السعودية: قطاع السياحة الداخلية استفاد من أحداث سبتمبر

خبراء سياحة: قلوب المسافرين السعوديين لن تعاود الخفقان نحو أميركا

TT

بحكم أن أداة جريمة احداث 11 سبتمبر كانت طائرة مدنية، فان هذا القطاع تأثر سلبا منذ ذلك اليوم، واضطرت شركات عريقة للخروج من الصناعة، متأثرة بتراجع اعداد المسافرين، فيما فضلت اخرى فصل موظفين او توقف طائرات عن الخدمة.

الأمير فيصل العبد الله أحد المشتغلين في شركات السفر والسياحة ذكر لـ«الشرق الأوسط»، لتشخيص حالة قطاع السفر بعد الاحداث الى اليوم، ان تراجع اعداد المسافرين عالميا بعد الاحداث شمله ايضا تراجع حاد في عدد السعوديين المسافرين الى الولايات المتحدة الأميركية. ويرى الامير فيصل انه بالامكان ان تعود ارقام المسافرين المرتفعة الى سابق عهدها، في حال تسهيل الحصول على تسهيلات من قبل السفارة الأميركية بالرياض والقنصلية في جدة.

وأبان ان العلاقات بين السعودية وأميركا ايضا يمكن ان تعود الى ما كانت عليه، لكن ليس قبل مضي 6 سنوات، فالحصول على التأشيرات لا يزال عقدة امام الراغبين في السفر الى أميركا، «وحسب علمي ان هناك قائمة تمتد الى ما بين 30 و40 الف اسم تحتاج الى اسابيع للموافقة عليها، كما ان الوضع بالنسبة للسفارات الاوروبية ليس بأحسن حالا فالتأشيرة تحتاج ما بين 14 و30 يوما».

واردف «ان العامل النفسي الذي قد يواجه السائح السعودي في أميركا مستقبلا هو مدى تقبل المجتمع الأميركي له، فلا يزال هناك قلق من خلط الامور، ومحاسبة الكل بما اقترفه البعض، وهذا امر يحتاج الى مدة ايضا، بحكم ان الجانب الرسمي والتعامل مع السلطات الامنية يختلف عما يلقاه البعض من المجتمع».

وبشأن تأثير حركة نقل رجال الاعمال السعوديين إلى الاسواق الأميركية، واعتمادهم عليها كأول الوجهات للاستثمارات الخارجية، أوجز رأيه في هذا الخصوص، بالقول: رجال الاعمال اكتشفوا بعد الاحداث اسواقا جديدة، اضطرتهم اليها تلك الفترة، وبعد ان نجحوا في تلك الاسواق وذاقوا حلاوة ارباحها، فلن تكون السوق الأميركية الخيار الاوحد، بعد ان اصبحت السوق الصينية الاكثر جذبا للصناعيين منهم مثلا. كما دخلت على الخط ذاته اوروبا بما فيها اوروبا الشرقية».

وفي الموضوع ذاته، قال لـ«الشرق الأوسط» كامل السادات كبير مديري اقليم اوروبا وأميركا الشمالية في «السعودية»: «قبل أحداث 11 سبتمبر 2001، فان الرحلات الى الولايات المتحدة كانت تصل الى 8 في الاسبوع الواحد. واليوم انخفض عدد الرحلات الى 3 فقط، فيما تراجعت اعداد المسافرين بنسبة كبيرة تتراوح بين 50 و60 في المائة».

وأشار السادات إلى أن الخطوط السعودية شهدت تراجعا أيضا في عدد ركابها من طلاب كانوا يدرسون في الولايات المتحدة ويستخدمون طائرات المؤسسة في تنقلاتهم بين السعودية وأميركا، موضحا بانه تم ايقاف الرحلات الى اورلاندو بعد ان شهدت نجاحا اثناء تشغيلها في فترة الصيف قبل الاحداث.

وفيما يخص الحج والعمرة، أبان السادات أن تراجع نسبة المسافرين بين البلدين، جعل شركات اخرى تستفيد من الطلب اثناء الحج والعمرة، في الوقت الذي فضلت الخطوط السعودية التركيز على محطات أخرى في شرق ووسط آسيا في تلك المواسم.

وحول التوقيت المتوقع لعودة حركة النقل الجوي بين السعودية والولايات المتحدة كسابق عهدها، قال السادات، متى ما زالت العوائق النفسية والاجرائية، فهناك استمارة تشترط السفارات بان تتم تعبئتها للحصول على التأشيرة، وفيها اسئلة استفزازية، واعتقد ان وجود مثل هذا الطرح يعيق اقبال السعوديين للسفر الى هناك. وتوقع ان لا تقل المدة المطلوبة لتعافي الحالة بين البلدين ما بين 5 الى 10 سنوات.

* الحريات السبع في السفر

* في العرف المعمول به بين شركات الطيران سبع حريات، بعضها مقبول وبعضها في حدود ضيقة جدا، وما يحدث حاليا من نقل لركاب لشركة طيران تابعة لشركة ج مثلا، بين بلدين أ وب بعد التنسيق مع كل الاطراف، هو ما يعرف بالحرية السادسة، وهو ما تعتمد عليه شركات الطيران الاوروبية مثلا في نقل النسبة العظمى من ركاب الولايات المتحدة وحجاجها ومعتمريها مرورا بمحطاتها الاوروبية الرئيسية.

ومعلوم ان الحرية الاولى هي: حرية الهبوط في أي بلد للتزود بالوقود، والثانية عبور الاجواء، الثالثة: السفر من محطة أ الى ب، الرابعة السفر من ب الى أ، الخامسة نقل ركاب من محطة ب الى ج فيما شركة الطيران تابعة لدولة أ تنوي التوقف في المحطة ب ثم تنتهي برحلتها في ج. اما الحرية السادسة فهي ما يعرف بالترانزيت، وهي عملية نقل الركاب من بلد الى اخر مرورا بمحطة الشركة الناقلة، والحرية السابعة، وهي نقل الركاب بواسطة شركة طيران اجنبية بين محطتين ب و ج عائدتين لدولة واحدة وهذا استثناء فقط للسياسين الذين يزورون الدول الاجنبية بطائراتهم الخاصة.

وأجمع خبراء في سوق السياحة والسفر السعودية على عدم تأثر السوق جراء أحداث الحادي عشر من سبتمبر بل تحدث من استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم من الخبراء عن التأثير الإيجابي لتلك الأحداث على السياحة الداخلية.

وتحدث هؤلاء الخبراء عن الآثار السلبية للحدث على السياحة الخارجية، وخاصة على أميركا التي كانت تحتل نسبة عالية في رصيد أرقام السياحة الخارجية بالنسبة للسعوديين وكانت مقصد رجال الأعمال والمسافرين بغرض السياحة والتعليم أو المصحات العلاجية، إضافة إلى الشركات السياحية الكبيرة التي واجه بعضها الإفلاس أو الانكماش بسبب تركيزها على سوق السياحة الخارجية وتناسي السياحية الداخلية التي أخذت مكانها بشكل مطرد. ويتحدث الدكتور ناصر عقيل الطيار مدير عام ورئيس مجلس إدارة مجموعة الطيار للسفر والسياحة، عن تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر على قطاع السياحية السعودية وكيف واجه العاملون في هذا القطع هذه التداعيات على المستوى الداخلي والخارجي فيقول: لقد كان الحدث ذا تأثير إيجابي على السياحة الداخلية وظهرت واضحة عندما أعلن مسؤولو الخطوط الجوية العربية السعودية عن الأرقام التي حققتها الناقلة الوطنية هذا الموسم والتي سجلت نتائج سلبية بنسبة 80 في المائة على الرحلات لأميركا.

وأضاف: لقد واجه العاملون بالسياحة تداعيات الحدث الكبير بتنويع البرامج والمنتجات السياحية وإيجاد محطات وأسواق بديلة للأسواق الأميركية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي مما يبدو معه الأمر واضحاً في الاتجاه نحو تلك المحطات البديلة.

وفيما إذا كانت لتلك الأحداث ذيول باقية حتى الآن أم أمكن التخلص منها نهائياً قال الطيار: لا يكاد يظهر لها أثر في الوقت الحالي، فقد تم إيجاد محطات جديدة للسائح السعودي داخل وخارج السعودية، واردف بالقول، أن أكثر الجهات تضرراً بالحدث هي تلك الجهات التي اعتمدت على السوق الأميركية سواء في مجال السياحة أو التعامل التجاري أو الصناعي أو الشركات الأميركية العاملة في السعودية.

ونفى الدكتور ناصر الطيار أن يكون للنهضة المترامية في النشاط السياحي الداخلي في السنوات القليلة الماضية، وقال، إن النهضة الحالية ليس لها علاقة بحادثتي نيويورك وواشنطن إطلاقاً، لأن الدولة كانت تخطط لتحقيق هذا الأمر وذلك بتحويل التدفق النقدي الخارجي إلى تدفق نقدي داخل البلاد، وهو ما حقق نجاحاً كبيراً قياساً بالأعوام السابقة.

من جهته أكد احمد محمد الإدريسي، مستشار سابق في مجال تأجير الطائرات ورئيس لجنة شركات الطيران العاملة بمطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة، ومدير محطة الخطوط القطرية فيها، محدودية أحداث 11 سبتمبر على السياحة السعودية، وقال ان تأثيرها أصبح محدوداً للغاية، ما عدا بعض شركات السياحة الكبرى التي واجهت أو ما تزال بعضها يواجه خطر الإفلاس أو الانكماش بسبب توجهها في التركيز على سوق السفر والتذاكر متأخرا عن الدرب الجديد والذي تنصح به الدولة وهو السياحة الداخلية.

وقال «ان اكثر المتأثرين الشركات التي تعتمد على السفر فقط وإصدار التذاكر متناسين سوق العمرة والسياحة الداخلية والبرامج السياحية المنظمة لتلك السوق».

وأردف، أما على المستوى الخارجي فإنه وبطبيعة عملي واحتكاكي على مدى سنوات مع الشركات الأجنبية بصفة عامة وشركات التأجير بصفة خاصة ولطبيعة عملي السابق الذي توقف منذ تلك الأحداث وهو مستشار في مجال العمليات وتأجير الطائرات لعدد من شركات تأجير الطائرات الأجنبية وخصوصا الشركات الأميركية، فإن تلك الشركات بدأت بالتهاوي والسقوط وبدأت الشركات الأميركية الواحدة تلو الأخرى تعلن إفلاسها أو تسرح موظفيها وتقلص العديد من الوظائف، فيما بدأت شركات الطيران الأوروبية في الترنح تحت الكساد الذي حدث في المنطقة وقامت الشركات المحظوظة منها بالعمل بهيكلة إدارية جديدة أو تسريح موظفيها، وأفلس بعضها وظهرت تكتلات جديدة في سبيل تخفيض الكلفة وتغطية محطات اكثر.

ومحلياً والحديث ـ ما زال للإدريسي ـ فان تطبيق نظام العمرة الجديد قد واجه تحديا كبيرا في بدايته، لأنه كان تنظيما جديدا للكثير من الدول الإسلامية، ولكن هذا النظام استطاع خلال العامين الماضيين أن ينجح نجاحا كبيراً في توظيف آلاف الأيدي العاملة السعودية وان يقدم خدمة مميزة لضيوف بيت الله وان يكون مصدر دخل قومي جديداً، وبالمقابل تأثر سوق السفر وتغيرت فكرة السفر للكثيرين من السعوديين فأصبحت الدول العربية المقصد الأول بدلا من أميركا ثم جاءت دول شرق آسيا كخيار ثان قبل ظهور مرض الـ«سارس». فيما جاءت أوروبا في آخر القائمة.

وأضاف: المواطن السعودي اصبح اكثر وعيا من ذي قبل ، فبدأت سوق البرامج السياحية المخفضة والمنظمة تلفت نظره اكثر أصبحت العائلات هي الشريحة الأكبر بدلا من الشباب والأفراد، كما أصبحت المهرجانات التسويقية وغيرها تلعب دوراً مميزاً في جذب أنظار المواطنين، وإضافة إلى هذا فقد ظهر سوقاً جديداً لم يكن ظاهرا في السابق وهذا السوق يستغل الاستغلال المناسب وهو السوق الخليجي، فأصبح الكثير من المواطنين الخليجيين يفضلون أبها والطائف لمناخها وطبيعة السعودية المحافظة، إضافة إلى أن ظهور الكثير من الأفكار الشبابية التي تدعو إلى تنظيم مخيمات في الشواطئ البعيدة وإن لم تأخذ الشكل المناسب والمنظم خاصة أن الشاب السعودي أصبح يدرك مدى أهمية العملة الصعبة التي يصرفها في الخارج وأن بلاده أحق بها.

واعتبر الإدريسي، النهضة السياحية الحالية بأنها نتيجة طبيعية لتفعيل دور هيئة السياحة العليا إلى جانب نظام العمرة الجديد وأيضاً ارتفاع عدد الرحلات من والى السعودية بصفة عامة، وقال ان زيادة حركة الطائرات والسماح للمزيد من الشركات بفتح خطوط جديدة لها أو السماح لها بزيادة عدد رحلاتها سينعكس بلا شك على الحركة السياحية وبالتالي زيادة في عدد زوار السعودية.