«البيشمركة» الأكراد ينسحبون من كركوك مع وصول قوات أميركية إليها ومحافظ المدينة يشير إلى سقوط قتلى وجرحى وشكاوى من أعمال نهب

TT

بدأت قوات «البيشمركة» الاكراد بالانسحاب مدينة كركوك في وقت لاحق امس مع وصول قوات اميركية لتولي السيطرة على المدينة وتوفير الامن فيها. وكان وصول مئات من قوات «البيشمركة» الاكراد الى كركوك اول من امس بعد انهيار القوات العراقية قد اثار قلق تركيا التي تخشى من قيام دولة كردية مستقلة في شمال العراق تشجع اكراد تركيا على الانفصال.

وقال مام رستم وهو قائد عسكري كردي رفيع اندفعت قواته الى داخل كركوك من دون الحصول على ما يبدو على موافقة كاملة من الولايات المتحدة «نعم نحن نتوقع ان نرحل حينما يصل الاميركيون وقد يكون ذلك في وقت لاحق اليوم (امس)». وكانت خمس حافلات تنتظر خارج مبنى الادارة الرئيسية في وسط المدينة. وقال مقاتلون هناك انهم احيطوا علما انهم كانوا سيرحلون على الارجح امس عائدين على مواقعهم الشمالية التي يسيطرون عليها. وساد الهدوء كركوك امس بعد يوم من الابتهاج والاحتفالات بانسحاب القوات الحكومية العراقية. واجتاح العشرات من افراد «البيشمركة» شوارع المدينة لكن لم يشاهد سوى عدد محدود من الجنود الاميركيين من القوات الخاصة.

وقال جلال طالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني الذي تنتمي الى فصيله القوات التي دخلت كركوك لشبكة التلفزيون الاميركية «سي. ان. ان» ان القوات الكردية دخلت كركوك لتأمين حقول النفط وحمايتها من القوات العراقية المنسحبة ومنع حدوث عمليات سلب ونهب كالتي شهدتها العاصمة العراقية. وكرر طالباني ما قاله رستم قائلا «سيرحلون (البيشمركة) من كركوك فور ان تحل القوات الاميركية محلهم. مدينة كركوك ستكون في ايدي الاميركيين وقوات التحالف. انها جزء من العراق، العراق الجديد، عراق ديمقراطي فيدرالي».

الى ذلك، اعلن محافظ كركوك ريزغار علي امس ان الوضع في المدينة بات خارجا عن سيطرة الزعماء الاكراد، مشيرا الى سقوط العديد من القتلى والجرحى في اعمال نهب تجري في المدينة. وقال ان اعمال النهب تواصلت الليلة قبل الماضية، وان تصفية حسابات بين اشخاص او بين مجموعات وقعت. كما اشار الى سقوط قتلى وجرحى من دون التمكن من اعطاء تفاصيل اضافية. الا ان مستشفى صدام حسين الكبير في مدينة كركوك لم يستقبل اي قتيل او جريح نتيجة اعمال التصفية هذه. وكان ثلاثة اشخاص قد قتلوا منذ سقوط كركوك الا ان السبب يعود الى اطلاق المتظاهرين النار بشكل عشوائي تعبيرا عن فرحهم بدخول القوات الكردية والاميركية المدينة وخروج قوات النظام العراقي منها. وكشف المصدر نفسه ايضا ان 57 شخصا آخر اصيبوا بجروح.

وافادت مصادر طبية ان المعارك في كركوك اوقعت اربعة قتلى وثلاثة جرحى في صفوف الجنود العراقيين اضافة الى قتيلين وسبعة جرحى في صفوف المقاتلين الاكراد. ومنذ اندلاع الحرب في العشرين من الشهر الماضي قتل نحو 40 شخصا في كركوك غالبيتهم من المدنيين بينهم اطفال اصيبوا بقصف اميركي. وقال محافظ كركوك امام مواطنين حضروا الى مكتبه طالبين الحماية من اعمال النهب، انه ينتظر وصول تعزيزات اميركية لفرض الامن في المدينة، الا انه اقر بانه لا يعرف كم ستستغرق من الوقت اقامة ادارة جديدة في المدينة. وكانت قوات اميركية اضافية قد انتشرت مساء اول من امس في كركوك لتنضم بذلك الى «البيشمركة».

الى ذلك، صرح المسؤول الكردي العراقي برهم صالح بان تعزيزات من القوات الاميركية كانت تقترب بعد ظهر امس من كركوك «لتولي عملية فرض النظام» في المدينة. وقال «انهم في الطريق الى كركوك». واستنادا الى مصادر كردية فان هذه القوات الاميركية كان ينتظر ان تصل مساء امس الى كركوك وان البيشمركة سينسحبون من المدينة «في اسرع وقت ممكن، لكن ليس قبل وصول قوات اميركية كافية».

وعقد بعد ظهر امس اجتماع في محافظة كركوك لبحث ترتيبات انسحاب البيشمركة واقامة ادارة مؤقتة وفقا لمصادر كردية. وضم الاجتماع مسؤولين عسكريين اميركيين وممثلين لطوائف كركوك ولا سيما الكردية. واوضح مسؤول في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتقاسم مع الاتحاد الوطني السيطرة على كردستان ان الاجتماع كان «سيناقش التعاون من اجل انسحاب جميع البيشمركة من المدينة واقامة هيئة مؤقتة لتولي ادارة كركوك». وردا على سؤال عما اذا كانت ادارة المدينة ستسند الى حاكم عسكري اميركي اكتفى صالح بالقول «اننا سنعمل في اطار التحالف».

وفي مكتب المحافظ صاحت احدى النساء في وجه المحافظ الكردي الذي يمثل السلطة السياسية الوحيدة المحلية في المدينة، والذي جلس على كرسيه وقد اعتراه التعب والاجهاد «احمونا»، «هم يهاجمون حتى الاكراد»، «لقد اخذوا كل شيء». واضافت «انهم يريدون ان يأخذوا سيارتنا». فرد عليها المحافظ رزكار علي «ماذا تريدين مني ان افعل؟»، واجابت «اعطنا رسالة حماية». واستمر الحوار «لا توجد رسائل حماية، كيف تريدين منا ان نحمي كل الناس؟»، فردت السيدة «لكن زوجي ايضا هو بيشمركة (مقاتل كردي)».

وحاول العديد من الناس الدخول بالقوة الى مكتب المحافظ في الطابق الاسفل: نساء مسنات يرتدين الحجاب وعرب ومقاتلون ومتحمسون، لكن حراسه كانوا يسمحون لهم بالدخول في مجموعات صغيرة. وكانت الشكاوى من احدى النساء تقاطها دموع امرأة اخرى تقول «لقد جاءوا هذه الليلة واخذوا كل شيء ولم يعد لدينا اي شيء. افعلوا شيئا، افعلوا شيئا». وقال احدهم لرجل كان يرتدي ملابس رجال حفظ الامن «لقد ازدادت عمليات النهب»، مضيفا «لا يوجد ما يكفي من البيشمركة». من هم السارقون.. لا احد يستطيع ان يؤكد كما لا احد يستطيع ان يقول ما اذا كان عناصر البيشمركة انفسهم وجدوها فرصة سانحة لكي يستفيدوا هم ايضا.

وفي الخارج كما في داخل البناية التي تضم مكتب المحافظ والتي طالتها عمليات النهب هي ايضا كان المئات اما «ينتظرون الاوامر» او ليس لديهم ما يفعلونه. ونصح احدهم المحافظ «كان يفترض وضع نقاط سيطرة للتفتيش في جميع الاحياء ومن ثم مراكز تتلقى طلبات الشكاوى من الناس». فقال المحافظ «اطبعوا مناشير تدعو الناس الى احترام النظام» دون ان ينتظر من احد ان يطبق طلباته هذه. واضاف المحافظ الذي جلس خلف طاولة كبيرة كانت تستخدم في الماضي من قبل الموالين لصدام حسين من اجل اتخاذ القرارات الخاصة بالمدينة «انها عملية فوضى. لقد استمرت عمليات النهب طوال الليل فضلا عن عمليات تصفية الحسابات». ولكن لا احد من الذين جلسوا في مكتبه اكد حدوث عمليات تصفية حسابات حتى ممثلو العرب والتركمان والآشوريين الذين يعيشون في المدينة والذين حضروا الى مكتب المحافظ بناء على دعوته.

وحتى الاكراد الذين كانت تحوم شكوك حول امكانية قيامهم بعمليات لاستعادة ممتلكاتهم المصادرة منذ سنوات بالقوة حضروا طالبين المساعدة. وقال محافظ كركوك انه ينتظر وصول تعزيزات اميركية، فهم سيتمكنون بالتأكيد من فرض الامن في المدينة. لكن احدهم تدخل قائلا بحماسة وقد بدا عليه التعب «انها الحرية، صدام حسين لم يعد هناك، انها الحرية». وسأل آخر متى سيتم تشكيل ادارة انتقالية، فأجابه المحافظ «انا لا اعرف ان المعارضة من يقرر ذلك». هل سيكون هو المحافظ المقبل؟ قال علي «انا لا اعرف». ولكم من الوقت سيكون محافظا، «لا اعرف» يرد ايضا معربا عن الامل في الا يطول الامر.