فريق إدارة عراق ما بعد الحرب يخطط في الكويت سيناريوهات إدارة بغداد

فريق غارنر بدأ توزيع مسؤوليات الحكومة المرتقبة ويتوقع تسليم السلطة بالكامل للعراقيين خلال 3 أشهر

TT

هذا هو السيناريو: سقطت بغداد بعد عدة ايام من قتال المدن. الجثث ملقاة في الشوارع والمنازل لحقت بها اضرار من جراء القصف. الكهرباء والمياه نادرة. لا تزال هناك «جيوب مقاومة» وبعض اجزاء بغداد لا تزال تشتعل فيها النيران عندما وصل الجنرال المتقاعد جاي غارنر وفريقه لادارة البلد.

يجري التخطيط لمستقبل عراق ما بعد الحرب في جلسات مغلقة مثل تلك الجلسة التي عقدت قبل ايام في فيللا على احد شواطئ الكويت من قبل فريق اختارته وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) ويرأسه الجنرال غارنر. بحث المشاركون في الجلسة، التي يطلق عليها بالتعبير العسكري اجتماع عمليات، مشاريع لجمع القمامة واعادة تشغيل محطات الطاقة و«ماذا نفعل بالجثث التي نعثر عليها».

لقد تركت الحرب الفعلية في العراق الحكومة المنتظرة في وضع بروفات. وقد توقع مكتب اعادة التعمير والمساعدات الانسانية، الذي عمل فيه موظفون في الكويت يصل عددهم الى «مئات قليلة»، التحرك بسرعة الى الكويت بعد حرب سريعة تسقط الرئيس صدام حسين وتحظى بعرفان الشعب العراقي للولايات المتحدة «لتحريرهم» من اكثر من ثلاثة عقود من الحكم «الاستبدادي».

الا انه مع تحذير القادة العسكريين من حرب طويلة واكثر صعوبة، فان فريق غارنر يعيد تقييم استراتيجيته. فقد تم تاجيل خطط لارسال اعداد ضخمة من المدنيين الاميركيين لبغداد، بسبب القلق بخصوص الامن حتى في مناطق جنوب العراق الواقعة اسميا تحت السيطرة الاميركية.

وقال مسؤول مطلع على عمل فريق غارنر «لقد كنا نعتقد اننا سنصبح هناك الآن. وبدلا من اعداد الخطط في اسبوع، اصبح لدينا المزيد من الوقت لكي نفكر في الامر».

غير ان الوقت الاضافي خلق مشاعر قلق جديدة. فبدلا من الترحيب بهم كقوة «تحرير»، فان بعض عناصر الفريق يخشون، من ان حكومة انتقالية بقيادة الولايات المتحدة سينظر اليها بشك عميق، وربما مقاومة. وقد خصص الفريق اجتماعات لمناقشة «ماذا سيحدث عندما تتوقف المعارك،» حسبما افاد مسؤول مطلع.

من ناحية اخرى، ظهرت على السطح في واشنطن، خلافات حول تشكيل الحكومة المرتقبة بعدما رفض وزير الدفاع دونالد رامسفلد اختيارات وزارة الخارجية لثمانية من الدبلوماسيين السابقين والحاليين للانضمام لفريق غارنر. كما اشتكى بعض المسؤولين الموجودين في الكويت من ان البنتاغون يسعى للسيطرة على كل جوانب اعادة التعمير في مرحلة ما بعد الحرب.

وتجدر الاشارة الى ان التفويض الممنوح لغارنر هو تقديم المساعدات الانسانية واعادة بناء البنية الاساسية المدمرة ووضع البلاد على طريق حكم ذاتي ديمقراطي قبل تسليم السلطة بالكامل الى العراقيين.

وقال عدد من المسؤولين ان غارنر يحضر طاقمه باستمرار للطبيعة المحدودة لمهامهم، قائلا لهم ان عليهم «الاستعداد للانتهاء من عملهم» خلال 90 يوما. وخلال اول زيارة له الى ميناء ام قصر في جنوب العراق امس كشف غارنر عن هذه النقطة علنا. وقال «نحن هنا للقيام بمهمة تحريرهم، وان نقدم لهم شكلا من اشكال الحكومة الذي يمثل الارادة الانتخابية الحرة لهذا الشعب. وسنفعل ذلك باسرع ما يمكن، وعندما ننتهي من هذه المهمة سنسلمهم كل شيء. وسنبدا بتحويل الاشياء من الان، وسنجعل هذا المكان مكانا افضل للجميع».

غير ان بعض المسؤولين اعربوا عن شكوكوهم في ان تكون فترة ثلاثة اشهر واقعية يمكن خلالها ايقاف البلد على قدميه. وقال مسؤول: «هذا مشروع قصير الامد، 90 يوما. اساسا يمكننا اعادة الناس الى وظائفهم، والتلاميذ الى المدارس، ويمكننا اصلاح اهم مشاريع البنية الاساسية. ولكن ماذا سيحدث بعد فترة 90 يوما، لا نعرف».

وجدير بالذكر ان الكثير من القضايا السياسية الصعبة المتوقع ان تواجه الحكومة المنتظرة لم تحل بعد. فالفريق يناقش حجم السلطات التي ستمنح للحكومة العراقية المؤقتة بالمقارنة بتلك التي سيحتفظ بها المشرفون الاميركيون، وكيف يمكن القضاء على العناصر الاساسية في حزب البعث الاشتراكي في الوقت الذي تستمر فيه الحكومة في العمل، وكيف يمكن اعادة بناء الجيش العراقي بطريقة اساسية وتقليص حجمه في الوقت الذي يعمل فيه على الحفاظ على مستقبل البلاد الامني.

واشار عدد من المشاركين في المناقشات الى انهم يعتقدون ان الولايات المتحدة ستحتفظ بالسلطة فيما يتعلق بالقرارات الحكومية الهامة حتى بعد تشكيل سلطات عراقية. بينما يعترف الآخرون بصفة خاصة ان المهمة يمكن ان تمتد لعدة شهور اخرى.

وقال واحد من اعضاء فريق غارنر «ان البعض منا حضر هنا وهو يعتقد ان العملية ستستغرق ما بين ثلاثة او اربعة اشهر. والآن اصبح من الواضح اننا سنبقى هنا، وبالتالي في بغداد، لفترة اطول كثيرا مما نتوقع».

وابدى واحد من المشاركين في جلسة تخطيط عقدت في الآونة الاخيرة شكوكه حول ما اذا كان الفريق يعلم تماما التعقيدات والفوضى التي يمكن ان يواجهها المسؤولون في عراق ما بعد الحرب. وقال المسؤول «ان الدراسات المقدمة تحتوي على العديد من الرسوم البيانية والتقارير والمناقشات حول ما اذا كنا سنتسخدم خطوطا منقطة او مباشرة. وهي مختلفة للغاية عن الموقف في العراق. ستكون هذه صدمة كبيرة للغاية لهم».

وفريق غارنر مشكل باكمله تقريبا من الاميركيين، العديد منهم من المسؤولين السابقين او الحاليين. وقد قدموا من البنتاغون ووزرة الخارجية وغيرها من الوزارات والوكالات، مثل الخزانة والعدل ووكالة التنمية الدولية وسلاح المهندسين. اما المجموعة غير الاميركية فتضم عددا محدودا من الدبلوماسيين البريطانيين والاستراليين، ومجموعة صغيرة من العراقيين الذين كانوا يعيشون في المنفى.

واشار مسؤول الى انه من المتوقع ان تلعب الامم المتحدة «بعض الدور الهام في هذه المعادلة». الا ان المسؤولين الاميركييبن اوضحوا ان دور المنظمة الدولية سيكون «تابعاً».

وقد تم اختيار ثلاثة مسؤولين لادارة مناطق العراق: بروس مور، وهو جنرال متقاعد، اختير لادارة الشمال، وباربارا بودين، السفيرة الاميركية السابقة في اليمن التي خدمت في بغداد في الثمانينات، اختيرت لادارة المنطقة الوسطى التي تتضمن بغداد، وباك والترز وهو جنرال متقاعد آخر، اختير لادارة الجنوب. كذلك سيتولى ثلاث آخرون من نواب غارنر، مسؤوليات عامة. فقد اختير روجر وارد، وهو ضابط مشاة اسطول سابق وسفير بلاده في ناميبيا، لتنسيق المساعدات الانسانية. واختير لويس لاك، وهو من كبار العاملين في برنامج المساعدات الاميركية، للاشراف على اعادة التعمير، ومايكل موب، وهو مفاوض في مجال الاسلحة في عهد الرئيس الاسبق رونالد ريغان ومستشار قانوني في البنتاغون، للاشراف على الادارة المدنية.

وقد اثرت الخلافات بين البنتاغون ووزارة الخارجية حول تشكيل الفريق، على المسؤولين الذين كانوا في طريقهم الى المنطقة. ولم يعرف بعد ما اذا كان هذا الخلاف سيحد من عمل الفريق او لا.

وقد بدات الحكومة الانتقالية المنتظرة بتشكيل الاجندة بدقة عسكرية، جداول زمنية يومية لاعادة تشغيل القطاعات الحكومية الرئيسية وقوائم مراجعة للسيطرة على الوزارات. لكن الفريق يرفض تقديم اي مواعيد، وقال مسؤول «ستبدا عندما تبدا».

وفي الوقت ذاته فان عملية اعادة تشكيل العراق تتم امام وسائل الاعلام التي تتجمع في نفس الفندق. ففي الوقت الذي تبث فيه مشاهد الدمار في العراق على شاشات التلفزيون، فان المخططين لعراق ما بعد الحرب يشاهدون في الفندق وهم يحملون اجنداتهم مع الاقنعة الواقية من الرصاص. شوهد افراد من فرقة بريطانية تتولى حراسة الفريق، يسيرون عبر الشاطئ في ملابس مدنية في صباح يوم من الايام. وفي الساعة السابعة والنصف من صباح كل يوم، يجتمع ضباط المجموعة بالقرب من حمام السباحة لاعداد برنامج اليوم.

ويطور المشاركون خططا للسيطرة على الوزارات العراقية التي يصل عددها الى 23 وزارة. وسيقرر خبراء وزارة الخزانة افضل طريقة لالغاء العملة العراقية، التي تظهر عليها صورة صدام حسين، وابدالها، على الاقل مؤقتا، بالدولار الاميركي. وفي فندق آخر في نفس الطريق شكلت مجموعة من عراقيي المنفى الذين يعملون مع غارنر، المجموعة التي ستتولى العمل الاعلامي وتعيد تشكيل التلفزيون والاذاعة والصحف.

وعلى الرغم من ان فريق غارنر يعد قائمة بعراقيين يقيمون في الخارج خبراء في جوانب محددة للحكم (المالية والزراعة والصحة وغيرها)، فان المسؤولين الاميركيين يعترفون بانه ليست لديهم اية فكرة عما سيجدونه في كل وزارة حالية. وقال مسؤول «عندما سيعاد فتحها، من الذين سيحضر للعمل؟ كيف سنعثر على التكنوقراط؟».

وجدير بالذكر ان الافتقار الى المعلومات الاساسية هو العائق الاساسي الذي يواجه فريق غارنر. ولدى عدد محدود من المسؤولين في وزارة الخارجية العاملين ضمن فريق غارنر، خبرات سابقة في العراق، تعود الى مرحلة ما قبل التسعينات.

ومن المحتمل ان تواجه هذه التجربة اول اختباراتها في جنوب العراق، في منطقة تخضع حالياً للسيطرة البريطانية والاميركية. وقالت مصادر مطلعة على المناقشات في الكويت، انه من المحتمل ان ينتقل فريق غارنر الى جنوب العراق بعدما تشتد حدة المعارك في الشمال.

وقال الميجور جنرال البريطاني البرت ويتلي، الذي يشغل منصب نائب قائد القوات البرية الاميركي في العراق، ان المخططين العسكريين يقدمون صورة عن عملية «النقل التدريجي» للمسؤوليات الى فريق غارنر.

وفي الوقت ذاته، هناك شكوك متزايدة بخصوص كيفية اعادة تشغيل الحكومة بدون حزب البعث المنتشر في كل مكان. واوضح ويتلي ان العديد من القرارات ستقع على عاتق فريق غارنر. واشار مثلاً الى ان القوات البريطانية تعتقل عشرات المسؤولين المحليين في حزب البعث وقوات المليشيات، وستعرضهم «لنوع من الاجراءات القانونية». لكن ويتلي اعترف بانه «لا يعرف القاضي او المحلفين» الذين سيشرفون على تلك المحاكمات.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»