إيران و«الإخوان»: الجذور الآيديولوجية للشراكة الحلقة (1): طهران كرّست آلتها الإعلامية لتأييد مرسي.. وبعد انتخابه حاولت التأثير على مساره السياسي

منع استخدام تعبير «الربيع العربي» وترسيخ مفهوم «الصحوة الإسلامية»

الرئيس المصري السابق محمد مرسي أثناء القاء كلمته في مؤتمر حركة عدم الانحياز بطهران في أغسطس (آب) 2012 وعلى يمينه نظيره الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد وأمين عام الامم المتحدة بان كي مون (أ.ف.ب)
TT

خلال الأسبوع الماضي، أصدر آية الله ناصر مكارم الشيرازي، أحد رجال الدين الخمسة الذين عينتهم الجمهورية الإسلامية كسلطة دينية في «قم»، بيانا يدين فيه ما أطلق عليه «الإجراءات الإجرامية التي اتخذتها السلطات المصرية ضد جماعة الإخوان المسلمين في مصر». كما انتقد «الصمت المخزي لوسائلنا الإعلامية وعلمائنا بشأن القضية». وأعرب عن أمله أن تصبح مصر في يوم ما مثل «إيران الإسلامية»، كما نفى آية الله الرؤية التقليدية حول الخميني باعتباره ممثلا للرؤية الشيعية للإسلام الراديكالي التي لا يمكنها تكوين تحالف مع الرؤية العربية السنية التي تدعو لها جماعة الإخوان المسلمين. وفي هذه السلسلة الجديدة من المقالات، يشير أمير طاهري إلى أن الخمينية والإخوانية لديهما تاريخ طويل من التواصل والتعاون الذي كان يتجاوز الانقسامات الطائفية، وأنهما ربما ما زالا يحاولان البحث عن دور يلعبانه في إعادة تشكيل توازن القوى في الشرق الأوسط وما بعده.

في يوم صيفي حار من عام 2014، كانت طهران تعج بالأحاديث حول تلك «اللحظة التاريخية» الوشيكة، التي من المنتظر أن تقع في قاعة المؤتمرات الجديدة التي تم إنشاؤها لاستضافة قمة حركة عدم الانحياز التي من المزمع أن تسلم فيها مصر زعامة القمة للجمهورية الإسلامية. وكان كل من علي خامنئي، والرئيس المصري المنتخب في ذلك الوقت محمد مرسي، يشار لهما بالبنان باعتبارهما صانعي تلك «اللحظة التاريخية». وكان من المفترض أن يمثل الرجلان انتصارا للإسلام الراديكالي بنسخه المختلفة من المحيط الأطلنطي إلى المحيط الهندي.

وقد اتضح حرص طهران على ذلك اللقاء من خلال الحملات الإعلامية المنظمة التي كانت تمتدح الرئيس المصري إلى الحد الذي يتجاوز المادحين المحترفين. وربما يكون الأكثر أهمية من ذلك هو أن القيادة الخمينية في طهران كانت تشعر بأنه حان الوقت لكي تحصل على المكاسب من الاستثمارات السياسية والدعائية، وربما المالية، التي قدمتها لكي تضمن فوز مرسي بالانتخابات. وتزعم خامنئي ذلك المسار من خلال الحديث حول «الصحوة الإسلامية» في مصر وإنشاء مكتب خاص بقيادة أحد أقدم مستشاريه وهو علي أكبر ولاياتي لمساعدة الإسلاميين على الفوز بالسلطة في العالم العربي. وفي خطاب له، زعم خامنئي أن الإسلام الحديث ليس لديه سوى ثلاثة «مفكرين عظام مؤثرين»، أحدهم هو سيد قطب - منظر جماعة الإخوان المسلمين التي فاز مرشحها، محمد مرسي، برئاسة مصر. (وبالنسبة لخامنئي، فإن المفكرين العظيمين الآخرين هما آية الله الخميني، والصحافي ورجل الدين الباكستاني أبو الأعلى المودودي).

وحرصا على ترسيخ مفهوم «الصحوة الإسلامية»، فرضت وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيرانية على وسائل الإعلام المحلية عدم استخدام مصطلح «الربيع العربي»؛ فما كان يحدث هو «صحوة إسلامية» واضحة ونقية في وجه أكثر من قرن من العلمنة في العالم الإسلامي، حيث أكد ولاياتي: «هذه صحوة إسلامية مستوحاة من ثورة الإمام الخميني في إيران». وفي هذا الإطار، فعندما تقدم الفيلسوف الإيراني داريوش شايغان للحصول على تصريح لنشر كتابه الجديد حول «الربيع العربي»، أخبروه بضرورة تغيير العنوان إلى «الصحوة الإسلامية»، أو يصبح الكتاب معرضا للحظر.

ومن جهة أخرى، تم تجاهل حقيقة أن الجماعات الإسلامية، بما في ذلك الإخوان المسلمون، لم تلعب دورا في المراحل الأولية والحاسمة من الثورات في تونس ومصر. والأهم من ذلك هو أن وسائل الإعلام في طهران اختارت أن تتجاهل حقيقة أن معظم المسلمين العرب لا يتعاطفون مع نظام الخميني «ولاية الفقيه»، الذي بمقتضاه يحصل الملا على سلطة لا نهائية نيابة عن المهدي المنتظر.

ولعدة أسابيع، كرست طهران آلاتها الإعلامية لتأييد مرسي، وبعد انتخابه حاولت التأثير على مساره السياسي. كما أشارت بعض التقارير، وإن كان من الصعب تأكيدها نظرا للطبيعة السرية لنظام الخميني، إلى أن الجمهورية الإسلامية قامت بضخ كميات هائلة من الأموال بالاستعانة برجال أعمال مصريين في لندن لتمويل الحملات الانتخابية لجماعة الإخوان المسلمين.

وكان لدى طهران أسباب أخرى تجعلها تتوقع الشكر من جماعة الإخوان المسلمين. فلمدة تزيد على العقد، كانت الجمهورية الإسلامية أحد أهم الممولين لحماس، وهي الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، كما استضافت قيادتها وقدمت لها الوحدات العسكرية المزودة بالأسلحة، بالإضافة إلى التدريبات. ولسنوات، كانت طهران تقدم أيضا الدعم المالي والدعائي لفرع جماعة الإخوان بالجزائر. ففي عام 1992، أظهرت الوثائق التي تم تسريبها في ألمانيا أن طهران أودعت أكثر من سبعة ملايين دولار في حسابات بنكية تهيمن عليها «الجبهة الإسلامية للإنقاذ».

أيتام جماعة الإخوان بعدما تعرضت جماعة الإخوان المسلمين لحملة قمع واسعة النطاق خلال فترة حكم الرئيس حسني مبارك، فقدت الجماعة جانبا كبيرا من قدرتها على مساعدة الكثير من الأفرع التي تتبعها سواء رسميا أو شبه رسمي في أنحاء العالم كافة. وفي الكثير من الحالات، وجد «أيتام» جماعة الإخوان مصادر جديدة للمواساة والدعم في نظام الخميني بطهران. فعلى سبيل المثال، مولت طهران الجماعة التي يقودها «الأخ» كليم صديقي في بريطانيا، كما مولت إنشاء ما أطلق عليه «البرلمان الإسلامي» في لندن.

وفي التسعينات، قدمت طهران التمويل لفرع الجماعة التركي وساعدتهم على توفير الآليات التي يحتاجون إليها للفوز بالانتخابات المحلية والقومية. وعندما أصبح نجم الدين أربكان، السياسي التركي ذو الصلة بجماعة الإخوان، رئيسا للوزراء في عام 1996 - 97، شكلت طهران تحالفا وثيقا مع حكومته في إطار خطط طموحة لإنشاء مجموعة الثماني الإسلامية في مواجهة مجموعة السبع التي تتزعمها الولايات المتحدة.

بدأت الاتصالات الأولى بين نظام الخميني و«الإخوان» في أواخر الثمانينات عندما اندلعت الحرب الإيرانية - العراقية؛ حيث أقام السفير الإيراني لدى الفاتيكان، هادي خسروشاهي، اتصالات مع عدد من قيادات جماعة الإخوان المقيمين بأوروبا. كما أنشأت السفارة الإيرانية لدى الفاتيكان دار نشر ساعدت على ترجمة ونشر عدد من كتب «الإخوان». كما أن خسروشاهي نفسه، الذي يعد من الملالي متوسطي الشأن، كان قد ترجم تاريخ جماعة الإخوان إلى الفارسية في أول رواية مكتملة حول نشأة الحركات الإسلامية وتطورها. ولاحقا، التقى مبعوث إيران لمكتب الأمم المتحدة بجنيف، سايروس ناصري، عددا من المصريين المنفيين في سويسرا، الذين لدى بعضهم صلة بحسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين في عام 1928. وفي بداية التسعينات، أقامت طهران أيضا اتصالات مع راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة التونسي، وعباسي مدني زعيم «جبهة الإنقاذ» الجزائرية الإسلامية. ومن الاتصالات الأخرى التي أقيمت بين «الإخوان» وطهران، الاتصال بحسن الترابي، السياسي السوداني الذي رغم أنه ليس عضوا بجماعة الإخوان فإنه تمكن من التأثير عليهم والحصول على دعمهم لمساعيه للوصول إلى السلطة. وقد التقت الأطياف المختلفة للراديكالية الإسلامية في أبريل (نيسان) 1991 فيما يطلق عليه «المؤتمر الإسلامي الشعبي العربي» الذي استضافه الترابي في الخرطوم، وحضره ممثلون عن ما يزيد على 70 تنظيما من 50 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وكندا. وقد أعلن ذلك الجمع المتنوع من المؤمنين بالراديكالية الإسلامية دعمه وتأييده لجماعة الإخوان المسلمين ونظام الخميني في إيران.

وأرسلت مصر أحد أكبر الوفود المشاركة في المؤتمر، الذي تضمن من سيصبح لاحقا الرجل الثاني في تنظيم القاعدة وهو أيمن الظواهري، بالإضافة إلى إبراهيم شكري. كما حضرت أعداد غفيرة من المجاهدين الأفغان، بما في ذلك عبد رب الرسول سياف، وقلب الدين حكمتيار. وكان الفريق الإيراني بقيادة آية الله مهدي كروبي، الذي كان رئيسا للمجلس الإسلامي (البرلمان) بطهران في ذلك الوقت. كما أرسلت إيران أيضا وفدا من فرعها اللبناني، حزب الله، بقيادة عماد مغنية. وقدم أسامة بن لادن نفسه باعتباره ممثل المملكة العربية السعودية وزعيم ما أطلق عليه «جبهة الإنقاذ الإسلامية»، رغم أنه كان يقيم بالسودان في ذلك الوقت.

وشاركت الجماعات الفلسطينية كافة بأعداد كبيرة، كان بينها شخصيات رفيعة المستوى مثل ياسر عرفات ونايف حواتمة، وخالد مشعل. كما حضر فتحي الشقاقي ممثلا عن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين التي تدعمها إيران، كما أرسلت العراق في ظل حكم صدام حسين وفدا يترأسه أحد أولاد عمومة الديكتاتور وهو سعد التكريتي. وحضر داود موسى بيتكوك، زعيم «الحزب الإسلامي» في المملكة المتحدة ممثلا عن بريطانيا العظمى، كما حضر عبد الباري عطوان، الصحافي البريطاني من أصل فلسطيني. وكان الفريق اليمني يقوده عبد المجيد زنداني، ومثل عبد القدوس زعيم حركة «أراكان» دولة بورما، بينما مثل عبد الرزاق الجنجلاني «الأفغان العرب» الذين يقاتلون ضد النظام الشيوعي في كابل. كما كانت هناك وفود من الجماعات الإسلامية المسلحة بالفلبين والمعروفة باسم «أبو سياف» وكذلك تايلاند.

ووفقا لمحمد مهدوي، الذي كان في ذلك الوقت يعمل دبلوماسيا في النظام الإيراني، ساهمت طهران في تكلفة إقامة ذلك الحدث بمبلغ قيمته ثلاثة ملايين دولار. وكان الحضور في ذلك المؤتمر يأملون أن يتمكن مسلمو العالم، الذين كانوا يقدرون بنحو 1.2 مليار نسمة في ذلك الوقت، من أن يتحدوا لخلق «قوى عظمى» يمكنها أن تتحدى الهيمنة الأميركية التي تركت وحدها على الساحة بعد انهيار الإمبراطورية السوفياتية. ولكن رغم اتحادهم على كراهية الولايات المتحدة، سواء كانت تلك الكراهية حقيقية أم مختلقة، كان للمشاركين في المؤتمر الكثير من الأجندات المتباينة. وبعدما أنفقت قدرا كبيرا من المال، كانت طهران تتمنى أن تطرح نفسها باعتبارها قائد حركة الوحدة الإسلامية وتسعى للحصول على اعتراف بأن «مرشدها الأعلى» هو زعيم الأمة الإسلامية في جميع أنحاء العالم. ولكن ذلك السيناريو كان يبدو بالنسبة لمعظم المشاركين، على الأقل، سيناريو غريبا. فمن الصعب أن يتقبل المسلمون السنة، الذين يشكلون أغلبية الأمة، أن يصبح «المرشد الأعلى» لإيران الشيعية هو النسخة الحديثة من الخليفة.

ومن جهته، كان للترابي، مدير ذلك المؤتمر، أحلامه الواسعة أيضا، فقد أخبر كاتب سيرته الذاتية الفرنسي بأنه يتمنى الهيمنة على «دولة بترولية واحدة على الأقل» لكي يوفر التمويل الذي يحتاجه لكي يصبح زعيما للعالم الإسلامي. وفي إحدى مفارقات التاريخ، كانت السودان على وشك أن تصبح من كبرى الدول المصدرة للبترول، ولكن الحال انتهى بالترابي في السجن. كما أن المصريين الحاضرين في مؤتمر الخرطوم في ذلك الوقت لم يكونوا يمثلون الكتلة الرئيسة للإخوان المسلمين، ولكن عدد من الجماعات الراديكالية المتطرفة المتورطة في الإرهاب. وكانت أولى أولويات تلك الجماعات، التي كانت في ذلك الوقت تشن هجوما مسلحا ضد الرئيس مبارك، هو محاولة تحويل القواعد الشعبية لـ«الإخوان» إلى حركة راديكالية لمنعها من التوصل إلى مساومات مع النظام الحالي.

ومن جهة أخرى، قام المؤتمر بانتخاب لجنة توجيهية مكونة من تسعة أشخاص، بينهم بن لادن والظواهري، وكان يتم ممارسة نفس التقليد كل عامين. ورغم أنه على المستوى العملي، لم يسفر كل ذلك عن أي شيء وذهبت الخطابات الحماسية التي ألقيت في الخرطوم إلى غياهب النسيان، فقد أبرز ذلك الجمع عددا من النقاط المهمة.

أولا: أظهر أن الحركات الإسلامية على مستوى العالم، بشكل عام، متحدون في نظرتهم المتشككة تجاه العالم الحديث وإن كان بدرجات متفاوتة؛ حيث إنهم يدركون أن الإسلام لم يلعب دورا في تشكيل النظام الدولي الذي نعرفه حاليا. فقد تأسس العالم الحديث على مبادئ اقتصادية وسياسية وفلسفية ومناهج تم تطويرها في أوروبا الغربية، خاصة فرنسا وبريطانيا العظمى وألمانيا وهي دول مسيحية. كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ونحو 14 ألفا أو أكثر من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تنظم تقريبا مناحي الحياة كافة في العالم المعاصر - هي نتاج عدة دولة غربية مسيحية.

وبمعنى آخر، وبالنظر إلى ذلك النظام المعقد الذي لم يساعد الإسلام على خلقه ولا يبدو أنه يستطيع استيعابه تماما، يبدو الإسلام دخيلا. فعلى سبيل المثال، كيف يمكن النظر للمؤمنين وغير المؤمنين باعتبارهم متساوين أمام القانون؟ وكيف يمكن للمرء أن يقنع نفسه بفكرة أن الرجال، بل وحتى النساء، وكلاهما فان، لديه الحق في سن التشريعات حتى وإن كان ذلك يعني مراوغة أو تجاهل الشريعة؟

السعي إلى تسوية في القرن التاسع عشر، حاول الكثير من «المفكرين» المسلمين أن يجدوا طريقة يستطيع عبرها الإسلام أن يتقبل ذلك العالم الغريب ويساعد على تطويره فيما يتفاوض للحصول على مساحة أكبر لمتطلباته الدينية وتلك المتعلقة بالتقاليد.

وبعيدا عن الشكوك في العالم الحديث، أشار ذلك الجمع من الإسلاميين الراديكاليين من جميع أنحاء العالم إلى درجة عالية من الخوف من أن تشق الحضارة الغربية، التي تشهد صعودا منذ القرن السابع عشر، طريقها إلى دار الإسلام وتخلب لب أغلبية المسلمين. وكان ذلك الخوف دائما ما يتردد على ألسنة الكثير من قيادات الإسلام الراديكالي. فدائما ما كان علي خامنئي يكرر: «إن العدو يهاجمنا على الجبهة الثقافية». وقد ترددت أصداء ذلك الخوف بين قيادات جماعة الإخوان المسلمين الذين يزعمون أن «الغرب» الذي لم يتمكن أبدا من تعريفه، مشارك في حرب ثقافية ضد الإسلام. والعامل الثالث المشترك بين ذلك الجمع المتباين من الإسلاميين، بداية من الخمينيين، وصولا إلى الفصائل المختلفة من جماعة الإخوان، هو اعتقادهم أن أنواع السياسة كافة، سواء الداخلية أم الخارجية، تتكون من سلسلة من المؤامرات. فبالنسبة لهم، لا يوجد شيء كما يبدو عليه ولا شيء يمكن أن يحدث من دون قدر من التآمر الذي يحدث سرا. والعامل الرابع المشترك بين هؤلاء الإسلاميين هو اعتقادهم ضرورة وفاعلية العنف الذي يمكن أن يعني في الكثير من الحالات الإرهاب لخدمة الأهداف السياسية.

وكما كان البنا يؤكد: «لقد حقق الإسلام النصر بحد السيف»، متجاهلا حقيقة أن معظم من يتم تصنيفهم حاليا كمسلمين في أكثر من 57 دولة على مستوى العالم لم يتم غزو بلادهم بحد السيف.

ومن جهة أخرى، فإن الإيمان المشترك بضرورة وفاعلية العنف، دفع الإسلاميين المعاصرين إلى تفسير الجهاد بأنه الاغتيالات والعمليات الانتحارية والخطف والحرب.

والنقطة الخامسة المشتركة بين الإسلاميين هي اعتقادهم بالقوى السحرية للقائد ذي الكاريزما، الذي عادة ما يطلق عليه «المرشد الأعلى». ونظرا لاقتناعهم بأن «الأشخاص العاديين» غير قادرين على تقديم مساهمات إيجابية في صناعة القرار في المجتمع، يسعى الخومينيون و«الإخوان» إلى تأسيس نظام أفلاطوني من حكم النخبة يقع فيه «المرشد الأعلى» على قمة هرم صناعة القرار.

وأخيرا، فإن الإسلاميين بطوائفهم كافة يعانون عقدة نقص عميقة الجذور يحاولون إخفاءها بالغطرسة والتعالي. فهم لا يؤمنون بأن الإسلام قوي بما يكفي للصمود عند دخوله في منافسة مع الديانات الأخرى أو مع الحضارات الأخرى، إذا ما نظرنا له باعتباره ثقافة. وقد برزت عقدة النقص تلك من عدة نواح. فعلى سبيل المثال، يحب الكثير من القيادات الإسلامية إبراز حصولهم على لقب «دكتور» وهو لقب غربي، كما أن الكثير منهم يستخدم في خطاباته وأحاديثه استعارات من الأكاديميين والفلاسفة الغربيين «الكفار».

توحي الطريقة التي يتم بها تقديم قيادات جماعة الإخوان المسلمين بأننا نتعامل مع نخبة طبية، فحتى حسن روحاني، الرئيس الجديد للنظام الخميني، يصر دائما على أن يطلق عليه «دكتور»، وفقا لدرجة علمية حصل عليها في «الشريعة» من جامعة خاصة مجهولة في أسكوتلندا، بدلا من أن يطلق عيه حجة الإسلام. ومن قبله، كان الرئيس محمود أحمدي نجاد يفتخر بكونه «دكتورا»، كما كان الرئيس الأول لنظام الخميني أيضا أبو الحسن بني صدر يفعل. ولا حاجة للقول بأن مرسي أيضا كان «دكتورا» قبل أن يكون «أخا». كما كان مرتضى مطهري، وهو الملا الذي ينظر له باعتباره المنظر الرئيس لثورة الخميني، مولعا بهيغل رغم أن كل ما يعرفه عن هذا الفيلسوف الألماني يعتمد على سيرة مختصرة كتبها مؤلف إنجليزي وترجمها للفارسية حامد عنايت.

ورغم تحذيرهم من استمرار عدم الوقوع في فخ الثقافة الغربية، وقع الكثير من الإسلاميين ضحايا لذلك الفخ. فهم يرسلون أولادهم للدراسة في الجامعات الأوروبية والأميركية ويسافرون إلى الغرب في الإجازات وللعلاج ويستثمرون أموالهم في البنوك والعقارات الغربية، وعندما يتم نفيهم أو يضطرون إلى ترك بلدانهم فإنهم يذهبون إلى باريس أو لندن أو نيويورك بدلا من دكا أو كابل أو لاغوس.

والآن، دعونا نعد سريعا إلى ذلك اليوم الحار من أيام أغسطس (آب) في طهران. كان «المرشد الأعلى» علي خامنئي يجلس في غرفة إلى جوار قاعة المؤتمرات منتظرا اتصالا من الرئيس المصري الدكتور مرسي الذي يزور البلاد؛ حيث إن مثل ذلك الاتصال يمكنه أن يعزز رغبة خامنئي في أن يظهر «كقائد للمسلمين كافة » بعدما جاء زعماء العالم الإسلامي للإعراب عن احترامهم، واعترافا بسيادته.

وفيما كان خامنئي ينتظر في غرفته، كان الدكتور مرسي في الغرفة الأخرى التي تقع على بعد 15 مترا، يعقد اجتماعات مع عدد من زعماء دول عدم الانحياز من أنحاء العالم كافة. وبعدما انتهت الاجتماعات، أعلن مرسي أنه سوف يغادر إلى المطار لكي يتمكن من اللحاق برحلته إلى القاهرة في نهاية زيارة استمرت عدة ساعات فقط. أجل، لم يكن لديه وقت للقاء خامنئي. فعلى خامنئي أن ينتظر مناسبة أخرى! والسبب؟ يعتبر مرسي خامنئي سياسيا متخفيا في هيئة رجل دين، بينما ينظر خامنئي لمرسي باعتباره رجل دين متخفيا في زي السياسي. فإذا ما ذهب أحدهما للآخر فإنه يحتفي بهيمنة الآخر في ذلك النظام التراتبي المتخيل من الأحقية في قيادة الإسلام السياسي. وعندما سمع الرئيس محمود أحمدي نجاد بتلك الأنباء السيئة، شعر بالخزي أمام «المرشد الأعلى» الذي كان قد حصل على وعود بأن المشاركين كافة في القمة سوف يذهبون ويعربون عن احترامهم له. فقد أنفقت إيران 600 مليون دولار لإنشاء قاعة مؤتمرات جديدة والاستعداد للمؤتمر، وانتهى الحال بعدم حصولها على أي شيء. والأسوأ هو أن مرسي كانت لديه الجرأة للنطق بأسماء أبو بكر، وعمر وعثمان، وهم ثلاثة من الخلفاء الراشدين الأربعة خلال خطابه بالمؤتمر الذي يبث على الهواء مباشرة على الشاشات المحلية. وفشل مراقبو النظام الذين تمكنوا من حجب أجزاء من خطاب مرسي في الوقت الملائم في حجب ذلك الجزء. فيا لها من كارثة لنظام الخميني! ومع ذلك، فإن الروابط التي تم تأسيسها قبل عدة عقود اكتسبت قوة آيديولوجية وتنظيمية جديدة بين حركة الخميني الموجودة في السلطة حاليا بإيران، وجماعة الإخوان المسلمين التي وصلت إلى السلطة في القاهرة بعد سقوط النظام الناصري.

كيف تأسست تلك الروابط ومن الأشخاص الرئيسيون الفاعلون بها؟ تلك قصة أخرى سيتم تفنيدها في الجزء الثاني من المقال.