دونالد رامسفيلد... الرجل الذي قيل عنه إنه قادر على إفقاد أميركا صديقا كلما أطلق تصريحا

TT

إذا أجري استفتاء بين الاعلاميين العالميين، والدبلوماسيين في مختلف دول العالم ايضا، عن الشخصية الأقل وداً وقبولاً داخل الادارة الاميركية الحالية، لاحتل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد (اللفظ الصحيح للإسم هو «رمسفلد») المرتبة الاولى بلا منازع. بل قيل غير مرة حتى في الاعلام الاميركي ان هذا الرجل، رغم كل قدراته الهائلة، قادر على إفقاد واشنطن صديقاً كلما أطلق تصريحاً.

هذه بالطبع شهادة غير مستحبة البتة، عندما تخوض الولايات المتحدة، متحدية الارادة الدولية، حرباً قررت بمفردها هدفها ومكانها وزمانها وحملتها الاعلامية.

فالحرب على العراق، أقنعت الادارة الاميركية نفسها بها، وجرّت معها إليها من وصفتهم بـ«الحلفاء الراغبين». وزرعت في ذهن المواطن الاميركي والبريطاني «صوراً» على شاكلة ان العراقيين متحرقون على استقبال جيوش التحرير الانجلو ـ اميركية بأذرع مفتوحة... منتظرين منها نعمة التحرير. وانه بعد ليلة او اثنتين على الأكثر من القصف الصاروخي والجوي الهدار على المدن العراقي سيتداعى النظام في بغداد.

ولكن خلال اليومين الماضيين مع تزايد الهمهمات عن مقاومة «غير متوقعة» في ام قصر والبصرة والناصرية وابو الخصيب وسوق الشيوخ، وعن وجود أزمة لوجستية نتيجة الزحف المتعجل عبر الصحراء غربي النجف وكربلاء، ناهيك من سقوط عشرات القتلى المدنيين العراقيين داخل الاحياء السكنية وعلى الطرق، لاحظ الاعلاميون في الولايات المتحدة (وبريطانيا ايضاً)، ان ثمة تبايناً في خطابي القيادتين السياسية والعسكرية.

ثم رشحت إشاعة عن ان رامسفيلد خالف رأي كبار جنرالات الجيش الأميركيين مصراً على خيار تغليب التكنولوجيا المتطورة والاسلحة الذكية على اعتماد العديد الكبير.

وتصاعد التخمين عن وجود «أزمة» إثر مبادرة رامسفيلد والجنرالات الى «طمأنة» الرأي العام الاميركي الى ان التفاهم كامل حول العمليات العسكرية، وان كبار الضباط هم الذين قرروا زمان الحملة ونوعية اسلحتها وعديد القوات المستخدمة فيها. ولكن مع هذا فقد رامسفيلد مزيداً من النقاط.

من ناحية أخرى من قال ان على «أسياد البنتاغون» ان يكونوا من جهابذة الدعاية والعلاقات العامة في «ماديسون أفينيو»؟ ومن قال ان في رأس المؤهلات المطلوبة بدماغ السياسية الدفاعية الاميركية ان يكون ذا وجه «لطيف امام الإعلام»، او كما يقال بلغة باربرا وولترز، Media Friendly؟

أليس أنسب لأعظم قوة عسكرية في العالم ان يكون قائدها من... معدنها الصلب؟ أليس أوفق لـ«الحربجي» الاميركي الاول ان يخلق عند الاعداء والاصدقاء على حد سواء انطباع القوة الخارقة والثقة المطلقة بالنفس... حتى ولو تضايق الالمان والفرنسيون والروس بين الفينة والفينة؟

مع أخذ كل ما سبق في الحساب، فإن من تتبع مسيرة دونالد رامسفيلد، ذلك الرجل الوسيم الذي اسند الىه منصب وزير الدفاع عام 1975 وهو في سن الثالثة والاربعين، والخط البياني لسيرته الذاتية ليستغرب كيف انتقل شيئاً فشيئاً من مواقع الوسط في الحزب الجمهوري الى مواقع أقصى اليمين، وصار الوجه العلني لأشد تيارات التصلب والتطرف بداخله.

ولد دونالد هـ. رامسفيلد، ابن جورج رامسفيلد وجينيت هوستيد، يوم 9 يوليو (تموز) عام 1932 في مدينة شيكاغو. وهو متزوج من جويس بيرسون منذ عام 1954 واب لولد وبنتين وله خمسة أحفاد. ومنذ بواكير حياته تمتع بذكاء حاد وقوة بدنية كبيرة.

تلقى دراسته الجامعية في جامعة برينستون العريقة الراقية، وخدم في طيران سلاح البحرية بين عامي 1954 و1957، وحصل في تلك الحقبة على بطولة سلاح البحرية في المصارعة. وبعد فترة خدمته العسكرية تحول الى مجال الاعمال والسياسة ضمن صفوف الحزب الجمهوري.

عام 1962 انطلق في مسيرته السياسية عندما انتخب عضواً في مجلس النواب الاميركي عن ولاية ايلينوي وهو في سن الثلاثين. واحتفظ بمقعده في مجلس النواب لثلاث دورات أخرى. الا انه تخلى عنه عام 1969 ليلتحق بفريق إدارة الرئيس السابق ريتشارد نيكسون في البيت الابيض حيث عين مديراً لمكتب الفرص الاقتصادية، ومساعداً للرئيس، ثم مديراً لبرنامج الاستقرار الاقتصادي ومستشاراً للرئيس.

في مطلع عام 1973 عين رامسفيلد سفيراً للولايات المتحدة في حلف شمال الاطلسي «ناتو» بالعاصمة البلجيكية بروكسل. ثم مع تداعيات فضيحة «ووتر غيت» التي هزت الحزب الجمهوري واطاحت لاحقاً برئاسة نيكسون، استدعي عام 1974 من بروكسل ليرأس الفريق الانتقالي للرئيس جيرالد فورد (نائب نيكسون وخلفه)، ومن ثم عيّن رئيساً لجهاز البيت الأبيض وعضواً في حكومة فورد بين 1974 و1975، ثم أصبح اصغر وزير دفاع في تاريخ الولايات المتحدة عندما اسند اليه فورد هذا المنصب عام 1975، وبقي فيه حتى عام 1977 عندما خسر فورد الرئاسة امام جيمي كارتر. وفي هذا العام منح الوسام الرئاسي للحرية، وهو ارفع وسام مدني اميركي.

بعدها تولى رامسفيلد التدريس الجامعي لفترة قصيرة في معهد وودرو ويلسون للعلاقات الدولية بجامعة برينستون، ثم في معهد كيلوغ العالي للادارة في جامعة نورثويسترن، الراقية بضواحي شيكاغو الشمالية، ومن هناك انتقل كلياً الى مجال الاعمال الحرة التجارية والمالية. وفي ربيع 1977 عين مديراً تنفيذياً لشركة جي. دي. سيرلي للادوية وظل فيها حتى عام 1985 محققاً لها نجاحاً ضخماً. وتفرغ لاحقاً للعمل الحر الخاص حتى عام 1990 وعاد لبعض الوقت للإشراف على إحدى كبريات تقنيات التلفزيون والاتصالات (بين 1990 و1993) ثم استأنف اعماله الحرة الخاصة، وكان آخر مناصبه الادارية الخاصة التي تولاها قبل تعيينه مجدداً وزيراً للدفاع عام 2000 رئاسة مجلس إدارة شركة غيلياد (جلعاد) ساينسيز إنك للادوية والكيماويات.

الا ان رامسفيلد، حتى ابان فترات ابتعاده المؤقت عن الواجهة السياسية ظل ناشطاً في هذا المضمار. فبين عامي 1982 و1986 كان عضواً في لجنة مستشاري الرئيس (رونالد ريغان) للتسلح، وبين 1983 و1984 كان مستشاراً كبيراً ضمن الفريق الرئاسي لانظمة الاسلحة الاستراتيجية، وبين 1983 و1984 عضواً في المفوضية الاستشارية الاميركية اليابانية المشتركة، وكذلك موفداً رئاسياً خاصاً الى الشرق الاوسط.

كما كان عضواً في المفوضية الوطنية للخدمة العامة بين 1987 و1990، وفي المفوضية الوطنية للاقتصاد بين 1988 و1989، وفي هيئة الزائرين للجامعة الوطنية للدفاع بين 1988 و1992، وفي مفوضية العلاقات الاميركية اليابانية بين عامي 1989 و1991، وفي مفوضية مراجعة العجز في الميزان التجاري للولايات المتحدة بين 1999 و2000.