قوات «لواء بدر» توسع انتشارها في شمال العراق قادمة من إيران ومخاوف محلية وأميركية من تكرار تجاوزات عام 1991

TT

قال شهود عيان إن مجموعات من المقاتلين وصلت إلى هذه المنطقة ليلا من إيران، وأقامت قرابة مائة خيمة خلال الاسبوع الماضي. هذه المجموعات التي يمكن مشاهدتها من الطريق الرئيسي، وباتت تتمركز في هذه المساحة الواقعه ضمن مناطق شمال العراق الكردية التي تتمتع بالحكم الذاتي، تزاول نشاطها العسكري المألوف حيث ترتدي الملابس العسكرية ويقوم أفرادها بتنظيف أسلحتهم الرشاشة من نوع «اي كي ـ 47»، في وضح النهار حيث تبدو شمس الشتاء مشرقة.

ويبدو ان قوات «لواء بدر» هذه، والتي تتشكل من عناصر من شيعة العراق الذين تدعمهم إيران، والتي تعهدت بمقاومة نظام الرئيس صدام حسين، باتت على أهبة الاستعداد. فقد ظل أفراد هذا اللواء ينتظرون منذ عقدين، وعلى وجه الخصوص منذ الانتفاضة التي شهدتها مناطق الشيعة في جنوب العراق ضد صدام حسين، عقب حرب عام 1991 ـ تلك الانتفاضة التي سحقتها قوات بغداد، بينما لم تحرك الولايات المتحدة ساكنا لنجدتها.

وقال مهرب يعمل في مناطق الحدود بين شمال العراق وإيران وتخصص في نقل أجهزة التلفزيون إلى إيران إنه شاهد مؤخرا أربع حافلات خضراء اللون بداخلها عدد من المقاتلين الذين توجهوا الى العراق.

وأوضح المهرب الذي طلب عدم ذكر اسمه، انه لاحظ ذلك في وقت مبكر من الصباح وإن القافلة كانت تحمل معها مدفعا مضادا للطائرات من عيار 57 مليمتراً.

وتشير التقديرات إلى أن قوام «لواء بدر» يتراوح بين 5 الاف و30 الف مقاتل، لكن مسؤولين أكراداً أعربوا عن اعتقادهم ان عدة مئات من هؤلاء المقاتلين وصلوا إلى هذه البلدة الصغيرة (باني بي) التي تبعد قرابة 40 ميلا جنوب السليمانية وأحد عشر ميلا غرب الحدود الإيرانية.

لكن المشرف العام على لواء بدر، أية الله محمد باقر الحكيم، رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، قال في مقابلة صحافية أجريت معه الشهر الماضي في مقره في طهران، إن معظم قوات اللواء باتت تتمركز في العراق، وإنها مستعدة لحمل السلاح والتحرك ميدانيا عندما يحين الأوان. وقال: «قواتنا على أهبة الاستعداد منذ وقت طويل، منذ قرابة 20 عاما».

ومهما كانت أعداد أفراده و جاهزيتهم، فان لواء بدر ذا التسليح الخفيف، قد لا يشكل قوة عسكرية حاسمة في الحملة التي تتزعمها الولايات المتحدة للسيطرة على العراق. لكن جماعاته المسلحة يمكن أن تثير حالة من القلق، يعتبرها العديد من المحللين، أكبر تحد قد تواجهه القوات الأميركية وهي تسعى للإطاحة بحكومة صدام حسين والسيطرة على بلد عدد سكانه 23 مليون نسمة.

يذكر ان إيران التي تدعم الحكيم والمسلحين التابعين له تتمسك بموقف «المحايد الإيجابي» فيما يتعلق بالحرب التي تتزعمها الولايات المتحدة ضد العراق. أما الدبلوماسيون فيسخرون من الموقف الإيراني الذي يعبر عن الامتعاض الرسمي الإيراني مما يصفونه بسياسة الولايات المتحدة «الانفرادية»، وعن التطلع لانهيار حكومة صدام التي خاضوا معها حربا من 1980 وحتى 1988.

وعلى خلاف تركيا، التي تستعد لإرسال عشرات الآلاف من الجنود الى شمال العراق متى ما اندلعت الحرب، لضمان مصالحها، الا ان إيران لم تتحرك بشكل مباشر يربطها بالأزمة. لكنها ظلت تستضيف لواء بدر منذ عام 1983، وأوضحت بجلاء، هي الأخرى، ان لديها مصالح في العراق.

وقال دبلوماسي أجنبي في طهران: «إذا ما أبدى البعض بعض الاهتمام، فإن الإيرانيين سيفعلون ذلك أيضا». أما المسؤول الكردي الذي تحدث معنا وطلب عدم ذكر اسمه، فقد قال: «موقف الإيرانيين يثير التساؤلات، فهم يصطادون في المياه العكرة».

طبيعة العلاقة بين طهران وجماعة الحكيم تبدو طبيعية، فإيران دولة شيعية تديرها مجموعة من رجال الدين الشيعة. ومن جانبها تطرح جماعة الحكيم انها تمثل الشيعة الذين يشكلون ما يزيد عن 50 في المائة من سكان العراق، وعلى وجه الخصوص سكان المناطق الجنوبية القريبة من الكويت وايران.

ويبدو ان المقصود بتحركاتها في شمال العراق، هو ضمان إتاحة الفرصة لوجهة نظر شيعة العراق بشأن ما قد تشهده البلاد متى ما تمت الإطاحة بحكومة صدام البعثية، إضافة إلى ضمان عدم تجاهل مصالح إيران وسط المعمعة.

وقال أسد الله أثاري ماريان، المستشار في وزارة الدفاع الإيرانية، مشيرا إلى قوات بدر التي باتت تتحرك من إيران: «يتوجب عليهم الذهاب إلى هناك. وإذا لم يشاركوا في الإطاحة بصدام حسين، فإنهم سيكونون خاسرين».

وأضاف المسؤول الإيراني: «شيعة جنوب العراق هم رهان إيران، لكنهم لن يخدموا مصالحها. إنهم لا يستجيبون لنصائح إيران، وهم بالفعل عراقيون وليسوا إيرانيين، ونحن نتفهم ذلك. كل ما يريدونه هو إقناع الشعب العراقي بأنهم ليسوا دمى بأيدي الأميركيين، وهم يفكرون بشكل مستقل. يريدون العودة إلى بلادهم والقول: لدينا شرعية. وقد ساهمنا في الإطاحة بصدام».

وهذا الوضع ليس مريحا بالنسبة لواضعي الخطط الحربية الأميركية، ممن رحبوا بانضمام جماعة الحكيم الى المعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة، لكنهم طلبوا من جميع التنظيمات المسلحة داخل العراق أن تترك مسألة القتال للقوات الأميركية التي تحتشد الآن في الكويت.

الجماعات الكردية، التي تدير هذه المناطق العراقية في ظل حماية المقاتلات الجوية الأميركية والبريطانية وعدت بالإذعان، وتعهدت بإبقاء مقاتليها الذين يقدر عددهم بـ70 ألف فرد في مواقع دفاعية. لكن موقف قوات بدر لم يتضح بعد حتى الآن.

فخلال الأيام الأخيرة لحرب عام 1991، شنت جماعات من شيعة الجنوب حملة استهدفت الدوائر المؤيدة لحكومة صدام في انتفاضة شملت أعمال قتل انتقامية، وقد حسم الجيش العراقي أمر تلك الانتفاضة، عندما استخدم مروحياته الهجومية. وقد دفعت مخاوف تكرار تلك الانتفاضة واضعي الخطط الأميركية، لوضع هذه المسألة في الاعتبار، حيث تقرر أن تقوم قوات بمهمة تأمين مدينة البصرة التي تعد أكبر مدن جنوب العراق.

خلال تلك المقابلة الصحافية، امتنع الحكيم مرارا عن تأكيد ما إذا كانت قوات بدر ستستشير القوات التي تقودها الولايات المتحدة. وأكد ان امتناع أميركا عن دعم الشيعة خلال عام 1991 يؤثر على استعداداتهم الأخيرة. حيث قال: «يشتبه الناس في الدور الأميركي، لأنه دعم النظام العراقي خلال عام 1991، عندما كان يقتل قرابة نصف مليون مواطن أمام أعين الأميركيين. ففي ذلك العام لم ترغب الولايات المتحدة في إحداث التغيير داخل العراق».

وقد وصف الحكيم خطة الولايات المتحدة المتعلقة بتنصيب حاكم عسكري أميركي في العراق، بينما يتم تهيئة الأجواء لحكومة انتقالية، بأنها «خطيرة».

والأنباء المتعلقة بنشر قوات بدر في شمال العراق تسببت في تجدد التحذيرات التي أطلقتها وزارة الخارجية الأميركية خلال الشهر الماضي، حيث قال ريتشارد باوتشر، الناطق الرسمي باسم الوزارة إن الولايات المتحدة «ستعارض أي وجود تدعمه إيران» في العراق. وأضاف ان نشر قوات بدر «سيمثل تطورا خطيرا للغاية وسببا لزعزعة الاستقرار». وهذا قد يفسر نفي المكتب المحلي التابع للحكيم، ومقره مدينة السليمانية الواقعة شمال العراق، ما أشيع عن وصول قوات بدر إلى هذه الأماكن. وقال أبو محمد خرساني، مندوب الحكيم، إن وجود لواء بدر محدود في شمال العراق، فهو مكون من مجموعة بسيطة في ضاحية تابعة لبلدة ميدان سراي التي تبعد قرابة ثلاثة أميال عن هنا، موضحا ان هذه المجموعة توجد هناك منذ ما يزيد عن عشرة أعوام، لكن الصحافيين الموجودين في السليمانية قالوا إنهم شاهدوا خلال الاسبوع الماضي عددا من مسلحي بدر وهو ينزلون من حافلات عبرت الحدود ثم انتشروا في المناطق المجاورة.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»