الإسرائيليون سعداء بورطة أميركا في قتل مدنيين بالعراق ويعتبرونها ردا على منتقدي سياسات تل أبيب في الأراضي المحتلة

TT

تثير صور ممارسات القتل والاذلال الاميركية والبريطانية ضد المدنيين العراقيين، ارتياحا غير عادي في اسرائيل، ليس بدافع التشفي وحسب انما في اطار العتاب والمعايرة. فبالنسبة للكثيرين في اسرائيل، خصوصا في قيادة جيش الاحتلال الاسرائيلي، تعتبر هذه الصور «صك براءة» لهم. فلن يكون سهلا، بعد اليوم، اتهام اسرائيل بممارسة جرائم حرب ضد الفلسطينيين، لان الاميركيين والبريطانيين يرتكبون نفس الممارسات واكثر.

ورأى مسؤولون سياسيون اسرائيليون ايضا ان الممارسات الاميركية والبريطانية في العراق هي افضل رد على تقرير وزارة الخارجية الاميركية السنوي حول حقوق الانسان في العالم، الذي انتقد اسرائيل على ممارساتها ضد الفلسطينيين. واختار التلفزيون الاسرائيلي العبري الرسمي (القناة الاولى)، الليلة قبل الماضية، ان يعرض صورا تقارن بين الممارسات الاسرائيلية والاميركية ويظهر فيها جنود الاحتلال الاسرائيلي ارحم بكثير من نظرائهم الاميركيين، خصوصا بعد قيام الجنود الاميركيين بقصف السيارة التي ضمت 12 مدنيا عراقيا نهاية الاسبوع قرب مدينة النجف.

وخرجت الصحافة الاسرائيلية، امس، بوابل من التقارير عن ممارسات الحلفاء، خصوصا الاميركيين، ضد العراقيين المدنيين. ولم توجه هذه الصحافة الانتقادات لتلك الممارسات، بل اكتفت بنقل تصريحات عن مسؤولين سياسيين وعسكريين لم تذكر اسماءهم يعربون عن ارتياحهم من هذا الواقع. وقدم بعضهم بعض النصائح للاميركيين حول كيفية التصرف في المستقبل، لتخفيف عدد القتلى والمصابين من المدنيين، وعرض بعض آخر انفسهم للعمل مستشارين للقوات الاميركية في العراق، «حتى يتعلموا الدروس من التجارب الاسرائيلية في هذا المجال».

واقترح العقيد موشيه جبعاتي، مثلا، احد كبار ضباط الاحتلال الاسرائيلي الذي خدم فترة طويلة في المناطق المحتلة من لبنان والضفة الغربية، ان يصدر الجيش الاميركي تعليمات للعراقيين، باللغة العربية، كيف يجب ان يتصرفوا على الحواجز: «توقف قبل 100 متر من الحاجز. انزل من السيارة وابلغ عن عدد الركاب وان كان بينهم اطفال او نساء او مسنون. لا تسر بسيارتك الا اذا سمعت امرا واضحا من الجنود. وحتى ان سرت، فافعل ذلك ببطء شديد، كي لا يفسر تصرفك على انه هرب. افتح صندوق السيارة. اذا وصلت الى الحاجز في الليل، فأشعل النور داخل السيارة قبيل الحاجز حتى يوقن الجندي أن الركاب ليسوا من المقاومة.. وهكذا».

ونقلت صحيفة «يديعوت احرونوت»، امس، على لسان جندي اسرائيلي عند حاجز عسكري قرب قلقيلية الفلسطينية قوله: «حان الوقت ان يفهم الاميركيون الواقع الذي نعيشه نحن هنا، فهناك لحظات لا يكون فيها مجال ان تمتنع عن اطلاق الرصاص واصابة المدنيين».

وبرز استثمار الممارسات الاميركية في العراق بشكل خاص لدى نواب اليمين في الكنيست الاسرائيلي، الذين خرجوا كجوقة واحدة في معايرة الاميركيين. ولم يتمكنوا من اخفاء الفرحة ازاء ما يصيب العراق والقوات الاميركية.

وقال رئيس لجنة الخارجية والامن، يوفال شتاينس (الليكود): «ما يحدث هناك يدل على التلون السائد في هذا العالم. فما اسهل ان تنتقد اسرائيل من لندن. ولكن، عندما تواجه بنفسك الارهاب، يتغير الوضع. عندها فقط يمكنك ان تفهم». وقال النائب ميخائيل غورلوبسكي الليكودي: «السياسة الدولية ملآى بالمعايير المزدوجة. انا لم افاجأ من الاميركيين، الذين كانوا يهاجموننا وينتقدوننا ويدعوننا الى لجم انفسنا» فالآن يحدث لهم الامر نفسه. ويا سبحان الله، يستخدمون نفس كلماتنا في تفسير ما جرى. هم ايضا ذوو معايير مزدوجة».

وقال النائب اريه الداد من حزب الاتحاد القومي اليميني المتطرف: «امل ان يتذكر الاميركيون ماذا يفعلون اليوم عندما يتوقف اطلاق النار في المستقبل».

وراح بعض المعلقين يحذرون من هذا الحماس للقمع في العراق. وكما قال حيمي شليق، احد ابرز الكتاب الصحافيين الاسرائيليين، فان هذه الفرحة غبية للغاية: «فهذه الممارسات الاميركية من شأنها ان تؤدي الى انتفاضة شعبية في العراق. وانتفاضة كهذه ستثير الانتفاضة من جديد في المناطق الفلسطينية. وقد يلتهب الوضع في العالم العربي كله. وعندها، سنصيح جميعا، نحن والاميركيون. فمثل هذه التطورات تضر بنا جميعا وتضر بالاستقرار النسبي القائم في العالم العربي والمنطقة».