«مظاهرة شعرية» في الكونغرس الأميركي تندد بالحرب المحتملة ضد العراق

TT

جاء احدهم من متاهات ولاية واشنطن، حيث يعيش في بيت خشبي شيده بيديه. وجاء الآخر من غابات هاواي المتشابكة الخضراء التي لا يرى من خلالها سوى الاشجار والبحر. تخلى كل منهما مؤقتا عن حياته الهادئة المطمئنة وسعى نحو العاصمة ليسلم بيديه اكثر الاحتجاجات شاعرية على الحرب ضد العراق.

وصل سام هاميل من تاونسيند، بولاية واشنطن، ودبليو ميروين من هاواي، وهما الشاعران الواسعا الصيت المكللان بمجد الشعر، الى عمارة لونغ هاوس، بالكابيتول هيل، صباح اول من امس، ليقدما الى اعضاء الكونغرس مجموعة من 13 الف قصيدة نظمت ضد الحرب. وكانت القصائد نتيجة مباشرة للحملة التي دشنها هاميل لتعبئة الشعراء، الراسخين والواعدين، ليوظفوا شعرهم لمقاومة الحرب ضد العراق. وقد تجمعت هذه القصائد كلها في موقع هاميل على الانترنت بعنوان: wwwpoetsagainsthewar وشملت اشعارا نظمها بعض اكثر الشعراء شهرة في البلاد. ومن هؤلاء ريتا دوف، وادريان ريتش، ولورانس فيرلنغتي، وبيل كولينز الحائز جائزة الشعر الاميركي.

امام جمهرة من حوالي اربعين شخصا، بينهم اعضاء في الكونغرس واعلاميون، تحدث هاميل وميروين، بعد ان التحق بهما تيري تيمبست ويليامز، بعاطفة مشبوبة وبلاغة دافقة، عبروا فيها عن معارضتهم للحرب. لم يضعوا على صدورهم الميداليات، ولم يحملوا الرايات او يطلقوا الشعارات. لكنهم اختاروا بدلا عن ذلك التعبير باللغة التي يفهمونها جيدا.

بلغت المناسبة ذروتها عندما القى ميريل، المميز بشعره الفضي وعينيه الزرقاوتين المبتلتين بدمع لا ينسكب، قصيدة نظمها في ليلة واحدة وهو مستلق على فراشه يصغي الى صوت الريح والى انفاس كلبه العميقة. تساءل ميريل وهو مضطجع في وضعه ذاك:

هذه الضفادع، المرصوصة في مكاتبها، تنكب على وضع اللمسات الاخيرة للمذبحة، من اي جزء من جسدي، انبثقت في لحظة مفزعة؟

كان يوم اول من امس تتويجا لحملة هاميل التي بداها يوم 12 فبراير (شباط) الماضي، وهو نفس اليوم الذي تلقى فيه دعوة من السيدة الاميركية الاولى لورا بوش، لحضور ندوة ادبية بالبيت الابيض عنوانها «الشعر والصوت الاميركي». كانت السيدة الاولى تامل في جمع اشهر شعراء البلاد للحديث عن الشعر على كوب من الشاي. لكن ما لم يطر السيدة الاولى هو ان اصواتهم كانت في الغالب اصواتا غاضبة.

قال هاميل، احد مشاة البحرية السابقين والذي اعتنق البوذية فيما بعد، انه عندما فتح مظروف الدعوة «داهمته نوبة من الاشمئزاز والتقزز». وسارع الى ارسال رسائل الكترونية يطلب فيها من اصدقائه الشعراء نظم قصائد ضد الحرب يحملونها الى البيت الابيض. وعندما سمعت لورا بوش بهذه الخطة ارجات المناسبة الى اجل غير مسمى.

افتتح هاميل موقعا على الانترنت فاض باكثر من 200 قصيدة في عدة ايام. وقد اعلن بعد ذلك ان يوم 12 فبراير سيكون يوما للشعر الرافض للحرب، داعيا الشعراء الى ارسال مساهماتهم الى الموقع الالكتروني لتنظيم قراءات شعرية على مستوى البلاد.

ومنذ ذلك الوقت حمل هاميل حقيبته واخذ يجوب البلاد لحشد طاقات زملائه الشعراء ورفع اصواتهم ضد الحرب. لم يكن ينام اكثر من اربع ساعات وهو ينفذ المهمة التي تحولت الى رسالة.

كان يوم اول من امس هو المحطة الاخيرة والاهم في رحلة هاميل. فصوت الشعر ليس من الاصوات المالوفة في ردهات الكونغرس، ولكن الكثيرين يقولون رغم ذلك ان الاثر الذي تركته صيحة الشعراء كان قويا ومجلجلا.

قالت مارسي كابتور، عضو مجلس النواب، التي استضافت المناسبة مع النائبين الديمقراطيين دينيس كوسينتش نائب ولاية اوهايو، وجيم ماك ديرموت، نائب ولاية واشنطن: «كلمات هؤلاء الشعراء لها من القوة والنفاذ ما يجعلها تؤثر على كثير من اهل واشنطن، اي على السياسيين، لانها تطرح القضايا الجوهرية. انهم يصرخون في آذاننا باصوات الصحوة، ولا نملك الا ان نستمع».

وبعد القاء خطبتيهما امام الكونغرس، سار هاميل، 60 سنة، وميروين، 75 سنة، الى مبنى الكابيتول القريب بينما كان الاعلاميون المصاحبون لهما يجرون اتصالات محمومة لتنظيم الفقرات المتبقية من المناسبة. ولم يكن الشاعران يرغبان في اكثر من وجبة غداء بسيطة وسريعة. وقال هاميل: «اكاد لا اجد الوقت الذي اتناول فيه وجبة كاملة».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»