الولايات المتحدة وفرنسا تقودان لعبة شد الحبل في مجلس الأمن

موسكو تتعهد بالتصدي لمشروع القرار الجديد وباريس تخوض حملة لجذب المترددين

TT

شكل بيان هانس بليكس كبير مفتشي الأمم المتحدة تحديا كبيرا للولايات المتحدة حين سجل، لأول مرة، حصول «تقدم جوهري» في التعاون بين العراق ولجان مفتشي الأمم المتحدة، ليعزز به موقف المعارضين للحرب. وحيث لم يخل التقرير من اشارات الى تعثر العراق في تحقيق تعاون «فوري وشامل»، فقد اعتبر مؤيدو الحرب انه ما زالت لديهم فرصة لمواصلة الضغط، وبالتالي لمتابعة لعبة شد الحبل بين الطرفين.

وقد وجد بليكس نفسه خلال المناقشات التي تلت الجلسة العلنية لمجلس الأمن محاصرا في الزاوية، بين طرفين يريد كل منهما ان يأخذ مضمون التقرير في الاتجاه الذي يعزز به موقفه المسبق. ولم تتمكن واشنطن ولندن، بالرغم من الخطاب الإنشائي الذي أدلى به وزير الخارجية البريطاني جاك سترو، من الطعن في ما ورد في تقريري بليكس، ومحمد البرادعي مدير الوكالة للطاقة الذرية اللذين نسفا صحة المعلومات التي قدمتها أجهزة المخابرات الأميركية والبريطانية عن استعادة البرنامج النووي العراقي.

ولمح سفير الولايات المتحدة لدى الامم المتحدة جون نيغروبونتي من جهته الى ان موعد التصويت على قرار ثان سيحدد خلال هذه المشاورات التي ستبدأ عند الساعة (00،21 ت غ). وقال «طلبنا من البعثات الحصول على تعليمات من عواصمها كي تكون مستعدة لتصويت قد يجري اعتبارا من الثلاثاء». وتابع: «سنعلن جدولا زمنيا اوضح اثناء مشاورات بعد ظهر الاثنين». وبالرغم من اعتراف كولن باول وزير الخارجية بحصول تقدم محدود بشأن نزع السلاح، غير أنه قلل من أهمية تقريري بليكس والبرادعي وحذر من استنفاد اللعبة الدبلوماسية. وذهبت مجادلة باول الى ان أن العراق لا زال ينتج أسلحة دمار شامل.

وسعت بريطانيا إلى دفع مجلس الأمن الى تبني وجهة نظرها القائلة ان العراق لم يتعاون مع نزع السلاح خلال 12 عاما وان الوقت قد استنفد ولم يكن سوى خيار منح إنذار لبغداد حلال فترة قصيرة جدا لا تتجاوز يوم 17 مارس (آذار) الجاري.

واعتبر سترو امس في مقابلة مع هيئة الاذاعة البريطانية بي.بي.سي انه يعتقد ان مشروع القرار الثاني حول العراق المطروح على مجلس الامن الدولي من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا واسبانيا سيتم تبنيه في اخر الامر. وقال «اعتقد انه من خلال عملية المناقشات فان باستطاعتنا الوصول الى قرار ثان».

وعبر سترو ايضا عن الامل بانه لا زال من الممكن تجنب الحرب، ولكن على صدام حسين ان «يتعاون فعليا» مع المفتشين الدوليين التابعين للامم المتحدة. واوضح انها «ليست اللحظة الاخيرة، انها ليست ابدا اللحظة الاخيرة».

في المقابل، قال دومنيك دوفليبان وزير الخارجية الفرنسي «إنه طالما شرع المفتشون في انجاز مهمتهم، لا نرى أي مبرر للعمل العسكري». وجدد التأكيد امس على «ان فرنسا لن تسمح باجازة قرار يخول استخداما آليا للقوة العسكرية».

وفسر مصدر دبلوماسي من البعثة البريطاني الدور الفرنسي المدعوم من قبل روسيا والمانيا وسورية والصين بلعبة شد الحبل. وقال لـ«الشرق الأوسط» «إن اللعبة تبدو بين فرنسا والولايات المتحدة أشبه بلعبة شد الحبل». وأضاف «ان فرنسا تراهن على كسب الأصوات المتأرجحة لجانبها بغية تجنب استخدام حق النقض (الفيتو)». ويرى المصدر أن الولايات المتحدة وبريطانيا إذا حققتا نجاحا في تأمين الأصوات التسعة المطلوبة سوف تجد فرنسا نفسها في موقف محرج، تضطر معه إلى التفاوض لجعلها تمتنع عن التصويت بدلا من استخدام حق النقض. وشكك متحدث باسم البعثة الفرنسية في هذا السيناريو قائلا «إن فرنسا قبلت أن تكون الحرب آخر الخيارات، ولكن واشنطن رفضت بشدة الحل الوسط واختارت بإصرار الحرب».

ووصف ايغور ايفانوف وزير الخارجية الروسي الصيغة المعدلة لمشروع القرار الاميركي ـ البريطاني بانه «انذار غير مبرر».

وقال للصحافيين في مقر الامم المتحدة بنيويورك بعد تقديم مشروع القرار الاميركي ـ البريطاني ـ الاسباني ان «هذا النوع من الانذارات غير مبرر». واضاف «هناك دائما فرصة لحل سياسي (للقضية العراقية) ونعتقد انه سيكون من الخطأ والخطر تجاهل هذه الفرصة»، مضيفا ان «الطريق الاخر سيكون جسيما ليس فقط في ارتفاع الخسائر البشرية ولكن ايضا لما سيترك من انعكاسات دولية خطيرة».

وبدا يوري فيدوتوف نائب وزير الخارجية الروسي امس، اكثر تحديدا عندما قال ان مشروع القرار الاميركي ـ البريطاني المعدل حول العراق «لن يمر» لان روسيا مصممة على استخدام كل الوسائل التي بحوزتها لمنع تبنيه، مشيرا الى ان الفيتو هو «احدى» الوسائل.

ونقلت وكالة ايتار-تاس عن الوزير قوله «لا يمكن لروسيا ان تدعم مثل هذا النص ونقدر ان مشروع القرار لن يمر». واضاف انه «لدى روسيا، وبصفتها عضوا دائما في مجلس الامن الدولي، وسائل عدة لمنع تبني قرار خاطئ، وحق الفيتو هو احدى هذه الوسائل». وأضاف ان «روسيا ستقوم بكل ما لديها من سلطة لمنع تمرير هذا القرار في مجلس الامن. والطريقة التي سيتم فيها ذلك هي مسألة تقنية».

وتعاملت أوساط مجلس الأمن بحذر مع التعديلات التي قدمتها بريطانيا على مشروع قرار تفويض الحرب بالرغم من قول السفير البريطاني جيرمي غرينستوك ان «العنصر الزمني مهم للضغط على العراق بشكل حقيقي، ولكنه لا يعني بالضرورة استخدام القوة العسكرية». وافضت مناقشات مجلس الأمن الى حقيقة، مفادها أن واشنطن ولندن تدفعان إلى التصويت على مشروع القرار يوم الثلاثاء أو الاربعاء القادمين. واستنتج سفير العراق لدى الأمم المتحدة محمد الدوري قائلا «إن احتمالات شن حرب عدوانية على العراق باتت وشيكة بغض النظر عما سيقرره مجلس الأمن، وبالرغم من الموقف الدولي الرسمي والشعبي الذي أبدى معارضة شديدة للعدوان والحرب وطالب بحل سلمي». وتؤكد مصادر دبلوماسية مطلعة ان فرنسا تعتزم القيام بحملة دبلوماسية في الايام المقبلة لدى ثلاث دول افريقية تشغل مقاعد في مجلس الامن الدولي ولكنها لم تتخذ بعد اي موقف نهائي في هذا الشأن. حيث أعلن مساعد الناطق باسم الخارجية برنار فالير ان دو فيلبان يستعد لبدء جولة تشمل انغولا والكاميرون وغينيا في نهاية الاسبوع الحالي او مطلع الاسبوع المقبل.

وهذه الدول الافريقية الثلاث الاعضاء غير الدائمة في مجلس الامن هي ضمن ست دول مترددة، مع المكسيك وتشيلي وباكستان، ازاء فائدة استخدام القوة ضد العراق. ويعتبر تصويتها حاسما بالنسبة لمصير مشروع القرار الثاني الذي اقترحته واشنطن ولندن ومدريد في 24 فبراير (شباط) الماضي.

وفي اطار الشد والجذب، قالت مصادر صحافية بلغارية امس ان بلغاريا والبرتغال تحاولان اقناع انغولا بالتصويت في مجلس الامن الدولي لمصلحة مشروع قرار يفتح الطريق لحرب محتملة ضد العراق.