عسكريون أميركيون: الهجوم على بغداد بعد أيام و480 غارة استهدفت مواقع الحرس الجمهوري خلال يوم واحد

محللون: تأخر الزحف إلى العاصمة سببه استدراج وحدات فرقة «المدينة» التابعة الحرس الجمهوري للخروج من المخابئ واعتماد استراتيجية الهجوم الأرضي والجوي

TT

قال مسؤولون عسكريون اميركيون انه على الرغم من التقارير الواسعة الانتشار حول التوقف المؤقت للحرب في العراق، فإن هجوما كاسحا وضخما يتوقع شنه على مواقع قوات الحرس الجمهوري بعد بضعة ايام او اسبوع على الاكثر.

وأوضح المسؤولون ان تدمير قوات الحرس الجمهوري يأتي في صدارة أولويات وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون)، ان توقيت الهجوم البري يعتمد على فعالية الضربات الجوية المتواصلة واعادة امداد وتموين القوات الاميركية، بيد ان الاهتمام يتركز على شن هذا الهجوم في وقت قريب.

ومن المرتقب ان تكون ساحة هذه المعركة على بعد 80 كيلومتراً الى الجنوب من بغداد حيث وصلت فرقة المشاة الثالثة التابعة للجيش الاميركي الى هناك خلال تقدمها الاسبوع الماضي ولا تزال تنتظر لشن هجوم على العاصمة العراقية. مواقع «فرقة المدينة» التابعة للحرس الجمهوري لا تبعد كثيرا، وتعتبر الاقرب الى هذا الموقع مقارنة بعدة وحدات اخرى تنتشر في المنطقة الفاصلة بين القوات الاميركية والعاصمة بغداد. ويعتقد مراقبون ان فترة الهدوء المؤقت الحالية قبل شن الهجوم البري المرتقب تعكس القلق ازاء الاخطار المحتملة على خطوط امداد القوات الاميركية والاجراءات الاحترازية التي يمكن ان تنقذ حياة الاميركيين.

وقال مسؤولون عسكريون ان لفرقة المشاة الثالثة كميات كافية من الذخيرة والوقود والمواد الضرورية الاخرى التي تسمح لها بشن الهجوم المتوقع على بغداد، بيد ان الإمداد يعتبر عملية مستمرة، كما ان خط الامداد الرئيسي للقوات الاميركية الذي يقدر طوله بحوالي 500 كيلومتر تعرض في بعض الحالات لهجمات شرسة غير متوقعة من مسلحين عراقيين في الجنوب.

في غضون ذلك، واصلت القوات الاميركية حملة القصف على نحو يومي بغرض إضعاف «فرقة المدينة» التي يقدر عدد افرادها بحوالي 10000 جندي وضابط. وتجدر الإشارة الى ان قوات الحلفاء اعتمدت على تكتيكات مماثلة في حرب الخليج السابقة عام 1991، اذ شنت القوات حملات قصف متواصلة على مواقع القوات والدبابات العراقية قبل شن الحرب البرية في الكويت لإخراج القوات العراقية.

وأشار مسؤولون اميركيون الى ان الحرب تسير وقف الخطة التي وضعت في البداية، اذ قال الجنرال ريتشارد مايرز، رئيس هيئة الاركان المشتركة للجيوش الاميركية، لشبكة «سي. ان. ان» التلفزيونية الاميركية انه ليس هناك توقف في العمليات العسكرية، في اشارة الى ان العمليات العسكرية تسير وقف الخطة الاولية.

إلا ان التقدم السريع لطوابير الدبابات الاميركية داخل العراق في بداية الحرب أثار تساؤلات متزايدة حول عدم تنفيذ الهجوم البري الرئيسي حتى الآن، علما بأن خبراء عسكريين قالوا ان التقدم السريع للفرقة الثالثة من الكويت في بداية الحرب يعتبر اسرع تقدم في التاريخ العسكري. وقال الكولونيل المتقاعد وخبير شؤون الامن القومي بجامعة بوسطن آندي بيسفيتش انه لم تعد هناك مصداقية في الاصرار المستمر للرئيس جورج بوش والقيادة الوسطى على ان العمليات العسكرية تسير وفقا للخطة الموضوعة وانهم لم يتفاجأوا بالمقاومة العراقية، لكنه اشار في نفس الوقت الى ان توقف الفرقة الثالثة لا يعني بالضرورة ان هناك فوضى.

ويقول بيسفيتش ان جزءا من التأخير الحالي يعود الى صعوبة تحديد عدد افراد القوات العراقية الذين قتلوا او جرحوا من جراء الضربات الجوية وحجم المعدات العسكرية التي لا تزال صالحة للاستخدام في القتال.

ويعتقد مراقبون ان المعركة المقبلة ربما تكون حاسمة في كشف القوة الحقيقية للدفاعات العراقية، اذ تعتبر «فرقة المدينة»، الافضل تدريباً وتجهيزاً، مزودة بأقوى الدبابات الموجودة في الترسانة العراقية، لذا فإنها من المتوقع ان تشكل تحديا أمام تقدم قوات الحلفاء صوب بغداد. ويرى محللون ان القوات الاميركية اذا استطاعت إلحاق هزيمة سريعة بأفضل الوحدات العسكرية العراقية من ناحية التدريب والتسليح والاستعداد للقتال، فإن ذلك سيضعف من قبضة الرئيس صدام حسين على السلطة ويقوي من المعارضة الداخلية.

جدير بالذكر ان المروحيات الاميركية ظلت تنفذ مهام يومية لضرب مواقع «فرقة المدينة» وفرقتين اخريين تابعتين للحرس الجمهوري تتمركزان في المسافة الفاصلة بين مواقع القوات الاميركية والعاصمة العراقية، اذ ان 480 من جملة 800 غارة وقعت اول من امس، شنت على مواقع لقوات ومعدات الحرس الجمهوري.

من جانبه قال الجنرال ريتشارد مايرز ان الفرق العسكرية العراقية في جنوب بغداد قد فقدت نصف قدراتها القتالية نتيجة للضربات الجوية وحملات القصف. وتجدر الاشارة الى ان الهدف من الحرب الجوية خلال حرب الخليج السابقة عام 1991 تركز في تقليص القدرة القتالية للوحدات العراقية بمعدل 50 في المائة قبل شن الهجوم البري.

ولكن التحديد الدقيق للأضرار العسكرية امر صعب، اذ ان العراقيين نجحوا فيما يبدو في تعلم دروس من تجربة الصرب الذين استخدموا التمويه خلال حرب كوسوفو عام 1999 لتضليل طائرات الحلفاء ودفعها الى قصف معدات حربية غير صالحة ومواقع مدفعية ودبابات مموهة.

ويعتقد انتوني كوردسمان، خبير شؤون الشرق الاوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بعدم وجود سبب يدعو الى الاستعجال في خوض المعركة، كما يرى ان افضل استراتيجية تتمثل في السماح بأكبر قدر من الحركة لوحدات الحرس الجمهوري والجيش العراقي النظامي على اعتبار ان تحرك هذه الوحدات من مواقعها المموهة سيسهل عمليات رصدها ومن ثم تدميرها.

ويتطلب استدراج الوحدات التابعة لـ«فرقة المدينة» وحملها على الخروج من مخابئها، الاعتماد على استراتيجية شن هجوم ارضي وجوي في آن واحد. وعندما يحدث ذلك، سيكون بوسع القوات الاميركية شن هجوم بالدبابات والمدفعية والمروحيات والطائرات المقاتلة، أي شن هجوم تستخدم فيه ما يطلق عليه العسكريون «الاسلحة المشتركة».

وبدخول القوات البرية الاميركية في اشتباك مع قوات الحرس الجمهوري ستكون الفرقة الثالثة متمركزة في مواقعها لمدة اسبوعين تقريبا مما يقود الى سؤال واضح هو: لماذا العجلة باتجاه بغداد في الاساس؟.

ويقول خبراء عسكريون ان واحدا من الاسباب يكمن في ان خطة البنتاغون العسكرية تعتمد على احتمال انهيار حكومة صدام خلال فترة ايام فقط. واذا حدث ذلك، فإن القوات الاميركية ستكون في حاجة الى وحدة عسكرية قوية في منطقة مجاورة للتدخل في الوقت المناسب.

ولكن في ظل استمرار سيطرة صدام حسين والمجموعة الموالية له، فإن المخططين الاميركيين اضطروا لتحويل الطاقة والتركيز نحو تأمين خط الامداد المعرض لخطر هجمات المسلحين العراقيين الموالين لنظام صدام حسين مما تسبب في وقف الهجوم بصورة مؤقتة.

ثمة عامل آخر يتمثل في عدم وجود قوة اميركية هائلة تتحرك باتجاه الجنوب انطلاقا من تركيا حيث كان من المفترض استخدام الفرقة الرابعة لتقسيم دفاعات صدام حسين وإجبار القيادة العراقية بالتالي على إرسال قوات ودبابات باتجاه الشمال، لذا فإن رفض الحكومة التركية السماح لقوات اميركية باستخدام اراضيها للعبور الى شمال العراق قد غير خطة الحرب الاميركية.

وعدم وجود جبهة ثانية سمح للعراق بتركيز كل قواته تقريبا، النظامية وغير النظامية، في الجنوب مما سمح للعراقيين بتكثيف هجماتهم على خط امداد القوات الاميركية وتشكيل تحد أمام القوات الاميركية في مدن رئيسية لم يكن متوقعا ان تشكل مقاومة أمام قوات الحلفاء.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»