كارني: صحافيو البيت الأبيض.. و«ضحالة التفكير»

ليس أول متحدث باسم البيت الأبيض ينفي أنه استقال ليلتحق بوظيفة راتبها أعلى

جاي كارني المتحدث السابق باسم البيت الأبيض («نيويورك تايمز»)
TT

في مقابلة، في الأسبوع الماضي، مع مجلة «نيويورك تايمز»، شن جاي كارني، المتحدث السابق باسم البيت الأبيض، هجوما شديدا على الصحافيين الذين يغطون البيت الأبيض، والذين تعامل معهم خلال أربع سنوات. وكان كارني استقال في الشهر الماضي. وخلفه مساعده جوش أرنست.

ليس كارني أول متحدث باسم البيت الأبيض (أو الخارجية، أو البنتاغون) يهاجم الصحافيين الذين يغطونه، بعد أن يترك وظيفته. وليس أول متحدث يتحاشى هذا الهجوم وهو يشغل هذه الوظيفة. وليس أول متحدث يهاجم الصحافيين بالحديث إلى صحافي. وليس أول متحدث ينفى أنه استقال ليلتحق بوظيفة راتبها أعلى من راتبه متحدثا.

ومن المفارقات أن كارني تحدث إلى صحافي ليهاجم صحافيين. ولم يكتف بنشر آرائه في «تويتر»» أو «فيسبوك». لا بد أنه يعرف أهمية الصحافيين.

كانت هذه ملاحظات عدد من الصحافيين بعد أن قرأوا مقابلة كارني. وتأدبا، تحاشى كثير منهم نشر أسمائهم الكاملة. وتأدبا، لم يهاجموا كارني مثلما هاجم هو. وتأدبا، اكتفوا بهذه «الملاحظات».

في المقابلة الصحافية، مثلما على منصته في غرفة المؤتمرات الصحافية في البيت الأبيض، تحاشي كارني الإجابة عن الأسئلة الصعبة (والهامة). مثل سؤال عن إذا كان استقال بسبب قلة راتب البيت الأبيض بالمقارنة مع رواتب مؤسسات إعلامية كبيرة. أجاب، بصورة روتينية. «لم أصل إلى قرار حول هذا الموضوع..» كان كارني صحافيا في مجلة «تايم» قبل أن يصبح نائبا للمتحدث باسم البيت الأبيض، ثم متحدثا. وكان، في ذلك الوقت، غطى البيت الأبيض لثلاث سنوات. هل هناك فرق بين تغطيته وتغطيات الصحافيين الذين انتقدهم؟ أجاب: «أنا فخور بكثير من عملي ذلك. لكن، إذا كنت عرفت في ذلك الوقت ما أعرف الآن، كنت قللت مطاردة نفس الكرة (نفس الأجوبة) مثل بقية الصحافيين».

لم يقل كارني إن صحافيي البيت الأبيض مصابون بمرض «التفكير الضحل». لو كان قال ذلك، كان شمل نفسه. لكنه قال: «يساعد الجو على التفكير الضحل».

عندما قال كارني إنه فخور «بكثير من عملي» عندما كان صحافيا يغطي البيت الأبيض، قد تعمد أن يخفي «العواطف الهائجة التي تصل، أحيانا، مرحلة الصياح والبكاء المسرحي». هذا هو وصفه للصحافيين الذين كان يتعاون معهم. قال: «يمكن أن تكون القاعة سريالية وأنا واقف أمام المنصة. تبدأ بالصف الأمامي، وتتبادل أجوبة وأسئلة مع أحد المراسلين الذي يبدو عاطفيا جدا. بل مسرحيا. وتتناقشا من هنا إلى هناك، ومن هناك إلى هنا.، ثم تذهب لمراسل آخر، ويحدث نفس الشيء. كما أن النقاش الأول لم يحدث على الإطلاق». وأضاف كارني، في تهكم: «أسأل نفسي عن قيمة الخدمة التي يقدمها هؤلاء الصحافيون إلى الشعب الأميركي».

نسى كارني «الموظف» كارني «الصحافي». عادة، يكرر الصحافي أسئلة زملائه لشخص ما، بحثا عن إجابة مختلفة. خاصة بسبب تهرب الشخص من الإجابة في المرة الأولى. يوجد شبه إجماع على أن الرئيس باراك أوباما أكثر رئيس أميركي كتما للأسرار:

أولا: لأنه قفز من وظيفة تشريعية في الكونغرس إلى وظيفة تنفيذية، هي أهم وظيفة في العالم. وهو من دون خبرة فيها.

ثانيا: لأن الجمهوريين، وكثير من الأميركيين، إما ظلوا يراقبونه، ساعة بعد ساعة، للعثور على حفرة يقع فيها. أو وضعوا أمامه حفرة ليقع فيها.

ثالثا: بعد أن أعلن أوباما أنه سينهي التدخلات العسكرية العلنية في الخارج، لجأ إلى التدخلات السرية. مثل عمليات «درون». وانشغل بالمحافظة على سريتها.

رابعا: ليس لسبب عنصري مباشر، أو واضح، ولكن لأن أوباما، مثل ربما كل السياسيين السود، يشك في أن الصحافيين الأميركيين يعاملونه مثلما إذا كان أبيضا.

في المقابلة مع كارني، سئل عن هذه النقطة. وطبعا، دافع عن رئيسه (السابق). وأجاب: «قلتم نفس الشيء عن الرئيس كلينتون والرئيس بوش الابن. ويحتمل أن تقوله عن الذي سيدخل البيت الأبيض بعد الانتخابات القادمة».

وقال إن المشكلة هي «أمن الوطن». وحكى ان لين داوني، رئيس تحرير سابق لصحيفة «واشنطن بوست»، جاء إلى مكتبه، قبل سنوات، ليعرف رأي البيت الأبيض في تقرير ستنشره الصحيفة عن عمليات سرية لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). وانتقد داوني تشدد البيت الأبيض في عدم نشر أخبار يرى داوني أنها تهم الشعب الأميركي. لكن، أشار كارني إلى عدد «واشنطن بوست» أمامهما. وفيه، كما قال كارني: «خبر مسرب من البيت الأبيض عن الأمن الوطني».

وهكذا، صار الصحافي السابق ابن بيئته. تأثر بجو البيت الأبيض الذي يعمل فيه. أو، في الحقيقة، كان لا بد أن يدافع عن البيت الأبيض (وعن السرية التي تشغل بال أوباما). هل كان كارني يقدر على أن يقول، مثلا: «كثير من الذين في البيت الأبيض مصابون بمرض ضحالة التفكير»؟

لا بأس. قالها عن صحافيين. وتقبلوها بروح النزاهة الصحافية.