حسن روحاني.. الاعتدال المنحاز

هل بإمكان الرئيس الإيراني الجديد التوصل إلى حل بشأن البرنامج النووي؟

TT

يُعرف الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني بأنه شخصية واقعية ومعتدلة، ليتولى السلطة بعد مرور ثماني سنوات هي فترة تولي أحمدي نجاد للحكم، والتي تم خلالها جر إيران إلى سلسلة من المشكلات، وعلى رأسها الأزمة المتفاقمة الخاصة بالبرنامج النووي للبلاد. يسعى هذا المقال للتوصل إلى إجابة على التساؤل التالي: «هل سيكون بإمكان روحاني أن ينهي أزمة استمرت لمدة عقد كامل بشأن برنامج إيران النووي؟». تفترض التحليلات أنه في حالة ما إذا أجرت الولايات المتحدة الأميركية اتفاقًا مع إيران، فإن الدول الأعضاء الأخرى (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا) لن تعترض وسوف تقتفي أثرها.

جدير بالذكر أن أحمدي نجاد وفريقه قد اتسم بالسذاجة من الناحية السياسية والافتقار إلى الخبرة، يكاد تنعدم عنده أية معرفة فيما يتعلق بالعلاقات الدولية؛ على الرغم من المبالغة في الثقة بالنفس والنرجسية، فيما دعا لتعزيز خطاب نادر يتسم بكونه مزيجا من فهم خاص للإسلام والقومية الإيرانية المتطرفة تحت شعار «المدرسة الإيرانية للإسلام».

تولى أحمدي نجاد المنصب الرئاسي عام 2005، حيث عزم على تغيير النهج الإيراني الاسترضائي حيال الغرب الذي تم انتهاجه في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، الذي كان يعمل جنبًا إلى جنب مع حسن روحاني، سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي.

وخلال عام 2007، أصدرت وزارة الشؤون الخارجية الإيرانية بيانًا هاجمت فيه الخطاب الاسترضائي «للحوار النقدي» حيال الغرب، خلال فترة رئاسة هاشمي رفسنجاني (1989–1997)، وأعلنت إحداث تغير استراتيجي في موقع إيران بعد أن كانت «المُتّهم (الذي ينبغي عليه إقناع المتّهِم ببراءته)، لتصبح هي المتّهِم». وبعبارة أخرى، فإن مبدأ «أفضل دفاع هو الهجوم الجيد» كان هو المذهب المختار فيما يتعلق بسياسة إيران الخارجية.

واتباعا لذلك النهج السياسي، قام أحمدي نجاد وفريقه بإثارة قضية محرقة اليهود (الهولوكوست) والتشكيك في صحة ذلك الحدث. وذكر فريق أحمدي نجاد أن محرقة اليهود تُعد نقطة ضعف قاتلة لكل من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. وفي عام 2007، صرح مستشارو أحمدي نجاد في أحد اللقاءات بأنه «من خلال إثارة قضية محرقة اليهود، فإننا بذلك نُغلق الملف النووي (الإيراني)». وقبل تولي أحمدي نجاد للسلطة، لم يقم أي مسؤول إيراني أو قائد ديني، ومن بينهم المرشدان الأعلى، بطرح قضية مذبحة اليهود الهولوكوست أو التشكيك في صحتها كحدث تاريخي.

وعليه، فقد كانت تلك الحالة من الجدل المصحوبة ببيانات أخرى متضمنة عبارة «محو إسرائيل من على الخريطة» التي تمت ترجمتها على نحو خاطئ، بمثابة أمر مسيء للنهج الغربي حيال إيران. وعليه، فقد استغل المتشددون داخل إسرائيل واللوبي الإسرائيلي تلك التصريحات باعتبارها سلاحا فعالا لحشد الإعلام الغربي وخلق مناخ قوي معاد لإيران. وفي الوقت ذاته، زادت تلك التصريحات من تكلفة التفاوض مع إيران، لترتفع إلى حد كبير بالنسبة لأية إدارة في الولايات المتحدة الأميركية.

* سياسة خارجية عدوانية

* كما تزامن ظهور أحمدي نجاد مع اثنين من التطورات التي يسرت التحقق من السياسة الخارجية العدوانية التي تنتهجها إيران. أولاً: انهيار اثنين من الأعداء اللدودين لإيران، وهما طالبان من شرق إيران وصدام حسين من غربها. وسريعا استطاعت إيران أن تعزز موقعها باعتبارها عاملا محددا في السياسة العراقية، وخاصة عقب سقوط صدام حسين، حيث يرجع ذلك إلى علاقتها التاريخية بجماعات المعارضة الشيعية العراقية تحت حكم صدام، مما أدى إلى تمكن إيران من وضع ضغوط على الولايات المتحدة الأميركية وتقليص مساحة مناوراتها في الأعوام ما بعد صدام حسين.

ثانيًا: الزيادة المفاجئة في سعر النفط، الذي سجل أعلى معدلات تاريخية له بعد عام 2005، مما تسبب في إحداث طفرة في عائدات النفط الإيراني ليسمح بذلك لإيران بتبني سياسات أكثر عداءً متحديةً بها هيمنة الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة.

وعلى الصعيد النووي، تخلت إيران عن سياسات بناء الثقة لتعتمد على الاستراتيجية الجديدة المتمثلة في تغيير موقعها من دولة مُتّهمة إلى دولة تُلقي الاتهامات. وعليه، فقد سعت إيران لتوسعة برنامجها النووي على نحو كبير ردًا على الضغوط الغربية. يعتمد الأساس المنطقي لفريق أحمدي نجاد وراء تبنيه لسياسات نووية عدوانية على اثنين من الحسابات الخاطئة.

* غياب الرؤية الجيوسياسية

* الأول: الافتقار إلى رؤية جيوسياسية، حيث إنهم يعتقدون أن فرض عقوبات صارمة على إيران لا يمكن تحقيقه. وقد أكد حسين موسويان، المفاوض النووي الإيراني السابق والذي يعمل في الوقت الحالي كباحث مشارك في جامعة برينستون، في كتابه بعنوان «الأزمة النووية الإيرانية: مذكرة» على أنه كانت هناك مدرسة فكرية في إيران ترى أن إحالة الملف النووي الإيراني من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى الأمم المتحدة والتصديق على قرار فرض العقوبات ضد إيران لم يكن سوى «خداع من قبل الغرب، ولن يحدث ذلك».

الثاني: اعتقادهم أنه في حالة عبور إيران الحواجز التكنولوجية وسيطرتها الكاملة على إنتاج دورة الوقود النووي، فإن الولايات المتحدة الأميركية سوف تواجه أمرًا محسومًا بالفعل وتتراجع حينها. وكما اتضح الأمر فيما بعد، فقد أخطأوا على الجانبين.

والآن، تولى روحاني السلطة، ليتبنى تفكيرًا استراتيجيًا مختلفًا تمامًا. وتحت شعار «الاعتدال»، عقد روحاني العزم على إنهاء القضية النووية الإيرانية ولكن فيما وراء ذلك، فإنه يسعى للمضي قدمًا نحو تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية. وأشار روحاني في خطاب له قبيل انتخابه، إلى أنه «ليس من المفترض أن ترفض إيران المحادثات مع الولايات المتحدة الأميركية، كما أنه ليس من المفترض أن تظل العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران منقطعة».

* السمات المميزة للرئيس روحاني

* يتمتع حسن روحاني بخبرة سياسية ومصداقية منقطعة النظير بإيران. شغل روحاني منصب سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي لمدة 16 عاما، حيث احتل منصب رئيس لجنة السياسة الخارجية في البرلمان (المجلس) لمدة ثمانية أعوام، وشغل منصب كبير المفاوضين الإيرانيين مع مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (EU3)، التي تضم كلًا من فرنسا وبريطانيا وألمانيا في الفترة بين عامي 2003–2005. لذا، من الصحيح الافتراض بأن روحاني على دراية وفهم للسياسة الخارجية وموقف برنامج إيران النووي.

* علاقة وثيقة بين روحاني وخامنئي

* وفي الوقت ذاته، يتمتع روحاني بعلاقات وثيقة وطويلة الأمد مع أروقة السلطة، حيث احتل منصب ممثل آية الله خامنئي بالمجلس الأعلى للأمن القومي لمدة 23 عامًا إلى أن تم انتخابه رئيسًا لدولة إيران. وعليه، فإن ذلك يضع روحاني في موقع فريد للتفاوض مع المرشد الأعلى لإيران، علاوة على أعضاء الأمن السياسي بالمجلس الأعلى للأمن القومي، في ظل إجرائه للمفاوضات مع قوى أجنبية للتوصل إلى اتفاق. وجدير بالذكر أن التعليق التطوعي لتخصيب اليورانيوم في الفترة بين عامي 2003 و2005، باعتباره أحد التدابير التي تهدف إلى بناء الثقة، قد تم بفضل مهارات التفاوض التي يتسم بها روحاني، بالإضافة إلى عوامل أخرى داخل إيران وخارجها.ومن الممكن التوصل إلى نتيجة بارزة من هذه الخبرة.

يتجاهل العديد من السياسيين والمحللين بالولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، الذين يرون أن انتخاب روحاني لن يغير سياسات إيران لأن صانع القرار النهائي هو المرشد الأعلى، حقيقة أن المرشد الأعلى الإيراني قد يحتل مكانة رفيعة للغاية في المجتمع الإيراني ولكنه لن يتخلى عن الصفة البشرية المتمثلة في تأثره بمن حوله، وخاصة عندما يكون هناك رئيس مُنتدب ولديه ملايين الأصوات. وتوضح هذه الحقيقة الأسباب التي أدت إلى تبني إيران سياسة خارجية متسامحة خلال فترة رئاسة خاتمي، بينما اختار الرئيس أحمدي نجاد أن يتبع سياسة خارجية عدائية شرسة أدت بدورها إلى إثارة غضب الكثير من دول العالم.

* ظريف دبلوماسي حصيف

* ومن المثير للاهتمام أيضًا أن وزير خارجية حكومة روحاني هو الدكتور محمد جواد ظريف، الحاصل على الدكتوراه في القانون الدولي والسياسة من جامعة دنفر، وهو أحد أكفأ الدبلوماسيين الإيرانيين وأكثرهم مهارة. هذا وقد كان ظريف العامل الرئيس في صياغة وإجراء الحوار والتعاون مع المبعوث الأميركي خلال التطورات التي أسفرت عن تشكيل الحكومة المؤقتة بقيادة حامد كرزاي في أعقاب سقوط نظام طالبان في عام 2001.وعندما تحول التركيز من إسقاط طالبان إلى إقامة حكومة انتقالية جديدة في أفغانستان خلال مؤتمر بون المنعقد خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) لعام 2011 بأفغانستان «حقق ظريف إنجازًا هائلاً من دونه لم تكن لتنشأ حكومة حامد كرزاي»، وفقًا لما ذكره جيمز دوبينز الموفد الأميركي بالمؤتمر.

وأشار حسين موسويان لهذا الكاتب بأن ظريف قد لعب دورًا رئيسًا في صياغة اقتراح «الصفقة الكبرى» الإيرانية للولايات المتحدة الأميركية لعام 2003، التي لم يتم الرد عليها قط من قبل حكومة جورج بوش والمحافظين الجدد. وتوضح حقيقة تعيين جواد ظريف كوزير للشؤون الخارجية للعالم بأسره أن روحاني يرغب في تغيير مسار السياسة الخارجية.

* الفرص الكامنة أمام الرئيس روحاني

* يتعرض الاقتصاد الإيراني إلى أزمة. فقد ارتفعت نسبة التضخم لتصل إلى عنان السماء، وتفشت البطالة خاصة بين الشباب، فيما فقدت العملة الإيرانية (الريال) ثلثي قيمتها منذ نهاية عام 2011. وبجانب سوء إدارة فريق أحمدي نجاد، الذي كان مسؤولا على نحو جزئي عن تعرض البلاد لمثل ذلك الموقف الحالي، فإن الاقتصاديين داخل إيران يؤكدون بالإجماع على أن العقوبات المفروضة على إيران قد أثرت على اقتصادها. ويقدم هذاالوضع فرصة كبيرة للرئيس روحاني لكسب تأييد آية الله خامنئي والنخبة الحاكمة، مثل شخصيات بارزة في جهاز الأمن العسكري، للتفاوض مباشرة مع الأميركيين والتوصل إلى حل بشأن القضية النووية. وإذا لم تتعرض إيران لتدهور الأوضاع الاقتصادية، فإنه من المؤكد أن قوات مثل قوات الحرس الثوري الإيراني كانت ستعوق محاولات روحاني.

وعلى سبيل المثال، أرسل قادة الحرس الثوري الإيراني رسالة تهديد للرئيس محمد خاتمي خلال ذروة عملية الإصلاح. وتنص الرسالة على أنه «على الرغم من كل الاحترام الذي نكنه لسيادتك، فإن صبرنا قد نفد. إذا لم تتخذ أية إجراءات (للتحكم في حركة الإصلاح)، فإننا لن نتسامح في هذا الوضع بعد الآن».

ويشير تصويت الثقة القوي الذي حصل عليه جواد ظريف من البرلمان خلال يوم 14 أغسطس (آب) إلى أن هناك إجماعا على ضرورة تحويل مسار السياسة الخارجية لتتسم بالواقعية والعملية.

أما عن القضية النووية، فعلى الرغم من أنها تمثل تحديًا كبيرًا، فإنها تُمثل فرصة أمام روحاني للتوصل إلى حل وسط بين إيران والولايات المتحدة الأميركية بشأن تلك القضية الأكثر جدلا. وجدير بالذكر أن التوصل إلى اتفاق بشأن القضية النووية يُعد أمرًا أكثر سهولة من التوصل إلى اتفاق بشأن قضية حول حقوق الإنسان على سبيل المثال، وذلك لأن قضايا حقوق الإنسان تتضمن العديد من العناصر الذاتية. وعلى الرغم من أن التوصل إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي ليس أمرًا يسيرًا، فإنه سوف يتم حول عوامل ملموسة ويمكن تحقيقها.

علاوة على ذلك، فإنه نتيجة لأن التوصل إلى أحد الحلول بشأن القضية النووية سوف يتطلب إجراء الكثير من المحادثات والتسويات، فينبغي وضع شروط مسبقة لإثبات تخلي البلدين عن مواقفهما المتصلبة التي دامت لمدة عقود. كما أنه من الممكن الاستفادة من أي اتفاق بشأن القضية النووية باعتباره نقطة انطلاق لتناول قضايا أخرى للنزاع بين البلدين، وتحديدًا الإرهاب وحقوق الإنسان.

وهناك قضية أخرى مطروحة باعتبارها فرصة أيضًا، وهي الوضع الفوضوي الذي تعاني منه المنطقة. فالتطرف يُمثل تهديدًا حقيقيًا على أمن البلدين. من الممكن أن تُشكل إيران والولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في المنطقة شراكة فعالة لمواجهة الموجة الجديدة العارمة من التطرف الذي يهدد الاستقرار في الشرق الأوسط. وفي الوقت الحالي، نجد أن المستفيدين الرئيسين من الصراع القائم بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران هم الجماعات الجهادية.

فالعراق وسوريا هي الدول الأكثر ضعفا التي يمكن أن تتحول بسهولة من دول ضعيفة إلى دول فاشلة. كما يمكن للدول الفاشلة أن تصبح موطنًا للجريمة المنظمة وتهريب المخدرات والإرهاب. وفي ذات الوقت، من الممكن أن تنتقل تلك الفوضى التي يعاني منها البلدان إلى البلدان المجاورة، حيث من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار المنطقة بأسرها. تتمتع إيران بوضع جيد داخل البلدين، ومن الممكن أن تتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين والإقليميين، بهدف إحداث حالة من الاستقرار داخل العراق وسوريا قبل أن يتحول الأمر إلى فوضى عارمة.

ومن المثير للاهتمام أنه، في حالة تهدئة حالة التوتر بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وفي حالة الاتفاق على تدابير موضوعية لمنع المضي قدمًا في التسليح النووي، فإن حالة التوتر السائدة بين إيران وإسرائيل من جانب، وإيران والدول العربية بالمنطقة من الجانب الآخر، سوف تتسم بالهدوء، كما سيقل خطر نشوب حرب إقليمية مدمرة. ومن الممكن أيضًا أن يدفع هذا العامل الولايات المتحدة الأميركية للتوصل إلى اتفاق مع حكومة روحاني، وذلك لأن الوضع الراهن متداعِ للغاية وغير مستقر.

* التحديات التي يواجهها الرئيس روحاني

* يواجه الرئيس الإيراني روحاني العديد من التحديات والعقبات من مختلف الأنماط على حد سواء في الداخل والخارج، وذلك خلال محاولاته لإنهاء الأزمة القائمة بشأن برنامج إيران النووي. وليس لدينا مجال كبير لمناقشة كل تلك التحديات، ولكن أبرزها وأحدثها تتمثل في التالي.

يؤيد المتشددون الإسرائيليون واللوبي الإسرائيلي والكونغرس الأميركي النظرية القائلة بأن الضغط على إيران هو السبيل الوحيد لإقناعها بتغيير مسارها (وعلى وجه التحديد، تعليق برنامجها لتخصيب اليورانيوم) مما يعني زيادة في العقوبات إلى مستوى لا يُمكن تحمله.

وعلى سبيل المثال، ففي اليوم الموافق 12 أغسطس، ذكر كل من السيناتور مارك كيرك وعضو الكونغرس الأميركي إليوت إنغل في حديث لهما مع صحيفة «وول ستريت جورنال» أن:

«القرار الأميركي ذو أهمية بالغة، وخاصة خلال الأشهر القليلة المقبلة. ومن خلال التسبب في اقتراب النظام من حافة الانهيار الاقتصادي، سوف تتمكن الولايات المتحدة الأميركية من التوجه نحو التوصل إلى حل دبلوماسي، في ظل إجبار إيران على الامتثال لكافة الالتزامات الدولية بما في ذلك وقف جميع الأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم وإعادة المعالجة.

كما بإمكاننا الاستمرار في النهج الذي نتبعه لتحقيق هدفنا من خلال سحب بقية صادرات النفط الإيراني من السوق، وقطع كافة السبل للوصول إلى الاحتياطيات في الخارج، وإدراج القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد الإيراني ضمن القائمة السوداء. وخلال الشهر الماضي، بلغت نسبة التصويت على مثل تلك التدابير 400 إلى 20. وها قد حان الوقت كي يتحرك مجلس الشيوخ الأميركي».

ويرى مراقبون أن مشروع القانون H.R. 850 المذكور في السابق يُعد قانون العقوبات الأكثر صرامة على إيران، فهو ينص على تطبيق حظر فعلي على النفط الإيراني.

فالتأكيدات المذكورة في السابق والتي يؤيدها الكثيرون في واشنطن هي تأكيدات خطيرة وليس لها أساس من الصحة.

كما أن البرنامج النووي الإيراني قد اكتسب فخرًا وطنيًا كبيرًا. ودائمًا ما كانت تربط القيادة الإيرانية بين برنامج إيران النووي وفخر الأمة وكرامتها (عزت إيميلي). إن الاستسلام للضغوط وتعليق هذا البرنامج يُعد بمثابة خيانة للأمة وبيع لكرامتها. سوف تفقد القيادة الإيرانية سلطتها ومكانتها بين مؤيديها من القاعدة الشعبية والمحافظين من عامة الشعب. ببساطة، لن يستطيع النظام (النظام السياسي الإيراني) تحمل نتائج مثل هذا القرار.

وفي حالة استسلامهم للسياسات القسرية التي تنتهجها الولايات المتحدة الأميركية، فإن ذلك سوف يُخالف اتجاه الثورة التي تدعو إلى مقاومة الضغوط التي تفرضها القوى الغربية. وبعبارة أخرى، فإن الولايات المتحدة الأميركية لا تطلب ببساطة من الحكومة الإيرانية أن تغير مسارها. بل، إنها تطلب منها أن تغير اتجاهها من حيث المبدأ، وقبول الهيمنة الأجنبية والتخلي عن استقلالها تحت الإكراه. ومما يُزيد الأمر سوءًا، هو تدخل إسرائيل التي ترغب في فرض تسوية مُهينة على النظام الإيراني.

ويكشف لنا الباحث الإيراني والمفاوض النووي السابق حسين موسويان، في كتابه، أنه عندما وجد أن التفاوض مع مجموعة الدول الأوروبية الثلاث يشهد تراجعًا كبيرًا خلال عام 2005، فحينئذ صرح لممثلي القوى الأوروبية أن «إيران سوف تستأنف تخصيب اليورانيوم مهما كلفها الأمر».

ويتمثل التحدي الكبير الذي يواجهه روحاني في إقناع الولايات المتحدة الأميركية بأنه إذا كانت تسعى حقًا للتوصل إلى حل دبلوماسي سلمي، فإن هناك طرقا أخرى عوضًا عن تعليق البرنامج النووي، وذلك من أجل تناول مخاوفهم بشأن الأبعاد العسكرية المحتملة لبرنامج إيران النووي. ما يُمكن أن يفعله روحاني لكسب ثقة الغرب، كما قال مرارًا وتكرارًا، هو تنفيذ تدابير موضوعية لتفعيل أقصى قدر من الشفافية، من أجل ضمان أن إيران لن تتخذ أية خطوات نحو التسليح. أما عن القضايا الأخرى مثل وضع حد لتخصيب اليورانيوم يصل الى 5 في المائة أو شحن المخزون الموجود من اليورانيوم المخصب خارج البلاد هي قضايا تقنية يُمكن التفاوض بشأنها والتوصل إلى حل لها.

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يحصل روحاني في المقابل على تخفيف معقول للعقوبات، وذلك كي يكون قادرًا على إقناع القيادة الإيرانية لإنهاء اتفاق نووي، من أجل إخراج الاقتصاد الإيراني من الوضع الحالي. ولن يكون من المُفيد اتباع الولايات المتحدة الأميركية نهجًا تدريجيًا. وكما ذكر سياسي إيراني سابق للكاتب، فإن «الولايات المتحدة الأميركية يجب أن تكون مستعدة لتُقدم الكثير، إذا كانت تتوقع أن تحصل على الكثير».

ووفقًا للافتراضات التي قدمها السيناتور مارك كيرك وعضو الكونغرس الأميركي إليوت إنغل التي تم نشرها في افتتاحية صحيفة «وول ستريت جورنال»، فإنه «من الواضح أن المحادثات لن تنجح في حالة ما إذا شعر النظام بالضغط لتغيير المسار». وعلى الرغم من ذلك، فإن الحقائق تشير إلى الاتجاه المعاكس. ففي عام 2003، كان لدى إيران 164 جهازا للطرد المركزي. وفي ظل تصاعد العقوبات، ازداد عدد أجهزة الطرد المركزية التي يتم بناؤها. وفي الوقت الحالي، أًصبح لدى إيران 18 ألف جهاز للطرد المركزي. في عام 2003، كان لدى إيران مصنع واحد لتخصيب الوقود؛ أما الآن فلديها مصنعان. كما تم تشييد المصنع الثاني أسفل الجبال، في ظل زيادة شدة العقوبات. وقبيل فرض العقوبات على إيران، أنتجت إيران يورانيوم منخفض التخصيب بنسبة نقاء تبلغ 3.5%.ومع تزايد العقوبات، زادت إيران من نسبة النقاء لتنتج بذلك يورانيوم مخصب بنسبة 19.75% (جدير بالذكر أن نسبة نقاء اليورانيوم المخصب ينبغي أن تفوق 90% لتصنيع سلاح نووي.

وختامًا، فإن الرئيس روحاني عازم على إنهاء الأزمة النووية الإيرانية، كما أنه يحتل المنصب الذي يمكنه من القيام بذلك. وعلى الرغم من ذلك، فإنه بحاجة لتعاون الولايات المتحدة الأميركية كي يتمكن من تحقيق هدفه. إن التصور الذي يشير إلى أن تعليق العقوبات سوف يجبر إيران على وقف برنامجها النووي هو تصور لا يعكس واقع السياسة الإيرانية. وفي حالة إتمام مشروع القانون H.R. 850، الذي يقوم على هذا التصور الخاطئ، فإننا سوف ندخل إلى مستوى جديد من الصراع. وفي ظل تزايد الضغوط على إيران وفرض الحظر على نفطها، فإنه لن يكون هناك ما تخسره، وحينها سوف تتخذ مسارًا غير عقلاني وقد يكون خطيرًا.