صدام حسين وضع ثلاث روايات و«سي. آي. إيه» استعملتها لدرس أفكاره

TT

لم يرق لصدام حسين إبان سلطته أن يرى العراق من دون مثقفين وروائيين بعد أن فرقتهم المنافي، فبادر سريعا إلى دخول عالم الرواية مقدما عدة أعمال منها رواية «زبيبة والملك» التي أحدثت ضجة حين صدورها نظرا لغياب اسم مؤلفها إلى أن اكتشفت الأوساط الثقافية قبل عامين أن كاتبها هو الرئيس صدام حسين. وتحكي الرواية التي جاء على غلافها عبارة «حب وخيانة ومؤامرات وحروب» قصة ملك في بلاد الرافدين القديمة يسعى للاقتراب من الشعب إلا أن الأوساط الفاسدة القريبة منه تمنعه من تحقيق ما يريد حتى يلتقي بزبيبة التي تغير مجرى حياته. وينضم الملك في المعركة الأخيرة إلى أتباعه لمواجهة العدو الذي كان يحوك المؤامرات ضده وتسقط زبيبة في المعركة وتصبح «شهيدة الشعب» ويهزم الأجنبي.

تموت زبيبة بعد أن تتلقى طعنة سهم وهي على جوادها الأبيض، وكانت قد اغتصبت بعد أن حاصرها الأعداء! وهكذا يفصح الرئيس عن رومانسية ليس مثلها رومانسية المنفلوطي. فالبطلة تكتب على فراش الموت رسالتها الأخيرة: «عزيزي.. حبيبي عرب.. لم أشأ أن أقول لك: جلالة الملك، فتمتعض من روح كلماتي ما تفتعله الألقاب والعناوين، ولذلك فكرت بأن أخاطبك بما هو أغلى وأجمل وقعاً على نفسي وأنا أودعك الوداع الأخير، قبل أن أراك.. وخاطبتك باسمك، أبقاه الله عليك مهابة وعنوان محبة لشعبك وجيشك..».

وأشار نقاد إلى أن «زبيبة والملك» هي من بنات أفكار صدام نفسه ولم يسهم فيها كاتب محترف لتصحيح ما تضمنته من أخطاء فنية فاضحة. فهي عبارة عن خطب طويلة مملة، لغتها أثقل من أفكارها الساذجة. أما تحذلقها فهو يشير إلى فجوات في عقل هذا الرجل الذي أوصله الغرور إلى مدى فاضح.

مدخل الرواية يركز على فكرة المعجزات، فالعراق أولاً أرض المعجزات التي لا تشبه أرضاً أخرى. وعلى هذا الاعتبار كان يحكمه ملك عظيم الشأن والمكانة. ثم تصبح التوطئة بمثابة الإفصاح عن الكيفية التي يرى فيها المؤلف مفهوم العظمة، فهذا الملك كما تقول الحكاية: «سلّم ناسه له، بين طائع أو مُجبر، بعد أن صار ملك زمانه: ملك الجهات الأربع، وهكذا كان من يريد أن تنحني له الرقاب طائعة إلى مدى وعمق، أعمق من المكان الذي يحل فيه عرشه ويؤثر فيه، من ملوك لا ينتسبون إليه، ويحكمون خارج مقر حكمه، في أعماق العالم القديم، وإلى المدى الذي صاروا يخشون سطوته، إن لم يقنعوا بحكمهم شعبهم، باسمه، يحكمون ويعلون ويطاعون..».

وترجمت الرواية إلى الصينية في البداية ثم إلى الفرنسية بمساعدة «جيل مونييه» الأمين العام لجمعية الصداقة الفرنسية العراقية، الذي قال إنه يريد كشف العالم الداخلي لصدام حسين بعيداً عن الصورة الساخرة التي تنشرها وسائل الإعلام، وطبع من هذه الرواية 30 آلف نسخة فرنسية.

وذكر مونييه إنه يعمل على ترجمة رواية ثانية لصدام حسين هي «القلعة الحصينة» كما أن له عملا ثالثا تحت عنوان «رجال ومدينة» كما قال إن رواية «زبيبة والملك» ستصبح مسلسلا تلفزيونيا ومسرحية في وقت لاحق.

تجربة صدام الروائية تنطوي على اعتراف بالقوة التي يمتلكها الأدب والرسالة التي يمكن أن يرسخها في أذهان الناس. والتاريخ نفسه لا يخلو من حكام كانوا كتابا وفلاسفة وشعراء. فقد كان ونستون تشرتشل مثلا أحد كبار الكتاب باللغة الإنكليزية مثلما كان ماو تسي تونغ شاعرا كما وضع ستالين نفسه العديد من الكتب الفلسفية. ويعتبر سنغور الأفريقي أحد الشعراء المهمين باللغة الفرنسية. وضمن هذا السياق نفسه كان معمر القذافي قد أصدر كتابه الأخضر الذي تضمن «نظريته العالمية الثالثة» فهل يسمح التاريخ بفتح صفحة جديدة لمثقف وقائد في آن واحد؟

ومن الحكايات التي تروى عن ولع صدام حسين بالعالم الروائي والكتابة السردية تعوده على أن يروي قصة حياته وبطولاته على جمع من الكتاب المتسابقين إلى نيل الجوائز. وعندما فازت رواية «الأيام الطويلة» لأحد الروائيين استدعى مخرجاً عربياً مشهوراً لتقديمها ضمن عمل تلفزيوني. وهي قصة كما يقول المخرج لم يقبل الرئيس أن تكون مثل حياة بقية البشر، لأن صاحبها رفض أن يصور البطل الذي يمثل دوره وعلى وجهه علامة ألم أو لحظة ضعف.

وقبل أشهر نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً طريفاً بعنوان «عملاء المخابرات المركزية الأمريكية يدرسون رواية للوقوف علي تفكير حسين». الرواية بالطبع هي زبيبة والملك، وحسين هو الرئيس العراقي صدام حسين.

والسؤال هو هل استفادت C.I.A. من العالم الأدبي لصدام كما استفاد المفتشون من أقبية الأسلحة والمواقع الاستراتيجية، ربما؟ وإن أبدوا بعض تشككهم في أن تكون الرواية من تأليف صدام حسين، الأمر الذي لا ينفي إشرافه علي إنتاجها، وحشوها بكلماته وأفكاره.

واستغرب أحد النقاد هذا الاستنتاج الجسور رغم تأكيد صحيفة مؤيدة للعراق أنّ حقيقة عدم صدور انتقادات رسمية للرواية يوحي بقوّة أنّ الرئيس العراقي هو كاتبها.