الصحافي الإسرائيلي العائد من مشارف بغداد: الأميركيون لا يريدون صحافيين مستقلين في تغطية أنباء الحرب في العراق

TT

«حتى ابان الحرب العالمية الثانية، كانت الصحافة حرة ومستقلة اكثر مما هي اليوم في تغطية أنباء الحرب الأميركية ـ البريطانية على العراق. فالأميركيون يريدون ان تمر هذه الحرب من دون صحافيين مستقلين. وقد اعادوا الرقابة العسكرية البائدة الى صحافة هذا العصر، في الوقت الذي تتحرر فيه صحافة العالم الثالث منها. وفي سبيل تحقيق مآربهم، لا يكتفون بمخالفة كل الاعراف والتقاليد وحتى قوانين الصحافة الحرة بل مستعدون لارتكاب اعتداءات دامية على الصحافيين المستقلين وممارسة الترهيب ضدهم».

بهذه الكلمات لخص الصحافي الاسرائيلي، دان سمماه، تجربته خلال اسبوع واحد من تغطية احداث الحرب على العراق التي انتهت باعتقاله وثلاثة زملاء آخرين له، وتعذيبهم وتجويعهم وحتى الاعتداء بالضرب الجسدي المبرح على أحدهم.

وسمماه هو نجم تلفزيوني معروف في اسرائيل وفي الولايات المتحدة ايضا. فقد كان مراسلا للتلفزيون الاسرائيلي الرسمي (القناة الأولى) في واشنطن لمدة اربع سنوات. واعد عدة افلام تلفزيونية وتقارير لعدة قنوات أميركية، وهو اليوم مدير قسم الاخبار في التلفزيون الاسرائيلي.

ومع الاقتراب من نهاية الاستعدادت للحرب ضد العراق وجد ان القناتين التلفزيونيتين الاسرائيليتين المنافستين لقناته تمكنتا من ارسال مندوبين عنهما الى منطقة الخليج، القناة الثانية ارسلت رجل المهمات الخاصة، رون بن يشاي، الى المنطقة الشمالية من العراق، وارسلت مندوبا ثانيا لمرافقة القوات الأميركية لدى اجتياحها الاراضي العراقية من الجنوب، وارسلت القناة العاشرة مندوبين آخرين احدهما الى الكويت والثاني الى الأردن. فقرر ان ينافسهما بما هو اكبر. ويرسل مندوبا مستقلا الى العراق نفسها، يسير في اعقاب القوات الأميركية. وعندما لم يجد مراسلا يقبل القيام بهذه المغامرة، قرر ان يقوم بها بنفسه. وكما قال: «لقد عرفت انني اغامر وربما اقامر بحياتي في هذه المهمة. وودعت عائلتي كما لو انني لن اعود. لكنني كنت خائفا من العراقيين. وحيث حساب المتطرفين العرب في الكويت او في دول اخرى مجاورة. لكن في أسوأ احلامي لم اتوقع ان يكون عنائي وعذابي على يد الأميركيين».

وكان سمماه قد انضم الى زميله الاسرائيلي بوعز بوسموط، مراسل «يديعوت احرونوت» (الذي يحمل الجنسية الفرنسية، وبواسطتها زار عدة دول عربية وزار ايران)، وصحافيين آخرين من البرتغال. توجهوا معا الى العراق من الكويت كصحافيين مستقلين. وهو بالذات حمل ايضا بطاقته الصحافية الأميركية التي ما زالت سارية المفعول. واستقلوا سيارة جيب مستأجرة وساروا وراء القوات الأميركية وهي تشق طريقها من الكويت الى العراق باتجاه بغداد. ووصلوا معها الى اقرب نقطة من بغداد، التي توقفت عندها القوات الأميركية حتى يوم امس. وراح يرسل تقاريره يوميا هناك، ببث مباشر بواسطة الصورة الهاتفية. وفي البداية لم يعترض الأميركيون على ذلك. ولكن، عندما بدأوا يصفون بطء التحرك الأميركي، ثم اعلنوا ان تحرك القوات قد توقف ونسبوا ذلك الى شدة المقاومة العراقية، انقض عليهم الجنود الأميركيون واعتقلوهم. وراحوا ينكلون بهم.

وهكذا وصف سمماه ما جرى له ولزملائه: «كانت تلك أسوا 48 ساعة في حياتي. لقد طلبوا منا أولا ان نخلع قمصاننا. وفتشونا بدقة وبشكل مهين. ثم اخضعونا لعملية تحقيق. وصادروا لنا كل ادوات العمل التي نملكها. واخذوا مفاتيح السيارة. وراحوا يقولون لنا اننا جواسيس للعراق. واجبرونا على الركوع على الارض وايدينا فوق رؤوسنا. وهددنا قائد الفرقة بالقول: «جنودي مدربون ككلاب الحرب. انهم فنانون في القتل». ورفضوا السماح لنا بالاتصال مع ادارتنا في القدس، رغم اننا قدمنا لهم كل الوثائق التي تدل على جنسيتنا الاسرائيلية والبرتغالية. وامر الضابط جنوده بأن يبقونا في مكان قريب على مرمى الرشاشات النارية. لقد بقينا على هذا النحو، دون حراك، لمدة 36 ساعة متواصلة. لم يمنحونا الطعام ولا الشراب، على انهم يعرفون ان ما بقي معنا من الطعام لا يكفينا. واصر أحد الصحافيين البرتغاليين على ان يهاتف زوجته، فانقض عليه الجنود وضربوه وبذلك أوضحوا لنا جميعا، بأية شراسة سيعاملوننا اذا اقدمنا على أي تصرف لا يعجبهم».

يذكر ان ادارة التلفزيون الاسرائيلية وادارة صحيفة «يديعوت احرونوت» ابلغت الحكومة الاسرائيلية بفقدان الاتصال مع الصحافيين. وقام وزير الخارجية سلفان شالوم، وزوجته، وهي من اصحاب صحيفة «يديعوت احرونوت»، بالاتصال بالادارة الأميركية. وبعد يوم كامل من الكلام والضغوط تقرر اطلاق سراحهم. فنقلوا الى الكويت حيث جرى ابعادهم.