الحرب الإعلامية: رامسفيلد غضب من تغطية مراسل شبكة «إن. بي. سي» الأميركية لقصف بغداد والعراق عاقب «سي. إن. إن»

TT

قد تكون الكلمات والصور المبالغ في اعتبارها رموزا ذات تأثير طويل الامد. لكن وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد والقادة العراقيين الذين هم الآن تحت اشرس هجوم لا يتفقون مع هذا الرأي.

ومثل الكثير من الناس، فانهم ظلوا يتابعون هذه الحرب الاحادية الجانب على شاشات التلفزيون، حيث كان كل طرف يحاول التأكد من مدى نجاحه في استغلال الاعلام.

العمل الدعائي الذاتي هو اجندة كل الحكومات بغضّ النظر عن كونها ديمقراطية او مستبدة. وسيناريو الحرب يتمثل في الآتي: الولايات المتحدة ترغب في ان يُنظر اليها كقوة تخوض حربا انسانية بهدف التحرير مع مراعاتها بشكل كبير لحياة المدنيين، في الوقت الذي تسعى فيه ايضاً لافزاع العراقيين ودفعهم للاستسلام. اما نظام الرئيس العراقي صدام حسين فيطرح نفسه كضحية، لكنه في الوقت نفسه يأمل ان يعكس صورة القوي المتحدي داخل بلده.

هذه الصورة الممثلة للحرب تم تكثيفها بشدة خلال الايام القليلة الماضية حين بدأت الكاميرات التلفزيونية تعرض الصور الحية لبغداد وهي تشتعل بفعل القصف الاميركي الشديد، هذه الصور المؤثرة حينما اضيف لها بعض التعليقات التي قدمها رامسفيلد اصبحت اكثر ايذاء.

وفي الوقت نفسه كانت صور الوحدات العسكرية الاميركية وهي تتقدم في الصحراء مع المراسلين باتجاه بغداد بدون اي مقاومة، على ما يبدو، السبب وراء طرد طاقم محطة «سي. ان. ان» التلفزيونية الاميركية من العاصمة بغداد اول من امس.

وكانت مشاهد القصف الجوي والاصوات ذات طابع مشهدي مثير للدهشة بشكل كبير. وعبّر عن نوعية القصف بيتر ارنت مراسل شبكة «ام. اس. ان. بي. سي» التلفزيونية الاخبارية الاميركية حين وصف ضربات الصواريخ من الطابق الحادي عشر في فندق فلسطين ببغداد، وقال ان «الارتجاج كاد يطرحني ارضا». اما الصحافي ريتشارد انجل الذي يراسل محطة «ايه. بي. سي» التلفزيونية الاخبارية الاميركية والذي يسكن في نفس الفندق مع ارنت فوقه بثلاثة طوابق فكان حديثه مرفوقا بلهاث انفعالي جعلت مقدم البرنامج بيتر جنينغز في نيويورك ان يطلب منه اخذ نفس عميق.

وقال انجل في رسالته الاخبارية: «انني اراقب دمار نصف بغداد». ومع هذه الكلمات كانت الصور التلفزيونية تنقل مشهد مدينة مغطاة بغمام ودخان برتقاليين. وأكد جنينغز لانجل ان وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) قد تعهدت بان تكون الهجمات الجوية الاميركية «محسوبة جدا» و«محددة» مع احتمال ان تصيب المباني الحكومية بنسبة 90 في المائة، لكن انجل عبر عن قلقه تجاه احتمال العشرة في المائة الاخرى، مما جعله يسأل جنينغز: «هل لديك اي كلمة من البنتاغون عما يتساقط فوق رؤوسنا؟».

كان ذلك شبيها برد على ما افتتح به رامسفيلد مؤتمره الصحافي بعد وقت قصير وهاجم فيه مراسلاً تلفزيونياً من دون ان يذكر اسمه لمقارنته الهجمات الجوية على بغداد بتلك الغارات غير الدقيقة التي وقعت اثناء الحرب العالمية الثانية والتي تسببت في وقوع دمار هائل لاهداف غير عسكرية. واحتج وزير الدفاع الاميركي على ذلك قائلا: «ليست هناك اي مقارنة بين الاثنين، نحن لدينا درجة من الدقة لم يحلم بها اي شخص من قبل».

كذلك لاحظ رامسفيلد ان النقل التلفزيوني الثابت يشوه الحقيقة حينما يتعلق الامر بتغطية الحروب، مشيراً الى ان ما يجري نقله هو فقط ما يمكن لتلك الكاميرا من مشاهدته في اطار ضيق. وقال رامسفيلد «ما نراه ليس الحرب في العراق بل شرائح من الحرب» تمر من خلال نشرات المراسلين.

تمكن الاميركيون ان يحصلوا على كم هائل من الصور عن هذه الحرب عبر شاشات التلفزيون ترافقها تعليقات محترفة من ضباط متقاعدين تم تشغيلهم بشكل مؤقت كمحللي اعلام بدون نقل الاحتجاجات الواسعة التي تجري ضد الحرب في شتى انحاء العالم الا لماما.

كذلك يحصل البنتاغون بالضبط على ما يريده من صور عبر المراسلين التلفزيونيين الملحقين بالوحدات العسكرية المتقدمة الى بغداد على الرغم من قدرة العينات التي ينقلونها من تأثير على المشاهد. ففي لقطة بدا ديفيد بلوم مراسل شبكة «ان. بي. سي» الاخبارية كأنه كائن غريب من كوكب ناء في اللون الاخضر الشاحب بينما يبعث مراسلون بتقاريرهم الحية على مدار الساعة من على ظهر دبابات تندفع هادرة وسط الصحراء.

كان اسلوب والت رودجر مراسل «سي. ان. ان» وراء غضب المسؤولين العراقيين من هذه المحطة. ومع ذلك، يبدو انه بحد ذاته «الصدمة والرعب» حينما قال من بغداد عن عدد الدبابات المهاجمة انه قد «يكون الاضخم في التاريخ وكلها تواصل الضرب اثناء تقدمها صوب بغداد». وفي اليوم اللاحق تم طرد طاقم الـ«سي. ان. ان» المكون من اربعة افراد مع عدة صحافيين اميركيين آخرين، حيث اعتبر المسؤولون العراقيون هذه المحطة بأنها الناطق بلسان الولايات المتحدة.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»