وسائل الإعلام الباكستانية تركز بشكل مفرط على القضايا الداخلية

مع استثناءات بوجود خبراء في الشأن الأفغاني وحركة طالبان

الإعلام الباكستاني ركز في تغطيته على مظاهرات رجل الدين طاهر القادري ضد حكومة نواز شريف (أ.ف.ب) - رجل الدين طاهر القادري القادم من كندا يقود مظاهرة في العاصمة إسلام آباد (أ.ب)
TT

لا يتذكر الكثير من الصحافيين الباكستانيين البارزين على الإطلاق أن طلب منهم رئيس التحرير يوما ما تغطية موضوعات دولية، ويرجع ذلك بالأساس إلى أن أنهم يركزون دائما على تغطية الموضوعات المحلية. ووفقا لما ذكره سهيل عبد الناصر، الصحافي والمعلق البارز، لـ«الشرق الأوسط»: «لا أتذكر على الإطلاق أن طلب مني رئيس التحرير يوما ما كتابة أو تغطية شأن دولي»، لكنه يذكر أنه أثناء مسيرته المهنية - التي تزيد على 25 عاما - كان يركز على تقديم تقارير تخص القضايا المحلية.

ولم يكن عبد الناصر هو الوحيد الذي لم يستطع الاستشهاد بمثال واحد يشير إلى قيامه بتغطية شأن دولي على مدى الأعوام الـ25 الماضية، حيث أوضح صحافي بارز آخر يُدعى آصف فاروق، لـ«الشرق الأوسط»، أنه قام بتغطية موضوعات دولية عندما كان ضمن فريق تحرير صحيفة أجنبية. عادة لا يكتب الصحافيون الباكستانيون عن الموضوعات الدولية، ويركز معظمهم على الأوضاع السياسية المحلية أو تدهور الأوضاع الاقتصادية للبلاد. وبشكل عام، يقوم الصحافيون الباكستانيون بالكتابة عن قضايا دولية فقط عند قيامهم بتغطية إحاطات وزارة الخارجية الأسبوعية أو عند التواصل مع الدبلوماسيين الأجانب المقيمين في إسلام آباد. ولن يكون السبب وراء ذلك أن الصحافيين الباكستانيين ليسوا مطلعين على القضايا الدولية، أو أنهم يفتقرون إلى المعرفة بشأن الأحداث الخارجية أو الدولية، بل على العكس تماما يوجد بالمجتمع الصحافي الباكستاني بعض الصحافيين من ذوي الخبرة في مجال السياسات الإقليمية والشؤون الدولية. فعلى سبيل المثال، هناك اثنان من الصحافيين الباكستانيين يعدان من أبرز الخبراء في الشأن الأفغاني وحركة طالبان في العالم، وهما أحمد رشيد من لاهور، والذي أصبح كتابه عن طالبان الكتاب الأكثر رواجا على المستوى الدولي وقت الغزو الأميركي لأفغانستان؛ وكذلك الصحافي الباكستاني رحيم الله يوسفزاي، من بيشاور، والذي يعد من أفضل الخبراء بشأن حركة طالبان الأفغانية والباكستانية. ومن المفارقة أن كلا منهما أصبح خبيرا بشأن حركة طالبان بينما كانا يعملان لحساب وسائل إعلام أجنبية.

ولم تقم وكالات الأنباء الباكستانية قط بإرسال مراسليها إلى دول أخرى. وتعد الوكالة الإخبارية الباكستانية الوحيدة التي اعتادت إرسال مراسليها لدول أخرى هي وكالة «أسوشييتد برس» الباكستانية المملوكة للدولة، وحتى هذه الوكالة لم تعد ترسل الآن مراسليها إلى نيودلهي وبكين. وقال آصف فاروق، الصحافي الباكستاني التي يعمل الآن كمنتج لحساب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) «في الغالب يكون لدى الصحف الباكستانية الرائدة مراسلون في واشنطن يقدمون لهم التقارير الصحافية بشكل منتظم، لكن هؤلاء المراسلين هم مواطنون باكستانيون يعيشون في واشنطن منذ عقود ولم يجر إرسالهم من إسلام آباد».

ولذا كان من الطبيعي أن تجد عادة الصحف الباكستانية فارغة عندما تندلع أحداث مثل تلك المتعلقة بقطاع غزة، وفي هذا الصدد قال سهيل عبد الناصر «كانت الصحف الباكستانية تقدم تقارير عن غزة بمساعدة التقارير التي تحصل عليها من وكالات الأنباء». وأوضح سهيل لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يذهب أي صحافي باكستاني على الإطلاق إلى نيودلهي لتغطية الانتخابات البرلمانية في دولة الهند المجاورة، قائلا «تقدم الصحف الهندية بشكل منتظم تقارير بشأن التطورات السياسية في باكستان، ولكن لم يقم أي من الصحافيين الباكستانيين بتقديم موضوعات عن السياسات الهندية».

وعادة ما تتطرق وسائل الإعلام الباكستانية إلى الهند عندما تكون هناك توترات عسكرية بين باكستان والهند، أو عند إجراء محادثات ثنائية بين الدبلوماسيين من البلدين.

وفي السياق ذاته، يقول صحافي باكستاني آخر يُدعى حيدر إعجاز «بخلاف ذلك، لا تولي وسائل الإعلام الباكستانية اهتماما لما يجري في الهند من تطورات سياسية أو اقتصادية». ويكمن السبب وراء ذلك أن وسائل الإعلام الباكستانية ركزت بشكل مفرط على الوضع السياسي الداخلي في البلاد، نظرا لتفضيل القارئ الباكستاني قراءة المزيد والمزيد عن الوضع السياسي الداخلي. وقال سهيل عبد الناصر «القارئ الباكستاني يهتم فقط بالسياسة الداخلية، وربما يهتم إلى حد ما بما يحدث في كشمير التي تسيطر عليها الهند أو التطورات التي تشهدها أفغانستان، ولا يتعدى اهتمام القارئ تلك الأمور».

ويعود السبب الثاني - والأكثر ملاءمة - لذلك إلى نقص المصادر المعلوماتية، ومن الصعب أن تنفق وكالات الأنباء الباكستانية أموالا تخص هذا الشأن، وفي هذا السياق قال سهيل عبد الناصر «إرسال مراسلين إلى الخارج يحتاج إلى تكاليف كبيرة».

وعلى النقيض تماما من ذلك، دائما ما يوجد ما لا يقل عن صحافيين هنديين في إسلام آباد، بحيث يقوم أحدهما بإعداد تقارير للصحيفة الهندية «ذا هندو»، بينما يُعد الآخر تقارير لوكالة «برس تراست أوف إنديا»، هذا بالإضافة إلى عدد من الصحافيين الباكستانيين الذين يقدمون التقارير بشكل منتظم إلى الصحف الهندية. وهناك عدد من الدبلوماسيين والأكاديميين السابقين الذين يكتبون بانتظام عن القضايا الدولية لنشر مقالاتهم في صفحات الرأي بالصحف الباكستانية، ويقول سهيل عبد الناصر في هذا الشأن «لكنهم يفتقرون للكثير من الخبرة، ويكتبون مقالاتهم مستندين إلى مصادر ثانوية».