عشرات الأقمار الصناعية تنضم إلى الحرب في العراق

TT

قبل تسعة ايام من بداية الحرب ضد العراق، اطلقت وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) قمرا صناعيا وزنه طن وتكلفته 200 مليون دولار، وذلك لتسريع الاتصالات بين مسؤولي البنتاغون والقادة العسكريين الميدانيين. وقد التحق هذا القمر بأسطول من الاقمار الاخرى التي جعلت هذه الحرب مختلفة عن اية حرب اخرى. ويزود عدد من الصواريخ قوات التحالف في العراق بشبكة غير مرئية من الاتصالات والتوجيهات واعمال الاستكشاف والنشرات الجوية والتحذيرات من الصواريخ وتحديد الاهداف وتقدير الخسائر.

واعتمدت حرب الخليج السابقة عام 1991 بصورة كبيرة على الاقمار الصناعية، لكن الخبراء يقولون ان اعتماد القوات المسلحة الاميركية على هذه الاقمار تزايد بصورة غير عادية. ويقول هؤلاء الخبراء ان هذا الاسطول يضيف قوة غير عادية لعشرات الاسلحة في الميدان. وهناك عدد اكبر من الصواريخ في طريقه الآن الى الفضاء. وقال بيتر تيتس وكيل سلاح الطيران امام لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ: «لدينا 12 عملية اطلاق فضائي خاصة بالامن القومي مبرمجة لعام 2003، مقارنة بواحدة فقط اثناء عام 2002».

وصرح الميجور جنرال فرانكلين بليزديل، مدير العمليات الفضائية بسلاح الطيران، بأن القوة الفضائية تتحول الى قوة ارضية في النهاية، واضاف للمراسلين: «انها تمثل الشرفة العالية في القتال».

ويتساءل المتشككون في ما اذا كان التفوق الساحق في المعينات الفضائية، الذي تتمتع به الولايات المتحدة حاليا، قد اصابها بالغرور والثقة المفرطة. فالاجهزة لا يمكنها منع العواصف الرملية ولا تجدي في القتال من باب الى باب، ويثبت التاريخ ان القوات يمكن ان تقاتل حتى اذا كانت اضعف من حيث التسليح.

ويدعو محللون آخرون لمزيد من الصبر. فالتقدم التكنولوجي والمعينات الفضائية للقتال، اعطت القوات الاميركية مزيدا من المرونة والسرعة والاتقان. ويقول هؤلاء ان العراق سيكون المختبر الذي سيثبت عمق التحول وفعاليته. وقال بروس بيركويتس، مؤلف كتاب «الوجه الجديد للحرب» عن الاقمار والشبكات الحربية: «استطاعت ثورة المعلومات ان تغير طبيعة القتال. فاذا اردت ان تكسب الحرب حاليا، فان عليك اولا ان تكسب حرب المعلومات».

وفي 10 مارس (آذار) الماضي، صعدت الى السماء، من قاعدة كيب كانيفرال، بولاية فلوريدا، وسيلة من وسائل الحرب الاعلامية تكلفت 200 مليون دولار. وقد التحق القمر المذكور بعشرة اقمار اخرى تمثل نظام الاتصالات الدفاعية الفضائية، وتمد القوات المسلحة الاميركية بسيل من البث السريع والمؤمن، الصوتي والمرئي، بين القوات البرية والبحرية والجوية. ويحلق هذا القمر الذي صنعته شركة «لوكهيد مارتن»، فوق المحيط الهندي.

وبالاضافة الى ربط القوات بالقادة، تنفذ هذه الاقمار مهام اخرى جديدة، مثل نقل الاشارات بين الرقابة الارضية وطائرات الاستكشاف بدون طيارين، كما يقول الخبراء العسكريون. ويستخدم القادة العسكريون في العراق هذه الطائرات لجمع المعلومات عن المواقع المتقدمة. وقال جون بايك، مدير مؤسسة «غلوبال سيكيوريتي» وهي مجموعة بحثية بواشنطن تعنى بالقضايا العسكرية وقضايا الفضاء، ان الاقمار الصناعية اصبحت عاملا مهما جدا في نقل الصور الاستكشافية. واضاف انه اثناء حرب الخليج عام 1991، كانت هذه الصور تنقل ببطء شديد بواسطة الفاكس، مما كان يصيب القادة العسكريين المتعطشين لآخر المعلومات باحباط شديد. وتابع قائلاً: «هذه المواد تنقل من دون اي مجهود حاليا، وهو ما لم يكن بامكانك عمله قبل 12 سنة».

وعلى مستوى آخر، فان اجهزة تحديد المواقع العالمية حققت ثورة في مجال القصف الدقيق. ويرسل 24 قمرا تابعا لهذا النظام اشارات اذاعية متواصلة الى الارض. ويقوم المستقبلون على الارض بمقارنة الاشارات الواردة من ثلاثة او اربعة اقمار لتحديد الموقع بصورة بالغة الدقة واصابة الهدف حتى اذا كانت مساحته عدة امتار فقط.

وأطلق سلاح الطيران اقمارا لتحديد المواقع العالمية في يناير (كانون الثاني) الماضي، ثم ارسل قمرا آخر امس، وبذلك يصل الى 28 عدد هذه الاقمار التي يتكلف كل منها 50 ميلون دولار.

وتقوم اقمار الملاحة بتوجيه صواريخ «توماهوك» التي يصل مداها الى 1600 كيلومتر وكانت في طليعة القصف على العراق. هذه الصواريخ من صناعة شركة «ريثيون»، وكانت تطلق من منصات صاروخية ثم من ماكينة نفاثة.

وفي حرب الخليج السابقة عام 1991، كانت الصواريخ تجري مقارنة بين القراءات الارضية للرادار والخريطة الرقمية المحفوظة ويجري التصحيح الضروري بينما الصاروخ يقترب من الهدف. ولكن صواريخ «توماهوك» لديها حاليا نظام لتحديد المواقع، وتتلقى اثناء الانطلاق اشارات من عدد كبير من الاقمار الصناعية وتصحح مسارها على هذا الاساس. وقال ممثلو شركة «ريثيون» والمسؤولون العسكريون ان هذه الطريقة تزيد المرونة اكثر من زيادتها للدقة.

المشكلة، التي تواجه القوات، هي ان الخرائط الرقمية باهظة التكلفة وتغطي مساحات محدودة، حسب اقوال الخبراء. ولا يمكن بهذه الطريقة مسح خطوط هجومية كثيرة بصورة مسبقة لانها تحتاج الى وقت وجهد كبيرين.

ويقول المسؤولون ان التوجيه عن طريق الاقمار الصناعية يفتح عددا غير محدود من طرق الهجوم امام صواريخ «توماهوك»، مما يزيد ليس فقط من خيارات المسالك، بل من السرعة التي يخطط بها القادة العسكريون لهجماتهم. ويؤثر التوجيه عن طريق الاقمار الصناعية على ذخيرة نظام الهجوم المباشر المشترك. وتصنع القوات المسلحة هذه الذخيرة عن طريق اضافة وحدات توجيهية الى ذيول القنابل من الطراز القديم التي كانت تسقط سقوطا حرا. ويقوم الطيار خلال الهجوم بارسال احداثيات الهدف الى القنابل التي تتسلم بمجرد اطلاقها معلومات مستمرة من اقمار تحديد المواقع والتي توجهها الى الهدف.

وجاء في وثائق فيدرالية العلماء الاميركية، وهي هيئة مستقلة تختص بتحليل المعومات العسكرية ومقرها واشنطن، ان نظام ذخيرة الهجوم المباشر المشترك يمكن ان تضرب اهدفها بنسبة خطأ لا تتعدى بأية حال من الاحوال عشرات الاقدام.

حدث تقدم كذلك في مجال اقمار الانذار المبكر الذي يطارد صواريخ الخصم. فخلال حرب الخليج السابقة عام 1991، تلقت بطاريات باتريوت المضادة للصواريخ في اسرائيل والخليج انباء اطلاق الصواريخ العراقية، من الولايات المتحدة، التي جمعت المعلومات عن طريق نظام الانذار المبكر ونشرتها عبر العالم. ولكن التاخير يمكن ان يكلف ثمنا باهظا. اما الآن فقد صنع الجيش ما سماه: المحطة الارضية التكتيكية المشتركة، وهي اجهزة معقدة ومتنقلة يستخدمها القادة العسكريون الميدانيون وتتلقى معلومات الانذار المبكر مباشرة وتزيد دقة الاسلحة المضادة للصواريخ بصورة كبيرة. وصرح الكولونيل ستيفن فوكس، مدير المكتب الفضائي العسكري، للمراسلين بالبنتاغون يوم 12 مارس الماضي بان المحطة الجديدة «تمكننا من نشر المعلومات المضادة للصواريخ بسرعة كبيرة».

ولكن المحللين يحذرون من ان جدوى التفوق التقني الفضائي في الحرب ضد العراق، متروكة للزمن ليثبتها او ينفيها. وقال دايك من «غلوبال سيكيوريتي»، ان الولايات المتحدة كانت لديها ثقة مشابهة في التقدم التكنولوجي عندما بدأت حربها ضد فيتنام، «وقد رأينا ما حدث هناك».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»