هل تصبح 30 يونيو نقطة تحول في فكر «الإخوان المسلمين» وسلوكهم؟

دخلوا في أزمات عديدة نتيجة صداماتهم مع الأنظمة الحاكمة وحلّت جماعتهم مرتين

جانب من الاحتجاجات من ميدان رابعة العدوية و في الإطار سيف الإسلام حسن البنا
TT

بعد أحداث الثلاثين من يونيو (حزيران) الماضي وما أسفرت عنه من عزل للرئيس المصري محمد مرسي وإزاحة «الإخوان» من أماكن انتشارهم في مختلف مؤسسات الدولة، أصبحت جماعة الإخوان المسلمين على المحك، وبدا مستقبلها السياسي غامضا ما بين اختفاء تام عن المشهد احتجاجا أو خضوعا للأمر الواقع أو اللجوء للعنف بالتحالف مع الجماعات الجهادية الأكثر تشددا كما في الحالة الجزائرية، وذلك في ضوء بعض العمليات الجهادية التي تتم على الحدود الشرقية وتستهدف عناصر أمنية ردا على عزل الرئيس مرسي مما يوحي بتحالف ما مع جماعة الإخوان، خاصة مع ظهور دراسات وأبحاث متخصصة في التيارات الإسلامية تحذر من الاحتمالات القوية لتحول سلوك جماعة الإخوان المسلمين من النهج السلمي إلى استخدام العنف.

وقد مرت جماعة الإخوان المسلمين على مدار تاريخها الذي يمتد لأكثر من ستين عاما بأزمات كثيرة نتيجة لصداماتها مع الأنظمة السياسية المختلفة التي مرت على مصر منذ العهد الملكي، حيث تم حلها لأول مرة عام 1948 في أعقاب حرب فلسطين، مرورا بالفترة الناصرية التي قام فيها الرئيس جمال عبد الناصر بحل الجماعة للمرة الثانية عام 1954 بعد حادث المنشية الذي اتهم «الإخوان» بتدبيره رغم نفي زعمائهم، وعصر الرئيس أنور السادات وصولا لعصر الرئيس السابق حسني مبارك، حيث برز نشاطها السياسي من خلال مناوراتها للحزب الوطني الحاكم آنذاك، ومحاولتها التكيف معه لتحقيق أي مكاسب سياسية ممكنة، خاصة في أوقات الانتخابات وتقسيم الدوائر الانتخابية، إلى أن تولوا الحكم بنجاح الدكتور مرسي في الانتخابات الرئاسية، وهي الفترة التي لم تكتمل بسبب الصدام الشديد بين «الإخوان» ومؤيديهم وبين خصومهم السياسيين من أحزاب ضمت أيضا أحزابا تنتمي للتيار الإسلامي. الأمر الذي يثير التساؤل حول مستقبل «الإخوان المسلمين» في ضوء هذه المعطيات واحتمالات التحول لانتهاج العنف كأسلوب بديل بعد فشل «الإخوان» في أول تجربة سياسية علنية؟

القطب الإخواني الأكبر في جماعة الإخوان المسلمين المحامي سيف الإسلام حسن البنا نجل مؤسس الجماعة نفى أي احتمال لتحول جماعة الإخوان للعنف، مشير إلى أن تاريخ «الإخوان» على مدار ما يقرب من 80 سنة مليء بالمحن والأزمات الكبيرة والأشد مما يمرون به الآن، ورغم ذلك لم تتغير وحدتهم ولا تضحياتهم ولا إيمانهم، وكلها أزمات ستمر وما هم فيه الآن مجرد جولة من الجولات، وهي جولة مشرفة لـ«الإخوان المسلمين» أثبتت ممارستهم للديمقراطية، وأكدت عدم الميل للعنف، والدفاع عن الحرية بلا إقصاء ولا قصف للأقلام، ولا غلق للقنوات ولا تقييد للحريات، وكنت سعيدا أنه بعد مرحلة كبيرة من الكفاح أن نصل لهذه المرحلة التي يأتي فيها رئيس مدني بالصندوق حتى وقعت الانتكاسة.

ويقول البنا لـ«الشرق الأوسط» إن من وصفهم بـ «أعداء المشروع الإسلامي يريدون أن يصبح المصريون همجا بلا برنامج ولا يحترمون الديمقراطية، والمسألة ذات بعد فكري وآيديولوجي؛ لأنه بعد فشل المشروع الرأسمالي وسقوط المشروع الشيوعي لم يبق إلا المشروع الإسلامي، ومن ثم يعملون على محاربته وإسقاطه». ويضيف البنا أن «معركة الفساد كانت أحد العوامل التي ساهمت فيما حدث لـ«الإخوان» وللرئيس مرسي الذي اكتشف أمورا كثيرة خطيرة بحكم منصبه تنم عن فساد كبير، ناهينا عن الفساد المالي في المرتبات التي كان يحصل عليها كثيرون بشكل مبالغ فيه، ولما أراد مرسي أن يصدر قانونا بتحديد الحد الأقصى للأجور بـ50 ألف جنيه كان مثار النقد لأن هناك من كان يحصل على مليون جنيه شهريا، ومن ثم كان الفساد يحاصر الرئيس، هذا بالإضافة لمن يخافون من وجود حكم إسلامي رشيد ومستنير بمصر، وهؤلاء عليهم ألا يحاربونا وأن يحسنوا هم من أوضاع شعوبهم».

صرح بأن «إسرائيل وأعداء المسلمين لا يفرحون بقيام دولة قوية بمصر وما يحدث من تفتت يمهد الطريق لمصالح إسرائيل، وكلما اختلت معادلة الجيش والشعب المتحدين كان الأمر في منتهى الخطورة، والتاريخ يوضح لنا أنه في عام 1954 حينما حدثت أزمة بين الطرفين كان ذلك تمهيدا لعدوان 56، وكذلك ما حدث عام 1965، تلته نكسة 67، وبالتالي أقول اليوم إن الوضع خطير».

وحول مستقبل الجماعة قال البنا لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك تآمرا على «الإخوان المسلمين» لكن الجماعة تعتمد على الله وتمضي في سبيل الحق حاملة رايات المثل العليا والنصر محقق لـ«الإخوان المسلمين» إن عاجلا أم آجلا والله غالب على أمره».

المحلل السياسي والكاتب الدكتور سرحان سليمان بدوره نفى أيضا طرح فكرة العنف وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الإخوان» كما هم منذ عشرات السنين، لا يتأثرون بالأزمات، فهم يختفون ويعودون، وما يحدث الآن على الساحة لن يثنيهم عن البقاء في المشهد السياسي، فهم يريدون الحكم وكأي فصيل يعمل بالسياسة حتى يستطيعوا تطبيق أفكارهم وتحقيق أهدافهم في إرساء نظام حكم إسلامي.

ويضيف سرحان: «أنا لست إخوانيا ولكني ليبرالي حتى النخاع، وأومن باحترام ما يأتي به الصندوق أيا ما كان، لذلك أرفض ما حدث من انقلاب عسكري على (الإخوان) وما صاحبه من عودة لمشاهد الاعتقالات، وغلق القنوات وتقييد الحريات واستخدام العنف ضدهم، وأعتقد أن هذا الحال الذي يعيشه (الإخوان) حاليا أثار تعاطف الكثيرين معهم، وأن أسهمه حاليا أكبر بكثير مما كانت عليه قبيل أحداث 30 يونيو (حزيران)، ويرجع ذلك أيضا إلى عدم التخطيط الجيد للانقلاب الذي حدث، ونحن نرى أنه لم يحدث في تاريخ مصر تشويه لقائد الجيش كما يحدث الآن، بسبب سوء التخطيط، وأعتقد أنهم لو لم يغلقوا القنوات الدينية، ولم يعتقلوا أو يقيدوا الحريات لما حصل (الإخوان) على كل هذا التعاطف من الشعب المصري، كما أنه لا يعقل أن تحل كل المشاكل التي كانت مثارة في عهد الرئيس مرسي وتختفي بين يوم وليلة، فهذا الأمر يضع علامات استفهام حول ما كان يدور في الخفاء، وهو أكثر بكثير من السيناريوهات الظاهرة، ولكن لن تختفي جماعة الإخوان من المشهد، وسيبقون رغم كل التهديدات؛ لأنهم يعتبرون أن زيادة عدد قتلاهم لديهم هو وقود للثورة، وأعتقد أن العسكر كانوا يتوقعون أن (الإخوان) سيملون ويغادرون أماكنهم المعتصمين بها سريعا، ولكن حساباتهم لم تكن صحيحة؛ لأنهم لا يعلمون أن (الإخوان) (نفسهم طويل)!! ومع ذلك لا أتوقع عنفا منهم، لكن ربما العنف يأتي من جماعات جهادية».

ويشاركه في الرأي القذافي عبد الرازق المدير التنفيذي والمتحدث باسم حملة «تجرد» المدافعة عن بقاء الرئيس مرسي، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن شعبية «الإخوان» قد ارتفعت بسبب ما حدث مع الرئيس مرسي، وحتما سيحكم «الإخوان المسلمون» مصر مرة أخرى؛ لأنه لا بديل عن ذلك. ونحن نراهن على عنصر الوقت، وسنصبر ولن نغادر الشارع إلا بعد عودة الشرعية، وسنظل نؤيد الرئيس مرسي حتى تنتهي فترته، فهذا هو ما سيحدث وسيعود كل شيء لما كان عليه، وبالتالي سيبقى «الإخوان» وسيظلون يمارسون حقهم.

ممدوح الشيخ مؤسس حركة «إسلاميون من أجل الوطن» والخبير في الحركات الإسلامية قال لـ«الشرق الأوسط» يجب أولا أن نؤكد أن من أكبر أخطاء جماعة الإخوان أنهم تعاونوا وتحالفوا مع رموز بالتيار الإسلامي المتشدد، مثل عاصم عبد الماجد والشيخ حازم أبو إسماعيل، وهو ما أوحى لشباب «الإخوان» بسقف مرتفع من الطلبات والطموحات في الوقت الذي أثار فيه مزيدا من المخاوف في الشارع المصري من «الإخوان» بسبب هذا التحالف.

ويضيف الشيخ أن الكيانات الكبيرة لا تختفي فجأة، ولكن تضعف تدريجيا، بمعنى أن «الإخوان المسلمين» ككيان سياسي لن يختفي من المشهد السياسي، بل ستكون الجماعة على الساحة، ولكن ليس بالتوهج الذي كانت عليه، كما أن التقديرات حول مستقبلهم تخضع لفكرة الوزن النسبي وقدرة جماعة الإخوان على التأثير في الواقع السياسي، وأرى أن أكثر ما يسهم في تراجعهم هو غياب المصداقية لديهم، فهم صحيح كيان كبير، ولكنه أصبح في سوق السياسة عملة أقل رواجا مما يجب أن تكون عليه.

وحول مدى ما تعكسه تلك الحشود الكبيرة التي نجحت الجماعة في استنفارها من شتى أنحاء مصر للمطالبة بعودة الرئيس مرسي من قوة وعنفوان لجماعة الإخوان المسلمين بعد أحداث 30 يونيو، وتحقيقها لمكاسب شعبية بفعل التعاطف الجماهيري، قال ممدوح الشيخ لـ«الشرق الأوسط»: «لست مع هذا الرأي لأن التعاطف مع (الإخوان) لن يجعلهم يحققون مكاسب سياسية في المستقبل القريب، ومن أكبر أزمات (الإخوان) أنهم يحسبون تعاطف الناس معهم رصيدا دائما، وهذا ليس صحيحا، وما حدث معهم من تعاطف سابق ممن لا يؤمنون بمشروعهم الفكري الإسلامي، وأعطوهم أصواتهم تعاطفا معهم كان بسبب ما تعرضوا له من اضطهاد خلال تاريخهم ولا يعني أن لهم رصيدا لديهم، لأن رصيدهم قد تبخر ونفد، والتعاطف الحادث عارض، كما أن من مشاكل جماعة الإخوان التي بدت واضحة على مدار السنة الماضية التي حكم خلالها الرئيس مرسي أنها تكون جماعة قوية جدا في توصيل الفكرة للأنصار، وتكون ضعيفة جدا في تواصلها وتوصيل أفكارها مع المجتمع، فهم فاشلون في معركة الإعلام، وسيكون أمامهم الاختبار في إنشاء إعلام قادر على مخاطبة الآخرين من غير أنصارهم، ولا بد أن تكون لديهم رسالة تتجاوز الرسالة الدعوية لتوجه لكل الناس وتحمل إما مصالح أو قناعات».

الكاتب والإعلامي الدكتور معتز عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة توقع إمكانية تحول «الإخوان» لجماعة إرهابية لو استمر أعضاؤها في العناد، واصفا موقفهم في لقاء تلفزيوني بالمتغطرس ضيق الأفق، وهو يحذر من الخسائر التي تنتظر جماعة الإخوان بسبب موقفهم، مؤكدا أن خسارتهم السياسية الحالية يمكن أن تتحول إلى خسارة شعبية كبيرة لو تحولوا لجماعة إرهابية بسبب تصعيدهم للأحداث.

المفكر السياسي الدكتور قدري حفني أستاذ علم النفس السياسي قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا بد من التمييز بين التوقع والتمني والنصيحة فعن نفسي كنت أتمنى أن يكمل الرئيس مدته، وأن تفتح آفاق التغيير في الانتخابات، وكنت أتمنى أيضا لو كان (الإخوان) استلهموا في الأزمة الراهنة النموذج التركي أي يعيدون تقييم عملهم مثلما فعل أربكان وأردوغان. وكنت أود أن أنصح المعارضة بأنه إذا كنا نأخذ على سلطة (الإخوان) إقصاء الآخر، وأنهم يدعون لحوار شكلي ولا يقدمون تنازلات، فعلينا ألا نلعب دورهم، وأن ندعو لحوار حقيقي لا يكون على أساس قانون (تسمعون ما نقوله وتطيعونه)، فهذا ما كانت المعارضة ترفضه مع (الإخوان). أما بالنسبة لتوقعاتي فالظاهر حتى الآن يقول إن الخطاب الإخواني شهد بعض التغيرات فإذا كانوا ما زالوا ثابتين في طلبهم بعودة الرئيس مرسي الشرعي المنتخب، وهو طلب يجد صداه في العالم كله وفي الإعلام الغربي، لكن الجميع يعلم أن القرار السياسي تحكمه المصالح بأكثر مما تحكمه المبادئ، وبالتالي إذا ما استقر الوضع في أي دولة سواء كان شرعيا أو انقلابيا فإن الغرب سيتعامل معه».

ويقول الدكتور حفني: «إن من يتابع ما يجرى في رابعة العدوية حيث يحتشد أنصار مرسي يجد أن هناك تغيرات، فقد اختفى تقريبا شعار (إسلامية) وحل محله (مدنية)، كما أصبحنا نسمع الأغاني الوطنية لعبد الحليم حافظ، وغيرها من أغنيات فؤاد نجم والشيخ إمام، وهما من أصحاب الفكر اليساري والشيوعي، وهو ما يعني تحولا مهما، كما أنهم أخذوا يستعينون بخطباء يتكلمون باللغات الأجنبية ويرفعون لافتات باللغة الإنجليزية، وهو ما كانوا ينتقدونه في حركة شباب 6 أبريل عندما كانوا يكتبون لافتاتهم بالإنجليزية. هذا إلى جانب تغير هام هو أن (الإخوان) كانوا يأخذون على الشيعة اتباعهم لمبدأ التقية، أي يظهرون غير ما يبطنون، وأنا أتصور أن (الإخوان) الآن يعلنون عن أشياء مختلفة عما نعرفه عنهم من قبيل المناورة وتقديم أنفسهم للعالم، وأصبحوا يستعينون بنساء مسيحيات على المنصة، وأيضا نجد نساء رابعة العدوية يشاركن في الهتاف، عكس مقولة إن صوت المرأة عورة، وكلها تغيرات تترك أثرها في شباب (الإخوان)، كما انتهت فكرة شيطنة (الإخوان) وميليشياتهم المزعومة التي ثبت كذبها بعد الأحداث الأخيرة، وما تعرض له (الإخوان) من عنف».

ويقول الدكتور قدري حفني: «إن (الإخوان) لن يختفوا من المشهد، وسيبقون على الساحة، وعندما نرى أنهم حصلوا في انتخابات الرئاسة على أكثر من 50 في المائة، فهذا يعني أن هناك ملايين من مؤيدي (الإخوان)، وأن هذه الملايين لن تتبخر، ولذلك فإن التحدي الأكبر في المستقبل أنه لا بد أن يصل المصريون إلى صيغة للتعايش معا حتى لا تتكرر حرب الثلاثين عاما الألمانية، التي راح ضحيتها الكثير، وفي النهاية لم يكن أمام المتقاتلين إلا التعايش، وترك الأمور الدينية لله ليحاسب هو سبحانه عليها. فعلى (الإخوان) أن يقبلوا هذا التعايش ويعيدوا تقييم أنفسهم؛ لأن السنة الماضية من حكمهم أكسبتهم مزيدا من الأعداء».