الاميركيون حددوا مع قادة عراقيين مباني في بغداد يلجأ اليها «المنشقون المحتملون» عن صدام وتعهدوا بعدم قصفها

TT

في اطار الجهود المكثفة للفصل بين الرئيس العراقي صدام حسين والمقربين منه، اتصل رجال الاستخبارات والقوات المسلحة الاميركية في الايام الاخيرة سراً ببعض القادة العراقيين، وحددوا بعض المباني في بغداد ليلجأ اليها المنشقون، متعهدين بعدم تعرض الطائرات الاميركية لها، حسبما افاد مسؤولون اميركيون كبار.

وأفاد المسؤولون ان ضباط الاستخبارات والقوات المسلحة الاميركية، حصلوا على تعهدات من بعض القادة العراقيين بعدم استخدام الاسلحة الكيماوية ضد القوات البرية الاميركية. غير ان المسؤولين الاميركيين اوضحوا انهم يراقبون وحدة تابعة للحرس الجمهوري خارج بغداد جرى تزويدها بدانات مدفعية معبأة بعناصر كيماوية.

وفي الوقت الذي كانت فيه الطائرات الحربية الاميركية تقوم باستعراض للقوة فوق بغداد وغيرها من المدن والقوات البرية تتحرك شمالا نحو العاصمة، بدأت حملة خفية ولكنها لا تقل اهمية عن الحملة العسكرية، بهدف شق القيادة العراقية والقضاء على الدائرة المقربة من صدام حسين. وجزء مهم من هذه الجهود، طبقا لما ذكره المسؤولون، هو الاتصال بمنشقين محتملين، سواء في الحكومة او الجيش.

وقال مسؤول اميركي كبير «هناك العديد من الناس، يحاولون تقديم بدائل كثيرة للقادة العراقيين، والطرق الكفيلة بانهاء المقاومة».

وأوضح مسؤولين اميركيون انهم لا يعرفون حتى الآن نتائج القصف الذي استهدف في اليوم الاول للحملة العسكرية مجمعاً في جنوب بغداد تعتقد الاستخبارات المركزية الاميركية ان صدام وابنيه كانوا يقضون الليلة فيه. لكنهم قالوا ان هناك اشارات بأن الحكومة وكبار القادة يتعرضون لضغوط داخلية لم يسبق لها مثيل، حتى في حال نجاة صدام وابنيه من صواريخ «توما هوك» وقنبلتين حمولة كل منهما طن مخصصتان لاختراق الملاجئ.

وقال المحللون الاستخباراتيون، انهم يتصرفون وكأن صدام وولديه عدي وقصي لا يزالوا على قيد الحياة، الا اذا ظهر دليل يؤكد عكس ذلك، وان كان بعض المسؤولين اشاروا الى الاعتقاد المتزايد بأن الرئيس العراقي اصيب واختفى عن الانظار.

وقال مسؤول كبير في الادارة الاميركية «ليس هناك ما يدل على وجود سيطرة مركزية» في العراق. واضاف ان ذلك ربما يشير الى ان صدام وابنه الاصغر قصي، الذي يقود الحرس الجمهوري المكلف الدفاع عن بغداد، اصبحا معزولين، على الاقل في الفترة الراهنة. اما عدي، الذي كان تعرض الى محاولة اغتيال قبل سنوات، فيدير مؤسسات اعلامية.

وتشمل خطة تشجيع الانشقاق في اوساط القيادة العراقية تنشيط الاتصالات الهاتفية بين القيادات العراقية واقاربهم الذين يعيشون خارج المناطق الواقعة تحت سيطرة حكومة صدام حسين، الذين يستخدمون كقنوات للمعلومات الاميركية، حسبما اوضحت مصادر حكومية اميركية. وتشمل ايضا الاتصال عبر الانترنت واتصالات اذاعية عبر الموجهات القصيرة المدى ورسائل تسلم باليد يتم احضارها لبغداد من افراد يزورون العاصمة بصفة منتظمة.

وكان وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد قد رد على سؤال حول كيفية استسلام القيادة المقربة اذا ما رغبوا في ذلك، بقوله «انهم يعرفون بالضبط ما يجب فعله».

وكان المسؤولون الاميركيون قد ذكروا مساء الاربعاء الماضي انهم لاحظوا اشارات تفيد بأن صدام وكبار مسؤوليه لا يستطيعون في آن واحد السيطرة على قادة الجيش ومراقبة المنشقين الذين يحتمل وقوفهم وراء ابلاغ الاستخبارات الاميركية بخصوص مكان وجود صدام حسين والدفاع عن الحكومة ضد الهجوم الاميركي الذي يقترب من العاصمة.

وقال رامسفيلد للصحافيين ان النظام «بدأ يفقد سيطرته على البلاد وعلى رؤية ما يحدث في ميدان المعركة والاتصال بقواته».

وأوضح المسؤولون ان القوات الاميركية تشن منذ شهور حرباً نفسية اطلق عليها اسم «كوماندر سولو» وتتضمن بث خطابات اذاعية في جنوب العراق. وقد ألقت القوات الاميركية عشرات ملايين المنشورات التي تحث العراقيين على الاستماع للاذاعة.

وعلى الرغم من اشارات بوجود فوضى في اوساط القيادة العراقية، فان المسؤولين الاستخباراتيين والعسكريين قللوا من امكانية انهيار قريب ومن نجاح الولايات المتحدة في قطع كل الاتصالات بين الوحدات العراقية وقيادتها. وقال رامسفيلد «يملكون شبكات اتصال بالية، ونتوقع انهم حتى في حال اضطروا الى استخدام مراسلين فستكون لديهم القدرة على الاتصال».

لكن الخبراء في شؤون العراق ما زالوا يؤمنون باحتمال تعرض صدام الى عملية اغتيال من وحدات مقربة منه اذا كان قد نجا من عملية قصف الخميس الماضي.

وقال كينيث بولاك المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.إيه) الذي الف كتابا عن العراق ان «صدام مهووس بموضوع امنه ولا يتجنب تكريس اي جهود لذلك مثل وقته او اهتمامه لضمان سلامته». ولصدام عدة حلقات منفصلة عن بعضها من الحراس الشخصيين ومجاميع من العاملين في اجهزة الامن والكثير من هؤلاء ينتمون الى عشيرته وهم على استعداد تام لحمايته. وقال بولاك ان قصف المخبأ «حتى لو لم يلحق اذى بصدام فهو قد الحق ضررا كبيرا بأحاسيسه النفسية». واضاف ان الزعيم العراقي يهيئ لنفسه كل ليلة على الاقل خمسة او ستة اماكن يخطط ان يقضي الليلة في احدها، وهو يختار واحدا منها في آخر لحظة. وان تتمكن الولايات المتحدة من معرفة اين هو يعني «اما انه يوجد هناك جاسوس ضمن المقربين له او ان الولايات المتحدة لديها التكنولوجيا المساعدة على مراقبته».

وقد يؤدي ذلك حسب رأي بولاك الى دفع صدام او المقربين له الى حملة دموية بحثا عن مصدر المعلومات. ولتجنب اعتراض مكالماته الهاتفية قد يضطر صدام الى «التوقف عن الاتصال هاتفيا ويكتفي باستخدام مراسليه. كما يمكن ان يبدأ بقتل الناس المحيطين به والذين يلعبون دورا مهما في تسيير الحكومة وهذا قد يحفز الناس للتحرك ضده».

من جانبه، قال محلل كبير سابق في وكالة «سي.آي.إيه» ان صدام «كان مقتنعا دائما ان هناك محاولات انقلابية تدور حوله، لكن مع وجود القوات الاميركية داخل العراق حيث راحت تتحرك صوب مقره، خلق وضعا فريدا من نوعه».

وأفاد بولاك ان حق اعطاء اوامر باسمه مقصور على ابنه قصي وعلى سكرتيره عبد حمود حميد التكريتي وعلى ابن عمه علي حسن المجيد الذي احتل موقع وزارة الدفاع سابقا. وعلى الرغم من ان القيادة العليا العسكرية العراقية تُعتبر كفئا فانها، حسب ما يقوله بولاك، لا تتحرك الا اذا كانت هناك اوامر من صدام او احد هؤلاء الثلاثة.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»