السؤال بعد عامين لا يزال: من ساعد الخاطفين داخل أميركا ؟

آخر التحقيقات مع السعودي بيومي تشير إلى براءته وتجدد التأكيد على لقائه بالخاطفين «صدفة» في مطعم

TT

بعد مرور عامين على هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 في الولايات المتحدة لا يزال محققو مكتب المباحث الفيدرالي الاميركي (اف. بي. آي) والكونغرس مختلفين حول ما اذا كان الخاطفون التسعة عشر تلقوا مساعدات من نشطاء آخرين من "القاعدة" داخل الولايات المتحدة، ولم يتمكنوا بعد من الإجابة على بعض الأسئلة الاساسية في هذه القضية.

ولا تزال الشكوك مستمرة على الرغم من اكبر تحقيق يجريه مكتب المباحث الفيدرالي في تاريخ الولايات المتحدة، اشتمل على إجراء 18 ألف مقابلة وشارك فيه 7 آلاف من موظفي المكتب. وقد زاد ذلك من احتمال الا يعرف الشعب الاميركي بالضبط كيف تمكن المشاركون من تنفيذ اكثير الهجمات الارهابية تدميرا في تاريخ الولايات المتحدة.

وذكر المسؤول عن مكافحة الارهاب في مكتب المباحث الفيدرالي لاري ميفورد الاسبوع الماضي: «اننا نعلم الكثير عن الهجمات. ولكن لسوء الحظ لا نعرف كل شيء».

وتتعلق بعض الشكوك بتفاصيل مثيرة: اذ صعب على المحققين الفهم الجيد لسبب حجز الخاطفين تذاكر تشمل التوقف في لاس فيغاس خلال ما يبدو انه كان تدريباً على الطائرات المدنية في .2001 كما لم تعثر السلطات على تفسيرات محددة، لبداية قائد المجموعة محمد عطا وخاطف آخر هو عبد العزيز العمري، رحلتهم الانتحارية في 11 سبتمبر 2001، عبر رحلة خطرة من بورتلاند بولاية مين الى بوسطن، حيث وصلا قبل دقائق وكان بالامكان الا يتمكنا من ركوب الطائرتين. وما الذي تم بالضبط في اجتماع في كوالالمبور في يناير (كانون الثاني) 2000، حيث يعتقد المحققون ان بداية تطبيق المؤامرة كانت هناك؟

غير ان اكبر الالغاز، الذي اصبح اكثر غموضا في الشهور الاخيرة، يتركز على الدعم الذي حصل عليه الخاطفون وهم يعدون العملية، وما الذي يمكن ان يشير اليه ذلك بخصوص وجود شبكة من النشطاء في الولايات المتحدة.

وقد أثار تحقيق الكونغرس الاخير احتمال ان يكون هناك أنصار لـ «القاعدة» داخل الولايات المتحدة لمساعدة الخاطفين، كانوا على علم ببعض جوانب المؤامرة على الاقل. واذا صح ذلك، فربما يعني ذلك احتمال ان هناك شركاء لـ «القاعدة» في الولايات المتحدة حالياً وهم طليقو السراح.

وقد توصل المحققون، الذين اعتقدوا في البداية ان وجود مثل هذه الشبكة امر مرجح، في اوائل العام الماضي الى عدم وجود امكانية للعثور على دليل على وجود جهد داخلي منظم لمساعدة الخاطفين. ومنذ ذلك الوقت قدم كل من مكتب المباحث الفيدرالي ووزارة العدل والمسؤولين الاستخباراتيين صورة لفرق الخاطفين على انهم نشطاء منظمون لم يتعاملوا مع احد ولم يعتمدوا على خلايا قائمة للحصول على مساعدة. ويعتقد المحققون ان الخاطفين اعتمدوا على مهاجرين ليست لهم علاقة بالارهاب من اجل الحصول على شقق واوراق هوية وغيرها من المساعدات بعدما دخلوا الولايات المتحدة.

وقال مدير مكتب المباحث روبرت مولر خلال اجتماع مشترك للجنتي الاستخبارات في مجلسي النواب والشيوخ في يونيو (حزيران) من العام الماضي: «كان الخاطفون، خلال وجودهم هنا، يعملون بدون إثارة اي شكوك، ولم يتصرفوا بأي طريقة تثير انتباه اجهزة تطبيق القانون ولم يفعلوا ما يمكن ان يضعهم تحت الرقابة المحلية. والى حد علمي لم يتصلوا بأي شخص متعاطف مع الارهابيين في الولايات المتحدة».

ولكن في تقرير صدر الصيف الماضي، توصل التحقيق المشترك الى نتيجة مختلفة مفادها ان مصادر الاستخبارات وتحقيقات مكتب المباحث قد كشفت عن اتصالات بين عدد من كبار الخاطفين و14 على الاقل من الشركاء في سان دييغو وفي اماكن اخرى من الولايات المتحدة.

وقد اعاد هذا الادعاء تركيز الاهتمام على اداء ومدى كفاءة مكتب المباحث، الذي تعرض هو ووكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. ايه) الى انتقاد حاد العام الماضي لعدم التصرف بطريقة اكثر نشاطا لتحديد مكان اثنين من الخاطفين اللذين كان معروفا انهما دخلا الولايات المتحدة في صيف .2001 وأوضح تقرير الكونغرس ان «حقيقة معرفة مكتب المباحث لعدد كبير للغاية من الاشخاص الذين ربما اجروا اتصالات مع الخاطفين، يثير تساؤلا، حول مدى معرفة المكتب بنشاطات الجماعات المتطرفة في الولايات المتحدة قبل 11 سبتمبر». وأضاف التقرير ان معرفة مدى حجم شبكة الدعم "في غاية الاهمية لفهم طريقة عمل الخاطفين والقاعدة».

وقال دانيال بنيامين، الذي كان مسؤولاً في مجلس الامن القومي في ادارة الرئيس السابق بيل كلينتون وانتقد دور مكتب المباحث الفيدرالي في مواجهة الارهاب «ان وجهة نظر مكتب المباحث لوقت طويل بعد احداث 11 سبتمبر كانت تنظر الى ذلك كعمل ثوري في إطار تاريخ الارهاب لأنه من تنفيذ ارهابيين وصلوا الى هذا البلد ولم يندمجوا في البنية الاساسية للمجتمع. اما الآن فيبدو ان الامر لم يكن كذلك».

غير ان المسؤولين في مكتب المباحث الفيدرالي وفي جهات اخرى من ادارة الرئيس جورج بوش فندوا مثل هذه التوصيفات، وقالوا ان نتائج تحقيقات الكونغرس تعتمد على ادلة قديمة او غير دقيقة وتتعارض مع احدث الاكتشافات في القضية.

وقال المسؤولون انه تم اجراء تحقيقات مكثفة حول كل الشركاء الذين اشير اليهم في التقرير. واضافوا انه بالرغم من المعتقدات والاتصالات الراديكالية لبعض الشخصيات الاساسية، فلا يوجد دليل على معرفة مسبقة او المشاركة في مؤامرة 11 سبتمبر.

ومن ناحية اخرى ذكرت الينور هيل مديرة شؤون الموظفين في التحقيقات المشتركة لمجلسي النواب والشيوخ، انها لا تزال قلقة من ان مكتب المباحث وغيره من وكالات الاستخبارات «لم يفهموا اهمية الاتصالات بين الخاطفين والشركاء الارهابيين». وقالت «ان السؤال لا يجب ان يدور حول ما اذا كان لهؤلاء علم بالمخطط، وانما يجب ان يتركز حول ما اذا كانوا ارسلوا الى هنا من قبل شبكة «القاعدة» لمساعدة عناصرها بصرف النظر عما اذا كان لديهم علم بالمخطط وما اذا كانوا لا يزالون هنا».

ولفتت هيل الانتباه الى ان قيادي «القاعدة» خالد شيخ محمد، العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر، قد سافر الى الولايات المتحدة في مايو (ايار) 2001 وارسل عناصر تابعة لـ «القاعدة» لتأسيس خلايا. وابلغ جورج تينيت، مدير وكالة (سي. آي. ايه) لجنة تحقيق بأن غالبية الخاطفين الذين شاركوا في هجمات 11 سبتمبر لم يكونوا على عمل بتفاصيل مهمتهم.

ومن جانبها قالت الينور هيل ان عدم إلمام عناصر «القاعدة» بتفاصيل ما يجري التخطيط له أمر مألوف، إلا ان ذلك لا يعني بالضرورة عدم وجودهم او تشكيلهم خطرا امنيا.

وكانت نتائج تحقيق الكونغرس التي اعلنت في يوليو (تموز) الماضي قد تضمنت تفاصيل حول نصف الشركاء الـ 14 الذين يشتبه في وجود صلة بينهم والخاطفين. ومن بين اولئك شخص لم يعلن عن اسمه كان تلقى تدريبا على الطيران مع هاني حنجور (احد منفذي الهجمات) في فينيكس بالإضافة الى آخر لم يعلن عن اسمه ايضا يقيم في «الشاطئ الشرقي» للولايات المتحدة وله علاقة مع احد زملاء محمد عطا في الدراسة والسكن.

إلا ان الادعاءات الاكثر إثارة للجدل في التقرير تتركز حول مجموعة من الشخصيات في سان دييغو حيث كان يقيم نواف الحازمي وخالد المحضار مطلع عام .2000 وتعكس الآراء المتباينة ازاء احداث سان دييغو عمق الخلاف بين فريق تحقيق الكونغرس، الذي توصل الى ان الخاطفين ربما تلقوا مساعدة من جانب شركاء، وبين محققي مكتب المباحث الفيدرالي، الذين توصلوا الى ان هذه العلاقات كانت بريئة في الاساس. من بين الاسماء التي ظهرت في التقرير عمر البيومي، وهو مواطن سعودي كان على صلة صداقة مع الخاطفين وشجعهما، حسب تقرير قدم للكونغرس، على ما يبدو على الانتقال من لوس انجليس التي كانا وصلا اليها في يناير 2000، الى سان دييغو.

ودار جدل واسع وسط دوائر الاستخبارات والامن حول ما اذا كانت لبيومي علاقات مع عناصر "القاعدة"، حسبما علم مكتب المباحث من احد مصادره، ام انه كان عميلا للحكومة السعودية. وقالت مصادر ان مكتب المباحث الفيدرالي الاميركي، الذي اجرى تحقيقات مع بيومي في السعودية اثر ضغوط من الكونغرس، قد توصل الى ان الادعاءات ضده لا تسندها ادلة. واستبعد المكتب إجراء المزيد من التحقيقات معه. ومن المعتقد ان لقاء بيومي المبكر مع المحضار والحازمي كان سببا رئيسيا في تضارب المواقف تجاهه.

وطبقا لتقرير لجنة التحقيق، فإن مصدرا اجرى معه مكتب المباحث الفيدرالي تحقيقا اشار الى انه سافر مع بيومي الى لوس انجليس في 15 يناير 2000 لزيارة القنصلية السعودية، إلا ان مكتب المباحث الفيدرالي لم يستطع تحديد تفاصيلها. وأشار التقرير الى ان بيومي والمصدر المذكور اتجها في وقت لاحق الى مطعم حيث تحادثا مع الحازمي والمحضار عندما سمعاهما يتحدثان باللغة العربية. وأشار التقرير الى شكوك محققي مكتب المباحث الفيدرالي في «احتمال ألا يكون لقاء المطعم قد جرى بمحض الصدفة»، فيما اشتمل رد مكتوب لمكتب المباحث موجه الى لجنة التحقيق التابعة للكونغرس على إشارة الى ان اللقاء المذكور «كان لقاء مثيرا للشكوك مع الخاطفين».

إلا ان محققي مكتب المباحث الفيدرالي قالوا ان التحقيقات التي اجريت لاحقا أزالت الكثير من شكوكهم. فقد توصل المحققون من خلال عمليات استجواب متواصلة الى ان بيومي ورفيقه كانا يبحثان في بداية الامر عن مطعم عربي كان مغلقا في ذلك اليوم دون ان يعلما ذلك، ثم دلهما قصاب قرب المطعم المغلق على المطعم الآخر حيث التقيا بالخاطفين.

وأضاف مسؤولو مكتب المباحث الفيدرالي انه لم تعد هناك شكوك ازاء معلومات اخرى حول بيومي من ضمنها مزاعم بأنه نقل 400 الف دولار اميركي من السعودية الى مساجد كردية في سان دييغو. وفيما اعترف بيومي بتقديم شيك مصرفي بالمبلغ بقيمة الايجار الاول ومقدم الايجار في سان دييغو، فإن ذلك لم يكون سوى قرض رد بايداع مبلغ نقدي في حسابه المصرفي.

وتوصل فريق التحقيق التابع لمكتب المباحث الفيدرالي، الذي لا يزال يبحث في تفاصيل المخطط، الى نتائج مماثلة حول شركاء آخرين ظهرت اسماؤهم في تقرير لجنة التحقيق التابعة للكونغرس. ومن جانبه قال ميفورد، رئيس قسم مكافحة الارهاب والتجسس في مكتب المباحث، انه لا يوجد ما يشير الى ان الاشخاص الذين قدموا مساعدات كانوا على علم بما يفعلون.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»