أسوأ الأحداث المحتملة نشوب صراع بين الشيعة والسنة في بغداد

لجأ الناس إلى تسليح أنفسهم لأنهم لا يريدون أن يكونوا ضحايا لتصفية الحسابات بعد سقوط النظام

TT

بينما بدأت القوات العسكرية للحلفاء بقيادة الولايات المتحدة، غزوا للعراق، يخشى مراقبون أن تصبح بغداد مسرحا للنزاعات الاهلية حتى قبل أن يصل أي جندي اميركي الى العاصمة العراقية. ويقول عراقيون يتنقلون بين العاصمتين العراقية والاردنية ان المواطنين العراقيين داخل بغداد يقولون انهم سيقاتلون بعضهم البعض دون رحمة. فإذا أخذنا (مدينة صدام)، وهي ضاحية فقيرة من العاصمة يسكنها حوالي مليونين من المسلمين الشيعة، أي نصف سكان بغداد تقريبا، فإنها محاطة بالخنادق التي حفرتها الحكومة. ويقول هؤلاء ان الخنادق مقصود بها محاصرة اية انتفاضة يمكن أن يقوم بها الشيعة المعادون للحكومة في حالة نشوب الحرب. والشيعة اغلبية في العراق لكن المسلمين السنة، ومنهم صدام حسين، هم الذين يسيطرون على حكم البلاد.

ويؤكد الكثيرون من العراقيين ما قاله الرئيس الاميركي جورج بوش أن أهل العراق سيرحبون بالقوات الاميركية وحلفائها باعتبارهم جيشا يحررهم من عقود من الطغيان. ولكنهم يحذرون من أن التحرير يمكن أن يكون بمثابة رفع للغطاء عن مرجل يغلي، ويمكن لآلاف الناس الذين عانوا من القتل والقهر، أن يلجأوا الى أعمال الانتقام ضد اتباع صدام ومؤيديه. ومن جانبهم فان مؤيدي النظام من السنة يتعهدون بأنهم سيقاتلون دفاعا عن صدام وعن النظام.

قال محمد بحر، 43 سنة، سائق سيارة الاجرة الذي نقل بعض الركاب الى عمان الاسبوع الماضي: «إن كل العراقيين الذين يقاتلون الحكومة عندما تنشب الحرب سيعتبرون أعداء وسيقتلون كخونة. اما أنا فسأقاتل بكل ما املك». وبحر من السنة ويعيش في بغداد مع زوجته واطفاله الخمسة.

يقف على قمة سلطة السنة بالعراق، حزب البعث الاشتراكي، الحزب العلماني التابع لصدام والذي يسيطر على القوات المسلحة. وقد ظل السنة يسيطرون على الحكم في البلاد منذ أن صار العراق بلدا مستقلا قبل ثمانين عاما.

ومن ناحية اخرى فان للشيعة روابط مع إيران، الشيعية في غالبيتها العظمى. وقد اشتعلت حرب طاحنة بين العراق وايران خلال الثمانينات. وإذا نشب القتال بين الشيعة والسنة فان اسوأ المعارك ستكون في العاصمة بغداد التي يتقاسمها الشيعة والسنة، مع عدد قليل من المسيحيين، وتحتوي بالتالي على أكثر المكونات قابلية للاشتعال.

يقول أبو آيات، 50 سنة، وهو شيعي كان يعيش في بغداد لكنه انتقل حاليا الى عمان: «سيكون هناك قتال بالطبع، وسيكون هذا القتال بين العراقيين انفسهم». ويملك أبو آيات دكاناً غير قانوني في شارع خلفي بعمان يبيع فيه التمر والعسل. ومن الملاحظ أن أغلب الشيعة الموجودين حاليا بعمان جاءوا أساسا من مدينة صدام.

يقول بعض العراقيين وبعض الخبراء في الشؤون العراقية ان الوقت الأكثر حرجا هو ذلك الواقع بين انفجار أول طلقة داخل العراق وسقوط بغداد. وليس معروفا بالطبع كم يستغرق ذلك من الزمن.

قال جوست هيلترمان، الباحث في شؤون الشرق الاوسط، مع مجموعة الأزمات العالمية:

«يمكن أن نتوقع أعمالا كثيرة لتصفية الحسابات. وهناك كثيرون سيقاتلون لانهم يعرفون أنهم إذا خسروا، فان العراقيين على الجانب الآخر سيقتلونهم. وستكون الفوضى الناتجة عن ذلك عنصرا تصعب السيطرة عليه».

وتزعم فصائل المعارضة العراقية، أنه بالاضافة الى الانقسام الإثني لبغداد، هناك بعض الضباط العسكريين الذين سيقاتلون ضد قوات الحكومة العراقية. وهذا عامل يمكن أن يزيد من احتمالات اشتعال الحرب الأهلية.

قال علي عبد الأمير، من حركة الوفاق العراقية، المعارضة «ان الظروف مواتية لانشطار النظام». وأضاف أنه بمجرد بداية الحرب فان بعض الضباط، أساسا من السنة، سينحازون الى صفوف المعارضين. وزعم أن منظمته على اتصال مباشر ببعض الضباط المستعدين للانحياز. ويقول المحللون العسكريون ان آلافا من الحرس الجمهوري المكون من أكثر العناصر اخلاصا لصدام سيحاولون حماية نظام صدام من السقوط.

قال ديفيد فيليبس، كبير الباحثين بمعهد العلاقات الخارجية بنيويورك: «يلجأ الناس الى تسليح أنفسهم لانهم لا يريدون أن يكونوا ضحايا لتصفية الحسابات بعد سقوط النظام. وبالطبع فان العراقيين الذين ارتكبوا فظائع ويعرفون أن وقت الحساب قد حان سيقاتلون حتى النهاية». وكان فيليبس قد عمل بقسم التخطيط لما بعد الحرب في وزارة الخارجية الاميركية.

وقال بعض المسؤولين العسكريين الاميركيين انهم يتوقعون ان يقاتل العراقيون بعضهم البعض خلال الحرب التي تقودها الولايات المتحدة. قال الكولونيل ألان بولدوين، رئيس قسم الاستخبارات في قوة المارينز الاستطلاعية: «الاحتمال الراجح هو اشتعال الحرب الأهلية قبل وصولنا وبعد مغادرتنا».

ويوافق على ذلك ضابط كبير بالمنطقة ويقول: «ستسيل الدماء في كل انحاء البلاد. وستشتعل أعمال العنف منذ البداية، وربما تحدث في شكل انتفاضات عنيفة. وستكون البداية غالبا في الجنوب».

ومع كل ذلك فان مخططي الحرب الاميركيين لم يطرحوا خططا واضحة لتفادي هذه الحرب الاهلية المحتملة. ويقول احد المسؤولين العسكريين ان البنتاغون يأمل في كسب آلآف العراقيين وتهدئتهم بجلب مساعدات انسانية مباشرة بعد وصول الجنود الاميركيين الى مناطقهم.

يقول الرئيس بوش انه يريد أن يستبدل حكومة صدام بنظام فيدرالي تتمتع فيه المجموعات الإثنية والمذهبية بحقوق متساوية. ولكن المسؤولين الاميركيين يعتقدون ان نظام صدام يجب استبداله بحكومة ذات قاعدة سنية اساسا. ويقول هؤلاء ان المحافظة على الوضع القائم ستحقق الاستمرارية ويقلل من فرص الحرب الأهلية.

ولكن الاغلبية الشيعية انتظرت عقودا من اجل المساواة في الحقوق، واذا فقد الشيعة هذه الفرصة فانهم لن يستطيعوا صبرا على مظالمهم. قال غاري سامور، المحلل بالمعهد الدولي للأبحاث الاستراتيجية: «يعتقد الشيعة العراقيون ان فرصتهم قد حانت أخيراً».

ويقول بعض المحللين ان الوضع يمكن أن يكون في صالح قوات التحالف إذا بدأت أعمال القتل والانتقام قبل وصولها الى بغداد. ويفسر ذلك اندرو كريبنيفتش، اللفتنانت كولونيل المتقاعد، ومدير مركز تقديرات الموازنة والاستراتيجية: «حينها سيدخلون مدينة مضطربة ومشتعلة أصلا، بدلا من أن يكونوا قد خلقوا هذه الفوضى والاضطراب».

الطريقة التي ستسقط بها بغداد ستكون ذات أثر كبير على مستقبل العراق. ويعيش في العاصمة العراقية حوالي 20% من سكان العراق. وهي بالطبع مركز حكومة صدام وسلطته السياسية. ويقول كريبنفتش، ان السنة بالعاصمة لو شاركوا في تدمير نظام صدام فان ذلك يمكن أن يساعد في تكوين حكومة واسعة القاعدة. قال: «إذا اشترك السنة في اسقاط نظام صدام، فإن ذلك سيكون أفضل سيناريو بالنسبة لقوات التحالف».

ولكن لأن الكثيرين من سكان بغداد، الذين يعرفون أن صدام يمكن أن يستخدم الاسلحة الكيماوية في المعركة الاخيرة، لن يغامروا بمغادرة منازلهم اثناء حملات القصف التي تقوم بها قوات الحلفاء. قال كريبنيفتش: «سيحاول الناس انقاذ حياتهم أولا».

ويقول آخرون ان السكان سيقاتلون وانهم مستعدون لذلك. ويعلن العراقيون الذين وصلوا مؤخرا الى عمان أنهم يتمنون أن يتمكنوا من التسلل الى الداخل لمنازلة قوات صدام. مراد حيدر، 30 سنة، الشيعي من مدينة صدام من بين هؤلاء. وهو يعيش بعمان بصورة غير قانونية ويساعد أبو آيات في ادارة المحل التجاري. قال حيدر وهو يتحدث من غرفة خلفية بالمحل ان المقاتلين الشيعة ببغداد مسلحون، رغم كل أعمال التفتيش من منزل الى منزل. وهو يأمل ومعه كثيرون أنهم سيتمكنون بمساعدة الولايات المتحدة، من اسقاط حكومة البعث. ولكنهم يقولون ان ذلك لا يمكن تحقيقه دون اراقة الدماء. قال حيدر: «هذه المرة، سيقوم الاميركيون باسقاط الحكومة، ولكن في سبيل ذلك ستزهق كثير من الأرواح».

* خدمة «يو إس ايه توداي» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»