سوريا: خريفُ مشروع «المقاومة»؟

لم يكتف حزب الله بإعلان مناصرته لنظام الأسد بل دخل المعارك في سوريا مقاتلا ضد الشعب السوري

تحالف معلن بين إيران وسوريا وحزب الله
TT

قدَّم حزب الله، المنظمة المسلحة المدعومة من النظام الإيراني، ولا زال يقدِّمُ حتى اللحظة، شأنه شأنَ نظام الأسد، مساهمتهُ في عملية القتل والتهجير التي يتعرضُ لها الشعب السوري، ومساهمتهُ في عملية التدمير التي يتعرضُ لها بلدهم، وهو، في مساهمته هذه، يزعمُ من غير تردد ولا تلعثم، استقبالهُ الزمنَ الآتي على احتمال وحيدٍ أوحد، ألا وهوَ، خاتمة مأمولة وسعيدة: انتصار وظفرٌ وتحريرٌ وغلَبة. هذه الخاتمة التي يأملُ أن يصلَ إليها حزب الله، هي محضُ وهم، ذلك أن هذا التنظيم لا يشارك في معركة عسكرية على أرضه ضد عدو واضح العداوة، إنما يشاركُ على أرض غيره في فعلٍ كريه ولئيم، وفي صنع شرٍّ لا تزول آثارهُ ولا تموتُ ولا تهلكُ ولا تنمحي ولا تبيد، وهو أيضا، بهذا المعنى، أمّارٌ على انبعاث الشر هذا تصديعا للمجتمع وتفريقا لهُ مذاهبَ وفِرقا ومجموعاتٍ وملل وانقساما لأهل البلدِ على ذواتهم.

يتناول هذا الموضوع المشروع العام لمنظمة حزب الله المسلحة، ويحاول قدر الإمكان فهم هذا المشروع منذ انطلاقته، ويتناول أيضا أسباب مشاركة هذه المنظمة في القتال إلى جانب النظام السوري، وفي أسباب وقوفها مع الظالم ضد المظلوم، ولا يتفادى هذا الموضوع النقاش في نتائج مشاركة هذه المنظمة في القتال في سوريا وفي تبعاته على مشروعها العام، والنقاش في الاحتمالات والخيارات التي قد تلجأ إليها هذه المنظمة عند سقوط نظام الأسد، في حال حصوله.

* مشروع حزب الله: مقاومة؟

* يصدقُ في حزب الله القولُ بأن مشروعهُ يتوقفُ ابتداء وامتدادا وتطورا ومآلا على عوامل كثيرة منها السلاح، والسلاح في هذا المقام، ليس سلاح «مقاومة» يتمُ تسليمهُ حينَ انتفاء غرض اقتنائه وحمله، بل هو، سلطة قاهرة غالبة تحايز سلطة الدولة، وتشاركها الوظيفة في أفضل الأحوال، وسلطةٌ قاهرةٌ تُستدعَى إلى خارج الحدود بغرضِ الهجوم والقتال دفاعا عن طاغية، أي، وبمعانٍ أخرى، هو، أي هذا السلاح، ليس واسطة ترف، بل أداة تطويع وتخويف للمواطنين، ووسيلة قتل وتنكيلٍ ومعاقبة وتعبئة للرؤوس والألسن. والسلاح هنا بمعناه الذي تقدم، يمثل واحدا من الأعمدةِ الأساسية التي يقومُ عليها بنيان مشروع «حزب الله»، وهو، لكونه كذلك، لا نستطيعُ الإغضاء عليه والإشاحة عنه، لغرضِ تقديم أحدِ وظائفهِ الثانوية والمنتهية، أي «المقاومة»، والتي تم استعمالها حجّة لصرفهِ إلى غرضٍ آخر، لا بل قُلْ، أغراض أخرى.

بعد «انتصار الثورة الإسلامية في إيران»، حاولَ النظامُ الإيراني، وبسبب نزعةٍ سلطوية وسلوكٍ توسعي قادتهُ الطبقةٌ الحاكمة المتطرفة هناك، حاول توسيعَ سلطته إلى المدى الذي يفرضُ وجودَ أطرافٍ له في العالمين العربي والإسلامي، أطرافٌ تابعة، بوظائف تحقق مصالح هذه الطبقة الحاكمة عبر التحركُ غـبَّ الطلب، والتبعية الانجذابية لنظام الولي الفقيه، «الفقيه العادل المتقي العالم بأمور زمانه، الشجاع الكفء في الإدارة والتدبير»().

نجح النظام الإيراني في ذلك، وأسس بمساعدة لبنانيين كانوا قد أقاموا الجسور مع هذا النظام وأجهزته الاستخباراتية والعسكرية والدعوية والدينية والثقافية، أسسوا مجتمعين، تنظيما مسلحا تسالموا على تسميته «حزب الله». في اليوم الذي خرجَ فيه «الخمينيون اللبنانيون» ليعلنوا تأسيس هذا الحزب، لم تكن «المقاومة» هي الميزانُ والفصل، بل كانت واحدة من عناوين كثيرة أخرى. عام 1985، وفي الرسالة التي أعلن فيها هذا التنظيم أهدافه ومقاصده، جاء ما يلي:

«أيها المستضعفون الأحرار، إننا أبناء أمة حزب الله في لبنان نحييكم ونخاطب من خلالكم العالم بأسره: شخصيات ومؤسسات، أحزابا ومنظمات وهيئات سياسية وإنسانية وإعلامية ولا نستثني أحدا، لأننا حريصون على أن يسمع صوتنا الجميع، فيفهموا مقالتنا، ويستوعبوا طروحاتنا، ويتدارسوا مشروعنا (...) إننا أبناء أمة حزب الله التي نَصَرَ الله طليعتها في إيران، وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم، نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة وعادلة تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط، وتتجسد حاضرا بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني دام ظله، مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة، وعلى هذا الأساس فنحن في لبنان لسنا حزبا تنظيميا مغلقا، ولسنا إطارا سياسيا ضيقا، بل نحن أمة ترتبط مع المسلمين في كافة أنحاء العالم برباط عقائدي وسياسي متين هو الإسلام الذي أكمل الله رسالته على يد خاتم أنبيائه محمد (...) ومن هنا فإن ما يصيب المسلمين في أفغانستان أو العراق أو الفلبين أو غيرها إنما يصيب جسم أمتنا الإسلامية التي نحن جزء لا يتجزأ منها، ونتحرك لمواجهته انطلاقا من واجب شرعي أساسا، وفي ضوء تصور سياسي عام تقرره ولاية الفقيه القائد (...) وأما قدرتنا العسكرية فلا يتخيلَنَّ أحد حجمها، وإذ ليس لدينا جهاز عسكري منفصل عن بقية أطراف جسمنا، بل إن كل واحد منا هو جندي مقاتل حين يدعو داعي الجهاد، وكل واحد منّا يتولى مهمته في المعركة وفقا لتكليفه الشرعي في إطار العمل بولاية الفقيه القائد (...) ونحن الآن في حالة مواجهة متصاعدة ضدهم حتى تتحقق الأهداف التالية: تخرج إسرائيل نهائيا من لبنان كمقدمة لإزالتها نهائيا من الوجود وتحرير القدس الشريف من براثن الاحتلال (...) ويتاح لجميع أبناء شعبنا أن يقرروا مصيرهم ويختاروا بكامل حريتهم شكل نظام الحكم الذي يريدونه، علما بأننا لا نخفي التزامنا بحكم الإسلام وندعو الجميع إلى اختيار النظام الإسلامي الذي يكفل وحده العدل والكرامة للجميع، ويمنع وحده أية محاولة للتسلل الاستعماري إلى بلادنا من جديد (...) ونعلن أننا نطمح أن يكون لبنان جزءا لا يتجزأ من الخارطة السياسية المعادية لأميركا والاستكبار العالمي وللصهيونية العالمية، والتي يحكمها الإسلام وقيادته العادلة. وهذا الطموح هو طموح أمة وليس طموح حزب، واختيار شعب لا اختيار عصابة (...) لماذا نواجه النظام القائم؟ هذه هي رؤيتنا وتصوراتنا عمّا نريده في لبنان، وعلى ضوء هذه الرؤية والتصورات نواجه النظام القائم لاعتبارين أساسيين:

أ - لكونه صنيعة الاستكبار العالمي وجزءا من الخارطة السياسية المعادية للإسلام.

ب - لكونه تركيبة ظالمة في أساسها لا ينفع معها أي إصلاح أو ترقيع، بل لا بد من تغييرها من جذورها»().

إذن، لم تكن «المقاومة» بوصفها أداة تحرير للأرض المحتلة من قبل «إسرائيل»، لم تكن سوى التزام من التزامات كثيرة أخرى، أهمها «[الطموح] بأن يكونَ لبنان جزءا لا يتجزأُ من الخارطة السياسية المعادية لأميركا والاستكبار العالمي وللصهيونية العالمية، [وهذه الخارطة السياسية هي خارطةٌ] يحكمها الإسلام وقيادتهُ العادلة، [أي النظام الإيراني والولي الفقيه العالمُ بأمور زمانه]»(). هذه الالتزامات الكثيرة، استدعت بعد إعلان نشأة هذه المنظمة، استدعت استقلالها، عن الدولة في لبنان، استقلالها عسكريا وأمنيا وآيديولوجيا وسياسيا وثقافيا واقتصاديا وسلوكيا. طبعا، لا يشير بيان التأسيس المذكور أعلاه ولا أي بيان آخر، إلى أي من الاستقلالات التي أسلفنا ذكرها، إلا أنَّ التراكمات التاريخية التي تكونت منذ لحظة تأسيس هذه المنظمة، يشيرون مجتمعين إلى ذلك. بكلام آخر، لقد أملت الالتزامات السالفة الذكر على منظمة حزب الله، أملت خروجا عن الدولة وعليها، وأملت خلق أجهزة حكم موازية تحفظ وجودهُ واستمراريتهُ المادية، وأملت أيضا إنشاء معامل ثلاثة:

أ - معمل ثقافي: يعملُ على صنع هوياتٍ ثقافية خاصة لمناصريه تميزّهم عن غير مناصريه من اللبنانيين وغيرهم.

ب- معمل أمني: يجند الآلاف من المحازبين ويدربهم ويستعملهم لغرض حفظ الأمن في مناطق نفوذه وسيطرته، كما يستعملهم لأغراض الهجوم على هيبة الدولة وأغراض النصرة (نصرةُ نظام الأسد مثالا).

ج- معمل اقتصادي: ينشئ مصالح اقتصادية كبرى بغرض تشغيل المنتسبين إليه ومناصريه من الناس، وهو بذلك، يدمجُ فئات المجتمع الكادح ويشركهم في دورة اقتصادٍ «حلال» تعود عليهم بالفائدة والأرباح.

حقيقة، لا تحتاج «المقاومة»، أية مقاومة، بوصفها فعلا نبيلا لكل ذلك، ولكن، من يحتاج ذلك هو تنظيم مسلحٌ يتنكر بزي «مقاومة»، يحكمه مشروعٌ نابعٌ من أولوياتٍ غير أولوياتِ البلدِ الذي أرادَ «تحريره»، ومن يحتاجُ ذلك هو تنظيمٌ مسلحٌ يتنكر بزي «مقاومة»، محكومٌ ابتداءً وانتهاءً بتلك الأولويات، التي يقتضي السيرُ بها والالتزام فيها، يقتضي الحطَّ من شأن الدولة وسياساتها وجيشها وقواها الأمنية ومؤسساتها وهيئاتها وعلاقاتها ومعاهداتها والازدراء بها واحتقارها وتسخيفها وتسهيل تجاوزها وتخطيها، ومن يحتاج ذلك أيضا هو تنظيمٌ مسلحٌ يتنكر بزي «مقاومة» ليرسخ وعيا اجتماعيا وثقافيا وسياسيا وأمنيا جديدا يكون بمثابة تجسيد أبدي لهوية لقيطة يحفرها على جباه مواطني البلد الذي يستعمله كساحته. إلا أن الذي يوازي ما تقدم بالأهمية، هو أن من يحتاج ذلك، هو تنظيم مسلحٌ كـ«حزب الله»، التزم منذ اللحظة الأولى لانطلاقته، التزم الانقياد والانجذاب التام الأعمى للأجهزة الإيرانية كافة ولمشروعها السياسي العام الذي، بداهةً، لا يحتاجُ أحزابا تلتزمُ بالقوانين وتتقيد بشروطها، وتلتزمُ بالدساتير وما تمليها، بل يحتاجُ منظماتٍ كحزب الله، مسلحةً ومنظمةً ومهيئةً تماما للارتفاع في أي لحظة لمستوى وحجم ما يحتاجه ويمليه المشروع العام.

* حزب الله في سوريا: الوظيفة والمصير

* إذن، حاولنا في القسم الذي سبق، وبالقدر الذي يسمحُ به المقام، حاولنا القول بأن مشروع منظمة حزب الله هو مشروعٌ غير لبناني يستوطن أرض لبنان، ومشروعٌ لا يقيم للدولة الموجودة ضمن الحدود الجغرافية التي يسكنُ فيها، لا يقيمُ لها وزنا، وهو مشروعٌ سعى ولا زال إلى الحطِّ من شأنها لا بغرض إتمامه «تحرير» الأرض، بل بغرض ارتفاع شأنه على حسابها، وبغرض تحول أصحابه، أي أصحاب المشروع، إلى جماعة مقتدرة ذات بطشٍ وسطوةٍ وقوة، وكتلة محاربةً مرصوصةً مرهوبة الجانب، تُؤمرُ بـ«مقاومة» «إسرائيل» فتفعل، وتُستَدعى للقتال خارج الحدود فتجيب، ويُطلبُ منها إرهابُ مواطنيها بغرض فرض الهيبةِ، فتلبّي.

لم يكنُ الصدعُ الزلزالي الهائل الواقع في العلاقة بين لبنان، الدولةُ والوطنُ السَّيدُ على سبيل الحلم والافتراض، والنظام السوري، لم يكن هذا الصدعُ في العلاقة يشكَّل أي مصدر إزعاج لمنظمة حزب الله، بل على العكس، راحت هذه المنظمة في المرحلة التي تلت توقيع اتفاقيات بينها وبين منظمة «أمل» من جهة، والنظامين السوري والإيراني من جهة أخرى، راحت تستثمر في علاقتها مع هذا النظام، وفي وجوه كثيرة، محاولة الاستفادة من موارده الأمنية والاستخباراتية والعسكرية بشكل كبير.

لعله من فروض الإنصاف القول بأنه وفي كل الأوقات التي احتاجت فيها منظمة حزب الله إلى مركز إسنادٍ ودعمٍ «عربي» لممارسة دورها القتالي، أكان في الداخل أم في الخارج، كان النظام السوري جاهزا للقيام بذلك، لا بوصفهِ نظاما مُسْتَتْبَعَا أو مُرْتَهَنا له ومخضوعا إليه، بل بوصفهِ شريكا لهذه المنظمة، يلتقي وإياها على عناوين عريضة وأخرى فرعية، وبوصفه جسرَ عبورٍ وإمداد مدفوعةٌ تكاليفُ تشغيلهِ من قِبَلِ النظام الإيراني مالا ورعايةً وسلاحا ومشاريعَ واستثمارات. بمعنى آخر، لقد كان النظامُ السوري مسؤولا على الدوام، بحكم اضطلاعه بدور أساسي وبحكم موقع سوريا الجغرافي، مسؤولا عن تأمين حاجات حزب الله حينا، وتمريرها حينا آخر، وفي الحالتين معا، مسؤولا عن تأمين الحاجات التي تسمح لهذه المنظمة بتجديد قدراتها على إعادة بناء نفسها أو تطويرها.

عام 2005، وتحديدا في اليوم الثامن من شهر مارس (آذار)، خرج الأمين العام لمنظمة حزب الله في خطاب شهير ليؤكد لجماهيره مدى عمق العلاقة بين تنظيمه والنظام السوري. يومها قال ما يلي: «(...) لسوريا التي جمعتنا بها مشيئة الله وحقائق الكون والتاريخ والجغرافيا والقربى والمصير الواحد، في هذا اليوم نجدد لها شكرنا، ونجدد تمسكنا بها، ونطلب لها العيش الكريم والعزة والرأس المرفوع، أن تبقى سوريا عرين الأسود كما كانت عرين الأسود. لسوريا نقول: عاشت سوريا الأسد، وسيبقى عرين الأسد في دمشق عرينا لكل أسود لبنان». هذا التصريحُ يكفي، دون حاجتنا للعودة إلى غيره من التصاريح، يكفي ليُظهر حجم الارتباط العميق بين منظمة حزب الله والنظام السوري. لقد كان النظام السوري بالنسبة لحزب الله في لبنان، مضافا إلى ما أشرنا إليه سابقا، كان حارسا بالإنابة ضروريا وأساسيا لحال الضعف والتفكك الذي كان عليه مشروع الدولة، ومسوغا له أيضا، وساعيا رئيسا إلى أن ينتهي حاله، أي حال مشروع الدولة، في إدقاع وفقر وهزال، وهذا، كما أشرنا سابقا، ما كان يسعى إليه حزب الله.

حمل عام 2011 مفاجأة للبنان وسوريا على حد سواء، إذ حصل ما لم يكن أبدا في الحسبان: ثار شعب سوريا ضد نظامه، في محاولة منه لاستعادة مكانته المسلوبة قهرا. لم يكن خروج المواطنين السوريين على نظامهم خروج الجائعين المحتاجين لرغيف خبز طازج، بل كان خروجهم، على سبيل الجزم، لأجل كرامتهم، وبالتالي، فإن خروج الناس على نظامهم هناك ما كان ليحصل لولا التراكمات والمراكمات التاريخية من أشكال الظلم والقهر والاضطهاد التي كان يمارسها هذا النظام ضد شعبه. يومها، خالفت منظمة حزب الله تطلعات الشعب السوري الذي كان يظن بأن هذه «المنظمة» هي عبارة عن تجمّع لـ«مقاومين»، يرفضون الظلم والقهر أينما حلَّ ووُجد، بدليل الشعارات الكثيرة التي كانوا يرفعونها للترويج لذلك. إذن، وقفت المنظمة المذكورة مع النظام السوري، أي مع الظالم ضد المظلوم، من دون تردد ولا حتى إظهار أية قابلية أو نيّة صادقة لإجراء مراجعة ولو جزئية لمعادلاتها الذهنية وطرائق تفكيرها وعملها وتصرفها، على نحو يحدد موقعها وعلاقتها مع شعب مظلومٍ يُسفكُ دمه الحرام ويُهجّر ويُسجنُ ويُعذَبُ وتُدّمَرُ ممتلكاته وبيوته.

لم يتوقف حزب الله عند ذلك، أي عند مناصرته للظالم بكلمة، بل دخل المعارك في سوريا نصيرا له، مقاتلا إلى جانبه وضدا ساحقا للشعب السوري، في واحدة من أكثر الجرائم الأخلاقية فظاعة عبر التاريخ. طبعا، لم تكن مشاركة حزب الله في القتال إلى جانب النظام السوري إلا نتاجا طبيعيا لحال العلاقة بينهما، وهي لم تكن، كما ثبت لاحقا، مرتبطة بالدفاع عن وحماية مقام السيدة زينب حفيدة رسول الله، أو أي معلم ديني آخر. بمعنى آخر، لقد احتاج حزب الله أن يقدّم لجمهوره مبرراتٍ عاطفية لدخوله الحرب، وحين ظهرَ أنه دخل فيها بقصد الاستمرار، راح ينتقلُ من مبرر إلى آخر كلما انكشف زيفُ الذي سبق. إن مشاركة منظمة حزب الله في القتال إلى جانب النظام السوري، هي ليست ترفا، إنما هي التزام خارجي يوازي بالأهمية الالتزام تجاه النظام الإيراني عبر حفظ مصالحه العليا، وهذان الالتزامان ليسا مفصولين عن التزامات النشأة والتغيُّر التدريجي، بل يأتيان في سياق الدفاع عن المشروع العام، وعن الشروط الأساسية التي تحفظُ لهذه المنظمة وحلفائها، تحفظ لهم تركيبتهم العسكرية والسياسية بوصفها تركيبة تشكّل لهم قوة تهويل وإخافة للأنظمة العربية عموما، ولدولِ الخليج العربي تحديدا، وقوة تهويل وإخافة لـ«إسرائيل» التي تقعُ على مرمى صاروخ، وقوة تهويل وإخافة للولايات المتحدة الأميركية.

لقد صار بحكم المُتَيقَنِ منه أن حزب الله يربطُ مستقبله ومصيره الآتي بمستقبل ومصير النظام السوري، وهو بهذا، وبصرف النظر عن خروجه «منتصرا» أم متهالكا منكسرا، يخرجُ مهزوما مزودا بالسلبيات والمصائب إلى دائرة غير تلك التي كان فيها، دائرة، سيجتمعُ فيها عداءٌ مثلثٌ أبدي، مع الشعب السوري ومع الشعب اللبناني ومع الشعوب العربية مجتمعةً. طبعا، لن يستقبلَ حزب الله، الناظرُ أبدا ودائما لكل خصومه ومخالفيه بازدراء واستعلاء، لن يستقبل عداء المعادين له بانكسار وخضوع، وإنما، سيستقبل ذلك، أقله على المستوى اللبناني، بمحاولة مصادرة الصوت اللبناني عموما، والشيعي خصوصا، وسيشن حربا على الاجتماع اللبناني وعلى كل أحدٍ معارض للمنطق النزاعي الذي يحمله، وكل ذلك بغرض حفظ ما يمكن حفظه من مكانة للنظام الإيراني على المتوسط وفي المنطقة، وبغرض استعادة ما فقده من هيبة وتنفّذ، إلاَّ أن سعيه ذلك، وحربهُ الآتية تلك، لن تعودَ عليه إلا بأمر وحيدٍ أوحد، وهو مزيدٌ من اليقين لدى الاجتماع العربي عموما والاجتماع اللبناني خصوصا بأن هذا الحزب بوصفه حزبا يمثل نفسهُ وأنصاره، لا عموم الشيعة في أوطانهم، ما هو إلا حزبٌ حمّالٌ لمشروعٍ مدجج بالمصائب والكوارث والسلبيات، غير قابل للعيش إلا بين ذراعي حاضنة غير عربية وغير لبنانية.. وهذا، لعمري، خريفُ مشروعِ حزب الله.

1- المادة 107 من الدستور الإيراني.

2- فضل الله، حسن، «الخيارُ الآخر: حزب الله، السيرةُ الذاتيةُ والمواقف»، دار الهادي، بيروت، لبنان.

3- المادة 107 من الدستور الإيراني.