هل الصحافيون أبرياء؟

تقرير الكونغرس عن تعذيب «سي آي إيه» للمتهمين بالإرهاب

جون برينان المدير العام لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية «سي آي إيه» أثناء مؤتمر صحافي في واشنطن (أ.ب)
TT

حسب التقرير الذي أصدرته، في الأسبوع الماضي، لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ عن تعذيب وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) للمتهمين بالإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، سرب مسؤولون في الوكالة، بشكل غير قانوني، معلومات سرية إلى صحافيين أميركيين، لتأكيد نجاح الوكالة فيما كانت تقوم به.

وخصوصا عن برنامج «انهانسد انتيروغيشن» (استجواب متطور)، الذي وصفه تقرير الكونغرس بأنه كان «تورشار» (تعذيب). وفي الأسبوع الماضي، بعد صدور التقرير، استعمل الرئيس أوباما نفس الكلمة. وقال إن «التعذيب شيء غير أميركي». لكنه، ولجنة الكونغرس، قدم اعتذارا. أو دعا إلى تحقيق. أو محاكمة المسؤولين (طالبت بذلك لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة).

وبعد أن كانت الاتهامات تتبادل، منذ قبل صدور التقرير، بل منذ بداية عمليات «سي آي إيه»، بين سياسيين مؤيدين ومعارضين للعمليات، بعد صدور التقرير بدأت الاتهامات تتبادل بين الصحافيين في جانب، والسياسيين في الجانب الآخر، وفي الوسط، جواسيس سابقون في «سي آي إيه».

من بين أمثلة استغلال «سي آي إيه» للصحافيين الأميركيين أن مدير قسم العلاقات العامة في «سي آي إيه» اتصل مع رونالد كيسلار، مؤلف كتب، وكان مدير التحرير في صحيفة «واشنطن بوست». وطلب منه تغيير أجزاء في مسودة كتاب كان يكتبه، هو «حرب سي آي إيه» (صدر الكتاب عام 2008). وأن كيسلار أجرى «تغييرات جوهرية» في مسودة الكتاب. منها الآتي: «تقدر سي آي إيه» على أن تشير إلى سلسلة من النجاحات، وعشرات من المؤامرات التي أفسدت بسبب تكنولوجيا الاستجواب القسري.

وبعد يوم من صدور التقرير، سارع كيسلار، واتصل مع عدد من زملائه السابقين في صحيفة «واشنطن بوست» ليدافع عن نفسه. من بين الذين تحدث معهم بول فارهي، مسؤول الإعلام في الصحيفة. وقال له، في غضب: «فقدت لجنة الكونغرس مصداقيتها لأنها لم تقدم كل التفاصيل، ولأنها نشرت معلومات، وأخفت معلومات أخرى». وبرأ نفسه من الآتي:

أولا: خضع لتعليمات «سي آي إيه».

ثانيا: استغلته «سي آي إيه».

ثالث: أسهم في أكاذيب «سي آي إيه».

وهناك صحافي آخر، هو دوغلاس جيهيل، صحافي مع صحيفة «نيويورك تايمز». وقال عنه تقرير الكونغرس إن «مسؤولين من (سي آي إيه) اتصلوا معه، عام 2005، عندما كان يكتب تقريرا لصحيفته عن بلاك هولز (الحفر السوداء)». تشير هذه إلى سجون في دول عربية، وآسيوية، وأوروبية، أرسلت إليها «سي آي إيه» معتقلين بتهم الإرهاب، بهدف استجوابهم استجوابات قسرية.

وقال التقرير إن «الصحافي تعاون مع (سي آي إيه) وقدم لها معلومات مفصلة». وقال إنه سيكتب في تقريره إن أساليب الاستجواب القسرية كانت «مفيدة» لأنها وفرت معلومات كثيرة عن الإرهاب والإرهابيين.

قبل 4 سنوات، انتقل جيهي من «نيويورك تايمز» إلى «واشنطن بوست»، وهو الآن مدير القسم الخارجي فيها. وسارع، وأصدر بيانا صحافيا قال فيه: «عندما كنت مراسلا لشؤون الأمن الوطني في صحيفة (نيويورك تايمز)، وفي عام 2005، عملت بقوة لمتابعة ونشر قصص عن الاستجوابات القاسية التي كانت تمارسها (سي آي إيه) مع المتهمين بالإرهاب. أنا فخور بالعمل الذي كنت أقوم به مع زملائي في (نيويورك تايمز)».

وأضاف: «لكن، لم تتصل بي لجنة الاستخبارات التي أعدت التقرير. وأيضا، لن أعلق على اتصالات أجريتها مع مصادر إخبارية، كنت وعدتها بالمحافظة على سرية اتصالاتنا».

وتحدث التقرير عن صحافي ثالث لم ينشر اسمه. وقال التقرير إنه، «في عام 2002، اتصل نائب الرئيس ريتشارد تشيني بالصحافي لم ينشر التقرير اسمه. وإن شيني أقنع الصحافي بعدم نشر اسم الدولة التي أرسل إليها أبو زبيدة، من قادة (القاعدة) وذلك لأن النشر ستكون له تداعيات أمنية. وسيجبر البلد المضيف على رفض قبول مزيد من المتهمين بالإرهاب».

بعد نشر تقرير الكونغرس عن «سي آي إيه»، سارع جيمس ريزين، صحافي سابق في صحيفة «نيويورك تايمز»، وقال إنه هو الصحافي الذي اتصل معه نائب الرئيس. وإن الدولة هي تايلاند. واعترف ريزين أن صحيفة «نيويورك تايمز»، نعم، لم تشر لذلك في ذلك الوقت. ولم يقل ريزين شيئين:

أولا: إذا كان ذلك بسبب دور نائب الرئيس. (في وقت لاحق، نشرت الصحيفة اسم البلد، تايلاند، ولكن، بعد أن نقل منها أبو زبيدة).

ثانيا: إذا اتصل نائب الرئيس بشخص آخر في الصحيفة.

وفعلا، أصدر آرثر سولزبيرجر، ناشر الصحيفة، بيانا قال فيه: «كانت هناك مناسبات عندما قررت (تايمز) عدم نشر موضوع معين. وذلك، بعد جمع معلومات مؤكدة، خوفا من أن يؤدي إلى نشر مخاطر في حياة الناس المعنيين، أو غيرهم».

واختتم قائلا: «تظل سياستنا هي دائما نشر الخبر بأسرع فرصة ممكنة. على أن نفعل ذلك في حكمة وتأن».

وفهم من البيان شيئان:

أولا: نائب الرئيس شيني اتصل مع الناشر.

ثانيا: لم يرفض الناشر الطلب.

وسارع دين باغيت، رئيس تحرير الصحيفة في الوقت الحاضر، وقال إنه «لم يكن موجودا» عندما حدث هذا. وقال إن بيان الناشر «يوضح كل شيء».

ثم دخل على الخط جاسوس سابق: «خوسيه رودريغيز. كان مدير قسم مكافحة الإرهاب في (سي آي إيه). وقبل ذلك عمل لسنوات في الشرق الأوسط كجاسوس سري. ودافع عن استجواب المتهمين بالإرهاب استجوابات قاسية وظل يدافع حتى يومنا هذا». وقبل 3 سنوات، أصدر كتاب: «إجراءات متشددة: كيف أنقذت التحقيقات القاسية أرواح الأميركيين».

قال الجاسوس، الذي تقاعد: «كلنا اندفعنا في البداية: سياسيون، وصحافيون، وجواسيس». وأضاف: «وافق على الاستجوابات المتشددة كبار المسؤولين، ونفذها كبار الجواسيس، وكتب عنها كبار الصحافيين».

وأضاف: «إذن برنامج الاستجواب المتشدد من قبل أعلى المستويات في الحكومة الأميركية. وصدر قانون عنه من وزارة العدل».

وقال إنه «إذن لبرنامج الاستجواب المتشدد من قبل أعلى المستويات في الحكومة الأميركية. واطلع قادة لجان الاستخبارات في مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وكل من قادة الحزبين في الكونغرس، على هذا السياسات. وأنه اشترك في كثير من هذه المرات. وأن عدد الاجتماعات كان أكثر من 40 اجتماعا بين عامي 2002 و2009».

وها هم الآن «يتبرأون» منها.

وقال إنه في عام 2002، كتبت السيناتور دايان فينشتاين في صحيفة «نيويورك تايمز»: «كانت هجمات 9 / 11 صحوة حقيقية. من الآن فصاعدا، لن يكون أي شيء عملا معتادا. إن التهديد عميق ويجب علينا، مضطرين، أن نفعل بعض الأشياء التي كنا، تاريخيا، لا نرغب في أن نفعلها» (تقصد تعذيب المعتقلين للحصول على معلومات لمنع هجمات إرهابية جديدة).

وقال الجاسوس السابق: «أصدر السياسيون القانون (المتشدد)، ونفذناه نحن، ولم يعترض الصحافيون».

في الحقيقة، لم تعترض صحف أميركية على تعذيب المعتقلين. ورضخ الصحافيون الذين كتبوا لما جاءهم من الحكومة من «نصائح» و«ملاحظات» وبهذا، لم يختلف الصحافيون عن السياسيين والجواسيس.