تقلص عدد مراسلي شبكات التلفزيون العالمية في بغداد والباقون تحت الحراسة وممنوعون من استخدام سطح وزارة الإعلام

TT

من الصور التي لا تزال عالقة في الذهن من حرب الخليج الثانية عام 1991 المشاهد التي التقطتها الكاميرات الليلية الماضية من على سطح فندق الرشيد ببغداد. ففي تلك الحرب تمكن مراسلو شبكة «سي ان ان» التلفزيونية بيتر آرنيت وبيرنارد شو وجون هوليمان من وصف القصف الذي تعرضت له العاصمة العراقية ورد المضادات العراقية على المهاجمين. والآن، بعد مرور 12 عاما تقريبا، عاد آرنيت مجددا الى بغداد ولكن هذه المرة كمراسل لقناة «ام اس ان بي سي» التي لم تكن موجودة عام 1991 عند اندلاع الحرب السابقة. اما هوليمان، فقد لقي حتفه في حادث سير عام 1998.

يقول شو، الذي تقاعد عن العمل في «سي ان ان» عام 2001، انه لا مجال للعودة الى بغداد هذه المرة في ظل نظام اوشك على الزوال ومجموعات السكان المحليين الذين يشاهدون مدينتهم وهي تتعرض للقصف مجددا، اذ يعتقد شو ان بغداد ليست مكانا آمنا للمراسلين الآن. وفيما غادرت لارا لوغان، مراسلة شبكة «سي بي اس»، بغداد يوم الاربعاء لأسباب تتعلق بالسلامة الشخصية والتغطية، يتحدث منافسوها حول مدى اختلاف هذه الحرب عن الحرب السابقة عام 1991 .

فهناك قناتا كيبل للاخبار هما «ام اس ان بي سي» و"فوكس نيوز» تحاول كل منهما خطف الاضواء من شبكة «سي ان ان» بأي صورة ممكنة، فيما تنفق شبكات التلفزيون الثلاث الكبرى «سي بي اس» و«ان بي سي» و«أي بي سي» عدة ملايين من الدولارات على تغطية الحرب الحالية. ولكن بعض الخبراء يرى ان الطفرات الهائلة في التكنولوجيا، على الصعيدين العسكري والاعلامي على السواء، هي التي ستغير طريقة خوض هذه الحرب وتغطيتها اعلاميا، فالقنابل الدقيقة التصويب واجهزة الكمبيوتر السريعة لم تكن متوفرة خلال حرب الخليج السابقة. ويتوقع الكثير من المسؤولين في مجال الاخبار ان تصبح قصص المراسلين المرافقين للقوات في الخطوط الأمامية هي اكثر ما سنتذكره حول هذه الحرب بعد عدة سنوات مقبلة. لا يدري نك روبرتسون، مراسل شبكة «سي ان ان» الذي قرر البقاء في بغداد لتغطية الحرب، ما اذا كان المشاهدون سيرون كيفية بداية حملة القصف، اذ ثمة فارق كبير في هذا الجانب بين الحرب الحالية والحرب السابقة عام 1991 عندما سمح صدام حسين لكاميرات التلفزيون بتصوير القتال مما مكن شبكة «سي ان ان» من تحقيق اكبر سبق في التغطية. ويعتقد روبرتسون ان تحقيق شبكة «سي ان ان» نجاحا مماثلا في هذا الجانب مرة اخرى بات موضع تساؤل اثر منع السلطات العراقية للشبكة وشبكات اخبارية اخرى يوم الاربعاء من إرسال تقاريرها من على سطح وزارة الإعلام العراقية. لم يعد أمام روبرتسون الآن سوى خيار واحد وهو إرسال تقاريره عبر الهاتف من داخل فندق فلسطين ببغداد، وهو واحد من ثلاثة فنادق ينزل بها حوالي 100 مراسل آخر من 30 شبكة اخبارية تحت حراسة لصيقة من الجنود العراقيين. جدير بالذكر ان عدد شبكات الاخبار والاجهزة الاعلامية التي كانت موجودة في العاصمة العراقية بغرض تغطية الحرب تقلص من 450 شبكة في بداية الاسبوع الى 30 شبكة فقط عند كتابة هذا التقرير. وقالت لارا لوغان ان مراقبة المراسلين الاجانب كانت في السابق مسؤولية مدنيين عراقيين، بيد ان جنودا مسلحين حلوا محل هؤلاء، الشيء الذي أثار مخاوف بعض المراسلين. كما تشير التوقعات الى احتمال تعرض وزارة الإعلام العراقية لعمليات القصف. ففيما امكن تصوير بعض المشاهد الاولى لعمليات القصف بواسطة حوالي 20 كاميرا من على سطح وزارة الإعلام، يعتقد ايريك سورنسون، مدير «ام اس ان بي سي» ان تزايد عمليات القصف على العاصمة العراقية بات يهدد وجود كاميرات شبكات التلفزيون الاخبارية الموجودة في هذا المكان. وكانت معظم المؤسسات الاعلامية الكبرى قد تركت بغداد بعد تحذيرات من البنتاغون ومن الرئيس جورج بوش نفسه حول خطر البقاء في العاصمة العراقية. ويشمل ذلك نيويورك تايمز ومؤسستي تايم ونيوزويك وشبكات التلفزيون الاميركية الثلاث. (ان بي سي تستخدم ارنيت. كما تستخدم شبكة ايه بي سي ريتشارد انجل كمراسل حر بينما لايوجد لشبكة سي بي اس اي مراسل).

وبالاضافة لمراسل «سي ان ان» روبرتسون، تشمل قائمة الذين بقوا في بغداد مراسلة الاذاعة العامة الوطنية ان غاريل ووكالة رويترز للانباء وشبكة تلفزيون سكاي وهيئة الاذاعة البريطانية ووكالة الاسوشيتدبرس وعدد من اجهزة الاعلام الفرنسية والالمانية والهولندية. ولكن الحصول على قائمة دقيقة امر في غاية الصعوبة. ففي الوقت الذي تكشف فيه سي ان ان عن مراسليها في بغداد، فإن بعض الشبكات الاخرى مثل الاسوشيتدبرس لا تذكر اية معلومات محددة، خوفا من ان تعريض حياتهم للخطر. وقالت لوغان، التي غادرت يوم الاربعاء، الى الاردن «لقد كان ذلك اصعب قرار في حياتي المهنية. فلم اترك حدثا من دون تغطيته على الاطلاق».

ولكن بين الجنود المسلحين الذين يراقبونها ، فإن تزايد المشاعر المعادية للولايات المتحدة في شوارع بغداد وحقيقة ان القنابل الاميركية يمكن ان تدمر معظم وسائل البث، جعلها نشعر بأن الوقت قد حان للمغادرة، وقالت «اريد العودة في اقرب وقت ممكن».

واذا لم تتوفر الصور فانه يمكن كما يقول نيل شابيور رئيس شبكة ان بي سي للغرافيك ان يلعب دورا مهما في هذه الحرب،» ولاسيما اذا لم تتوفر مشاهد عبر الفيديو ولا تقرير المراسلين المرافقين للقوات.

وقال رئيس الاخبار في شبكة ايه بي سي دافيد وستين ان تغطية شبكته المكثف للحرب يوم الاثنين - حيث بعث مراسلوها بتقارير من الخليج، ومن جميع انحاء العالم ـ توضح تعدد الجبهات في هذه الحرب، بالمقارنة بالمرة السابقة «عندما كانت هناك الكويت فقط».

واذا صدق التعهد الاميركي بمعركة سريعة وحاسمة «فيمكنك تخيل مشاهدة القوات الاميركية تتقدم نحو بغداد في الايام الاولى،» كما ذكر اندرو هيوارد رئيس قسم الاخبار في سي بي اس.

ولكن التقدم التكنولوجي مثل اجهزة التصوير الرقمية المحمولة واجهزة الكومبيوتر المحمولة، التي يمكن ان تنقل الصور والتقارير فورا بأجهزة اقمار صناعية متنقلة (وإن كانت القوات المسلحة يمكنها منع ارسال التقارير من المراسلين المرافقين)، يمكن ان تجعل هذه الحرب مختلفة عن اي شيء آخر.

واوضح مدير تحرير مجلة تايمز الاميركية جيم كيلي «ان مدى جودة تقاريرك الحربية لايزال يعتمد بدرجة كبيرة على الحظ. وهي تتعلق بالوجود في المكان السليم في الوقت السليم ـ ومعرفة ذلك ايضا».

ويقول سورنسون رئيس شبكة ام اس ان بي سي ان بعض المراسلين يصبحون محظوظين والبعض الآخر لا يصيبهم الحظ، «هل دافيد بلوم من ان بي سي في الوحدة الصحيحة ام تيد كوبل من ايه بي سي؟ ليست لدي اي فكرة».

واضاف توم روسنتال من شروع الكفاءة في الاعلام «علينا الانتظار لمعرفة كيف سيتعامل القادة العسكريون مع المراسلين المرافقين. آمل مشاهدة بعض التقارير المهمة، ولكن هناك بعض التقارير التي ربما تبدو وكأنها من اعداد قسم التجنيد في الجيش».

وقال مات لور مقدم برنامج «توداي» في شبكة ان بي سي الذي انتقل الى قطر «اكبر مهامي هي الحصول على المعلومات من القوات المسلحة وعرضها على خبرائنا لابلاغنا ماذا يعني كل ذلك». بينما ذكر رئيس تحرير مجلة نيوزويك مارك ويتكر ان التحدي الاكبر الذي تواجهه وسائل الاعلام هو تقديم صورة دقيقة بقدر المستطاع».

وافاد ان التكنولوجيا، سلاح ذو حدين: فيمكنها السماح للقوات المسلحة تحقيق الانتصار بسرعة «بأقل خسائر بشرية، ولكن اعتقد ان الخطر هو بداية التفكير في الحرب كلعبة فيديو. ربما لن يحدث ذلك هذه المرة، ولكن في النهاية سنواجه صراعات ستذكرنا بأن الحرب هي الجحيم».

* خدمة «يو اس ايه توداي» خاص بـ«الشرق الاوسط»