الناصرية... عاصمة محافظة ذي قار وبلد آل السعدون

TT

مدينة الناصرية، عاصمة محافظة ذي قار (المنتفق او المنتفك)، التي ذكرت القوات الاميركية انها سيطرت عليها أمس، تعد من المدن الحديثة العهد في العراق، مع ان محافظتها تضم بعض أقدم آثار مدن بلاد ما بين النهرين العريقة. وحسب المراجع التاريخية، ومنها مؤلف عبد الرزاق الحسني «العراق قديماً وحديثاً»، ابصرت الناصرية النور في النصف الثاني من القرن الـ19 عند سعت الدولة العثمانية ضرب قوة العشائر العراقية، وكانت اقواها في جنوب العراق عشيرتا المنتفق والخزاعل. وفي حين كان نفوذ الخزاعل ـ الذين تمركزوا لاحقاً في الديوانية عاصمة محافظة القادسية الحالية ـ يمتد من الحلة شمالاً الى السماوة جنوباً، امتد نفوذ المنتفق من السماوة شمالاً بغرب الى البصرة جنوباً بشرق.

وما خططت له الدولة العثمانية هو تقسيم العشيرة واستغلال انقسامها، او السعى لفرز ما يمكن فرزه من ارض المنطقة، وفرض إرادتها بالقوة على السكان المحليين. ولما حصل خلاف بين والي بغداد العثماني وشيخ المنتفق، سيرت قوة من الجيش الى جنوب غربي العراق وهناك استقرت، لفترة. فلما عين مدحت باشا، السياسي العثماني الاصلاحي الداهية «ابو الدستور»، والياً على العراق استقدم الى بغداد الشيخ ناصر باشا السعدون شيخ المنتفق عام 1869، وشرح له رغبته في تحويل مشيخته الى متصرفية وهو ترتيب للحكم المحلي دون الولاية واعلى من القائمقامية. وكان نظام المتصرفية قد طبّق في بلاد الشام على جبل لبنان قبل سنوات معدودات (عام 1861). وضمن مساعي الترغيب ابلغ مدحت باشا الشيخ ناصر بأنه لهذا الغرض سيبني مدينة تحمل اسمه ـ اي «الناصرية» لتكون عاصمة المتصرفية الوليدة.

وهكذا، فهم الشيخ ناصر القصد وادرك ان هذه هي رغبة الدولة التي لا راد لرغباتها، فوافق، على الرغم من تخوفه من ان تكون الصيغة الحديثة للحكم المحلي بداية النهاية لسلطة العشائر. وبالنتيجة، وافق ايضاً الشيخ منصور، شقيق الشيخ ناصر، بالرغم منه، لكنه اشترط ان تشيد المدينة في ارض منخفض لكي تكون مهددة بمياه بحيرة ابو قداحة، التي تدخلها مياه الفرات حتى إذا اردات الدولة العثمانية بالمشايخ شراً أغرقوا المدينة بمياه البحيرة والنهر.

الا ان الوالي كان حريصاً على بناء مدينة آمنة وكلف مهندساً بلجيكياً بتصميمها، فخططها المهندس واسمة جول تيلي تخطيطاً عصرياً بشوارع متقاطعة. واسست عام 1870 وكان اول دار بنيت فيها دار الحكومة، التي هدمت عام 1950 وشيدت مكانها دار جديدة بديلة. ثم سكنها ـ حسب الحسني ـ نعمة الله سركيس آكوبيان، وتلاه آخرون فعمرت ببيوتها ومتاجرها. وقد تسارع عمران الناصرية وامتدت على الضفة اليسرى لنهر الفرات وهي تبعد اليوم عن بغداد جنوباً بنحو 387 كلم وعن البصرة شمالاً بغرب 214 كلم، وبلغ عدد سكانها في عقد الخمسينات اكثر من 16 الف نسمة، وعام 1987 نحو 266 الف نسمة وارتفع عام 2002 الى نحو 535 الف نسمة.

يتبع محافظة ذي قار اليوم كل من اقضية الناصرية وسوق الشيوخ والرفاعي والشطرة والجبايش. ومن أشهر آثارها آثار أور والزقورة، ومن آشهر منتجاتها التمور.

اخيراً، من ابرز الشخصيات السياسية من ابناء الناصرية، السياسي الوطني الكبير عبد المحسن السعدون (ولد عام 1879 وتوفي منتحراً عام 1924)، الذي تولى مناصب رئاسة المجلس التأسيسي ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة، ورئيس الحكومة السابق صالح جبر (ولد عام 1895 وتوفي عام 1957)، والسياسي والوزير فؤاد الركابي. كما ولد على مقربة منها في احدى القرى التابعة لبلدة سوق الشيوخ العلامة الدكتور مصطفى جمال الدين.