شقيق معتقل سعودي في غوانتانامو يكشف لـ«الشرق الأوسط» صورة من معاناة 124 أسرة مماثلة

عبد الله القحطاني: معظمهم اعتقلوا في باكستان عشوائيا بعد شهرين من الانفجارات و شقيقي جابر لا يمكن أن يحمل السلاح في أفغانستان لأن لا مكاسب له في هذا الامر

TT

يتولى السعودي عبد الله القحطاني، شقيق جابر، المعتقل في غوانتانامو منذ مطلع العام 2002 ولا يزال مع 124 سعوديا آخرين تتهمهم اميركا بـ«بمقاتلين أعداء»، دور رجل الإطفاء «المعنوي» للهيب شوق والدته ووالده وبقية افراد العائلة لنجلهم الأسير في سجون جزيرة تبعد الاف الأميال عن منزلهم المجاور للكعبة المشرفة في مكة المكرمة.

جابر القحطاني وبقية الشباب السعودي يخوضون تجربة قاسية هي الاولى من نوعها في التاريخ المعاصر كانت أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 سببا مباشرا في «اعتقال العشرات (منهم) عشوائيا بعد اقل من شهرين على الانفجارات في نيويورك وواشنطن وبتهم اقرب الى الأسطورة مقارنة بدوافع وجودهم في افغانستان وباكستان فترة بدء حرب الانتقام الاميركية على 11 سبتمبر». وفق ما يعتقد شقيق جابر.

ويعتقد عبد الله، 36 عاما، ايضا، ان شقيقه الذي لم يتجاوز الـ 25 عاما من عمره «لا علاقة له إطلاقا بما هو متهم به». ويرى ان «جابر لا يمكن ان يحمل السلاح في افغانستان لأن لا مكاسب له في هذا الامر». لكن ماذا تعتقد العائلة عن دور نجلها في باكستان لحظة اعتقاله من قبل مرتزقة وتسليمه «كصيد ثمين» للجيش الاميركي، يقول عبد الله «لا شك لدينا في ان جابر توجه الى هناك بقصد المساهمة في أعمال إغاثة تتبع لمؤسسة (وفاء) الحاصلة على تصاريح رسمية دولية بالعمل الإغاثي في المناطق المنكوبة». ويؤكد عبد الله الذي يمتلك اتصالات واسعة وتواصلا مستمرا مع كثير من العائلات المماثلة بأن ابنائهم كانوا في مهام انسانية.

مؤسسة وفاء هذه يخضع مؤسسها ورئيسها عبد الله المطرفي نفسه الى تجربة الاعتقال في أقفاص سجون معسكر غوانتانامو، وهي جزيرة تابعة للأراضي الكوبية ويقول الجيش الاميركي انه استأجرها(غلبة) من الحكومة الكوبية السابقة لمدة 99 عاما، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

فهل يخطر على بال ذوي المعتقلين في غوانتانامو ان يستمر واقع اعتقال أبنائهم في المعسكر حتى تنتهي مدة الإيجار؟ كان رد عشرات العائلات على هذا السؤال، عندما اجتمع ممثلوها مع فريق محامين سعوديين تولى مطلع العام الجاري مهام الجهد القانوني لإطلاق سراح 124 أسيرا سعوديا، «هذا هاجس نطرده من أذهاننا كثيرا». هناك تطوران في ملف المعتقلين السعوديين في غوانتانامو، يكافحان هاجس العلائلات حول مصير ابنائها الغامض، الاول ما تسرب على هامش زيارة وفد سعودي لواشنطن، حاليا، بأن المعتقلين السعوديين ربما لن يخضعوا للمحاكمة العسكرية، والثاني اطلاق سراح 5 سعوديين في مايو(ايار) الماضي، وتسليمهم للسلطات السعودية التي سمحت لعائلاتهم بزيارتهم بعد ساعات من وصولهم الى سجن الحائر في العاصمة الرياض.

فريق من المحامين السعوديين المكلف من قبل الحكومة السعودية بالترافع نيابة عن اسر المعتقلين قرر التوجه، ضمن الوفد السعودي، الى الولايات المتحدة الاميركية في ذكرى مرور عامين على أحداث 11 سبتمبر، لمناقشة الفرص القانونية المتاحة لتحريك ملف القضية مع أعضاء في الكونغرس والحكومة الاميركية، فضلا عن مفاوضات مع فرق المحامين الاميركيين. لكن أعضاء الفريق متيقنين بان دورهم لا يتجاوز مهمة شكلية تستهدف التواصل مع وسائل الاعلام المحلية والدولية وتزويدها بالتطمينات اللازمة لنشر السكينة في نفوس اكثر من مائة أم يبكين طيلة الوقت على أنجالهن المعتقلين، وآباء وزوجات وأشقاء وشقيقات، فضلا عن شقاء وحرمان لعشرات الأطفال «الأبناء» بفقد آبائهم.

عبد الله القحطاني، رغم انشغاله في وظيفته الرسمية، استطاع بمساندة بعض افراد عائلته من نشر الطمأنينة في نفوس والديه وبقية اشقائه الاكثر تأثرا بمصير جابر. يقول عبد الله لـ«الشرق الأوسط» انه يبذل جهدا في إلقاء بعض الأحاديث والآيات القرآنية لبث السكينة في نفوس أهله. ويقول «أتابع كل ما ينشر في الصحف ووسائل الاعلام عن قضية أبنائنا في غوانتانامو وبذلك أزود والدي ووالدتي وأشقائي بتطورات القضية بطريقة تضمن عدم إفزاعهم وصولا الى الفرج بإذن الله».

دور عبد الله لم يقتصر على ذلك فقط، فهو احد اكثر الناشطين في أوساط العائلات في الاتصال بالمحامين، وسبق ان أطلق اكثر من مبادرة إنسانية لمخاطبة رموز الادارة الاميركية وتذكيرهم بعدالة قضية أبنائهم المعتقلين على يد الجيش الاميركي.

ويشعر عبد الله ان «كثيراً من الظلم وقع على معظم المعتقلين من قبل السلطات الاميركية. هذا ما نثق به وهو ما تؤكده جميع المؤسسات الانسانية حول العالم».

في الحقيقة ان العائلات السعودية التي طالتها مصيبة تحمل جزء من تكاليف فاتورة رد الفعل الاميركي على هجوم 11 سبتمبر، ترى ان أبناءها ضحية لـ«تخبط الأسد الجريح» كما وصف رائد المبطي، خال احد المعتقلين، سبب إصرار الولايات المتحدة على تجاهل مئات الاعتراضات الرسمية والشعبية الدولية على فكرة معتقل غوانتانامو والخروقات القانونية التي صاحبت عمليات اعتقال العشرات حتى تجاوز مجموع نزلاء سجن اكس راي الـ700 معتقل.

في فبراير(شباط) الماضي بدأت المعلومات تتسرب من الادارة الاميركية عن ان مصير هؤلاء محكوم بكلمة القضاء العسكري، أي محاكمتهم امام هيئة قضاء عسكرية وهيئة دفاع عسكرية أيضا وبغياب الحقوق القانونية المدنية بالكامل، بما فيها المحامين والتغطية الاعلامية لوقائع المحاكمة. لكن مثل هذا المصير لم يثبت رسميا على لسان مسؤولي الادارة الاميركية الفاعلين. ووفق تطورات الاوضاع القانونية الأخيرة فأن الرئيس الاميركي جورج بوش بات وحده من يملك حق تقرير مصير نزلاء معتقل غوانتانامو دون الرجوع للقضاء العسكري. وفي هذه الأثناء فأن الرئيس الاميركي يستقبل يوميا عشرات البرقيات الرسمية، والشعبية التي تطالبه بالنظر بعين العطف في مصير هؤلاء.

وتبعا لما أكده مسؤولون سعوديون لـ«الشرق الأوسط» فان مصير معتقلي غوانتانامو مرتبط بالتطورات السياسية اكثر منه ملفا قضائيا. وأشاروا بالقول «رغم ذلك فان الحكومة السعودية رحبت بان يكون هناك فريق محامين وطني يعزز شعور الاطمئنان لدى اهالي المعتقلين، وأيضا يبذل المحامون جهدهم في مواصلة التعريف بعدالة قضية المعتقلين امام وسائل الاعلام».

وفي الذكرى الثانية لمرور الحدث الذي غير خارطة السياسة الدولية، فأن هناك ما يستحق الاشارة في واقع اسر المعتقلين السعوديين في غوانتانامو، فبينما تجنب معظم افراد الأسر المعنية الحديث لوسائل الاعلام المحلية والدولية، إلا انه مع تجاوز فترة الاعتقال الى اكثر من سنة وثمانية اشهر اصبح كثير من افراد العائلات يسعى جاهدا للتواصل مع وسائل الاعلام دون تحفظ.

يعلق عبد الله القحطاني، وهو شخصية كانت تؤمن من اللحظة الاولى بقيمة التواصل مع الاعلام، بأن ذلك يعود الى ان اهالي المعتقلين «جاءهم نبأ اعتقال أبنائهم على حين غرة، وبالتأكيد لم يسبق لهم التعود على التواصل مع وسائل الاعلام».

وتلقت العائلات جرعة دعم لعدالة قضيتهم عندما استقبلهم الامير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي في يوليو(تموز) الماضي وتحدث معهم لفترة طويلة عن دعم حكومة بلاده لعدالة موقف مواطنيها. لكنه اكد بشكل حاسم ان الحكومة السعودية تنتظر انهاء ملف المعتقلين بطريقة تضمن سلامة الابرياء ومحاسبة المتورطين منهم امام القضاء الشرعي في بلادهم.