خلافات شديدة حول إدارة عراق ما بعد الحرب وتيار في واشنطن يتمسك بدور أساسي لأميركا وثانوي للأمم المتحدة

TT

بينما تخوض القوات الاميركية معارك في بغداد، تواجه ادارة الرئيس جورج بوش خيارات صعبة حول كيفية ادارة البلاد بعد فترة الحرب. هل ستحاول الادارة التصالح مع الدول التي عارضت بشدة الحرب مثل فرنسا وألمانيا، اما انها ستعاقب حلفاءها القدامى بالاستئثار بعملية اعادة اعمار العراق وتهميش دور الامم المتحدة؟

يقول مسؤولو الادارة ان الحقائق على الارض تفرض بأن يلعب الجيش الاميركي والشركات الاميركية في البدء دوراً مهيمناً، لكن ما يأتي بعد ذلك يظل ضبابياً. وقبل ذلك هناك صراع بيروقراطي شديد بين وزارتي الخارجية والدفاع (البنتاغون) الاميركيتين حول مدى الحساسية التي تعطى للمخاوف الدبلوماسية العالمية. ويقول المسؤولون ان الخلاف على درجة عالية من الشدّة لدرجة انه يتعين على الرئيس بوش التدخل لحله.

والخطر لا يحدق فقط بمستقبل العراق وانما بمصير التحالف على جانبي الأطلسي، وهو التحالف الذي ظل يتعرض لاشد ازماته حدّة خلال عقود من السنوات. ويقول الاوروبيون ان اعطاء دور كبير للامم المتحدة في عراق ما بعد الحرب سيساعد في التئام الجراح التي تسببت فيها معارضة العديد من الدول للحرب.

وقال والفغانغ ايشينجر السفير الالماني لدى الولايات المتحدةs«سأكتب كلمة (شرعية) بحروف بارزة». ان من مصلحتكم، مائة في المائة، ان تخلقوا شرعية عالمية لجهد يبدو انه سيدوم على المدى الذي ستدوم فيه حالات التدخل في افغانستان وكوسوفو، وسيكون الامر اسهل ايضاً للعديد من الحكومات والمنظمات غير الحكومية ان تعمل مع هؤلاء الذين يتولون السلطة في العراق».

كذلك قال دبلوماسي بريطاني «ليست لديكم استراتيجية خروج دون الامم المتحدة».

ويبدو ان ادارة بوش تميل الى تفضيل دور بارز للولايات المتحدة في عراق ما بعد الحرب. وقالت كونداليزا رايس مستشارة الرئيس الاميركي لشؤون الامن القومي للصحافيين في البيت الابيض يوم الجمعة الماضي «ان قوات التحالف قدمت حياتها ودماءها لتحرير العراق، وسيكون لها الدور القيادي».

ويرغب المحافظون في الادارة حصر دور الامم المتحدة في تقديم المساعدات الانسانية والمشروعية للحكومة الجديدة التي ستكون موالية للولايات المتحدة.

وقد انشأ البيت الابيض مكتباً تابعاً للبنتاغون يرأسه الجنرال المتقاعد جاي غارنر لادارة العراق لعدة شهور على الاقل. ويخطط غارنر لتحويل السلطة الى حكومة انتقالية عراقية حتى قبل سيطرة القوات الاميركية على معظم اجزاء بغداد. ويقول مؤيدو هذه السياسة ان الامم المتحدة قد فقدت اي حق في ان يكون لها دور في عراق ما بعد الحرب بسبب فشل مجلس الامن في استصدار قرار يدعو بوضوح لشن الحرب. وقال دانيال بليتكا نائب رئيس «اميركان انتربرايز» (مؤسسة محافظة وقريبة من دوائر الادارة): «ان دور الامم المتحدة يجب ان ينحصر في فترة تقديم المساعدات الانسانية».

لكن حصر دور الامم المتحدة في تقديم المساعدات الانسانية قد يؤدي الى توتر العلاقات مع بريطانيا الحليف الرئيسي لادارة بوش في الحرب ضد العراق. وقد حاول بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير حل الخلافات حول عراق ما بعد الحرب عندما التقيا امس في ايرلندا الشمالية.

وحتى الآن لا يزال المسؤولون في ادارة بوش متشددين تجاه مواقفهم. وقال مسؤول اميركي كبير ان الادارة رفضت سلفاً دعوة وزير الخارجية البريطاني جاك سترو بعقد جلسة في الامم المتحدة يحضرها العراقيون الذين يعيشون في المنفى بهدف اختيار حكومة عراقية لفترة ما بعد الحرب. وقد رفضت الادارة ايضاً اعطاء دور لمفتشي الامم المتحدة للبحث عن اسلحة الدمار الشامل التي قد يتم العثور عليها في العراق.

ويمكن ان يتضح مدى استعداد الادارة للتشاور قريباً في الكونغرس، حيث يحاول مشرعون غاضبون معاقبة حلفاء الولايات المتحدة الذين عارضوا شن الحرب في العراق. وقد وافق الكونغرس الاسبوع الماضي على تعديل مشروع قانون، حول صرف 80 مليار دولار اضافية للحرب، يحظر استخدام اعتمادات مالية اميركية لشراء بضائع او خدمات من شركات في دول فشلت في تأييد قرار الحرب.

وقد عارض النائب الجمهوري جيم كولبي، رئيس لجنة المخصصات الخارجية في مجلس النواب، فقرة التعديل التي يأمل ان تحذف حينما تقدم الى لجنة تابعة لمجلس الشيوخ هذا الاسبوع. لكنه اضاف «ان هناك حالة توجه نحو الانتقام» وليس من الواضح ما اذا كان البيت الابيض سيتدخل لدى قيادة الكونغرس من اجل اسقاط التعديل. يشار الى ان الكونغرس تباطأ نشاطه فيما يتعلق باتفاقية التجارة الحرة مع تشيلي التي ترددت في تأييد قرار شن الحرب ضد العراق.

وفي نفس الوقت فان وزارة التجارة الاميركية اعلنت الشهر الماضي عن منحها مرتبة «اقتصاد السوق» لبلغاريا ورومانيا اللتين أعربتا ضمن مجموعة اخرى من الدول الاوروبية الشرقية عن تأييدها للحرب في العراق.

وفي هذا الاثناء، فان مجلسي النواب والشيوخ تدخلا في النزاع بين البنتاغون ووزارة الخارجية الاسبوع الماضي الى جانب وزارة الخارجية، وادخلا فقرة في مشروع قانون الصرف الاضافي للحرب في العراق تعطي وزارة الخارجية سلطة كاملة حول التصرف في 2.5 مليار دولار وضعت جانباً لاجل اعادة اعمار العراق. لكن بعض موظفي الكونغرس قالوا ان مكتب نائب الرئيس ديك تشيني يحاول استعادة النص الاصلي لمشروع القانون الذي يمكن ان يطلق يد الرئيس بوش لاعادة المبلغ مرة اخرى الى البنتاغون.

وقد امتد النزاع الى الشخصية العراقية التي ستحكم العراق بعد المرحلة الانتقالية. ويؤيد بعض مسؤولي البنتاغون وبعض موظفي تشيني، احمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي. وأفاد مؤيدون للجلبي اول من امس انه تم نقله جواً بواسطة الجيش الاميركي الى مدينة الناصرية في جنوب العراق مع مجموعة من مؤيديه المسلحين. وقد اثارت هذه الانباء دهشة كبار مسؤولي وزارة الخارجية الذين يعتقدون ان الجلبي يفتقد الى التأييد في العراق.

وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الاميركية «لا أعرف الى أين ستتجه الامور، وبالنسبة للعديد من الموضوعات فستكون هناك معركة، ويجب ان يحلها الرئيس بوش نفسه».

* خدمة «يو. إس. إيه. توداي» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»