عام على «الجزيرة أميركا».. تقييمات منخفضة ومشاهدون قليلون

ركزت على حرب غزة مع محاولة أن تكون «حيادية»

متابعة قليلة من الاميركيين للجزيرة الاميركية في عامها الاول
TT

رب ضارتين نافعتان. هذا الأسبوع، يمر عام على تأسيس تلفزيون «الجزيرة أميركا». وبينما يبدو أنها لم تنجح، خاصة في كسب عدد كبير من المشاهدين، استفادت من كارثتين:

أولاهما: الضرب الإسرائيلي لغزة. أقبل عدد أكبر من الأميركيين عليها بسبب تغطيتها المكثفة، ومحاولتها أن تكون محايدة، في تغطية الأحداث.

ثانيتهما: الاشتباكات شبه العنصرية في فيرغسون (ولاية ميسوري)، من ضواحي مدينة سنت لويس، بين متظاهرين زنوج وشرطة أغلبيتها بيض.

استفادت «الجزيرة أميركا» مرتين في تغطية هذه الاشتباكات:

المرة الأولى، كجزء من خطة مسبقة ظلت تسير عليها لعام. وهي التركيز على تفاصيل الأحداث الداخلية الأميركية. بل، أحيانا، تتفوق في ذلك على قنوات تلفزيونية أميركية عريقة. ومع بداية الاشتباكات، سارعت وأرسلت فريقا كاملا لتغطية كاملة ومباشرة.

ينتقد بعض الصحافيين وخبراء الإعلام هذه الاستراتيجية. ويقولون إنها «خدعة» لكسب مزيد من المشاهدين الأميركيين: تفاصيل دقيقة لأحداث داخلية، مع «أجندة» عربية وإسلامية في الأحداث الخارجية.

تغطي «الجزيرة أميركا» مشاكل داخلية (مثلا: المهاجرين اللاتينيين، والمخدرات، والجريمة، والجيل الجديد)، حتى يبدو أنها ليست قناة عربية، بل أميركية أكثر من القنوات الأميركية. ترسل فريقا متكاملا (مثلا: إلى حي لاتيني في لوس أنجليس)، ويقضي الفريق أياما، وينقل أخبارا يومية مباشرة، وأيضا، تقريرا مفصلا لبرنامج أسبوعي.

الآن، تفعل الشيء نفسه مع الاشتباكات في ضاحية سنت لويس (ولاية ميسوري). وهنا، رب ضارة نافعة: أطلقت الشرطة قنابل مسيلة للدموع على فريق «الجزيرة أميركا». وأيضا، رصاصا مطاطيا. وسارعت «الجزيرة أميركا»، وركزت على ذلك، ربما أكثر من تركيزها على الاشتباكات، خاصة أن صحافيين غير صحافييها واجهوا المعاملة القاسية نفسها، بل إن الشرطة اعتقلت مراسل صحيفة «واشنطن بوست»، وأساءت معاملته. وأصدر مارتن بارون، رئيس التحرير التنفيذي، بيانا انتقد فيه الشرطة، وركز على حرية الصحافيين في تغطية الأحداث. أيضا، استغل الصحافي الذي اعتقل اعتقاله، وملأ موقع «تويتر» بتغريداته.

فعلت «الجزيرة أميركا» الشيء نفسه:

أولا: أصدرت كيت أوبراين بيانا قالت فيه: «لا تكاد قناة (الجزيرة أميركا) تصدق هذا الاعتداء البغيض على حرية الصحافة في الولايات المتحدة».

ثانيا: هرع أعضاء الفريق (صحافي، مصور، فني، مخرج) نحو «تويتر»، وملأوه بتغريدات لا نهاية لها.

يوم الخميس، اليوم الرابع للاشتباكات، ولحسن حظ «واشنطن بوست» و«الجزيرة أميركا»، وغيرهما، علق الرئيس باراك أوباما على الاشتباكات، ودعا إلى ضبط النفس، وانتقد اعتداءات الشرطة على الصحافيين. وقال: «يجب ألا تضايق الشرطة الصحافيين الذين يؤدون واجباتهم».

لكن، رب ضارة نافعة لقناة تواجه الفشل.

خلال عام، وبصورة مستمرة، وفي كل استطلاع إعلامي، تسجل «الجزيرة أميركا» تقييمات منخفضة. ووصفت وكالة «أب» هذا بأنه «مذهل».

هذا بالإضافة إلى علامات تقشف ظهرت خلال النصف الثاني من العام. مثلا:

أولا: سرحت صحافيين وموظفين وعمالا.

ثانيا: خفضت نشرات الأخبار التي تنقل أخبارا مباشرة من المراسلين.

لهذا، يبدو المستقبل غير مؤكد، إن لم يكن غير إيجابي.

لكن، حتى بداية «الجزيرة أميركا» كانت في ظروف غير إيجابية.

بعد أعوام غير ناجحة، حاولت خلالها توسيع «الجزيرة الإنجليزية» في الولايات المتحدة، غيرت رئاسة القناة في قطر (حيث تصرف عليها حكومة قطر) استراتيجيتها. واشترت شبكة تلفزيون «كارنت» التي كان يملكها آل غور، نائب الرئيس كلينتون سابقا. ثم أغلقتها. ثم حولتها إلى «الجزيرة أميركا».

استفادت من شهرة تلفزيون «كارنت»، وصارت تشاهد في نحو ستين مليون منزل بالولايات المتحدة. عن طريق الكابل، أو الفضائيات. ويزيد هذا قليلا عن نصف السوق الأميركية.

لكن، حتى الآن هذا العام، بلغ عدد مشاهدي «الجزيرة أميركا» 20 ألف تقريبا. وبسبب أحداث غزة، ارتفع إلى 25 ألف تقريبا. بالمقارنة مع نصف مليون يشاهدون تلفزيون «سي إن إن»، وقرابة مليونين يشاهدون تلفزيون «فوكس».

وقال جون كلاين، مدير سابق لتلفزيون «سي إن إن»: «لا أعتقد أن هناك سوقا كبيرة لهذه القناة». وأضاف: «صار تأسيس قناة كابل في أميركا اليوم فكرة مخيفة. لأن هناك كثيرا من المنافسات في السوق».

وقال كثير من الذين ينتقدون «الجزيرة أميركا» إن اسمها واحد من مشاكلها. واستحضر هؤلاء ذكريات انتقادات إدارة الرئيس السابق بوش الابن لها، بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001.

لكن، في الجانب الآخر، قال ديفيد ماراش، مراسل سابق في تلفزيون «إي بي سي»: «يطابق إرسال (الجزيرة أميركا) ما وعدت به الناس عندما بدأت. هذا تلفزيون جاد. وربما أفضل تلفزيون إخباري في الولايات المتحدة».

ورغم أن عمر «الجزيرة أميركا» عام واحد فقط، فازت بعدة جوائز. منها جوائز «بيبودي» المهمة عن تحقيقات مفصلة ومطولة عن مواضيع مثل: وباء الكوليرا في جزيرة هايتي (بالبحر الكاريبي)، وحريق عملاق في مصنع للنسيج ببنغلاديش، وجهود الحكومة الأميركية لبناء حائط على الحدود مع المكسيك لوقف زحف المهاجرين غير القانونيين، وحياة الجرائم والمخدرات والعائلات المنهارة في أحياء السود.

قبل ثلاثة أسابيع، فازت بجائزة اتحاد الصحافيين السود.

لا بد أن تغطيتها للاشتباكات العنصرية في سنت لويس تزيد مشاهدة السود لها. وصار واضحا أن جزءا من استراتيجيتها هو التركيز على أخبار الأقليات (التي تشتكي من إهمال التلفزيونات الرئيسة لها).

لكن يبدو أن سوء الطالع يصاحب «الجزيرة أميركا». في عيد ميلادها، قدم لها نائب الرئيس السابق غور «هدية»؛ قضية ضدها. وذلك بسبب نزاع بدأ عندما اشترت القناة تلفزيون «كارينت»، الذي كان يملكه غور.

رفع الدعوى، التي أوردتها وكالة الصحافة الفرنسية، أمام محكمة في ويلمنغتون (ولاية ديلاوير) ضد القناة المملوكة للعائلة الحاكمة في قطر. واتهمها بأنها انتهكت بنود عقد الشراء. وأنها «استرجعت من دون حق» 65 مليون دولار كانت مُودَعة ضمانا لإتمام الشراء.

وقال ديفيد بويس، محامي غور: «تريد (الجزيرة أميركا) أن تحصل لنفسها على خصم من قيمة الشراء» الذي جرى الاتفاق عليه منذ عامين تقريبا. وأضاف البيان: «نطلب نحن من المحكمة أن تأمر (الجزيرة أميركا) بوقف سحب أي مبلغ من أموال الضمان، بغير موافقة موكلي. هذه أموال تخص المالكين السابقين لشركة (كارينت)».

وقال إن ما حدث «يُعَدّ انتهاكا فاضحا لعقد الصفقة».

واشتكى المحامي بأن المحكمة، حسب طلب «الجزيرة أميركا»، أمرت بعدم نشر ملف القضية.

كانت الصفقة وقعت في يناير (كانون الثاني) عام 2013. ولم تكشف الأطراف التفاصيل. لكن، قالت مصادر صحافية، إن الصفقة قيمتها 400 مليون دولار.

وأخيرا، قالت وكالة الصحافة الفرنسية إن «الجزيرة أميركا» رفضت التعليق على دعوى غور. وكانت «الشرق الأوسط» طلبت مقابلة مع كبار المسؤولين في «الجزيرة أميركا». لكن، اشترط مسؤول فيها أن تكون المقابلة كتابة. وبعد أربعة أيام من إرسال الأسئلة، لم يصل رد عليها.