رايزن الصحافي المرموق الفائز بجائزة «بوليتزر».. هل سيدخل السجن؟

بسبب كتابه «حالة حرب».. وتفاصيل عملية فاشلة قامت بها «سي آي إيه» في إيران

الصحافي جيمس رايزن (نيويورك تايمز)
TT

بدأت مشكلة جيمس رايزن، الصحافي المرموق، الذي فاز بجائزة «بوليتزر» للصحافة مع صحيفة «نيويورك تايمز»، يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) عام 2005، عندما تلقى جون ريزو، محام في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، اتصالا هاتفيا عاجلا، ومهما، من البيت الأبيض عن فصل في كتاب رايزن «ستيت أوف وور» (حالة حرب)، عن تفاصيل عملية فاشلة قامت بها «سي آي إيه» في إيران. طلب البيت الأبيض من ريزو الاتصال بسامر ريدستون، رئيس شركة «فايكوم» العملاقة، والتي تملك دار نشر «سايمون آند شوستر»، وأن يطلب منه عدم توزيع الكتاب.

لكن، لم يفعل ريزو ما طلب منه البيت الأبيض، وذلك لأن الكتاب كان قد نزل إلى الأسواق بالفعل.

في وقت لاحق، حسب تعليمات من الرئيس جورج بوش الابن، استطاع مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي) معرفة الشخص الذي سرب المعلومات إلى رايزن. ورفع محامو وزارة العدل الموضوع إلى المحكمة. وأرسلوا خطابا إلى رايزن ليمثل أمام المحكمة، ويقدم شهادته، حيث سيحاكم الشخص المسرب بتهمة تهديد أمن الولايات المتحدة. لكن، وبتنسيق مع محامي صحيفة «نيويورك تايمز»، رفض رايزن. بل، رفع قضية ضد وزارة العدل لأنها تريد إجباره على الإدلاء بشهادته.

الآن، بعد أكثر من ست سنوات من المشاحنات القانونية، في أكبر، وأخطر، مواجهة بين الحكومة والصحافة في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، وصلت المواجهة إلى قمتها. يظل رايزن يرفض الإدلاء بشهادته، رغم أن المحكمة العليا (التي تفسر الدستور) رفضت التدخل في الموضوع، مما يعني أن وزارة العدل ستجبر رايزن على الإدلاء بشهادته. بينما قال رايزن إنه مستعد لأن يذهب إلى السجن.

ويوجد الآن خياران أمام وزارة العدل:

الأول: الحرص على الأمن الوطني، ومحاكمة كل من يسرب معلومات تهدده.

الثاني: طمأنة الصحافيين ومنظمات حقوق الإنسان بأنها حريصة على حرية الصحافة.

في كل الحالات، سيكون القرار تاريخيا. وذلك لأنه لم تصل إلى المحكمة العليا قضية صحافي.. حتى طلب رايزن من المحكمة الإجابة عن السؤال الآتي «هل يتمتع الصحافي بالتعديل الأول في الدستور (الذي يضمن حرية الصحافة) عندما تستدعيه محكمة جنائية لكشف هوية مصدر خاص لخبر معين؟». لكن، خسر رايزن استئنافات في محاكم، وكسب استئنافات. آخر خسارة كانت أمام محكمة الاستئناف العليا. ومنها انتقلت القضية إلى المحكمة العليا.

وسارعت كليات الصحافة، وخبراء حرية الرأي، ومنظمات حقوق الإنسان، وأيدت رايزن. ورفعت خطابات تأييد إلى هذه المحاكم، منها جمعية «جون بولك» (جمعية صحافية تقدم جوائز سنوية لأحسن الأعمال الصحافية)، التي عقدت مؤتمرا عن الموضوع، تحت عنوان «مصادر وأسرار». ومن بين الذين تحدثوا رايزن نفسه. ومما قال «أود أن أعلن هنا أن إدارة الرئيس باراك أوباما هي أكبر عدو لحرية الصحافة خلال جيل كامل، على الأقل». غير أنه انتقد، أيضا، الصحافيين، وقال إنهم «خنوعون» (مثل الخراف، يتراجعون وهم صامتون).

لكن، منذ البداية، ظهرت مشكلة قانونية، وهي أنه لا يوجد قانون يحمي الصحافي من كشف مصدره في قضية جنائية. هذا «تقليد» صحافي. ورايزن، نفسه، فرق بين القوانين والتقاليد. وقال «يوجد قبول عام عند نشر خبر عن الأمن الوطني» ألا ينشر الصحافي مصدر الخبر. لكن، لم يجب رايزن عن سؤالين عن هذا «التقليد»:

أولا: ماذا لو لم تقبله الحكومة؟

ثانيا: ما هو رأي القضاء فيه؟

لهذا، وصل الموضوع إلى المحكمة العليا.

وصارت للموضوع تعقيدات لها صلة بنظام الحكم الأميركي نفسه: تحدي صحافي (السلطة الرابعة) الحكومة (السلطة الثانية). وأيده قادة في الكونغرس منهم السيناتور جاك شومر (السلطة الأولى). ولجأ الصحافي إلى القضاء (السلطة الثالثة).

وكان طبيعيا أن يتحالف الصحافيون. لكن، ليس لهم جهاز إداري، أو قانوني. كما أنه، في عصر الإنترنت، صارت حتى كلمة «صحافي» مثار جدل. وعمليا، صار كل من يكتب في «فيسبوك» أو «تويتر» صحافيا، أو كاتبا، ينقل الأخبار، أو يعلق عليها.

حتى إذا قيل إن الصحافي يجب أن يكون خريج كلية صحافة، فإنه ليس مثل خريج كلية طب. وينعكس ذلك على الفرق بين اتحاد الصحافيين واتحاد الأطباء:

أولا: الأطباء يجمعهم اتحاد الأطباء الأميركيين (إيه إم إيه).

ثانيا: لا يدخل الاتحاد إلا طبيب نال رخصة من الحكومة ليكون طبيبا.

ثالثا: لا يمارس الطبيب عمله إلا أيضا برخصة من الحكومة.

رابعا: صار الاتحاد واحدا من أقوى اللوبيات في الكونغرس.

لهذا، في خطاب، العام الماضي، أمام حفل تخريج طلاب كلية الصحافة في جامعة كاليفورنيا (في بيركلي)، خاطب رايزن الصحافيين، الجدد والقدامى، وقال «أمامكم خياران: هل ستحاربون في سبيل حرية الصحافة.. أم ستستسلمون؟».

وفي مؤتمر جمعية «جورج بولك»، قال جيفري توبين، زميل رايزن في صحيفة «نيويورك تايمز»، ومعلق في تلفزيون «سي إن إن»: «أود أن أنقل لكم خبرا حزينا. لا يوجد في الدستور الأميركي ما يحمي الصحافي من كشف مصدر أخباره».

ووجدت وزارة العدل نفسها بين خيارين: أن تحمي حرية الصحافي، أو تحمي الأمن الأميركي. وفي الوقت نفسه الذي تريد فيه محاكمة كل من يسرب سرا يهدد الأمن الأميركي، وافقت على تبني مشروع قانون «بريس شيلد» (درع الصحافة). وهو مشروع القانون الذي يقود حملة إجازته السيناتور جاك شومر.

وكتب أندرو بيوجون، خبير في مركز «بوينتر» الصحافي في سانت بيترسبيرغ (ولاية فلوريدا) «لسنوات كثيرة، تعودنا على حماية مصادر أخبارنا. لكن، هل سيوفر قانون من الكونغرس هذه الحماية؟ وهل سيؤكد القضاء أن قانون الحماية جزء من حرية الرأي يحميه الدستور؟».

وإذا كان الرئيس السابق بوش الابن اغضب الصحافيين أولا لأنه تشدد في موضوع كتاب رايزن، فقد أغضبهم أيضا الرئيس باراك أوباما الذي تشدد أكثر في منع تسريب أسرار حكومية. وليس سرا أن علاقة أوباما مع الصحافيين متوترة، بصورة عامة. منذ أن كان سيناتورا. ينتقدونه بأنه من النوع الذي يحرص على كتم الأسرار. وقال بعضهم إنه حتى في حياته الخاصة يفعل ذلك. وأشاروا إلى ميله نحو حماية زوجته وبناته، وعدم مشاركته في الحياة الاجتماعية لكبار المسؤولين في واشنطن. وقالوا إن هذا انعكس على حرصه على عدم كشف أسرار الحكومة. وهناك، أيضا، تفاصيل الحرب السرية التي تشنها طائرات «درون» (من دون طيار) في باكستان، وأفغانستان، والصومال، واليمن، باسم «الحرب ضد الإرهاب»، يحرص أوباما على عدم تسريب تفاصيل عملياتها. وهناك، أيضا، وزير العدل إريك هولدر، الذي هو الآخر لا يرتاح الصحافيون له، ولا يرتاح هو للصحافيين، وربما لا غرابة، فهو صديق حميم لأوباما، وأسود مثله (ليست العنصرية عاملا هنا، لكن يوجد انطباع عام بأن السود يحسون بأنهم لا يجدون معاملة محترمة من الصحف، والتلفزيونات، والأفلام). يقود هولدر حملة مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي) ضد أي موظف في أي وزارة وإدارة حكومية يسرب أسرارا «ضارة» إلى صحافيين. ومرة قال «ليس الصحافيون ممثلين للشعب الأميركي».

ومن المفارقات أن هناك سيناتورات جمهوريين في الكونغرس يعطفون على «درع الصحافة»، نكاية في أوباما. وقال واحد منهم إن أوباما يؤيد كشف الأسرار التي تحسن سمعته، ويعارض كشف الأسرار التي تؤذي سمعته. الآن، بينما يواجه أوباما وهولدر معضلة التوفيق بين حرية الصحافة والأمن الوطني، يتوقع الاستمرار في القضية ضد الشخص الذي سرب الأسرار إلى رايزن: جيفري سترلينغ، الذي كان تقاعد من «سي آي إيه» عندما سرب خبر إيران. كانت القضية تأجلت بسبب قضية رايزن.

ستستأنف القضية، وسيرفض رايزن الحديث. هل سيدخل السجن؟