إيران و«الإخوان»: الجذور الآيديولوجية للشراكة (الحلقة 3): مير لوحي.. «الأصفهاني الخجول» الذي صار لاعبا رئيسا في السياسات الإيرانية المضطربة

عدته الرواية الرسمية الأب المؤسس لنظام الخميني واعتبره المعارضون عميلا بريطانيا

الخميني عقب عودته إلى إيران سنة 1979
TT

انتظر الشاب ساعات قبل أن يخرج «الهدف» من منزله، وبعدها قفز أمام الرجل العجوز قائلا: «هل نستطيع التحدث قليلا؟» فأجابه العجوز: «يمكننا أن نتحدث كثيرا فيما أسير إلى العمل».

حدث ذلك المشهد في طهران في 1940، وقبل شهور من اجتياح القوات السوفياتية والبريطانية للعاصمة الإيرانية واحتلالها. كان ذلك الشاب، هو مجتبى مير لوحي، الطالب بالكلية الألمانية الفنية في طهران. أما العجوز فكان أحمد كسراوي، القاضي بالمحكمة الجزائية الذي كان من أبرز مثقفي تلك الفترة.

كان كسراوي قد نشر للتو، كتابا جديدا يحمل عنوان «الشيعة»، انتقد فيه عقيدة أغلبية الشعب الإيراني، ما دفع الملالي لانتقاد الكتاب من فوق منابرهم، على الرغم من أن معظمهم لم يقرأه. ومن جهة أخرى، حاز الكتاب إعجاب قطاع واسع من الجماهير، خاصة بين دوائر النخب ذات الميول الغربية وطلاب الجامعة. وأعرب الكثير منهم عن تقديره لطريقة كسراوي السقراطية في طرح الأسئلة حول مناحي عقائد الشيعة كافة والأساطير التي تشوبها.

وكان مير لوحي يتحين الفرصة للقاء كسراوي لكي يقنعه بسحب الكتاب. ولكن سرعان ما اتضح أن كسراوي يؤمن تماما بأن المذهب الشيعي هو السبب الرئيس وراء الانحدار التاريخي لإيران، وأنه ينظر إلى كتابه باعتباره أول الطريق في حرب واسعة ضد «الخرافات الفاسدة».

كان مير لوحي قد حدد «مهمته» مع حجة الإسلام شاه آبادي، الذي كان قد أصدر فتوى بقتل كسراوي. وكان لوحي يأمل أن يعيد كسراوي إلى «المسار الصحيح»، ما ينفي ضرورة قتله. وبعدما رسخ في يقين مير لوحي ضرورة قتل القاضي المثقف، أصبح من الضروري تأجيل الخطة نظرا لغزو الحلفاء للبلاد والاضطرابات التي أسفر عنها الاحتلال الأجنبي. وفي الوقت نفسه، كان مير لوحي بحاجة لأن يلم شتات نفسه.

ولد مير لوحي في 1924، تتنازعه طموحات متباينة؛ ففي المدرسة الألمانية، كان الشاب قد أغوته الدعاية الموالية للنازية، فيما كان يدرّب لكي يصبح عامل حديد، بينما كان يحلم أن يصبح مهندسا. وفي الوقت نفسه، كان منجذبا لفكرة أن يحصل على التدريب للعمل كممثل، فقد أصبح اثنان من زملائه، هما حامد القنبري، ومحمد علي الجعفري، من أشهر نجوم المسرح والسينما الإيرانيين. وكانا قد أقنعا مير لوحي بحضور عدد من التدريبات المسائية في التمثيل، ولكن الشاب الذي جاء من أصفهان، كان يفكر في البعد الديني أيضا.

وعندما بلغ عامه الثامن عشر، كان الحلفاء قد أغلقوا المدرسة الألمانية وتفرق طاقم عملها. وسرعان ما وجد مير لوحي وظيفة في شركة البترول الأنجلو إيرانية، وسافر إلى عبادان التي تقع على بعد 1000 كيلومتر، للعمل كحرفي في الشركة التي كانت تعد في ذلك الوقت من أكبر مصافي البترول في العالم. وعلى الرغم من أننا لا نعلم تماما ما الذي حدث في عبادان، تفيد الرواية الرسمية للجمهورية الإسلامية، التي تعتبر مير لوحي الأب المؤسس لنظام الخميني، بأن ميرلوحي اصطدم بالمديرين البريطانيين وتم فصله بعد عام واحد من عمله هناك، فيما يزعم معارضو الخميني، بأن مير لوحي تم تجنيده على يد الاستخبارات البريطانية ضمن عدد كبير من الشباب المتدين، لكي يشاركوا في تنفيذ خطة لتأسيس جماعة مناهضة للشيوعية وتدعو للإسلام.

من جهته، يتذكر الصحافي المخضرم، ناصر أميني، الذي كان أحد معاصري مير لوحي في المدرسة الألمانية في طهران، الرجل باعتباره «ولدا خجولا ومنطويا ولم يكن متدينا في تلك الفترة».

على أي حال، ظهر مير لوحي، بعد ذلك، في النجف، بعدما عبر على نحو غير شرعي إلى العراق ومعه قدر كبير من الأموال زعم أنه ادخرها من راتبه، فيما زعم منتقدوه أنها دعم بريطاني. على أي حال، كان مير لوحي يرغب في أن يتدرب لكي يصبح رجل دين شيعيا. وفي طريقه إلى النجف، تخلص من اسمه الأصلي وقدم نفسه باسم محمد نواب صفوي. ثم زعم، بعد ذلك، أنه اختار ذلك الاسم لكي يربك «أعداء» لم يحدد ماهيتهم كانوا يطاردونه من عبادان.

حضر نواب عدة دروس دينية مع عدد من آيات الله، بمن في ذلك، عبد الحسين أميني، ومحمد مدني، ومحمد تقي الجعفري. ولكن سرعان ما اتضح أن «الطالب» الجديد، ليس مهتما بتعقيدات العقيدة الشيعية. فقد كان يرغب في أن يصبح رجل ميدان. وزعم مير لوحي، لاحقا، أنه تعلم كل ما يحتاجه حول الدين خلال طفولته، عندما كان يحضر دروس الجمعة بمسجد «خاني آباد» في طهران. وفي واحدة من حالات الاختفاء التي ستتكرر بعد ذلك، اختفى نواب من النجف بعد ستة أشهر.

ولكن إلى أين ذهب؟ يعتقد البعض أنه سافر إلى القدس التي كانت، في ذلك الوقت، تحت الحكم البريطاني، ربما لتوسيع أفقه «الإسلامي»، فيما يعتقد البعض الآخر، أنه ربما يكون قد سافر إلى القاهرة ليقيم علاقات مع الإخوان المسلمين للمرة الأولى. على أي حال، ظهر نواب مرة أخرى في أغسطس (آب) 1941، في طهران، كعضو في حاشية شاه آبادي. وكان يرتدي هذه المرة، زي الملالي وعمامة سوداء تشير إلى أنه ينحدر من نسب النبي. فيتذكر أميني قائلا: «كانت المرة الثانية التي شاهدنا فيها ذلك الولد النحيل الخجول، وقد أصبح رجلا طويلا يتخذ وضعية القادة».

وكانت تلك الوضعية تناسب وضعه الجديد. فسرعان ما أعلن نواب بعد عودته، عن نشأة تنظيمه الجديد «فدائيو الإسلام»، الذي لم يتجاوز عدد أعضائه، في ذلك الوقت، العشرات، الذين كان من بينهم اثنان من المهاجرين القوقاز، هما مدني وتركماني، وكلاهما هرب من الحكم السوفياتي، بالإضافة إلى مهدي آراقي، وهو لاعب كمال أجسام من جنوب طهران، انفصل عن نواب بعد ذلك، واتهمه بخدمة البريطانيين. فقد كتب آراقي في عام 1979: «لقد انفصلت عن الفدائيين لأنهم كانوا يتصلون بالبريطانيين، ويتواصلون مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية التي أنشأها البريطانيون قبل عدة سنوات». كما انضم للفدائيين في البداية خليل طاهامبسي، الذي كان يعمل نجارا، ومحمد واحدي، وهو من رجال الدين الشباب.

* تنظيمات موازية

* في البداية، كان على نواب معالجة قضية مهمة تتعلق بما إذا كان سيكرر الازدواجية التي خلقتها جماعة الإخوان المسلمين في مصر أم لا. فقد أسس المسلحون المصريون جناحا عسكريا لاستخدامه في اغتيال الشخصيات العامة وممارسة الضغوط على الخصوم. وفي الوقت نفسه، كانت الكتلة الرئيسة للحركة، تركز على التعليم ونشر التقاليد والأخلاقيات الإسلامية في المجتمع. لكن مصلحة نواب المباشرة، كانت تقتضي تأسيس قوة عسكرية تحرك الأحداث و«تسرع مسار التاريخ»، تاركا مهمة الدعوة للقيم الإسلامية على غرار جماعة الإخوان المسلمين للآخرين، وهو ما بدأ بعد خمسة أعوام، حينما تأسست جماعة فرعية للفدائيين أطلق عليها «مجتمع الإخوة» اختارت سيد حسن إمامي رئيسا لها.

كان نواب يشعر بأن عليه أن يقوم بشيء مبهر لكي يجري التعامل معه بجدية، باعتباره لاعبا رئيسا في السياسات الإيرانية المضطربة والخطرة في ذلك الوقت. فقد أحيا فكرة قتل كسراوي، وتمكن من الحصول على فتوى جديدة من آية الله حسين القمي. وهذه المرة، وفر شاه آبادي نحو 8000 ريال، كانت تعادل في ذلك الوقت، 75 دولارا، لشراء أسلحة لقتل كسراوي. ووفقا لمعظم الروايات، فإن من قام بتوصيل تلك الأموال من شاه آبادي، هو روح الله الخميني، الذي سيؤسس، لاحقا، الجمهورية الإسلامية، وكان في ذلك الوقت، أحد طلاب آبادي. حينذاك، كانت طهران تعج بالأسلحة التي خلفها مئات العملاء الألمان الذين اختفوا قبل وصول القوات الروسية والبريطانية، وقد وفّر مبلغ الـ75 دولارا الذي جلبه الخميني، إمكانية شراء أربعة مسدسات ألمانية من طراز «وغر بارابيلوم». ومع ذلك، فإن محاولة اغتيال كسراوي أمام حزب «باهماد أزاديجان»، أخفقت. وسرعان ما هرب فريق الفدائيين الذي قام بالمحاولة. وبعد ذلك بشهور، تم اغتيال كسراوي بالأسلحة البيضاء داخل المحكمة بطهران.

المدهش، أن السلطات لم تبذل جهودا حثيثة لملاحقة قتلة كسراوي ومعاقبتهم، فقد كانت الاغتيالات السياسية ظاهرة جديدة في السياسة الإيرانية، ما جعل المسؤولين يشعرون بأن الخوف شلهم. فقد كان تنظيم «فدائيو الإسلام» الغامض، يستدعي إلى الأذهان إحدى الجماعات التي ظهرت في العصور الوسطي، وهي جماعة «الحشاشين»، التي كان يقودها حسن صباحي، وكانت تتمركز في أعماق جبال آلموت بشمال غربي طهران. وإدراكا للخوف الذي هيمن على السلطات، أنشأ نواب مركزا للتدريب العسكري في «فاشافويه»، ثم في ضاحية نائية في طهران. وإلى هذا المركز، قام رجال نواب باصطحاب صحافي شاب هو ماجد دوامي، وهو معصوب العينين لزيارتهم. وكان دوامي سيكتب تقريرا عن «المشهد السريالي الذي يتعلم فيه المراهقون والشباب الصغار غير القادرين على حمل السلاح، كيفية التصويب».

وبينما كان نواب يتعلم إطلاق النار، كان عليه أيضا معالجة المشكلة الكبرى المتعلقة بتأسيس إطار سياسي. وقد تمكن من معالجتها عبر الاستعانة بعدد من منشورات جماعة الإخوان المسلمين التي جلبها معه في رحلاته. وبعد أسابيع من كتابة فصول تبدو مفككة، وتتناول قضايا متباينة، أنتج نواب كتيبا تم طباعة نحو 10 آلاف نسخة منه، وتوزيعه مجانا في طهران وغيرها من كبرى المدن الإيرانية. وجاء كتيب نواب تحت عنوان «دليل الحقيقة»، وكان يتكون من ثلاثة أقسام. الأول، يعالج كيف يجب على المسلمين أن يعيشوا في مجتمع متأثر، إلى حد كبير، بالغرب وبعيد عن الإسلام. وعلى نحو مدهش، كشف زعيم الفدائيين، عن موقف معتدل في مواجهة الغرب. فهو لا يرفض الحضارة الغربية على نحو قاطع. كما أنه يستشهد باليابان باعتبارها نموذجا للحضارات غير الغربية القادرة على أن تأخذ من الغرب ما يفيدها وتترك ما لا يفيدها. ومن ثم، فإنه يقبل إرث إيران من الثورة الدستورية، بشرط ألا يمرر البرلمان المنتخب أي قوانين من دون الحصول على موافقة صريحة من رجال الدين الشيعة. في هذا السياق، يشير إلى الشيخ فضل الله النوري، الملا الذي كان يخطب مدافعا عن «الشرعية الدينية» في مواجهة الدستورية العلمانية، في بداية العقد الأول من القرن العشرين. (لاحقا أدين نوري بتهمة إثارة الفتنة وحكم عليه بالإعدام شنقا). ومن الأشياء الأخرى المثيرة للدهشة، أن نواب احتفى بالملكية باعتبارها أفضل نظام لحكم المسلمين حتى يعود «المهدي المنتظر». وقد وصف ملك المسلمين باعتباره «ملك الأمة»، لكنه حذر محمد رضا شاه من «لاعقي الأحذية الخونة» الذين يستغلون سلطاته. ولاحقا، زعم نواب في مذكراته التي نشرتها صحيفة «خواندنيها» الأسبوعية، بأنه في وقت ما من عام 1944، كان يفكر في اغتيال الشاه الصغير ولكنه غير رأيه. هل أقام نواب صلات مع حاشية الشاه؟ ظل هذا السؤال محل جدل عميق في إيران لستة عقود.

وفي كتابه، كان نواب واضحا في التأكيد على أن النساء لا يمكن أن يصبحن مساويات للرجال، وأنهن يجب أن يوفرن طاقتهن وطموحهن للعمل على أن يصبحن أمهات صالحات.

* ضد رجال الدين

* يعالج القسم الثاني من الكتاب، قضية البترول التي كانت من القضايا الساخنة في قلب الجدل الوطني الإيراني. والمثير للاهتمام، هو أن نواب لا يتحدث عن التأميم باعتباره الخيار الأفضل، وهي الفكرة التي تبناها، لاحقا، عدد من السياسيين بمن في ذلك محمد مصدق ومظفر البقاعي.

ويشتمل القسم الثالث من الكتاب، على هجوم عنيف على كبار رجال الدين الشيعة، مستهدفا آية الله العظمى محمد حسين بروجردي الذي كان يعد، في ذلك الوقت، أكبر مرجع تقليد في قم. وعلى الرغم من أن نواب لا يذكر اسم بروجردي، فإن الهجوم الذي شنه عليه لا يترك أي لبس في التعرف على هويته.

وكان لكتيب نواب، تأثيرا عميقا على تلك الأقلية من رجال الدين والمفكرين، ممن كانوا ينظرون إلى الإسلام ليس فقط باعتباره دينا، ولكن باعتباره آيديولوجية سياسية. كما ساهم كتاب نواب، في إلهام الخميني أثناء تأليفه كتاب «الحكومة الإسلامية» الذي سيصبح الأساس النظري للجمهورية الإسلامية لاحقا. وقد احتفى نواب بفرضية لامبتون، التي تفيد بأن الإيرانيين يجب أن يعيشوا في كنف نظام ديني، ولكنه لم يطالب بأن يشارك رجال الدين مباشرة في الحكم. كما اقترب الخميني من موقف لامبتون من خلال الدعوة «لولاية الفقيه» وممارسة رجال الدين للسلطة.

وعلى الرغم من أن كتاب نواب لا يتجاوز، من الناحية النظرية، كونه نشرة سطحية مخصصة لجذب المشاعر أكثر من مخاطبة العقول، فإنه يعد وثيقة مهمة نظرا لتأكيده على ضرورة قيام الأفراد بأفعال مباشرة. وبقبول مفهوم أن «الغاية تبرر الوسيلة»، أصبح الكثير من أجيال الإسلاميين الإيرانيين، المتأثرين بإخوان مصر، يؤمنون بأنهم يستطيعون أن يكذبوا ويغشوا، بل ويقتلوا لخدمة هدف نبيل: وهو تأسيس حكم إسلامي حقيقي. ولم يكن الخميني الشخص الوحيد الذي وقع أسيرا لكاريزما نواب. فلاحقا، ردد علي شريعتي، الكثير من أفكار نواب. ويزعم علي خامنئي، الذي أصبح لاحقا «المرشد الأعلى»، أنه حضر عددا من اللقاءات التي تحدث فيها نواب في طهران في بداية الخمسينات. فقد كتب خامنئي: «انبهرت به، فكان سحر شخصيته قادرا على جذب الجميع».

وعلى المدى القصير، لم يكن تأثير نواب كمنظر للسياسات الإسلامية ذا بال، ولكن دعوته للقيام بفعل مباشر، وجدت رواجا مدهشا. فقد استهل تنظيمه (الفدائيون)، والتنظيمات التابعة له، عصرا من الاغتيالات السياسية لم يكن مسبوقا في إيران، منذ الوقت الذي ظهرت فيه جماعة الحشاشين قبل ذلك بألف عام. وعلى الرغم من فشلها، فإن محاولة اغتيال الشاه استخدمت كحجة لحظر حزب توده، على الرغم من أن الشخص الذي كلّف بعملية الاغتيال، وهو ناصر فخر أرايي، كان صحافيا في صحيفة «شعار الإسلام» ولم يكن شيوعيا. كما تعرّض الكثير من الصحافيين العلمانيين أيضا للاستهداف. فقد قتل كل من محمد مسعود، رئيس تحرير «مرد أمروز» أو «رجل اليوم»، وأحمد دهقان، ناشر صحيفة «مصور طهران» الأسبوعية الذي اشتهر بانتقاداته للإسلاميين.

كما شن الفدائيون أيضا، الكثير من الهجمات الشرسة، فقد اغتالوا وزير الثقافة أحمد زنقانة، ورئيس الوزراء السابق، عبد الحسين هزير. ولاحقا، أخفقت محاولات اغتيال كل من رئيس الوزراء الأسبق حسين علاء، وحسين فاطمي ناشر صحيفة «بختار إمروز» أو «الغرب اليوم».

وجاءت أقوى الهجمات التي شنها الفدائيون في 7 مارس (آذار) 1951، عندما قاموا باغتيال رئيس الوزراء الجنرال علي رازمارا، خلال الصلاة في أحد المساجد الكبرى في طهران. في ذلك الوقت، وفي رسالة إلى نواب نشرت في صحيفة «شعار الإسلام»، هنأ «المرشد الأعلى» للإخوان المسلمين في مصر، حسن إسماعيل الهضيبي، «الإخوة الإيرانيين» بمناسبة «القضاء على عميل الكفر». وفي السنوات اللاحقة، تم التشكيك في نسبة تلك الرسالة إلى الهضيبي، أثناء محاولة المصريين وضع استراتيجية جديدة تستهدف إبعاد جماعة الإخوان عن العنف.ونظرا لرعبها من الفدائيين، لم تحاول السلطات الإيرانية معاقبة القائمين على عمليات الاغتيال، أو حتى إلقاء القبض عليهم. وكان القتلة، بمصاحبة نواب، يقومون بزيارة كبار رجال الدين في طهران، وكان من أبرزهم آية الله أبو القاسم كاشاني، لإبراز حصانتهم في سلسلة من الصور التذكارية. كما جال نواب عددا من المدن لترويج آيديولوجيته بشأن الفعل المباشر واستقطاب فدائيين جدد.

وانتشرت الإشاعات بشأن تمتعه بحماية أشخاص نافذين، بما في ذلك المحكمة الملكية والأوساط الموالية للبريطانيين في طهران. ويزعم المؤرخ محمد أميني، أنه قبل أسبوعين من اغتيال رازمارا، استقبل الشاه نواب في لقاء قصير. وعندما قام الشاه بعزل رئيس الوزراء في عام 1953، أرسل نواب برقية تهنئة إليه. ووفقا لتقارير لم تثبت صحتها، تمت مكافأته بالسماح له بالتحدث إلى جمهور داخل القصر. على أي حال، تم منح نواب، بعد أسبوع من تلك البرقية، جواز سفر و«مساهمة» مالية لكي يتمكن من القيام بجولة في الكثير من الدول العربية، بما في ذلك العراق والأردن ولبنان وفي النهاية مصر.

* لقاء ناصر في القاهرة

* وفي القاهرة، التقى نواب بقيادة الإخوان، كما التقى بالرئيس جمال عبد الناصر، في لقاء تم الترويج له على نحو واسع في إيران. وزعمت زوجة نواب، لاحقا، بأن زوجها نجح في تحويل نصف أعضاء حكومة ناصر إلى المذهب الشيعي. وفي لقاء مع قيادة الإخوان في القاهرة، تم التركيز على اتخاذ إجراءات مشتركة ضد «البدع في الإسلام». وفي القدس، التي كانت جزءا من المملكة الأردنية في تلك الفترة، ألقى نواب بخطة في مؤتمر إسلامي إلى جانب ممثلين عن أفرع جماعة الإخوان الأخرى. والمكان الوحيد الذي لم يلق فيه نواب الترحيب كان قم، قلب المذهب الشيعي الإيراني؛ حيث كان آية الله العظمى بروجردي ينظر إلى الفدائيين باعتبارهم مغامرين، تسيء سلوكياتهم لسمعة الإسلام كدين للتسامح والمنطق. ومن ثم فإنه عندما جاء نواب، بمصاحبة اثنين من كبار معاونيه، وهما محمد واحدي ومحمد ذو القدر إلى قم، لحضور اجتماع للفدائيين، أمر بروجردي طلابه، بقيادة حارسه الشخصي، محمد لور، وهو رجل قوي، بطردهم من المدينة. فقاموا بإلقاء نواب ورفيقه في البحيرة التي تقع على مقربة من ضريح المعصومة، فيما كان حشد من المتفرجين يقهقه بالضحك.

وقد مثلت تلك الحادثة بداية سوء حظ ذلك الفرع الإيراني للإخوان المسلمين. وبعدما أدركوا أنهم أصبحوا معرضين لخطر الاعتقال، اختبأ نواب ورفاقه في سبتمبر (أيلول) 1955. فقد كانوا قد حققوا الغرض الموكل إليهم من قبل تلك القوى الغامضة التي كانت تحميهم لعقد كامل، وأصبحت نهايتهم محتومة. وفي نوفمبر (تشرين الثاني)، تم إلقاء القبض على نواب ومائة من معاونيه ومحاكمتهم في عدد من التهم، بما في ذلك القتل، وحكم على نواب وثلاثة من مساعديه هم تاهمبسي، الرجل الذي قتل رازمارا، وذو القدر، الرئيس التنظيمي للجماعة، وواحدي، منظر الجماعة، بالإعدام وتم تنفيذ الحكم في 18 يناير (كانون الثاني) 1956. وخلال المحاكمة، أثبت نواب أنه كان أضعفهم، حيث بكى وتوسل للحصول على عفو ملكي من دون جدوى. ولم يكن يعلم أنه بعد ربع قرن من تلك الواقعة، سوف يصبح أتباعه في السلطة في طهران، وأن أحد معجبيه، وهو الخميني، أعلن نفسه «كزعيم لكافة المسلمين في جميع أنحاء العالم».