كتيبة الأطفال.. يجاهدون أم يلعبون؟!

انتهاك صارخ لحقوق الطفل في الصراع السوري

السلاح في أيدي الأطفال
TT

ألحق الصراع المسلح في سوريا خسائر فادحة بالأطفال في البلاد، حيث أعلنت الأمم المتحدة في منتصف يونيو (حزيران) الماضي أن أكثر من 6.500 طفل قتلوا حتى الآن، وأن من بينهم 1.700 طفل دون سن العاشرة. وإضافة إلى مأساة فقدان الأرواح، أعلنت «اليونيسيف» أن 6% فقط من الأطفال في محافظة (حلب) التي دمرتها المعارك يستطيعون الذهاب إلى المدرسة. وبصفتي باحثة في حقوق الطفل في «هيومان رايتس ووتش»، وهي منظمة دولية للتوثيق والدفاع عن حقوق الإنسان، قابلت أطفالا سوريين منذ بداية الثورة السورية التي اندلعت في مارس (آذار) عام 2011. وشاهدت كيف بدأت قوات الأمن الحكومية بطريقة غير قانونية وتعسفية اعتقال وتعذيب الأطفال إلى جانب الرجال في المقرات الأمنية سيئة السمعة في سوريا.

عندما ازدادت سخونة الصراع السوري، بحثت في إمكانية الكشف عن الذين يقفون وراء انضمام الأطفال إلى الكتائب المسلحة في سوريا، وتعليمهم استخدام الأسلحة الآلية ودفعهم للاشتراك في عمليات عسكرية خطيرة. ورغم أن القانون الدولي يمنع الجماعات المسلحة من تجنيد أي شخص تحت سن 18 عاما، أو استخدام الأطفال في دعمها بوسائل مثل حمل الإمدادات، والتجسس، أو إعادة المقاتلين الجرحى، فإن الأطفال مستمرون في الانضمام إلى كتائب الثوار، التي لا تصدهم عن ذلك.

ينبغي أن تكون المدارس ملاذا آمنا للأطفال، ولكن في سوريا لم تنج المدارس من الهجمات الإجرامية، حيث أخبرني أطفال سوريون عن المخاطر التي تواجههم داخل مدارسهم، رغم وجوب حماية أماكن التعلم حتى في فترات الحروب. وقال الأطفال الذين قابلتهم إن المعلمين استجوبوهم بشأن مشاركتهم في الاحتجاجات المناهضة للحكومة، أو عن أسرهم، وقال بعضهم إنهم تعرضوا للضرب بسبب أنشطتهم، ووصف الأطفال كيف كانت مدارسهم تتعرض لقصف مدرعات الحكومة حتى عندما كانوا يجلسون في الصفوف أثناء فترة التحصيل الدراسي اليومي. وعملت «هيومان رايتس ووتش» على توثيق الهجمات التي شنتها القوات البرية والجوية التابعة للحكومة على المدارس، وشاهدت كيف وضعت كل من الحكومة وبعض قوات المعارضة الأطفال في دائرة الخطر، وعرضت حياتهم وتعليمهم ومستقبلهم للمخاطر من خلال اقتحام المدارس واستخدامها لأغراض عسكرية في بعض الأحيان، بينما كان الأطفال يستخدمون جزءا من المبنى ذاته لمتابعة الفصول الدراسية. ولم تعد واحدة من كل خمس مدارس سورية على الأقل صالحة لمزاولة التعليم، ليصبح هناك آلاف المدارس التي دمرت أو أتلفت، أو أصبحت ملاذا للهاربين من العنف، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف).

أطفال يحملون السلاح من خلال مقابلات مع أطفال سوريين، وجدت من هم في سن 14 سنة أو أقل يخدمون في كتائب المعارضة، وينقلون الأسلحة والإمدادات ويعملون في نقاط المراقبة، في حين أن الفتيان في سن 16 عاما يحملون السلاح ويتخذون أدوارا قتالية ضد القوات الحكومية.

قابلت خمسة أطفال، أخبروني بأنهم انضموا إلى كتائب مسلحة في حمص ودرعا وخربة الجوز - وهي بلدة صغيرة بإدلب قرب الحدود التركية - قال ثلاثة منهم إنهم حملوا السلاح مثل المقاتلين، وقال أحدهم إنه تلقى تدريبا عسكريا وشارك في مهمات قتالية هجومية، وقال طفلان – 14 و15 عاما – إنهما يساعدان، مع فتيان آخرين، الكتائب في إجراء عمليات مراقبة واستطلاع ونقل الأسلحة والإمدادات، كما قابلت ثلاثة آباء سوريين قالوا إن أبناءهم تحت 18 عاما مكثوا في سوريا كي يقاتلوا.

وقال بعض الأطفال الذين قابلتهم إنهم تطوعوا للقتال إلى جانب أشقاء أو أقارب لهم أكبر سنا، وقال آخرون إن بعض جنود المعارضة طلبوا منهم المشاركة. في جميع الأحوال، ينص البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة، التي وقعت عليها سوريا عام 2003، على أنه «لا يجوز أن تقوم المجموعات المسلحة المستقلة عن القوات المسلحة لأي دولة في أي ظرف من الظروف بتجنيد أو استخدام الأشخاص دون سن الثامنة عشرة في الأعمال الحربية».

ووثق «المركز السوري لتوثيق الانتهاكات»، وهو مجموعة مراقبة سورية معارضة، مقتل 97 طفلا على الأقل من الأطفال الذين شاركوا في القتال مع الكثير من المجموعات المسلحة. وتعرض آخرون لإصابات بالغة وأصيب بعضهم بعاهات مستديمة.

أخبرني ماجد - الذي يبلغ من العمر 16 عاما من الخالدية بحمص – أنه شارك في مهام قتالية في سوريا. وقال: «كنت أحمل كلاشنيكوف.. وأطلق النار على نقاط التفتيش.. لكي نتخذهم أسرى ونأخذ أسلحتهم». وأضاف ماجد أن كتيبته التي تضم أكثر من ألفي مقاتل قدمت له التدريب على القتال. وقال: «علمونا كيف نطلق النار، وكيف نفكك ونركب السلاح، وكيف نصوب على الهدف». وكان قد تطوع مع شقيقه الأكبر وأقارب آخرين.

قابلت أيضا هيثم وقاسم، اللذين يبلغان من العمر 16 عاما من درعا، ويعيشان حاليا في الأردن. قالا إنهما تطوعا معا في كتيبة محلية، رغم أنهما لم يشاركا في هجمات ولم يتلقيا أي تدريبات. قال قاسم: «أعطانا الجيش السوري الأسلحة فقط، ولم يكن هناك أي تدريب. كان معنا كلاشنيكوف، و30 رصاصة فقط، وكنت أقوم بأعمال مراقبة واستطلاع، وكنا نحرس البلدة في الليل. وعندما يقترب شخص ما، من مواقعنا نخبر الآخرين.. لكننا لم نخرج بعد في مهمات قتالية».

قال هيثم: «تقبل الكتائب انضمام من تبلغ أعمارهم 16 عاما فأكثر، ونتعرض لضغوط كبيرة (من أجل الانتصار في المعارك)، وأشار ماجد من (حمص) أيضا إلى أن الجيش السوري الحر يقبل بانضمام الأطفال إلى صفوفه، حيث قال: «تعتمد المهمة التي توكل إلى الطفل على وضعه العام وشخصيته، وإذا كان شجاع القلب يرسلونه إلى القتال عند نقاط التفتيش». وأضاف أنه رغم اتخاذه موقعا قتاليا لعدة أشهر، طلب منه قادته الرحيل عن الوحدة في النهاية بسبب صغر سنه، قائلين إنهم في حاجة إلى شباب أكبر سنا، وأنه «صغير على القتال».

وروى رائد، (14 عاما)، أنه نقل الأسلحة والغذاء وإمدادات أخرى إلى مقاتلي بعض الكتائب المعارضة في خربة الجوز بالقرب من الحدود التركية. وكان رائد وشقيقه يعسكران على الحدود عندما تعرضت بلدتهما في شمال سوريا للهجمات، وقال إن المقاتلين طلبوا منه مساعدتهم بحمل الإمدادات عبر الحدود، وأضاف: «كنا 10 أطفال وفتيان، تتراوح أعمارنا ما بين 14 و18 عاما، قمنا بمساعدة الجيش السوري الحر عن طريق جلب الإمدادات إليهم من تركيا، والأسلحة، وكنا نجلب الطلقات وبنادق (الكلاشنيكوف)، وكان جميع الأطفال يساعدون في ذلك. أعرف شبابا في (الجيش الحر) طلبوا مني أن أساعدهم بهذه الطريقة، وقمت بهذا العمل لمدة أربعة أو خمسة أشهر».

وفي يونيو عام 2012، بدأت قوات الحكومة إطلاق النار على منطقة الحدود، حيث كان رائد وشقيقه نائمين بالقرب من مجموعة من مقاتلي «الجيش الحر». قال رائد: «كان جداي في المنزل، ولكننا نمنا خارج منزل العائلة في أحد المواقع عند الحدود مع قوات (الجيش الحر)، وهي المرة الأولى التي أنام فيها في مواقع القتال، وأصبت في تلك الليلة بطلق ناري في ساقي من الخلف برصاص قوات النظام السوري، عندما كنت أجري، وكانت قوات النظام تبتعد بمسافة 100 متر تقريبا». وتلقى رائد العلاج في تركيا، ولكنه يعاني عجزا دائما جراء إصابته، إذ يقول: «أصابت الطلقة أحد الأعصاب، أصبحت أشعر بساقي ولكني لا أستطيع تحريكها، خضعت لأربع عمليات جراحية، وما زال أمامي ثلاث غيرها.. ولا أدري إذا كان في استطاعتي السير مجددا». على الجانب الآخر، يواجه الأطفال الذين لم يضعوا أنفسهم في الخطوط الأمامية مخاطر أيضا في أحيائهم ومنازلهم، بل وحتى مدارسهم.

هجمات على الطلاب والمدارس قبل اندلاع الثورة السورية، كان من بين جميع الأطفال المؤهلين للدراسة نسبة 93% من الطلاب من هم ملتحقون بالتعليم الأساسي و67% في التعليم الثانوي، وفقا لمعهد الإحصاءات التابع لمنظمة اليونيسكو. وكان نحو 95% من السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما يستطيعون القراءة. ولكن الآن بعد عامين من الصراع، تخلف الآلاف عن التعليم. وفي مارس الماضي، أعلنت «اليونيسيف» أن 6% فقط من الأطفال في محافظة حلب التي دمرتها المعارك يستطيعون الذهاب إلى المدرسة.

ولم يكن السبب الوحيد وراء تسرب الأطفال من المدارس هو القتال، فهناك سبب آخر وهو قيام عملاء الحكومة السورية، ومن بينهم معلمون، بعمليات استجواب واعتقالات واقتحامات لست مدارس على الأقل في درعا وحمص ودمشق، مما أدى إلى خوف الطلاب من الذهاب إلى المدرسة. وأخبرني الطلاب وأولياء الأمور في هذه المدارس بأن المعلمين ومسؤولي المدرسة يستجوبون الطلاب بشأن آرائهم السياسية ومزاعم ممارسة أنشطة مناهضة للحكومة، وكذلك ما يخص أفراد عائلاتهم، وفي بعض الأحيان يضربون الطلاب الذين ينخرطون في أنشطة سلمية مناهضة للحكومة.

يقول عبده الذي كان يدرس بالصف الرابع في حمص حتى مايو (أيار) 2012، إن معلمة الرياضيات سألته إن كان والده يمتلك مسدسا في المنزل وإذا كانت عائلته تشاهد القنوات الإخبارية التي تغطي انتهاكات الحكومة. وعندما علمت المدرسة أن عبده شارك في مظاهرات ضد الحكومة، أرسلته إلى ناظر المدرسة الذي ضربه خمس مرات بخرطوم مطاطي.

أخبرني كذلك طلاب وأولياء أمور ومعلمون بأنهم شاهدوا قوات الأمن الحكومية وميليشياتها تهاجم وتطلق النار على مظاهرات ومسيرات طلابية سلمية، مما أسفر في بعض الأحيان عن وقوع إصابات بين الطلاب. قالت سمية، وهي فتاة تبلغ من العمر 14 عاما من دمشق: «ألقوني على الأرض (عندما هاجموا مظاهرتنا)، ولكني استطعت الهرب، وأطلقوا النار علينا ليصيبوا فتاة في يدها، ولكن جميع الفتيات هربن».

في مناطق القتال، ارتكبت القوات المسلحة السورية انتهاكات واضحة لقوانين الحرب بشنها هجمات برية وجوية على مدارس لا تستخدم في أغراض عسكرية. في منتصف عام 2012، أطلقت القوات الحكومية وجماعاتها المسلحة النيران على مدارس في درعا بينما كان الطلاب في الداخل، وقامت القوات الحكومية أيضا بقصف جوي لمبان مدرسية في شمال سوريا.

وصفت سلمى التي تبلغ من العمر 14 عاما كيف أطلقت القوات الحكومية النار على مدرستها مرتين في منتصف عام 2012 أثناء الدراسة. وقالت: «عندما دخلت الدبابة إلى فناء المدرسة، ضربت جدرانها بمدافع آلية، لذلك نزل الطلاب على الأرض للاختباء، ومكثنا ساعة تقريبا تحت مقاعدنا (قبل أن نتمكن من العودة إلى البيت)». ولم يكن في المدرسة أي وجود لمقاتلي المعارضة في ذلك الحين.

وتحتل كل من القوات الحكومية والجماعات المعارضة المسلحة المدارس وتستخدمها كمواقع قيادة وثكنات ومراكز اعتقال وفي أغراض عسكرية أخرى، مما يعرض سلامة الأطفال للخطر ويضر بحقهم في التعليم. كما وضعت قوات الحكومة قناصة فوق أسطح مدرستين على الأقل في محافظة دمشق ما زالت الدراسة منتظمة في إحداهما. ويؤدي نشر القوات من كلا الطرفين في المدارس، ومنها تلك التي تنتظم الدراسة بها، إلى جعل المدارس أهدافا عسكرية ووضع الطلاب ومسؤولي المدرسة في خطر داهم.

من أجل مستقبلهم في الوقت الذي يدخل فيه الصراع السوري عامه الثالث، لا توجد حلول سهلة في الأفق، ومن المحتمل أن يفقد المزيد من الأطفال أرواحهم، ويجب أن يتعلم الملايين كيفية التعامل مع الشعور بالصدمة مما يشاهدونه ويفقدونه.

ويجب أن يتخذ المجتمع الدولي خطوات إيجابية لمعالجة انتهاكات حقوق الطفل، ويثير قرار إدارة أوباما الأخير بشأن تسليح قوات المعارضة، والجدل الدائر في أوروبا حول وجوب مساندة الشعب السوري، تساؤلات عن ما إذا كانت هذه الإجراءات ستزيد من عمليات انتهاك حقوق الإنسان أم لا. فينبغي أن تسعى الحكومات في تقديم المساعدة العسكرية، إلى مجموعات مسلحة بشرط الحصول على تعهدات علنية من هذه الجماعات بأنها لن تضم أو تنشر أفرادا تحت سن 18 عاما. ويجب ألا تحصل الجماعات المسلحة التي تضم أو تستعين بأطفال على مزيد من المساعدات العسكرية.

أما بالنسبة للتعليم، فيجب أن تحث الحكومات المعنية الحكومة السورية على وقف الهجمات على المدارس غير المستخدمة في أغراض عسكرية وعدم تحويلها أو غيرها من المباني المدنية إلى مواقع عسكرية ويجب أن تخضع المدارس والجامعات والمواقع السكنية للحماية. ويجب كذلك الضغط على طرفي الصراع من أجل نشر القوات بعيدا عن المدارس وأماكن تلقي العلم التي تستمر الدراسة بها.

في الوقت ذاته، تبدأ بعض منظمات المجتمع المدني والمجالس المدنية المحلية والجماعات الحقوقية إقامة مدارس غير نظامية ومجتمعية في المناطق التي دمرت مدارسها الحكومية أو أصبحت غير آمنة. تقيم هذه الجمعيات مثل فصول دراسية في المساجد والكنائس والخيام والمنازل الخاصة، ولكنها تحتاج إلى إمدادات مدرسية ومواد تعليمية، بالإضافة إلى معلمين مؤهلين وتتطلب مزيدا من الدعم من الحكومات المانحة والمنظمات الإنسانية من أجل الاستمرار في برامجها وتعزيز مناهجها وتسديد رواتب المعلمين والوصول إلى عدد أكبر من الطلاب. ورغم أن هذا يبدو صعبا، فإن جميع الأطفال - ومنهم الأطفال في مناطق الحروب – لا يزالون يملكون الحق في التعليم.

* باحثة أميركية وتعمل محققة في منظمة «هيومان رايتس واتش»