إيران و«الإخوان»: الجذور الآيديولوجية للشراكة (الحلقة 2): «الإخوان».. من طهران إلى القاهرة وبالعكس

استغلتهم الدول الاستعمارية مبكرا في لعب أدوار سياسية توافق مصالحها

إيرانيون بساحة مسجد فاطمة الزهراء بقم في طريقهم إلى أداء الصلاة
TT

في عشرينات القرن الماضي، وجدت تركيا وإيران ومصر - الأمم الثلاث التي كانت لقرون عدة، بيئة خصبة لإنتاج الجدل والتمرد الإسلاميين، بما في ذلك الترويج للعديد من البدع - نفسها تمضي في مسارات تفضي إلى المجهول.

ففي تركيا، أي ما تبقى من الإمبراطورية العثمانية، حاولت القيادة الجديدة وضع أكبر مسافة ممكنة بين الدولة والإسلام؛ حين تأسس النظام الكمالي على مفهوم العلمانية، الذي يعني - وفقا للتفسير التركي - أن تهيمن الدولة على الدين، ومن ثم فقد أصبح الدين هو ما تقره الدولة في الجمهورية التركية الجديدة.

وفي إيران، لم تكن الدولة البهلوية تشعر بالقدر نفسه من الالتزام بالعلمانية الذي كانت تشعر به الدولة التركية. لكنها حاولت بناء نظام لا يتجاوز فيه الإسلام كونه دينا وجزءا من حقيقة أكبر وأكثر تعقيدا. وأكدت الدولة الجديدة، على «مجد» إيران ما قبل الإسلام، وروجت للوطنية الجديدة التي تعتمد على «الهوية الآرية» لإيران، بدلا من صلتها بالدين العربي.

كانت مصر تمر بأزمة أكثر عمقا فيما يتعلق بدور الدين في المجتمع؛ ولم يلق المؤرخون القدر الكافي من الانتباه للدور الذي لعبته الآيديولوجيات الغربية، سواء في معسكر اليسار أو اليمين الليبرالي، في إعادة تشكيل الروح السياسية المصرية الجديدة في العقود الأولى من القرن العشرين. ومع ذلك، سوف يكشف إلقاء نظرة أكثر قربا على المشهد النخبوي في مصر، في تلك الفترة، تنوعا سياسيا وآيديولوجيا هائلا، حيث كان لكل من القومية العربية، والعروبة، والوطنية المصرية، والاشتراكية، والشيوعية، والفاشية، والتيار الليبرالي المحافظ، جماهيرها الانتخابية. والمثير للانتباه، وكان واضحا، هو أن الدين بالنسبة للنخب المصرية، كان يبدو وكأنه شأن من شؤون الماضي، ومجموعة من المعتقدات العاجزة عن تقديم إجابات للتحديات التي تواجهها أمة تعيش تحت الهيمنة الأجنبية.

وإذا ما نظر البعض للمشهد السياسي في تلك البلدان الإسلامية المحورية، في بداية العشرينات من القرن الماضي، ربما يستنتج أن الإسلام، كقوة سياسية، كان يتراجع تاريخيا. لكن مثل تلك التحليلات يعتمد على خطأ أساسي؛ حيث اتخذ الإسلام في الدول الثلاث، رد فعل دفاعيا من خلال تنظيم صفوفه والسعي للحصول على دور جديد. ففي تركيا، انسحب الإسلام إلى أخويات صوفية، عادة ما كان يجري تنظيمها في جماعات سرية أو حركات دينية اجتماعية شعبوية، اعتادت تقديم نفسها باعتبارها جمعيات خيرية (وتعد الحركة التي يقودها حاليا فتح الله غولن أحد النماذج على ذلك).

وفي إيران، ونظرا لأن النسخة الإيرانية من الإسلام، الشيعية، كانت لديها دائما، تنظيماتها الخاصة، كان بإمكان رجال الدين الانسحاب إلى المساحة التي خلقوها لأنفسهم على مدار قرون طويلة؛ حيث انتقل آيات الله ببساطة إلى النجف، التي نشأت حديثا في العراق للتخلص من الضغوط التي كان الشاه يفرضها عليهم في طهران. وكما كان الحال في تركيا، شهدت الأخويات الصوفية ازدهارا خاصا في المدن الكبرى. وأثبتت الحشود الهائلة من الحجاج التي كانت تزور الأضرحة الشيعية «المقدسة» في «مشهد» و«قم»، أن الدين لا يمكن إقصاؤه ببساطة من الحياة الإيرانية.

وفي مصر، حاول الأزهر، الاحتفاظ بدور خاص لنفسه ولكن غياب طبقة رجال دين منظمة ذات قواعد شعبية، كما كان الحال في إيران، ترك فراغا ملأته، لاحقا، جماعة الإخوان المسلمين. كما كانت مصر تفتقر للحركات الصوفية القوية التي ازدهرت في تركيا وإيران. ومع ذلك، كان للإسلام السياسي ميزة أساسية في مصر؛ وهي حركات النهضة الحديثة التي ركزت على إجراء إصلاحات دينية في القرن التاسع عشر.

* رجل من الشرق

* كان الشخص الرئيس الذي يقع في قلب ذلك الجدل هو جمال الدين الأفغاني، وهو ناشط سياسي إيراني كان يحلم بإنشاء دولة عصرية قوية على النموذج الأوروبي بقيادة «ديكتاتور تنويري».

ولد الأفغاني في أسعد آباد، غرب طهران. في البداية كتب جمال الدين، الذي لم يزر أفغانستان أبدا، سيرته الذاتية كأفغاني، وأطلق على نفسه اسم الأفغاني لإخفاء عقيدته الشيعية أثناء عمله في البلدان التي يهيمن عليها السنة مثل الإمبراطورية العثمانية ومصر. وإحقاقا للحق، لم يزعم جمال الدين أبدا أنه سني مسلم، ولكنه كان يمارس التقية. وتزعم بعض المصادر أن القيادات الشيعية في «قم»، أرسلت جمال الدين إلى إسطنبول ثم إلى القاهرة في عام 1871، لفحص إمكانية نشر المذهب الشيعي في الإمبراطورية العثمانية، فيما زعم آخرون أن جمال الدين أرسل في مهمة لمواجهة النفوذ المتنامي للحركة الإسلامية المحافظة التي يتزعمها محمد عبد الوهاب في شبه الجزيرة العربية.

وأكد محمد محيط الطباطبائي، وهو أحد كاتبي السيرة الذاتية لجمال الدين، ذلك جزئيا، حين قال: «لم يحصل جمال الدين أبدا على تدريب أو إقرار بكونه رجل دين، وكان يقدم نفسه إلى المرجع بـ(قم) باعتباره مبلغا. ولكن على أية حال، هناك شكوك حول تكليفه بأية مهام خاصة من قبل آيات الله، حيث كان جمال الدين أقرب إلى كونه رجل سياسة، وكان أكثر اعتدادا بذاته من أن يتلقى الأوامر من أحد». كما يذكر الكاتب أيضا، أن جمال الدين خلال سفرياته إلى الإمبراطورية العثمانية، ولاحقا إلى فرنسا وبريطانيا، كان متأثرا، إلى حد كبير، بالأفكار الغربية الليبرالية. ويضيف الطباطبائي: «لقد كان هدفه هو جلب المسلمين إلى العالم المعاصر». ويقول: «لقد أراد أن ينشئ المسلمون دولا على الغرار الأوروبي فيما يحافظون على إيمانهم».

ويمكن تعزيز ذلك التحليل، عندما نضع في اعتبارنا علاقة جمال الدين بعدد من السياسيين الإصلاحيين الإيرانيين، خاصة ميرا ملكم خان، والأمير منوشهر ميرزا. ولاحقا، ذكر اسم جمال الدين أيضا في واقعة اغتيال ناصر الدين شاه قاجار، ملك إيران، على يد ميرزا رضا كيرماني في مايو (أيار) 1896. ومن المؤكد أيضا، أن جمال الدين كان من أوائل مؤسسي المحافل الماسونية في مصر وتركيا وإيران. ويؤكد كاتب سيرة جمال الدين، أن أفكاره لعبت دورا محوريا في الحث على الثورة الدستورية في إيران في عام 1905. وبمعني آخر، فإن جمال الدين، أو السيد جمال، كما يحب المصريون أن يطلقوا عليه، كان ينظر للدين كأداة في خدمة السياسة وليس العكس.

وسوف تصبح بعد ذلك فكرة الإسلام كأداة سياسية، مكونا حيويا للإسلام الحديث بأشكاله المختلفة – بداية من الإخوان المسلمين والخمينية وصولا إلى «القاعدة».

ومن جهة أخرى، تضمن المشهد السياسي في عشرينات القرن الماضي، في العالم الإسلامي، الدراما الموازية للنزاع بين القوى الأوروبية. فقد كانت القوة المهيمنة في المنطقة هي بريطانيا العظمى، ولكنها كانت تواجه تحديا متناميا من النظام السوفياتي في روسيا بآيديولوجيته الشيوعية الراديكالية المناهضة للإمبريالية والساعية إلى تحقيق العدالة للأمم الفقيرة. كما شهد أواخر العشرينات أيضا، بزوغ تحدي آيديولوجيا جديد للهيمنة البريطانية، وهو الفاشية التي نشأت، في البداية، في شكلها المخفف، على يد بنيتو موسوليني في إيطاليا في الثلاثينات وما بعدها، ثم في نسخة أكثر حدة على يد أدولف هتلر في ألمانيا. وسرعان ما اكتسبت الفاشية، بنسخها المختلفة، جمهورا خاصا بها في قلب العالم الإسلامي خاصة في تركيا وإيران ومصر.

وفي مواجهة آيديولوجيتين راديكاليتين؛ الفاشية والشيوعية، لم يكن بوسع البريطانيين الاعتماد على الديمقراطية الليبرالية التي تبدو أكثر اتساقا مع المنطق من المشاعر.

ونظرا لأن الديمقراطية الليبرالية تعتمد على مفهوم أن تحيا وتدع الآخرين يحيون، فإنها تصبح مثيرة للشكوك بالنسبة لمن تتمركز عقيدتهم حول مفهوم «إما أن تقتل أو تقتل»، خاصة فيما يتعلق بالدين أو القومية القمعية.

* الدين كسلاح سياسي

* لقد ظهرت فكرة استخدام الإسلام كسلاح في النزاعات والحروب ضد القوى الأوروبية، لأول مرة، في القرن الثامن عشر، عندما غزا نابليون بونابارت مصر. فخلال تلك الفترة، أشاع الجنرال الفرنسي أنه اعتنق الإسلام، وأنه يسعى «لتحرير» المسلمين الرازحين تحت حكم «الكفار»، قاصدا البريطانيين. ولاحقا، استخدمت بريطانيا أساليب مشابهة ترددت أصداؤها في العديد من الروايات، بما في ذلك رواية بنيامين دزرائيلي «كوننيجسباي». وخلال الحرب العالمية الأولى، انتشرت شائعات، بأن قيصر ألمانيا اعتنق الإسلام. ورد البريطانيون على تلك الشائعة، بنشر أخرى تفيد بأن شخصية إسلامية مقدسة كانت تختبئ لقرون عدة، على وشك العودة وقيادة الجيوش الإسلامية في حربها ضد الألمان. وأصبحت تلك الفانتازيا هي محور رواية جون بوشان الباهرة «غرينامنتل» التي نشرت في عام 1916. ولاحقا، عندما حاول الكولونيل توماس إدوارد لورانس تبني تلك الرواية في العالم الحقيقي، استحوذ ما أطلق عليه «الانتفاضة العربية» على الخيال البريطاني.

وبعد ذلك، ظهرت فائدة جديدة لفكرة «غرينامانتل» في أواخر العشرينات، عندما واجهت الشركة الأنجلوفرنسية التي تمتلك قناة السويس، أزمات متكررة من قبل العاملين المصريين المتأثرين بالشيوعية و/ أو القومية العربية. وكانت إحدى طرق مواجهة تلك الآيديولوجيات «غير الإلهية» من الشيوعية والقومية، هي الاستعانة بالديانات ذات الشعبية الواسعة التي كانت في تلك الحالة هي الإسلام. ومن ثم، فعندما أسس حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين، سارعت الشركة بالإعلان عن اهتمامها بتلك الحركة. كما كان استخدام مصطلح «الإخوان» مطمئنا، إذ إنه كان يشبه المصطلحات الماسونية التي يقوم أعضاؤها بحلف قسم الولاء، وينظرون لبعضهم البعض باعتبارهم «إخوة».

ويصر بعض منتقدي جماعة الإخوان المسلمين، على أن الحركة كانت من اختراع الاستعمار البريطاني من بدايتها. وعلى الرغم من عدم وجود أدلة قوية على مثل تلك المزاعم، فإن المؤكد أن شركة القنال وحركة البنا الجديدة، كان لديهما العديد من المصالح المشتركة. وأن الشركة دعمت الجماعة، على الأقل، في المراحل الأولية لنشأتها في الإسماعيلية. وتبرز حقيقة وقوف الجماعة، بعد ذلك، ضد بريطانيا حقيقتين:

أولا، أن الإخوان المسلمين أصبحوا في موقف قوي بما يكفي لأن يجعلهم غير محتاجين للدعم الأنجلوفرنسي.

ثانيا، بعدما أسست الحركة شبكة خاصة بها من الدعم، أصبح بإمكانها وضع الأجندة الخاصة بها. وفي الوقت نفسه، كان التهديد الذي مثله الشيوعيون والجماعات الفاشية بالنسبة للقنال قد تراجع، ولم يعد للظهور في المشهد مرة أخرى، إلا في عهد الرئيس جمال عبد الناصر ورفع الضباط الأحرار راية القومية العربية.

مما لا شك فيه، أن استخدام القوى الغربية العظمى للدين كأداة لسياستها الإمبريالية ليس خفيا؛ فمن أبرز الأمثلة الحديثة على ذلك، الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة للجماعات الإسلامية الراديكالية في أفغانستان كجزء من النزاع الأوسع ضد الإمبراطورية السوفياتية.

وخلال الحرب العالمية الثانية وتداعياتها، واجهت بريطانيا تهديدا مماثلا في إيران. ففي مصر، هدد الشيوعيون والقوميون المصالح البريطانية في القنال. وفي إيران، جاء التهديد من الجماعات نفسها لشركة البترول الأنجلوإيرانية، التي كانت تمارس احتكارا كاملا لإنتاج البترول الإيراني ومبيعاته. وعندما اندلعت الحرب الأوروبية الكبرى في 1939، كان الإيرانيون موالين للألمان إلى حد كبير. وكان هناك نحو 4000 عميل ألماني يشار إليهم باعتبارهم «خبراء فنيين» يعملون في إيران، وهم من أشاع أن هتلر تشيع، وأن اسمه الجديد هو «حيدر»، وهو أحد الألقاب التي تطلق على علي بن أبي طالب، أول أئمة الشيعة.

وجرى تفسير الصليب المعقوف، رمز الحزب النازي، باعتباره «صليبا مكسورا»، ومن ثم دليلا على أن «حيدر» حطم الرمز الذي كان «الكفار» بمقتضاه يحاربون الإسلام. وقد أبدى بعض الملالي، خاصة أبو القاسم كاشاني، تعاطفا مع النازيين نظرا لكراهيتهم للبريطانيين. فيما كان البعض الآخر، مثل آية الله العظمى محمد حسين بروجردي، يؤمن بأن بريطانيا وألمانيا النازية يمثلان «السيئ»، و«الأسوأ» ومن ثم فإنه كان حريصا على الوقوف إلى جانب أهون الشرين. كما كانت هناك حالة واسعة من التعاطف مع الألمان بين صفوف الجيش الإيراني، حيث كانت الآيديولوجية الآرية تشير إلى أن الألمان والإيرانيين ينتمون إلى العائلة الثقافية العرقية المعروفة باسم العائلة الهندوأوروبية نفسها. وكان أقوى رجلين في الجيش، وهما العمداء زاهدي والشاه بختي، من الموالين الأقوياء لألمانيا.

ومع ذلك فإن المثير للدهشة، هو أن العديد من جماعات النازية الإيرانية أخفقت في جذب الجماهير. فقد كانت إحدى الجماعات التي كان يتزعمها محمد نخشاب، تتكون من عشرات النشطاء، فيما لم يتمكن حزب العمال الاشتراكي المعروف باسم «سومكا»، الذي كان بقيادة داود مونشي زاده أبدا، من أن يصبح تنظيما على مستوى البلاد. ومن جهة أخرى، جذبت نسخة أقل حدة من النظرية الآرية، روج لها حزب «بان إيرانيست»، نسبة من الجماهير ولكن لفترة محدودة.

وعلى النقيض، انجذب عدد كبير من الإيرانيين، على نحو مثير للدهشة، للآيديولوجيات اليسارية، خاصة نسخة الاتحاد السوفياتي من الشيوعية، حيث أصبح حزب توده الإيراني، الذي أنشئ في أعقاب الغزو السوفياتي لإيران في عام 1941، حركة شعبية حقيقية. وفي مرحلة ما، كان الحزب والتنظيمات التابعة له ينشر نحو 11 صحيفة يومية ويهيمن على المشهد النخبوي الإيراني. وفي ذروة نشاطه، كان يزعم أن لديه نحو 50 ألفا من حاملي بطاقات العضوية.

وبحلول عام 1944، أصبح واضحا، أن دول المحور بقيادة ألمانيا سوف تخسر الحرب، وهو ما يعني نهاية التهديد الذي تمثله النازية بالنسبة للمصالح البريطانية في إيران. ومع ذلك، ظل التهديد الشيوعي، الذي كان الاتحاد السوفياتي يعززه، قائما. فقد كانت كل من بريطانيا وروسيا تتصارعان على الهيمنة في إيران منذ القرن التاسع عشر، وقد توقف هذا النزاع لفترة قصيرة أثناء اندلاع الحرب العالمية الثانية، عندما اضطرتا للتحالف معا. ومع اقتراب انتهاء الحرب، كان من المؤكد أن روسيا سوف تسعى، مرة أخرى، لتحقيق حلمها في الوصول إلى «المياه الدافئة»، من خلال الهيمنة إن لم يكن ضم الدولة الإيرانية الضعيفة. هل كانت هناك قوى إيرانية يمكنها مقاومة مثل تلك النتيجة؟

حتى قبل انتهاء الحرب، طرح السفير البريطاني، السير ريدر بولارد، المعروف بمعاداته الشديدة لإيران، والمؤرخة آن لامبتون ذلك السؤال. وكان كلاهما مقتنعا بأن الاعتماد على القومية الإيرانية أمر شبه مستحيل. فقد كانت نسختهم الآرية، التي كان مفكرون من أمثال کاظم‌ زاده ارانشهر، يعبرون عنها، معادية تماما لبريطانيا، وتميل للثأر التاريخي. وفي نسختها الأقل حدة، والتي كان يمثلها أشخاص مثل الشاعر الشهير، محمد تقي بهار، كانت تميل للانحياز إلى السوفيات في مواجهة الإمبريالية البريطانية.

ولم يكن كل من بولارد ولامبتون مخطئين في النظر إلى الشيوعية باعتبارها تهديدا خطيرا للنفوذ البريطاني في إيران. فقد كان حزب توده يلقى رواجا بين طوائف المجتمع المدني الإيراني كافة. وكان العديد من المثقفين إما أعضاء فعليين فيه أو متعاطفين معه. والأهم من ذلك، هو أن تودة كان يجذب حتى قطاعا من رجال الدين الشيعة، بما في ذلك بعض الملالي ذوو الشعبية، مثل مصطفى لنكوراني وعلي أكبر البرقعي. وفي عام 1945، فاز حزب توده بمكانة أعلى، بعدما شارك في الحكومة الائتلافية بثلاثة وزراء. وكانت لامبتون تؤمن بأن الإيرانيين لن يتمكنوا من تطوير آيديولوجيا قومية قادرة على مقاومة تحديات الشيوعية، والحفاظ على مصالح بريطانيا، وأن أي شكل من أشكال القومية الإيرانية العلمانية، سوف يصبح مناهضا لبريطانيا. وكان الخيار الوحيد الباقي، هو ترويج «الحل الإسلامي» لإيران. وأصبح ذلك موضوع البحث الذي نشرته لامبتون بعد انتهاء الحرب. في هذا البحث، طورت فكرة حكم السلطة الدينية، وهو المفهوم الموجود في الشيعية تحت عنوان «ولاية الفقيه»، ولكنه يفتقر للدلالة السياسية. وتحدثت عن وضع الأفراد المعرضين للخطر، مثل الأرامل والأيتام، تحت رعاية رجل دين محل ثقة ليحميهم من أي شخص يحاول استغلال وضعهم. وعلى الرغم من أن لامبتون كانت أول شخص يحاول ترجمة تطبيق «ولاية الفقيه» إلى مصطلحات سياسية، طور الإخوان المسلمون في مصر، أيضا، معتقداتهم السياسية إلى حكومة دينية.

فهل يمكن جمع التجربتين المصرية والإيرانية معا وتطوير آيديولوجيا إسلامية جديدة قادرة على مواجهة تحديات العلمانية من خلال آيديولوجيا مناهضة للإمبريالية؟

حاول شاب طموح من أصفهان، تقديم إجابة على هذا السؤال، وهو مجتبى مير لوحي، الذي سيصبح مؤسس النسخة الإيرانية من الإخوان المسلمين ثم بعد ذلك بعقود، الأب الروحي للجمهورية الإسلامية التي أسسها آية الله روح الله الخميني.