بغداد تستعيد قواها نهارا لتستعد ليلا لجحيم القصف

TT

بغداد ـ أ.ف.ب: تسير وتيرة الحياة ببطء في بغداد حيث يعمل العراقيون نهارا على تأمين غذائهم وحاجياتهم الضرورية وتضميد جروحهم واستعادة قواهم، قبل ان يغرقوا ليلا في جحيم القصف والانفجارات والنيران. وعلى بعد 500 متر من فندق الرشيد، كانت جرافة تجمع الركام الناتج عن قصف مبنى الحرس الجمهوري، قوات النخبة الخاصة بالرئيس العراقي صدام حسين، الذي هدمه الهجوم الاميركي الليلة قبل الماضية.

وتبدو آثار الحرائق السوداء واضحة على جدران المبنى، فيما خرجت الستائر البلاستيكية من النوافذ التي تحولت الى فجوات. وفي الخارج، كان مسلحون من حزب البعث يتفقدون الاضرار. وفي الجهة الثانية من الطريق، اصطدمت سيارة مرسيدس بيضاء، تحت تأثير انفجار قوي على الارجح، بعامود كهربائي انحنى من قوة الصدمة.

وينشغل التجار في المحيط بازالة شظايا الزجاج من محلاتهم، فيما يعمل مسلحون وجنود على جرافة على اعداد ملاجىء في مساحة خضراء صغيرة. وتتحرك المدينة شيئا فشيئا، وتنشط حركة السير، وتطلق السيارات ابواقها. وفي هذا الوقت، تجمع شاحنات القمامة من الشوارع الرئيسية، وتفتح الافران ابوابها، وينزع تجار الفاكهة والخضار الاغطية عن البضاعة المعروضة، فيما خرج السكان للافادة من ضوء النهار ينشدون بعض الراحة. وينتشر مسلحو ميليشيا حزب البعث بلباسهم الاخضر او المدني في كل مكان في المدينة في الشوارع وعند تقاطعات الطرق، حاملين رشاشاتهم الكلاشينكوف. ويتجمع بعضهم امام باعة الشاي المتجولين ويحكون انطباعات واخبار الليلة الماضية.

في احدى صالات «البلياردو» قرب ساحة الفتح على ضفة دجلة، يلتقي بعض الاصدقاء، فيما تمكن مشاهدة شظايا صاروخين استهدفا المقر العام لهيئة الاركان في الجيش العراقي فجر السبت، امام مدخل المحل. ويروي تحسين الذي يدير المكان قائلا «عندما سمعنا اصوات الدفاعات الجوية ليلا، صعدنا الى سطح المنزل ورأينا على ارتفاع 150 مترا صاروخا يصل في خط مستقيم، ثم يعود ادراجه بعد استدارة بلغت 180 درجة ويستقر في المبنى». ويضيف «بعد بضع دقائق، وصل صاروخ ثان من جهة اخرى، واخترق المبنى نفسه بالطريقة نفسها».

وفي اي حال، تبدو آثار هذين الصاروخين واضحة في المبنى الذي يشير اليه تحسين، اذ لم يبق من سطح المنزل الا اسلاك الحديد والركام. ويصل بعد وقت قليل سائق التاكسي علي الذي يعيش في مدينة صدام. يقول انه قام صباح امس خلال ساعة واحدة بثلاث توصيلات حقق منها 3500 دينار (2.1 دولار). اما الان فيريد ان يرتاح لينسى الليلة الرهيبة التي امضاها مع ولديه على سطح المنزل يراقبون القصف. ويضع زبائن صالة البلياردو الشبان الكرات الملونة الصغيرة في المثلث الخشبي على الطاولة، ويمسكون بالعصي الخاصة ويبدأون ضاحكين اللعبة. وتستعيد المدينة حياتها فعلا في بداية فترة بعد الظهر، قبل حلول الظلام. وتفتح المحلات ابوابها لبضع ساعات، فيما تستقبل بعض المطاعم زبائن على شرفاتها لبضع ساعات، وكأن العراقيين يسعون بتأخير موعد عودتهم الى منازلهم، تأخير ساعات الجحيم.

الا ان الليل سيحل حكما، هي ساعة القصف، ساعة بكاء الاطفال، ساعة الرعب، رغم ان اصوات الانفجارات دوت للمرة الاولى نهارا بعد ظهر امس، وتبين انها ناتجة عن قصف جوي لمواقع عسكرية في جنوب وغرب وشمال بغداد. ولم تؤثر اصوات الانفجارات البعيدة على الحياة التي استمرت ببطء في وسط العاصمة.