بغداد تغرق في دوامة الفوضى: أعمال النهب تعم كل مكان والتجار يدافعون عن أنفسهم بالسلاح

الصليب الأحمر يشك في بقاء مستشفى واحد يعمل في العاصمة العراقية بعد فرار الأطباء والممرضين والمرضى وسرقة الأسرة والتجهيزات

TT

بعد يوم واحد من سقوط سلطة صدام حسين، كان واضحا بالنسبة لملايين المواطنين في العاصمة العراقية بغداد ان النهاية قد وضعت لنظام القمع الذي استمر ثلاثة عقود، ولكن سرعان ما دخلت المدينة في اجواء نهب وفوضى لم تنج منها منازل المسؤولين السابقين للنظام ولا المؤسسات الحكومية ولا حتى السفارات. ولكن الوضع في المستشفيات كان ينذر بكارثة، حيث ان جميع المستشفيات اما متوقفة كليا عن العمل، او انها تتعرض للنهب.

ووجهت اللجنة الدولية للصليب الاحمر «نداء عاجلا» الى قوات التحالف في العراق دعتها فيه الى حماية المستشفيات وامدادات المياه في كافة انحاء البلاد من عمليات النهب.

وقالت اللجنة في بيان لها من مقرها في جنيف ان «اللجنة الدولية للصليب الاحمر توجه نداء عاجلا الى قوات التحالف وكافة الاشخاص الذين هم في موقع السلطة لبذل كل ما بوسعهم لحماية البنية التحتية الاساسية مثل المستشفيات وامدادات المياه وانظمة الاخلاء من عمليات النهب والتدمير».

وقالت اللجنة الدولية للصليب الاحمر انها تشك في انه يوجد مستشفى واحد في بغداد ما زال يعمل بسبب «الفوضى» التي تسود شوارع المدينة.

وقالت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الاحمر ندى دوميني انها تحدثت لتوها الى مسؤول اللجنة رولاند هوجينين بنجامين في العاصمة العراقية وانه ابلغها بأنه «ربما لم يعد هناك أي مستشفى واحد يعمل بسبب النهب ونقص افراد الهيئة الطبية وان الناس مذعورون». ونقلت عنه قوله «انها حالة فوضى عارمة».

وغامر فريق تابع للجنة الدولية للصليب الاحمر بالخروج الى الشوارع لكنه لم يتمكن من زيارة كل مستشفيات المدينة. وتوجه الفريق الى المدينة الطبية غير انهم لم يجدوا سوى عدد صغير من الاشخاص. وقالت دوميني «غرف العمليات لم تعد تعمل. لم تعد توجد ادوات على أي حال».

وابلغت لجنة الصليب الاحمر القوات الاميركية في بغداد بأنها ملزمة وفقا للقواعد التي تحكم معاهدات جنيف للحرب بالمحافظة على النظام في المناطق التي تخضع لسيطرتها.

وقال بيتر تارابولا منسق الشؤون الطبية في الصليب الاحمر في العاصمة العراقية ان الوضع في مستشفى الكندي في شرق بغداد الذي تفقدته اللجنة بعد تعليق زياراتها الى المستشفيات لبضعة ايام، «كارثي وفوضوي». وقد غادر الموظفون المستشفى. كما غادر جميع المرضى المستشفى الذي يعد من اكبر مستشفيات بغداد وان «متطوعين» من الشيعة جاءوا اليه من النجف (جنوب) بقيادة الشيخ عباس الزبيدي وهو من الشخصيات الدينية. وقال الممرض جواد الجابري ان «كل الاطباء غادروا». ويقوم مرافقو الشيخ عباس غير المسلحين بحراسة مداخل المستشفى. فيما وضع عباس الزبيدي قميصا ابيض فوق لباسه التقليدي.

وأخذ رجال مسلحون يطوفون في شوارع بغداد التي اخذت تغرق اكثر واكثر في بحر من الفوضى. وقال مراسل رويترز خالد يعقوب عويس انه شاهد رجلا مسلحا يطلق النار على سائق شاحنة صغيرة في وسط بغداد ويسحبه من خلف المقود ويركب بدلا منه الشاحنة ويقودها مبتعدا. ولم يتضح ما اذا كان سائق الشاحنة قد لقي حتفه ام انه اصيب فقط.

وذكر المراسل ان رجالا مسلحين يتدفقون على مستشفى للاطفال في حي المنصور حيث تجمع جثث المدنيين والمقاتلين ويبدو انهم ينهبونه. واضاف عويس «الموقف ازداد سوءا منذ الأمس. انها فوضى».

وتعرض فندق الرشيد، وهو الفندق الاكثر شهرة في بغداد، للنهب فيما اضرمت النار في فندق المنصور المعروف ايضا.

وكان عدد من اللصوص سرقوا الاثاث من فندق الرشيد بعدما اقتحموا بواباته. واخذوا منه السجاد واجهزة التلفزيون وقطع الاثاث وحملوها في حوالي خمس عشرة سيارة اوقفت في الموقف التابع للفندق.

واندلعت النار في الطابق الارضي من فندق المنصور القريب من نهر دجلة، وارتفعت سحابة سميكة من الدخان الاسود فوقه.

وكانت مؤسسة تجارية رسمية تحترق ايضا قبالة وزارة الاعلام. وشوهدت في سماء العاصمة اعمدة عديدة من الدخان ناتجة عن حرائق تسبب بها المخربون الذين لا يكتفون بنهب المحلات والمؤسسات بل يعمدون الى احراقها. ولم يتحرك رجال الاطفاء العراقيون لاخماد الحرائق التي اندلعت في عدد كبير من الوزارات والادارات، كما لم يتحرك الجنود الاميركيون لوضع حد لاعمال الفوضى.

وتحاول قوات التحالف التي ما تزال توجه بعض المقاومة في بغداد ان تجد سبيلا للسيطرة على وضع منفلت، حيث اصبح تسيير امور حياة خمسة ملايين مواطن القضية الأكثر الحاحا. والى جانب الفوضى، تواجه قوات التحالف اسئلة من قبيل: ماذا عن الكهرباء، وماذا عن الاتصالات والمياه ومتى سيكون بوسع الاميركيين اعادة النظام والقانون، وماذا بشأن الخدمات الاخرى حيث لم يعد الموظفون قادرون على اداء اعمالهم، او انهم اختفوا، او يفضلون البقاء في منازلهم.

ويقول مصطفى كامل من مدينة الدورة في ضواحي بغداد «نظام صدام حسين انتهى، ولكن لا احد يعرف ماذا سيواجه غدا. نحن لا نعرف. لقد اصبحنا مثل الغنم. ذهب الراعي، وذهب الجميع كل في اتجاه».

ولم تمنع القوات الاميركية عمليات السلب والنهب التي بدأت مع دخول القوات الاميركية الى قلب بغداد. وتقول انها لا تملك القدرة على مواجهة وضع اقرب الى مهمات الشرطة.

ونقل 25 شخصا امس الى احد مستشفيات بغداد لاصابتهم بالرصاص في مواجهات مع اشخاص يقومون باعمال نهب، فيما قام عدد من التجار باطلاق النار في وسط المدينة على سارقين كانوا يحاولون سرقة محلاتهم.

وادخل الجرحى وبينهم طفلان الى المستشفى الذي لا يملك الوسائل لاجراء عمليات جراحية، بسبب تعرضه للنهب وهرب جميع العاملين فيه، بحسب ما افاد طبيبان متطوعان وصلا الى المكان.

وفي حادثين منفصلين، قام تجار مسلحون ببنادق هجومية ومسدسات وقضبان حديد يقومون بحراسة محلاتهم، باطلاق النار على مجموعات من السارقين كانت تقترب منهم. في سوق الرصافي، وهو مبنى من سبع طبقات، اطلق تجار مسلحون بمسدسات، النار لابعاد السارقين. في حين اطلق مسلحون آخرون من بنادق كلاشنيكوف النار في سوق العربي باتجاه سارقين آخرين.

وطارد عدد من الشبان يحملون قضبانا حديدية اشخاصا حاولوا الاستيلاء على بضائع.