عراقيون في أم قصر بدأوا يتحدثون صراحة عن رغبتهم في زوال نظام صدام حسين

TT

بيد لم يبق فيها سوى أصبع واحدة، مَد فؤاد حسن جاسم المواطن العراقي المقيم في أم قصر (جنوب العراق)، يده لمصافحة ضابط تابع لقوة خفر السواحل الكويتية، شاكرا إياه على تقديم حكومة الكويت هدية للجنوب العراقي عبارة عن مليون لتر ماء يوميا.

فؤاد جاسم عراقي شيعي يبلغ من العمر 38 عاما، يعد نفسه مع 49 آخرين من المعارضين الواضحين لنظام صدام حسين في ام قصر. واظهر ذلك في حماسة واضحة، عبرت فيها كلماته عن السخط من العذاب الذي يعيشه سكان المدن الجنوبية العراقية، منذ تولي صدام السلطة، فلا يوجد ماء صالح للشرب ولا عناية طبية ولا أي من وسائل الحياة الكريمة التي يتمناها أي إنسان. وأشار الى ان الحروب التي مرت بالعراق كانت نتيجة احداها فقده لأصابع يده اليمنى في انفجار أثناء الحرب مع إيران في الفاو.

وقال جاسم أمس لـ «الشرق الأوسط»: منذ عرفت نفسي وأنا اعلم أن المياه الصالحة للشرب تأتي من البصرة إلى المدن الجنوبية، وتزايد الامر سوءا بعد بدء العمليات العسكرية ضد النظام العراقي، حيث تعذر إحضار المياه إلى المدن الجنوبية بعد اندلاع المعارك في البصرة. وأبان ان الجالون الواحد تصل قيمته إلى 250 ديناراً عراقياً.

وذكر عراقيون تجمهروا أمس في أم قصر مع بدء تدفق المياه من أنبوب تم إيصاله من الكويت إلى ام قصر ليغذي مدن الزبير وصفوان وأم قصر بواقع مليوني لتر يوميا، أنهم ممتنون للحكومة الكويتية ليس بسبب المياه والمساعدات التي تصلهم منها، بل كونها ساهمت مع القوات الاميركية والبريطانية في الحرب ضد صدام وأعوانه كما قالوا.

ولعل المستغرب في لغة الحوار الجاد الذي سمعته بعض وسائل الأعلام الغربية والعربية التي حضرت إلى أم قصر، هو جرأة البعض من العراقيين في الحديث عن الوضع الراهن بصراحة أكثر منها في المرات السابقة، وموافقة بعضهم على التقاط صور لهم دون أن يكون هناك مظاهرات أو دعوات بحياة الرئيس كما كان الوضع حين تصل المساعدات الكويتية.

وشرح ذلك الوضع، بعض المتجمهرين بقولهم إن أعوان صدام اندحروا من ام قصر والمدن الحدودية الجنوبية، لذا وفي ظل وجود القوات البريطانية التي تحمي حقول النفط وتؤمن وصول المساعدات الى المحتاجين، فهم غير خائفين. وانتقد بعضهم الرئيس الفرنسي جاك شيراك كونه يجلس في باريس ويرفض تحرير بلادهم من معاناتهم مع النظام، فيما العالم كله يوافق على تحرير بلادنا.

وشكا آخرون من الحياة الصعبة التي مرت بهم في السنوات الماضية من الحروب المتوالية والفقر الشديد الذي يعيشونه مقابل رفاه مدن أخرى داخل العراق، وبشكل محزن للغاية، فتح احدهم محفظته واخرج منها ثلاثة آلاف دينار، وقال هذا كامل راتبي، أتعلم أنني أستطيع أن اشتري به علبة سجائر فقط. وقدم احدهم ورقة من فئة 250 دينارا هدية، وقال صحيح انك لن تستطيع الاستفادة منها خارج العراق كونها دون غطاء مالي معترف به، لكنها هدية شخصية. وحرص على أن يحصل على أرقام هواتف «الشرق الأوسط» كي يتمكن من الاتصال بعد تحرير بلاده حسب قوله.

وفي ركن غير بعيد عن تجمع سائقي سيارات نقل المياه، قال عماد الموظف في ميناء ام قصر، انه يبلغ من العمر 41 عاما، وما تعانيه المدينة هو نقص المياه فقط، حيث أن المياه المتوفرة حاليا مالحة وغير صالحة للشرب او حتى لغسيل الملابس.

من جهته، قدم كواليم الضابط البريطاني من سلاح المهندسين الذي اشرف على مهمة تنفيذ وتوصيل أنبوب المياه إلى أم قصر الشكر إلى الحكومة الكويتية التي أدركت أهمية رفاه الشعب العراقي من خلال المساعدات الغذائية والطبية واليوم المياه. وقال لـ «الشرق الأوسط» انه سيتم في الأيام المقبلة بحث وسيلة أكثر فاعلية من أنبوب المياه الحالي، حيث أن الطلب على المياه مرتفع جدا في المدن الجنوبية، الزبير وأم قصر وصفوان، وفيها أعداد هائلة من الناس، لذا فانه سيتم اختبار مياه نهري دجلة والفرات وبحث امكانية توفير المياه لسكان الجنوب منها متى ما كان صالحا للاستخدام الآدمي والشرب. وأفاد بان الامر الذي يتحكم في موضوع تقديم المزيد من المساعدات هو الحالة الأمنية في المدن المستهدف العمل فيها اغاثيا، بجانب تقدم القوات العسكرية شمالا، بعد تأمين المواقع التي تمر بها. ولم يفصح عن تكلفة المشروع، لكنه أوضح إنها بادرة مهمة من الشعب الكويتي.

من جانبه، قال علي المؤمن الفريق المتقاعد رئيس مركز العمليات المشتركة والإنقاذ الإنساني في الكويت والذي رافق الصحافيين الى ام قصر، انه سيتم توصيل مياه الأنبوب إلى نقطة واحدة في ام قصر، على ان يتم الاستفادة من الامكانات المحلية في نقل المياه الى مراكز التوزيع المختلفة. واوضح ان المياه التي تتدفق عبر الأنبوب ما هي الا هدية دون مقابل وليس كما أوردت وكالات انباء من اننا سنتقاضى عن ذلك العمل مالا.

واختتم العراقيون دعوتهم لضيوفهم بابتسامات بينما غطت وجوههم الأتربة، واعتذر جاسم عن سوء حالته وهيئته، بقوله «اتصدق اننا دولة غنية جدا بكل الثروات وهذا حالنا، في البصرة لوحدها 1400 بئر نفط ونعيش فقراء. حتى الدخان الذي نحرق به همومنا لم نقربه، بسبب غلائه مقابل دخولنا».