوارع الجانبية للتواصل مع مكتبنا، وإيفادهم بالأخبار. كنت أذهب إلى المحلات التجارية، ولكن لم تكن هناك إشارة صوتية، وبينما كنت أعود مرة أخرى وأسير جريا في الشارع، وأستفسر عن الطريق، رأيت تيري أندرسون، مراسل وكالة «أسوشييتد برس» المنافس لي - الذي احتجز كرهينة لأكثر من خمس سنوات في بيروت - خلال المهمة ذاتها. وفي ذلك الوقت، نظر بعضنا إلى بعض، وسرنا مسرعين كل منا في طريقه. وأخيرا، عثرت على هاتف في مكتب تأجير سيارات، وقمت بإفادة مكتبنا ببعض المعلومات، ثم ذهبت إلى المستشفى الأميركية لتحديد عدد الإصابات، حيث كان هذا الأمر جزءا من المعلومات التي يتعين الحصول عليها. لم تكن هذه بمثابة المهمة الصعبة البشعة الراسخة في ذاكرتي، ولكن كانت مثل هذه المنافسة بين مراسلين تابعين لوكالتين للأنباء بمثابة أمر مضحك في وقت الكارثة. فهذا الأمر يبدو أكثر تفاهة في ضوء ما حدث لـتيري في وقت لاحق.

* هل لديك أي نصيحة يمكن أن تقدمها للصحافيين العرب على وجه الخصوص؟

- لا أستطيع تقديم نصيحة للصحافيين العرب؛ حيث إن كل دولة لديها الثقافة الإعلامية الخاصة بها، فالثقافة الإعلامية لبريطانيا تعد صارمة للغاية، كما هو الحال بالنسبة للخصومة القائمة بين المجالات السياسية والقضاء لدينا، وهذا الأمر لا نجده في جميع الثقافات الأخرى في مراحل تطورها كافة.

* ما اللحظة التي كنت على يقين فيها بأنك اخترت المهنة الصحيحة؟

- لم يكن بذهني إجابة حاضرة عن هذا السؤال. فكل مادة صحافية أعمل عليها، أنظر إليها في البداية بصفتها عملا كاملا خاليا من العيوب، ولكن عندما تجري طباعتها، تبدو لي كأنها فقدت كل بريقها.

* ماذا كانت أول قصة قمت بتغطيتها؟ ومتى جرى بثها أو نشرها؟

- كانت مقالة في مجلة تدور حول الأسلحة النووية الإسرائيلية. وظلت بعض الأمور على حالها.

* كم عدد الساعات التي تقضيها في العمل في الأسبوع الواحد؟

- أعمل أربعة أيام في الأسبوع الواحد في مؤسسة «تشاتام هاوس»، مسؤول تحرير لمجلتهم (مجلة العالم اليوم)، وفي يوم آخر أكتب من أجل صحيفة «ذا ناشونال»، التي يقع مقرها في أبوظبي. وردا على سؤالك، لقد اعتاد والدي القول: «أنت من يستطيع تحديد أولوياتك»، لذا إن لم يكن لدي ما يكفي من الوقت، فهذه غلطتي.

* ما رأيك في النقاش حول الإعلام المطبوع والإلكتروني؟ هل تعتقد أن الأنماط الجديدة من الإعلام ستضع نهاية لأشكاله القديمة؟

- مما لا شك فيه، بددت الثورة الرقمية من نموذج الصحف، بصفتها عملا تجاريا. فهذه الصحف إما أن يكون لديها مصدر غير تجاري للدخل، مثل شركة سكوت تراست، التي تدعم صحيفة «الغارديان»، وإما أنهم يقعون في قبضة جهابذة الرقمية، الذين يدعون أنهم يملكون سر جلب المال من الإنترنت، الذي أصبح يمكنه التحكم في مصير عناوين صحيفة «التلغراف». كما أن صحيفة «الإندبندنت» تقوم بعمل كبير فيما يتعلق بإنتاج صحيفة دون وجود موارد، ولكن إلى متى سيستمر هذا الوضع؟

ولذا، لن أندهش عند رؤية الصحف اليومية مدفوعة الثمن لم تصدر من يوم الاثنين إلى الجمعة، ولكنها ستستمر في الصدور في عطلة نهاية الأسبوع. إن الصحف تكافح من أجل تغطية تكاليفها من خلال الإيرادات التي يمكن أن تحصل عليها عبر الإنترنت، وكذلك تكاليف النسخ المطبوعة، نظرا لما تحتاج إليه من نفقات ثابتة كثيرة، مثل تلك النفقات التي تحتاج إليها دار الطباعة وكذلك شبكات التوزيع.

وبالنسبة للمحتوى، فإن المدونة في العمل الصحافي تعد أمرا جذابا، ولكن تكمن صعوبته في أنه يتعين على المدون أن تكون له سمة مميزة وسط سوق مزدحمة، بما يمكنك من التعرف على سياستهم، وما هم بصدد قوله. إن جوهر عمل الصحف يكمن في العمل على إثارة الدهشة لدى القراء. ويجب أن تقدم لك الصحيفة شيئا لم تكن تتوقع وجوده على الإنترنت.

* ما المدونة أو الموقع الإخباري المفضل لديك؟

- يعد موقع «تويتر» هو الوكالة الإخبارية المفضلة لدي.

* ما النصيحة التي يمكنك تقديمها للصحافيين من الشباب الذين يوشكون على البدء في العمل الصحافي؟

- بالنسبة للبريطانيين الذين يريدون العمل في الصحف، أقول لهم: لا تفعل ذلك. لقد ولت أفضل السنوات. إذا كنت تريد بالفعل العمل في الصحافة، عليك أن تسأل نفسك ما إذا كنت تريد العمل بصحيفة «ديلي ميل».

وأعني بذلك السؤال، هل توافق على التنازلات اللازمة لإنتاج عمل ناجح تجاريا؟ إذا كان بمقدورك القيام بذلك، فعلى الأرجح أنك ستواصل الحياة تحت أنقاض تجارة الحبر.

* ما الصفات التي تعتقد أنها يجب أن تتوافر في الصحافي الناجح؟

- أن يتمتع بعقلية فضولية، ويكون لديه فضول الصبي الصغير. فهذه هي السمة الفريدة لـجون سنو، المذيع في قناة «4 نيوز» البريطانية. فلم يسبق له أن شعر بالملل، أيا كانت الشخصية التي يجري حوارا معها، بدءا من الملك إلى عامل النظافة في الشارع، فهو يعتقد أن لديهم شيئا ذا أهمية يمكنهم قوله، وهو يصر على التوصل لذلك الشيء.