توتر شديد في البنتاغون.. والجنرال فرانكس يوبخ أحد قادته الميدانيين بسبب الانتقادات لخطة الحرب

TT

استنكر اكبر المسؤولين في القوات المسلحة الأميركية، أول من امس الانتقادات العلنية التي صدرت بشأن خطة الغزو الأميركي للعراق.

ولم يتردد ريتشارد مايرز، اكبر الجنرالات رتبة في الجيش، في توبيخ أحد كبار القادة الميدانيين، بصورة شخصية، لأن هذا الاخير كان قد قال للمراسلين ان مخططي وزارة الدفاع (البنتاغون) لم يتوقعوا شراسة المقاومة التي واجههم بها العراقيون. وقال الجنرال مايرز، رئيس هيئة الاركان المشتركة، في مؤتمر تخللته بعض الحدة، ان تعليقات القادة الأميركيين الميدانيين حول خطة غزو العراق، ليست اكثر من رؤية نفقية لتلك الخطة في عموميتها. واضاف مايرز بغضب واضح ان التقعر النظري لبعض القادة العسكريين المتقاعدين، ليس مفيدا ما دامت قواتنا في الميدان. من جانبه، قال وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، للصحافيين، ان التقارير التي افادت بانه خفض حجم القوات الغازية الى النصف «ببساطة ليست صحيحة».

وقد جاءت تعليقات رامسفيلد ومايرز بعد ايام من الانتقادات المتزايدة، من قبل الضباط العاملين والمتقاعدين، بأن خطة رامسفيلد للغزو لم تكن جيدة. وقال المعارضون ان رامسفيلد فشل في توقع المقاومة العراقية الشرسة وانه نفذ الغزو بقوات لم تكن كافية.

وجاءت تصريحات رامسفيلد ومايرز، بأن الحرب تسير بصورة جيدة وان معارضي الخطة لا يفهمونها وان انتصار الحلفاء امر حتمي، بعد جدل داخلي واجه فيه وزير الدفاع المتصلب، كثيرا من القادة العسكريين العاملين والمتقاعدين، الذين شككوا في آرائه عن الحرب الحديثة. وقد مس هذا الجدل اوتارا حساسة داخل الجيش، الذي حارب ضباطه الكبار في فيتنام وتعاهدوا على ألا يضيفوا الى انتقاداتهم للحرب أي طلاء سكري.

ومع ان القوات الأميركية حققت كثيرا من المكاسب حتى يوم امس، فان ذلك لم يخفف علامات التوتر في التسلسل القيادي. فقد وبخ الجنرال تومي فرانكس، القائد العام للعمليات العسكرية في العراق، اللفتينانت جنرال وليام والاس، قائد قوات الجيش في العراق، في مكالمة هاتفية الاسبوع الماضي، وفقا لمعلومات مسؤولين عسكريين ومسؤول كبير في البنتاغون طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم. ونقلت بعض الصحف عن والاس قوله: «العدو الذي نقاتله الآن، مختلف عن العدو الذي خططنا لمحاربته».

وفهمت انتقادات والاس على انها موجهة الى هيئة الاركان المشتركة التي يرأسها مايرز، والى القيادة الوسطى التي يرأسها تومي فرانكس التي تشرف على القوات المسلحة في كل منطقة الخليج. وقال احد المسؤولين العسكريين ان فرانكس «مزق والاس» في تلك المحادثة الهاتفية. وقال المسؤول الكبير في البنتاغون ان تلك كانت «محادثة من طرف واحد عبر فيها فرانكس عن غضبه على التصريحات التي ادلى بها والاس».

وانتشرت انباء هذا التوبيخ بسرعة البرق في كل اوساط الجيش الأميركي في العراق. وقال مسؤول عسكري كبير ان بعض القادة العسكريين اتصلوا بوالاس تعبيرا عن تضامنهم معه. وقالوا ان الجنرال صاحب الانجم الثلاثة تحدث بأمانة وعبر عن مخاوف يقتضيه واجبه ان يعبر عنها.

وقال مايرز في المؤتمر الصحافي ان كبار الضباط «يتنكرون لواجبهم» اذا لم ينقلوا للعسكريين ذوي رتب الأعلى آراءهم بأمانة حول الموقف العسكري. ولكن يبدو ان المشكلة هي انهم عبروا عن تلك الآراء بصورة علنية. ومنذ صدور تعليقات والاس الاسبوع الماضي، نقلت تصريحات عن ضباط تحت قيادته فحواها ان البنتاغون ارسل قوة اصغر مما ينبغي لغزو العراق. وقال مايرز ان آراءهم تعبر عن نظرة ضيقة وعن جهل بطبيعة الامور يصعب معه اصدار احكام دقيقة.

وقال مايرز: «رأيي في تلك التقارير انها مزيفة ومغرورة. ولا ادري كيف بدأت ولا كيف انتشرت. ولكنها لم تنتشر بواسطة الأعضاء المسؤولين للفريق الذي وضع هذه الخطة».

وقصد مايرز ان يعزل الجنرالات المتقاعدين الذين ظلوا يعبرون عن انتقادات للخطة من خلال الصحف وشبكات التلفزة المختلفة. وقال: «ليس مفيدا ان يصدر هذا النوع من التعليقات في وقت تخوض فيه قواتنا معارك في الميدان».

وعندما ذكره البعض ان بعض هذه الانتقادات صدرت عن القوات نفسها، خفف مايرز من نبرته، واستدرك قائلا: «لا اعتقد ان الافكار الآتية من الميدان، خاطئة بالضرورة. ولكن ربما لا يكون اولئك الناس على وعي كامل بالخطة الكلية التي نتحرك على اساسها».

بدوره، قال الجنرال المتقاعد باري ماكافري، الوجه التلفزيوني المعروف، انه لا ينوي الخضوع لأي امر بالتزام الصمت يصدر من البنتاغون. واضاف ماكافري: «الحرب اهم كثيرا من ان تترك لوزير الدفاع رامسفيلد. والارجح انني اعرف اكثر عن قتال العراقيين مما يعرف». وتابع انه لامر مضحك ان يقال ان الجنرالات المتقاعدين لا يعرفون تفاصيل خطة الحرب، «ويبدو لي ان الوزير خائف من شيء ما».

وقد برز الجدل حول قلة اعداد القوات الغازية الى العلن الاسبوع الماضي، عندما توقف التقدم السريع لقوات الحلفاء بفعل المقاومة الشرسة للقوات العراقية غير النظامية وقوات الحرس الجمهوري، في عدة نقاط هامة على الطرق الرئيسية المؤدية من الكويت الى بغداد. ومن المرجح ان يستمر هذا الجدل ويشتد اذا ظلت قوات الحلفاء تراوح مكانها، الا انه سيتلاشى سريعا اذا نال الهجوم قوة دفع جديدة.

ويتعلق بعض الجدل بعقيدة الجيش القتالية نفسها والضباط السابقين، مثل ماكافري. ان معركة بهذا الحجم لا تكفي فيها فرقة واحدة مدرعة. وقال ماكافري ان قوات الحلفاء تفتقر الى الجنود الذين يمكن ان يضطلعوا بحراسة خطوط الامداد التي يصل طولها الى 300 ميل (480 كيلومتراً). ولكن هناك عنصراً في هذا النقاش انبثق عن الظروف الحالية ولا يتعلق بالعقيدة القتالية. فالخطة الاولية للبنتاغون كانت تفترض اشتراك 62 الف جندي يدخلون عن طريق تركيا ويتحركون نحو بغداد من الشمال. وقال نائب وزير الدفاع بول وولفويتز، مرارا، ان فتح جبهة شمالية سيقصر من أمد الحرب ويقلل من الضحايا.

لكن تركيا رفضت السماح للقوات الأميركية بشن الهجوم من اراضيها. ومع ذلك فان الرئيس جورج بوش قرر ان يشن الهجوم، قبل ان تتمكن هذه القوات واسلحتها من الوصول الى مقرها الجديد بالكويت. وقد كان ذلك القرار مثار نقد حاد من قبل جنرالات الجيش المتقاعدين. ونتيجة لهذا القرار فان القوات المتجمعة حاليا جنوب بغداد، من قوات الجيش ومشاة البحرية (المارينز)، لا تتعدى 40 ألف جندي. واذا كانت الجبهة الشمالية قد فتحت فان فرقة من حوالي 15 ألفا كانت ستشارك في هذه المعارك.

وعندما تكاثرت الانتقادات الموجهة الى الخطة، صار رامسفيلد يشير اليها باعتبارها خطة تومي فرانكس»، مع توضيح انه يقصد ان يكون مادحا لفرانكس وليس قادحا فيه. ولكن كبار القادة العسكريين يذكرون انه خلال مراحل التخطيط، كان رامسفيلد يراجع بصورة شخصية اوامر انتشار كل وحدة من الوحدات بما فيها الوحدات الصغيرة التي يقل عددها عن 100 جندي. وقال بعض كبار الضباط لصحيفة «يو.اس.ايه.توداي»، ان وزير الدفاع كان يشكك في ضرورة نشر عشرات الوحدات وانه كان السبب في ابطاء عملية الانتشار. وقد اكد ضابط كبير بسلاح الطيران لديه معرفة مباشرة بجدول الانتشار، صحة معلومات هؤلاء الضباط.

وقال رامسفيلد ان الخطة الأولى التي وضعاها هو فرانكس «قديمة، عمرها عدة سنوات»، وانها لم تستفد من دروس حرب أفغانستان ومن مزايا القصف البالغ الدقة. وقد وافق كل المسؤولين في البنتاغون، عسكريين ومدنيين، ان هناك حاجة لخطة جديدة. وقال رامسفيلد انه بعد حوار استمر عدة اشهر، التقى الرئيس بوش بكبار القادة من خلال اتصال هاتفي مؤمن، وتساءل الرئيس: «هل لديكم كل ما تحتاجونه؟». واضاف رامسفيلد: «كان ذلك سؤالا بسيطا. كل المشاركين كانوا راشدين، كلهم من جنرالات بأربعة نجوم، نظروا الى الرئيس مباشرة وقالوا له: نعم، نحن لدينا كل ما نحتاجه من دون نقصان».

* خدمة «يو.اس.ايه. توداي» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»