الدبلوماسية الفرنسية تستعرض عضلاتها الأفريقية

TT

تقول مصادر دبلوماسية فرنسية ان وجهة التصويت الذي ستقررها الدول الافريقية الاعضاء في مجلس الأمن الدولي على المشروع الاميركي البريطاني سوف تمثل نقطة تفصل بين فشل المشروع لعدم حصوله على الاصوات المطلوبة وبين الاضطرار لوقفه باستخدام حق النقض (الفيتو).

وتبدو اصوات الدول الافريقية الثلاث حاسمة لتقرير مصير التصويت وبالتالي المسار الذي ستسلكه الأزمة مع بغداد، خصوصاً ان الضغوط الاميركية على المكسيك والشيلي، العضوين الآخرين في مجلس الأمن بدأت تفعل فعلها وبالدرجة الاولى على المكسيك. وتعتبر المصادر الفرنسية انه اذا سارت المكسيك تحت راية الداعين الى الحسم العسكري، فمن المؤكد انها ستجر وراءها الشيلي.

واذا تحقق لواشنطن ذلك، فانها تكون قد ضمنت ستة اصوات هي، اضافة الى صوتها: بريطانيا، اسبانيا، بلغاريا، المكسيك والشيلي. ويظن ان باكستان لن تخاطر بمصالحها الاستراتيجية الجديدة مع الولايات المتحدة، خصوصا لجهة نزاعها الاستراتيجي مع الهند ولجهة مسألة كشمير.

من هذه الزاوية تبدو زيارة دومينيك دو فيلبان وزير الخارجية الفرنسي، الافريقية بالغة الاهمية اذ ستقرر الاصوات الافريقية مصير مشروع القرار ـ الانذار المطروح على مجلس الأمن. وحرص الوزير الفرنسي على ان يبدأ زيارته بغينيا، المستعمرة الفرنسية السابقة، التي ترأس حالياً دورة مجلس الامن الدولي حتى نهاية الشهر الجاري.

وقالت مصادر اطلسية رفيعة المستوى لـ«الشرق الأوسط» ان غرض باريس، عن طريق التهديد بالفيتو واظهار العزم على استخدامه «بغض النظر عن النتائج المترتبة عليه على المصالح الفرنسية والعلاقات مع واشنطن ومستقبل مجلس الامن» هو تشجيع الدول المترددة اما على البقاء داخل «جبهة الرفض» المناهضة للخط الاميركي ـ البريطاني او على الاقل، الامتناع عن التصويت.

ووفق ما قالته هذه المصادر التي تعرف جيداً آليات الدبلوماسية الفرنسية، فان اظهار فرنسا تصميماً لا يلين لاستخدام الفيتو «يمكن ان يرفع الضغط الاميركي عن كاهل هذه الدول بحيث تستطيع التأكيد ان تصويتها لم يغير شيئاً لأن فرنسا (وربما روسيا) ستستخدم الفيتو بأي حال». وبالمقابل، فاذا نجحت باريس بالاحتفاظ بصوتين من الاصوات الافريقية وفرت على نفسها «محنة» اللجوء الى الفيتو ووطأة الاتهامات الاميركية. وتتشكل جبهة الرفض، حتى الآن من خمس دول هي فرنسا وروسيا والصين والمانيا وسورية.

وتبدو الكاميرون الاكثر قرباً من فرنسا التي تربطها بها اتفاقية دفاعية واتفاقيات تعاون اقتصادي متعددة. وتضغط واشنطن على غينيا، الدولة المسلمة والفرنكوفونية من جهة حاجتها الى المساعدات العسكرية الاميركية لمواجهة المتسللين الى اراضيها من ليبيريا وسيراليون.

وكانت واشنطن قد ارسلت الى الدول الافريقية الثلاث مساعد وزير الخارجية للشؤون الافريقية والتر كانستاينر، قبل اسابيع قليلة، في اطار الجهد الاميركي لتجميع الاصوات التسعة. وتعول باريس على وزير خارجية غينيا فرنسوا فول للاحتفاظ بدعم هذه الدولة في مجلس الامن.

اما انغولا، فان وضعها اكثر حراجة: فمن جهة، مطامحها النفطية تدفعها باتجاه واشنطن القادرة كذلك على توفير المساعدات والقروض المالية في المؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ولكن رئيسها ادواردو دوس سانتوس الذي لم ينس دعم واشنطن لجوناس سافيمبي ولحركة «يونيتا» التي حاربته لعقود، ما زال متردداً في اللحاق بأميركا ومحتفظاً بخطوط مفتوحة على باريس. لكن انغولا تبقى الاكثر هشاشة وربما استعداداً للحاق بالركب الأميركي.