حرب العراق تشعل مجددا الخلافات بين جناحي المتشددين والمعتدلين في إدارة بوش

TT

ادت الايام الاثنا عشر الاولى للحرب في العراق الى تجدد ظهور الانقسامات العميقة التي ظلت دائما سائدة في اوساط ادارة الرئيس جورج بوش والحزب الجمهوري، بشأن السياسة الاميركية تجاه العراق.

ويبذل مسؤولون حكوميون سابقون ينتمون الى الحزب الجمهوري وعدد من زعماء الحزب، في الوقت الحالي، جهودا حثيثة خلف الكواليس لاقناع الرئيس بوش بان النصيحة التي تلقاها من نائب الرئيس ديك تشيني ومن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائب وزير الدفاع بول وولفوويتز، وهي مجموعة ظلت على الدوام تختلف مع وزير الخارجية كولن باول، لم تكن صائبة بل محفوفة بالمخاطر بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة على المدى الطويل.

وبعد اشارته الى تصريحات سابقة لتشيني وآخرين حول توقع تحقيق نصر سريع في حرب العراق وترحيب العراقيين بالقوات الاميركية، قال مسؤول من الحزب الجمهوري انه وآخرين يتفقون معه في الرأي ينظرون في ما «اذا كان الرئيس قد تعلم شيئا من النصيحة المغلوطة التي تلقاها».

واعرب عدد آخر من الجمهوريين والمسؤولين في الادارة، بعضهم مقربون من باول، عن قلقهم من ان خطة حرب العراق التي استندت على بدء الهجوم بعدد محدود من القوات كانت مبنية على افتراضات خاطئة تتوقع انهيار الحكومة العراقية بسرعة. كذلك، تسود في اوساط بعض المسؤولين، وخاصة في وزارة الخارجية، مخاوف من ان تؤدي السياسية الاميركية في مرحلة ما بعد الحرب، اذا لم تتسم بالحكمة، الى مضاعفة عزلة الولايات المتحدة عن حلفائها وعن المؤسسات الدولية.

وقال احد مستشاري الرئيس ان بوش «لم يتخذ موقفا صارما حول هذه المسألة، كما انه يتبنى موقفا غامضا» بشأن الجدل الذي بات يظهر على السطح داخليا.

ومع تأكيد باول دعمه لخطة الحرب، فان اولئك الذين يعملون خلف الكواليس قالوا انهم يبذلون مساعيهم من دون دعم محدد منه. وبالفعل، هناك مؤيدون لباول ينتقدون فشله في التصدي بقوة لبعض الافتراضات المتعلقة بالحرب في العراق. وقال مسؤول سابق في الحزب الجمهوري: «لن يتحمل باول مسؤولية المعركة، كما انه لن يمثل خبراء وزارة الخارجية الذين يشعرون بالفزع مما قد يحدث».

مسؤولو ادارة بوش عموما ظلوا محافظين على صمتهم بشأن ما يدور من مناقشات، ويصرون رسميا على وحدة موقف كبار مستشاري الرئيس بوش لشؤون الامن القومي. لكنهم ايضا يعترفون بعدم حسم بعض الخلافات في اوساط الادارة. ومع استمرار الحرب فان المخاطر المترتبة على الجدل الدائر بشأن العراق تبدو متزايدة بحيث انها لن تؤثر فقط على مسار النزاع بل على قبول العالم للغزو الاميركي للعراق وما سيترتب عليه.

وقلل المسؤولون من اهمية الانتقادات التي تقول انه جرى التعجل بتنفيذ خطط الحرب. وقالوا ان جميع اعضاء مجلس الامن القومي في ادارة بوش وافقوا على الخطة التي اسفرت خلال اقل من اسبوع عن السيطرة على ما يقرب من نصف العراق وعن تمركز القوات الاميركية في مواقع تبعد قرابة 80 كيلومتراً عن بغداد وعن البدء بتوزيع المساعدات الانسانية.

وفي مؤتمر عقده الرئيس بوش مع كبار مساعديه، عبر الهاتف يوم السبت الماضي، اتفق الرئيس مع وجهة نظر رامسفيلد التي تفيد بالتمهيد للتقدم نحو مواقع الحرس الجمهوري المحيطة ببغداد. وقال مسؤول كبير في وزارة الدفاع (البنتاغون): «لقد اثبت الرئيس انه زعيم متمكن، وهو يتمتع بتأييد جميع مستشاريه. لكنني اشعر بالقلق من هذا النوع من الاقاويل لأنه من الاهمية بمكان المحافظة على وحدة الموقف بهذا الخصوص. هذا ليس وقت الحاق الاذى بجهودنا». واضاف هذا المسؤول ان الحكومة العراقية ستستغل «اية نقطة ضعف»، وان اي اقتراح يشير الى حدوث انقسامات في المستويات العليا من الادارة "قد يفيد الآلة الدعائية لبغداد». من جانبها، امتنعت المتحدثة الرسمية باسم تشيني عن التعليق عن هذه الانقسامات.

اما باول فقد ابعد نفسه عن اولئك الذين يشككون في خطة الحرب وفي وحدة الموقف داخل الادارة. وقال وزير الخاريجة اول من امس: «تلقيت باستمرار تقارير حول الخطة، ولدي ثقة تامة فيها وفي القادة الميدانيين الذين ينفذونها».

ومن النقاط المثارة للجدل حالياً في واشنطن، القول بأن وزير الخاررجية باول يعكس الى حد كبير الرؤى الدولية للرئيس الاسبق جورج بوش الاب، الذي كان قد حشد قبل 12 عاما تحالفا دوليا واسعا وقوة من 500 الف جندي اميركي لاخراج القوات العراقية من الكويت.

وكان بوش الاب قد دافع في مقابلة صحافية اجريت معه في الآونة الاخيرة بشدة عن باول، وقال: «اكره توجيه انتقاد الى كولن باول مهما كان حجمه». واعتبر بعض المسؤولين الحاليين والسابقين هذه الملاحظات رسالة الى خصوم باول في اوساط الادارة. وقال مسؤول سابق: «الشخص الوحيد الذي يمكنه الوصول للرئيس هو والده، لكن يبدو ان الوقت لم يحن لكي يتحدث اليه».

وكان بعض المسؤولين السابقين المنتمين للحزب الجمهوري قد دافعوا خلال الصيف الماضي عن التوجه للامم المتحدة بهدف حشد تأييد دولي اوسع لمواجه العراق بدلا من تحرك الولايات المتحدة بشكل انفرادي. وقد قرر الرئيس السعي للحصول على دعم الامم المتحدة، وهو المسار الذي حبذه باول بقوة، بعدما كان مستشار الامن القومي السابق (في عهد جورج بوش الاب) برنت سكوكروفت ووزير الخارجية الاسبق جيمس بيكر قد اعربا علنا عن تأييدهما لهذا التوجه. لكن مسؤولين في الادارة الحالية قالوا ان بوش اراد دائما التوجه للأمم المتحدة وانه لم يتأثر بما طرحه ممستشارا والده السابقان.

ومنذ ذلك الوقت، لم يعد بامكان سكوكروفت الذي يرأس حاليا مجلسا استشاريا تابعا للرئيس ومختصا بشؤون المخابرات الاجنبية التواصل كما يشاء مع البيت الابيض نتيجة لانتقاداته المعلنة لسياسات الادارة الحالية تجاه اوروبا وحلف شمال الاطلسي والامم المتحدة.

واول من امس دافع بيكر اثناء مشاركته في برنامج تلفزيوني عن النهج الذي تتبعه الادارة بشأن الحرب. لكنه قال في ما بعد ان على بوش ان يدعو لعقد مؤتمر سلام عربي ـ اسرائيلي تماما كما فعل والده خلال عام 1991. واصر على تنفيذ «خريطة الطريق» الخاصة بالسلام، التي اعدتها اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا والامم المتحدة) بدون ان يضع الطرفان شروطا مسبقة. وقد اتهم البعض الادارة الحالية بانها وضعت المزيد من العقبات الاولية بشأن هذه المسالة امام الفلسطينيين.

وقال مصدر مطلع على ما يطرحه مسؤولو الحزب الجمهوري السابقين: «هناك رؤية واضحة تشير الى ان مسار السياسة الخارجية في اطاره العالمي والذي تزعمته الولايات المتحدة تعرض للتهميش وان هذا ليس اسلوبا صحيحا لتنفيذ السياسة المطلوبة». واضاف: «هناك انشقاقات داخل الادارة بشأن المسالة الكبرى المتعلقة بنوع العمل الدبلوماسي المطلوب وبحاجة ان يتم اعداد قواتنا المسلحة لتنفيذ مهامها وفقا لتلك السياسة الخارجية».

من جانبهم ينظر خصوم باول داخل الادارة اليه على انه من نوع المقاتلين المهنيين ذوي الكفاءة ممن قد يبدو عليه التماسك رغم انه لم يحقق النجاح الدبلوماسي المطلوب، وهي ميزة ينسبونها لقدرته على التأثير على وسائل الاعلام ووضع صورته امام الجمهور في عين الاعتبار. وكان باول قد اشار في مقابلتين اجريتا معه خلال الاسبوع الماضي الى نتائج استطلاعات الرأي حيث قال: «يعتقد 83 بالمائة من الشعب الاميركي انني اقوم بعملي جيدا».

ودفع التأييد الكبير الذي يتمتع به باول، حسب استطلاعات الرأي، بعض معارضي وزير الخارجية الى التساؤل عن سبب عدم توجية الجمهور اللوم لكبير الدبلوماسيين عندما تفشل الجهود الدبلوماسية والى زعم ان الحرب كانت ستمضي بشكل افضل لو ان الرئيس استمع فقط الى رايه.

يشار الى ان باول يحتفظ في اوساط الادارة بعلاقات حميمة مع العسكريين الذين اعتادوا على الدوام الاختلاف مع رامسفيلد. وعلى الرغم من عدم توفر ادلة في ايديهم، فان العديد من كبار المسؤولين يشتبهون في ان باول يتمتع بتأثير ما من خلال هذه القناة الخلفية. وقال مصدر من هؤلاء ان هناك «تذمرا في اوساط الجنرالات تجاه البيت الابيض» يتعلق بالاتجاه الذي تمضي اليه الحرب.

وكان الرئيس قد اعرب في مناسبات عدة عن دعمه لجانبي هذا الجدل حيث اتفق في نهاية المطاف مع باول بشأن الحاجة للسعي لحشد الدعم الدولي ومع رامسفيلد بشأن الخطة العسكرية. وخلال الاسبوع الماضي، قلل باول خلال حديث اذاعي معه من اهمية ما يقال بشأن تجاهل الرئيس لنصائحه. واضاف: «انا شخصيا على توافق شديد مع الرئيس وهو يقدر خدماتي».

بدوره، قال مستشار لبوش: «يريد رامسفيلد ان يدفع بنهج باول نحو الزوال»، مشيرا الى الخطة العسكرية التي كان باول قد وضعها عندما كان رئيسا لهيئة الاركان. وذلك النهج في اطاره الاشمل، والذي وجه تفكير وزارة الدفاع خلال حرب الخليج قبل 12 عاما، دعا الى توفير قوات حاسمة ووضع اهداف محددة وحشد الدعم الشعبي ضمانا لتحقيق النجاح.

واضاف هذا المستشار ان رامسفيلد يرغب في تنحية نهج باول جانبا لاسباب منها «انه اولا يعتقد بعمق ان العسكرية الحديثة التي تتوفر لها تقنية حديثة تحتاج الى خوض نوع مختلف من المعارك. وثانيا لانه يرى امامه نوعا جديدا من تحديات السياسة الخارجية وهو بالتالي يريد ادارة السياسة الخارجية وليس فقط وزارة الدفاع. وتحديات السياسة الخارجية تلك تتطلب من الولايات المتحدة ان تكون قادرة على نشر قواتها بشكل سريع وبأثر ايجابي فعال في جبهات متعددة وخلال زمن متعدد لأن المرء يواجه هذا النوع من العناصر التي لا دولة لها».

كذلك قالت بعض المصادر ان وزارة الخارجية ومكتب نائب الرئيس ضغطا على وزارة الدفاع خلال الاستعداد للحرب من اجل ارسال سفن تحمل الدبابات والمعدات المطلوبة للفرقة الثالثة مشاة الموجودة في الكويت مباشرة بعد رفض تركيا طلبا تقدمت به الادارة الاميركية يوم الاول من مارس (آذار) الماضي استقبال تلك المعدات. لكن وزارة الدفاع ارادت مواصلة مساعي فتح جبهة في شمال العراق عبر تركيا وقد تحقق لها ما ارادت، حيث بدأت هذه السفن في الحركة فقط خلال الاسبوع الماضي.

وقال مصدر مطلع ان باول كان قد تساءل عما اذا كان وجود مشاة الفرقة الرابعة في المكان المطلوب قبل اندلاع الحرب سيمثل مشكلة، لكنه حصل على تطمينات بذلك الخصوص. وقال باول اخيرا انه عرض نصيحته بشأن خطة الحرب والتي كانت قد وضعت في بادئ الامر استنادا على عدد اقل من القوات التي كانت قد توجهت نحو العراق قبل عشرة ايام مضت. واضاف «اعتقد انني ساهمت بشكل مفيد وبطريقة لا تتناسب فقط مع خبرتي بل مع موقعي الحالي. ذلك انني احرص على المحافظة على نهجي الخاص».

وعشية الحرب عندما سأل بوش كلا من كبار مستشاريه عما اذا كان لدى اي منهم ملاحظة بشأن خطة الحرب لم يتقدم باول بأي اعتراض. وقال مصدر رفيع في وزارة الخارجية ان باول لم يوص بحشد عدد اكبر من القوات.

من جانبه، فان باول نفى علنا ان تكون خطة الحرب قد فشلت، وقال في مقابلة تلفزيونية اجريت معه الاسبوع الماضي ان ما يطرحه البعض بشأن عدم كفاية القوات يعد «تهريجا»، مضيفا: «هذا اسلوب معتاد في الحديث».

مع ذلك وخلال سلسلة من المقابلات الصحافية منذ اندلاع الحرب سعى باول لابعاد نفسه عن تلك التطمينات الواثقة بشأن تحقيق نصر محتوم والتي اشار اليها عدد آخر من كبار المسؤولين، وعرض وجهة نظره الخاصة بشأن الحملة العسكرية. ففي ذلك اليوم ورد عن العميد ويليام والاس ضابط الجيش المسؤول في العراق انه قال ان القوات الاميركية واجهت مشاكل غير متوقعة، وهي عبارات أثارت قلق مسؤولي البيت الابيض. لكن باول قال: «لدي ثقة مطلقة بالقادة العسكريين الذين يديرون هذه الحرب... وانا مدرك لذلك فانا الذي دربتهم».

كما ان باول عرض وجهة نظر اخرى فسرت من قبل البيت الابيض على انها موجهة لوولفويتز «المشاكس العنيد» الذي لم يخدم في الجيش. فقد قال باول: «عندما تحين الحرب فان هناك ثمناً لابد من دفعه (سقوط ضحايا) وهذا لا تدفعه صفوة المجتمع بل اولئك الشباب الاميركيون الرائعون الذين خدموا بلادهم ويؤمنون بالعمل الذي يقومون به».

وبعد مراجعة الوزير باول قال مصدر رفيع المستوى في وزارة الخارجية ان ما طرحه باول «لم يكن موجها لأحد بل هو تعبير عن الحقيقة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الاوسط»