رئيس وزراء فرنسا: الأميركيون ليسوا اعداءنا ونتمنى انتصارهم في الحرب على العراق

TT

فيما يبدو أكثر فأكثر انه مسعى فرنسي لاعادة ربط خيوط الحوار بين باريس وواشنطن من جهة ولندن من جهة اخرى بعد الحرب الدبلوماسية التي خاضها الجانبان في مجلس الامن حول العراق، اعلن رئيس الوزراء الفرنسي جان ـ بيار رافاران انه يتعين على بلاده «الا تخطئ في تعيين من هو العدو» في المواجهة العسكرية الدائرة حالياً بين القوات الاميركية والبريطانية: ونظام الرئيس صدام حسين.

واعلن رافاران صباح امس خلال وجوده في مدينة كليرمونت فيران، الواقعة وسط فرنسا، ان الحرب القائمة «ليست افضل الخيارات ولكن هذا ليس سبباً كافيا لان يختلط علينا من هو العدو، فالاميركيون ليسوا اعداء». واضاف رئيس الوزراء الفرنسي: لا يكفي ان نكون ضد هذه الحرب حتى نتمنى انتصار الدكتاتورية على الديمقراطية. ان معسكرنا هو معسكر الديمقراطية».

ولا يتضمن كلام رافاران جديدا بالنسبة للموقف الفرنسي ـ فقد سبق للرئيس شيراك أن عبر عنه قبل ايام. لكن الاهم هو ان رئيس الحكومة كرر هذا الموقف مرتين في اقل من 48 ساعة. فيوم السبت الماضي، اعلن أمام مئات من الشبان الاوروبيين ان بلير (طوني) والاسبانيين والايطاليين ليسوا اعداء». وكانت الدول الاوروبية الثلاث (بريطانيا واسبانيا وايطاليا) انحازت تماماً للموقف الاميركي في الحرب على العراق التي وقفت فرنسا (والمانيا وروسيا) في وجهها حتى النهاية ووصفتها بانها غير شرعية».

ولكن منذ اندلاع الحرب في 19 مارس (اذار) بدأت فرنسا في مراجعة موقفها. وحتى الان رفضت باريس الانضمام الى موسكو وبكين في ادانتها او طلب وقف العمليات العسكرية، كذلك التزمت موقفا حذراً في مجلس الامن. وكبادرة حسن نية من قبلها تجاه واشنطن ولندن، عمدت باريس الى فتح اجوائها امام الطائرات الحربية الاميركية المتجهة الى العراق واعلنت انها ستنحاز الى البلدين في حال عمد العراق الى استخدام اسلحة الدمار الشامل ضد قواتهما، كما قررت ارسال فرقة لمعالجة اثار هذا النوع من الاسلحة الى تركيا.

وتعطي الدبلوماسية الفرنسية الانطباع بانها تفكر في مرحلة ما بعد الحرب التي تتمنى ان تربحها القوات الاميركية والبريطانية، وان تكون قصيرة الاجل وان توقع اقل ما يمكن من الضحايا.

ولان فرنسا مشغولة بما بعد الحرب، فانها تريد ان تلج هذه المرحلة في موقع قوة، علما ان الحرب الاميركية ـ البريطانية وضعتها خارج اللعبة، وتعول باريس على اعادة اللحمة الى الاتحاد الاوروبي عن طريق اعادة نسج خيوط الحوار مع لندن بالدرجة الاولى ثم مع مدريد وروما.

وقالت المصادر الدبلوماسية لـ«الشرق الاوسط» ان طوني بلير، رغم مشاركته في الحرب واتهاماته العنيفة لفرنسا، «يمكن ان يكون حليفا موضوعياً» لباريس التي بدت وكأنها تراهن عليه لاسماع الرئيس جورج صوت المنطق. وفيما يسعى بلير لكسب هامش من المناورة بمواجهة الرئيس بوش لحشد التأييد لموقفه الداعي الى وضع العراق تحت الوصاية الدولية في مرحلة اولى قبل بروز حكومة عراقية ووضع النفط العراقي تحت رعاية الامم المتحدة، يجد شيراك في طرح بلير صدى لما تتصوره فرنسا. وترى المصادر الفرنسية ان عودة باريس التي خفت صوتها مع ارتفاع صوت القنابل، ستكون عبر واجهة مجلس الامن التي تصر باريس على ان يعهد اليه بادرة الملف العراقي، مع علمها انه طالما الحرب قائمة فان تأثيرها شبه معدوم.

غير ان الموقف الفرنسي ليس مريحا باي حال، خصوصا اذا طالت الحرب كثيرا واوقعت مزيدا من الضحايا المدنيين وغرق الاميركيون والبريطانيون في الرمال العراقية. ذلك انه سيكون من الصعب على باريس البقاء عند موقفها الاول والامتناع عن انتقاد واشنطن ولندن، فيما الرأي العام الفرنسي ما زال معّبأ ضد الحرب. وقد افاد آخر استطلاع للرأي نشرت نتائجه صحيفة «لوموند» في عددها الصادر امس ان 78% من الفرنسيين يعارضون هذه الحرب التي «لا تحظى الا بتأييد 17% منهم.

وتصل هذه المعارضة الى نسبة 90% لدى الكوادر العليا والى 85% في اوساط اليسار الفرنسي. وقد اعلن 34% من الفرنسيين فقط انهم يشعرون بقربهم من الاميركيين والبريطانيين و25% منهم انهم اقرب الى العراقيين.