خدمة الوطن وتبادل المنافع

جماعة الإخوان المسلمين في البحرين.. مكاسب الولاء

عبد الرحمن الجودر
TT

على الرغم من الحضور الطاغي والمؤثر لجماعة الإخوان المسلمين في الكويت على جيرانهم من أعضاء الجماعة في دول الخليج العربي، فإن البحرين كانت تشكل أول انطلاقة فعلية لتنظيم هيكلي حركي لجماعة الإخوان المسلمين في الخليج، بحسب ما تؤكد ذلك الروايات والمصادر من أبناء الجماعة أنفسهم، أو المراقبين والمحللين.

بحسب موسوعة الإخوان المسلمين (ويكيبيديا الإخوان) فإن النشاط الإخواني كان موجودا في البحرين منذ الثلاثينيات أي في عهد مؤسسها حسن البنا، «فلقد نصت جريدة (الإخوان المسلمين) الأسبوعية في عددها الرابع 11 يونيو (حزيران) 1937م، أن شعب الإخوان المسلمين في العالم كله يتوزع إلى مناطق وكل منطقة إلى دوائر، وكل دائرة إلى عدة شعب، فخصصت المنطقة الثامنة عشرة لشعب السودان، وخصصت المنطقة التاسعة عشرة لدول العالم الإسلامي، ووضعت البحرين في هذا التقسيم في المنطقة التاسعة عشرة، وكان النائب المندوب لها السيد محمد بن إبراهيم الخليفة، كما خصصت المنطقة العشرون لدول العالم الخارجي التي تقطنها أغلبية غير مسلمة».

وفي شهر مايو (أيار) 1941م تأسست جمعية الإصلاح أول جمعية تحمل فكر الإخوان المسلمين، في حين كان أول تأسيس لجماعة الإخوان المسلمين في الكويت بعد هذا التاريخ بست سنوات. في البحرين قام عدد من طلبة مدرسة الهداية الخليفية بالمحرق بتأسيس هذه الجمعية، وكانت تتخذ الآية القرآنية (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت) شعارا لها، وفي البداية نشأت تحت اسم مستعار وهو: «نادي الطلبة» عندما تطورت الأهداف واتسعت مجالات العمل أمامهم تم تغيير الاسم إلى (نادي الإصلاح) عام 1948م، وظل محتفظا بهذا الاسم يمارس مختلف الأنشطة الثقافية والاجتماعية حتى عام 1980م، حيث تحول النادي إلى (جمعية الإصلاح)، تصف نفسها بأنها «جمعية إسلامية أهلية تلتزم بالمنهج الإسلامي المستمد من الكتاب والسنة والقائم على الشمول والوسطية».

يتحدث محمود جناحي – مدير المنتدى الفكري لجمعية الإصلاح - عن سيرة مؤسس الجمعية الشيخ عبد الرحمن الجودر، قائلا: «ابتعث الشيخ لإكمال دراسته العليا في القاهرة، وهناك التقى بالإمام حسن البنا، وتعرف على بعض القادة والدعاة، واطلع على الأنشطة والبرامج الثقافية والتربوية والاجتماعية، التي كان يقوم بها الإخوان المسلمون في مصر آنذاك، وتأثر بما شاهده ولمسه، وتأصل ذلك في قلبه ونفسيته، وكان ذلك بمثابة معالم الطريق الذي سار عليه عندما عاد إلى البحرين».

يضيف جناحي: «في أوائل الخمسينيات أنشأ الشيخ عبد الرحمن مع مجموعة من إخوانه الدعاة (مكتبة المحرق)، وأخذوا في جلب واستيراد الكتب والرسائل من مصر وسوريا ولبنان، وعملوا على نشر وترويج الكتاب الإسلامي. وبدأ الشباب في تلقي هذه الكتب والرسائل مما جعلهم يرتبطون بفكر الحركة الإسلامية وبأهدافها ومنطلقاتها، وبعد مضي سنتين أو ثلاث استقلَّ الشيخ بالمكتبة وسماها (مكتبة الآداب)، التي ظلت لفترة طويلة من أكبر المكتبات الإسلامية التي تروِّج للفكر الإسلامي في البحرين. والشيخ عضو مؤسس في منظمة المساجد التابعة لرابطة العالم الإسلامي وعضو مؤسس في الهيئة الخيرية الإسلامية التي مقرها دولة الكويت».

وهنا يرى الكاتب البحريني غسان الشهابي أن المساجد كانت الواجهة الأمثل لاستقطاب الصغار والشباب، عبر الدروس الدينية والنشاطات والرحلات ودروس التقوية، لتعضيد التيارات بالأعضاء والمناصرين.

وفي هذا المسعى يرى الشهابي أن جمعية الإصلاح حققت نجاحا جيدا عبر جملة من النشاطات بالنسبة للجنسين، حتى ضاق مقرها القديم بالعدد الكبير من الشباب الذين يلتحقون بالجمعية في السنوات الأخيرة من السبعينيات والثمانينيات، إما كأعضاء أو رواد للجمعية. ولكن كان هناك حراك آخر ليس يخفى، يقوم به الإخوان طمعا في سيادة القيم التي آمنوا بها في المجتمع.

يضيف الشهابي في دراسة له بعنوان (الإخوان المسلمون في البحرين.. تحولات العقود السبعة): «هناك الكثير من الشواهد على تغلغل عناصر جماعة الإخوان المسلمين في مواقع وزارة التربية والتعليم في الجانبين الإداري والتعليمي وقد استطاعت جماعة الإخوان في حالات كثيرة في الخليج، في السابق كما هو الآن، أن تتغلغل داخل الأنظمة التعليمية. بل إنها في بعض حالاتها قد أحكمت السيطرة عليه من خلال سيطرتها على مراكز التحكم في هذا النظام».

لم تكن جمعية الإصلاح تمارس عملا سياسيا منظما قبل ميثاق العمل الوطني 2002، بل كانت تعلن مواقفها السياسية عن طريق البيانات والندوات والزيارات التي تتواصل بها مع المسؤولين في البحرين. وقد كان البيان الذي حمل عنوان «هذا بياننا» والذي نشرته جمعية الإصلاح أثناء الأحداث السياسية في التسعينيات، بمثابة توضيح للنهج السياسي الذي تتبناه الجمعية وقد تضمن البيان موقف الجمعية من الأحداث التي حصلت والتي عرفت لاحقا باسم «انتفاضة التسعينيات».

قبل عام 2001، لم يكن يدور في خلد جماعة الإخوان في البحرين الاندماج في العمل السياسي، بالشكل الذي كانت تمارسه التيارات المعارضة الأخرى، كالتيارات القومية واليسارية، والتيار السياسي الشيعي، وهي ممارسات اتسمت في أحيان كثيرة بالمواجهات والصدامات مع السلطة، وانتهت بعدد من أعضاء تلك التنظيمات إلى المنافي والسجون والقتل أحيانا.

فلقد رتب الإخوان أوضاعهم بالقيام بالعمل الدعوي التربوي، والعمل الخيري. والهدف: إعداد الشباب المسلم الملتزم بدينه، وإنشاء الأسرة المسلمة الصالحة، مع عدم إدارة الظهر للقضايا الإسلامية العامة، وخصوصا تلك التي تجري خارج حدود البلاد، وأيضا خارج حدود دول مجلس التعاون.

كانت هناك تجربة فريدة على مستوى الإخوان في البحرين. وذلك حينما خاض المؤسس الشيخ عبد الرحمن الجودر الانتخابات عام 1973، ففشل ولم يحصل إلا على 73 صوتا، وفي هذا دلالة واضحة على ما كان لدى الإخوان في تلك الفترة من شعبية متدنية.

في عام 2000 شكل ملك البحرين (الأمير آنذاك) لجنة لصياغة ميثاق للبلاد، تنطلق من خلاله العملية السياسية وما اصطلح عليه محليا «المشروع الإصلاحي»، وكان من بين المشاركين الأربعين في صياغة الميثاق الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، الذي استثمر خبرته السياسية والقانونية في المناقشات، مضفيا عليها البعد الإسلامي في الكثير من المفاصل والتعليقات، ما أمكن. وطرحت جمعية الإصلاح في تلك الفترة، ولأول مرة، ميثاقا موازيا، يبيّن رؤيتها من القضايا السياسية والوطنية بشكل عام.

ومن هنا، انطلق القطار السياسي للإخوان المسلمين، كما فعل غيرهم. فتم تأسيس ذراع سياسية تحت اسم (المنبر الوطني الإسلامي)، الجمعية التي تعرّف نفسها بأنها «جمعية سياسية بحرينية تأسست ليأخذ الصوت الإسلامي دوره بين المؤسسات السياسية في مملكة البحرين، مستندين على وضوح رؤيتنا وأهدافنا، والقيم المستمدة من التعاليم الإسلامية السمحاء، وقواعدنا الشعبية المناصرة، وكوادرنا السياسية والعلمية المؤهلة، وتاريخ أعضائنا الطويل في خدمة الوطن والمواطن، قاصدين رفعة الوطن وتقدمه وأمنه واستقراره».

تمكنت الجمعية السياسية من أن تفوز بسبعة مقاعد نيابية عام 2002، ومثلها في 2006 من ضمن 40 مقعدا. يرى غسان الشهابي أن جماعة الإخوان المسلمين في البحرين تميزت بمرونة عالية وعرفت كيف تتجنب الانتحار الجماعي في الملمات «فهي لم تدخل في صدام وخلاف مع الحكم، حيث اعتبرها الكثير من المراقبين حالة شاذة عن كل الإخوان الآخرين بمن فيهم إخوان بقية دول الخليج، فهي تسير مع الحكم وتتبادل المنافع وباتت قريبة من مفاصل مهمة في الأجهزة الرسمية، ومتأخر الآن العودة إلى الوراء وملاحظة التسلل الذكي والهادئ للعناصر الإخوانية في هذه الأجهزة».