المحللون العسكريون الأميركيون يشرحون أخطاء القوات العراقية التي قادت إلى الانهيار السريع

TT

قبل اسبوع واحد كانت القوات الاميركية على بعد 50 ميلا من بغداد، وكان المخططون يعدون انفسهم لمعارك مدن مطولة واحتمالات الهجوم بأسلحة كيماوية. اما الآن فإن الدبابات الاميركية تتمركز داخل عدد من قصور صدام الفاخرة في وسط المدينة، مما يشير الى ان نهاية نظامه اقتربت.

لماذا مرت الاحداث بأسرع مما كان متوقعا؟

في وقت لا يزال فيه الخبراء العسكريون يحذرون من ان المعارك الأكثر ضراوة قادمة، فإنهم يشيرون الى مجموعة من الاسباب وراء كون هذه الحرب حربا من طرف واحد، ومن بين هذه الاسباب سيطرة القوات الاميركية والبريطانية على السماء وردود فعل العراقيين المتفاوتة والهجوم الاميركي المفاجئ على العاصمة.

وأوضح انتوني كوردسمان وهو خبير في شؤون الامن القومي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن «ببساطة لا يوجد توجيه موحد لدفاعات المدينة. كما لم تظهر ادلة في اي مكان ان العراق يستعد لنسف الجسور او خلق دفاعات مادية في الوقت المناسب».

ورغم من ان الوحدات العراقية كانت تقاتل في بعض الاحيان قتالا شرسا والحقت خسائر بالقوات الاميركية، فلم تتحقق تلك السيناريوهات السيئة التي كان يتوقعها القادة الاميركيون.

ويقدم كوردمان وغيره من الخبراء العسكريين الاميركيين قائمة طويلة من التفسيرات:

* القوة الاميركية المسيطرة: بسبب الاستفادة من المعلومات الاستخبارية التي تم الحصول عليها من الطيران العسكري لمدة 12 سنة فوق شمال العراق وجنوبه بعد حرب الخليج عام 1991، فإن الولايات المتحدة تملك ثروة هائلة من المعلومات الاستهدافية قبل انفجار الحرب. ومنذ البداية عملت المقاتلات الاميركية والبريطانية على تدمير الحرس الجمهوري العراقي دون ان تفقد طائرة واحدة من جراء النيران العراقية. واشار مسؤول دفاعي كبير «لم يكن هناك من مكان يمكنهم اخفاء الاشياء فيه اذا لم يكونوا في بغداد».

* القتال في الاماكن المفتوحة: فقد اخطأ صدام وجنرالاته خطأ استراتيجيا باختيار مواجهة الاميركيين في الاماكن المفتوحة. بدلا من وضع 80 الفا من قوات الحرس الجمهوري داخل بغداد، حيث كان من الممكن الحاق خسائر ضخمة بالمهاجمين. لكن صدام اختار نشرهم خارج المدينة، بحيث يمكن بسهولة تدميرهم. وأوضح اندي كربنفيتش خبير الشؤون الدفاعية في مركز تحليل الاستراتيجية والميزانية ان ذلك «كان خطأ فادحا».

* كشف القوافل: ذكر ضابط كبير في قوات البحرية الاميركية في العراق، ان العراقيين فشلوا في اتخاذ ابسط الاجراءات الوقائية. ففي الايام الاخيرة، تخبطت القوافل العسكرية العراقية ووجدت نفسها في وسط المواقع الاميركية. واضاف الضابط «لقد عرضت القوافل العراقية بتحركها في طوابير فردية متقاربة من بعضها البعض لطائرات التحالف ومدفعيته. اعتقد انه ليس لديهم خبرة».

* عيون في كل مكان: يبدو ان المخططين العراقيين اساؤوا بدرجة كبيرة، تقييم القدرة العسكرية الاميركية للعثور على واستهداف القوات والمعدات العراقية في الميدان. وسمحت طائرات الاستطلاع والمراقبين الارضيين لقوات التحالف بالعثور على الدبابات والمدفعية العراقية، حتى عندما كانت تختفي وسط الاشجار.

* مهارة حرب المدن الاميركية: تملك القوات الاميركية ميزة هائلة في مجال حرب المدن وظهرت بوضوح في كربلاء، والناصرية والآن في بغداد. ففي العقد الماضي، ركزت قوات مشاة البحرية والجيش جزءا كبيرا من مواردها على كيفية التعامل مع القتال في المدن الكبرى. فقد شيدت القوات الاميركية نماذج للمدن وتدربت على كيفية هزيمة مقاتلي حرب عصابات. واشار المحللون الى ان بداية النهاية لقوات صدام، بدأت قبل اكثر من اسبوع، عندما بدأت القوات الجوية ومشاة البحرية وطائراتها قصفا مستمرا ضد فرق الحرس الجمهوري جنوب بغداد.

وألقت او اطلقت القوات الاميركية والبريطانية حتى الآن حوالي 18 الف قنبلة ذكية وصاروخا في جميع انحاء العراق، بمعدل يصل الى الف قذيفة وصاروخ يوميا. ولمدة اكثر من اسبوع قبل بداية الهجوم على بغداد، قامت طائرات التحالف بما يتراوح بين 700 و800 طلعة يوميا ضد قوات الحرس الجمهوري.

وفي يوم الاثنين قدر الجنرال ريتشارد مايرز رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة، ان الهجمات المستمرة ادت الى خسارة الحرس الجمهوري لمعظم دباباته وعددها 800 وتدمير بنيته لدرجة انه لا يمكنه الرد بفاعلية على الهجمات الاميركية. واضاف مايرز «اعتقد ان وضع الحرس الجمهوري في الوقت الراهن لا يسمح له بأكثر من هجمات متقطعة من وحدات صغيرة جدا جدا جدا».

وعندما واجهت القوات العراقية القوات الاميركية مباشرة، هزمت هزيمة ساحقة. ففي اقتحام استمر ثلاث ساعات ادعت فرقة المشاة الثالثة انها قتلت 2000 عراقي او اكثر في الوقت الذي خسرت فيه جنديا واحدا.

وكشفت هذه المواجهة مشكلة معنوية بالنسبة لقوات صدام المدافعة. ففيما عدا بعض عمليات حرب العصابات المحدودة في الاسبوع الاول من الحرب، فإن العراقيين لم يحققوا نصرا واحدا في ميدان القتال يمكن ان يستخدم لرفع الروح المعنوية للقوات.

والميزة الاميركية الاخرى هي تفوق السلاح اذ تقدر وزارة الخارجية ان العراق انفق 1.25 مليار دولار على ميزانية الدفاع عام 1999. مقابل 281 مليار دولار انفقتها الولايات المتحدة في نفس الفترة. ومع الدعم الاخير الذي حصلت عليه وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) فإن الفارق اصبح اكبر بكثير.

وساهم الفرق المادي والفكر العسكري العراقي الهرمي المتشدد في اعطاء الاميركيين تفوقا آخر مهما وإن لم يحظ بالاهتمام، وهو ان قوات الجيش ومشاة البحرية يتدربون بصفة دورية على القتال معا في وحدات صغيرة يمكن لضباط صغار او قوات مجندة من رتب متوسطة قيادتها. غير ان القوات العراقية لا تملك ذلك، وهذه القيادة الضعيفة ظهرت بوضوح في الهجمات التي اتسمت بالفوضى ـ بعضها من جنود على الاقدام وبعضها من مدافع سريعة الطلقات قديمة محملة على شاحنات ـ ضد قوافل دبابات اميركية تتجه الى بغداد. واوضح كربنفيتش «هذه الهجمات تكاد تكون انتحارية».

(شارك في اعداد الموضوع ديفيد لينش في المقر القتالي لقيادة قوات مشاة الاسطول في وسط العراق)

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»