بعد مرور سنة على انتخابه.. هل التزم الرئيس الإيراني وعوده؟

TT

ما الوعود التي أطلقها حسن روحاني خلال حملته الرئاسية في قطاع السياسة الداخلية، والخارجية، وملفات الاقتصاد والصحة والبطالة؟ وهل تمكن الرئيس الإيراني من تحقيقها؟ ما الإنجازات والإخفاقات خلال عام واحد من توليه الرئاسة الإيرانية؟

يتناول التقرير التالي أداء حكومة روحاني في مجال «حرية التعبير ووسائل الإعلام»، و«الرقابة، ومنح ترخيص إصدار الكتب»، و«ملف المعتقلين السياسيين»، و«قطاع الرعاية الصحية»، وملف الاقتصاد وواقع العملة الإيرانية، والتضخم والبطالة، إضافة إلى الملف الأبرز المؤثر في حياة كثير من الإيرانيين «الملف النووي» بكل تقاطعاته الداخلية والخارجية، وانعكاساته على الفرد الإيراني.

هنا نحاول أن نقدم رصدا وتقييما شاملا لأداء الرئيس حسن روحاني بعد مرور عام على توليه مقاليد السلطة.

في مايو (أيار) الماضي قال الرئيس الإيراني حسن روحاني في حوار تلفزيوني: «سأفي بالوعود التي قطعتها للشعب خلال حملة ترشحي للانتخابات الرئاسية في 11 أبريل (نيسان) 2013».

يرى بعض موالي روحاني في شبكات التواصل الاجتماعي، وعدد من وسائل الإعلام، أن التصريحات المذكورة هي في الحقيقة دعوة «للتحلي بالصبر» لرفع الإقامة الجبرية عن المرشحين السابقين للانتخابات الرئاسية في 2009. وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، إذ شكل هذان المطلبان أحد الشعارات التي وعد روحاني بتحقيقها خلال حملته الرئاسية.

وقد أكد روحاني خلال الحوار الذي أجراه مع «الشرق الأوسط» قبل الانتخابات الرئاسية، العام الماضي، على ضرورة تحقيق هذه المطالب.

روحاني قال خلال الحوار المذكور: «كنت مستشارا للأمن القومي الإيراني لمدة 16 عاما في حكومة رفسنجاني وخاتمي، لذلك أنا على دراية بالتعامل مع الملفات الحساسة. سأبذل كل جهودي لإطلاق سراح، الذين اعتقلوا خلال الأحداث المؤسفة في 2009. أنا أعلم أن الصلاحيات التي يمنحها القانون لرئيس الجمهورية في إيران لا تتجاوز رئاسة السلطة التنفيذية. ولكنني متفائل بإمكانية حصول توافق داخلي لضرورة تحسين أوضاع السادة موسوي، وكروبي».

بعثت هذه التصريحات الأمل في نفوس كثير من الإيرانيين، غير أن هذه الوعود لم يجر تطبيقها على أرض الواقع بعد مرور عام على إطلاقها، فلم يجر تحسين وضع السجناء السياسيين، ولم يجرِ رفع الإقامة الجبرية عن موسوي، وكروبي. قد أعادت إحالة ملفهما إلى المجلس الأعلى للأمن القومي الأمل بالتغيير، ولكنه لم يتمخض عن أي نتيجة تذكر حتى الآن.

وما زالت حملة الاعتقالات، والاستجواب، وإصدار أحكام قاسية بحق النشطاء المدنيين والسياسيين متواصلة.

أطلقت السلطات الإيرانية في سبتمبر (أيلول) 2013 سراح عدد من المعتقلين السياسيين على غرار «نسرين ستودة»، و«فيض الله عرب سرخي»، و«مهسا أمر آبادي»، و«مير طاهر موسوي»، وغيرهم، مما بعث أجواء إيجابية في المجتمع. وقد أوعز العديد هذه التدابير لحكومة روحاني، ولكن هذه العملية توقفت عند هؤلاء، ولم تشمل سجناء آخرين. وقضى بعض المعتقلين الذين جرى اعتقالهم بعد احتجاجات الانتخابات الرئاسية في 2009 خمسة أعوام في السجون، هذا فضلا عن سائر المحكومين بأحكام تتراوح لمدة أكثر بكثير، فهؤلاء ما زالوا يعدون الأيام التي سيقضونها في السجون.

* أحكام الإعدام في تصاعد

* شهدت وتيرة الإعدامات ارتفاعا خلال العام الماضي، وكان تنفيذ أحكام الإعدام بحق 16 شخصا في إقليم سيستان وبلوشستان، إثر العمليات المسلحة من قبل جيش العدل في هذه المنطقة، من أكثر الإعدامات إثارة للجدل. ونفذت السلطات حكم الإعدام في هذه الفترة بحق السجينين السياسيين الكرديين وهما «حبيب غولبري بور»، و«شيركو معارفي». كما سجلت الإعدامات التي نفذتها السلطات بحق سجناء غير سياسيين ارتفاعا. وقال محمود أميري مقدم الناطق باسم منظمة حقوق الإنسان الإيرانية التابعة للائتلاف الدولي ضد عقوبة الإعدام خلال حوار مع موقع «روز أونلاين» الإلكتروني: «جرى إعدام 312 شخصا بعد الانتخابات الرئاسية حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، حيث صادقت السلطات القضائية على 184 حكما للإعدام، وجرى إبلاغ 128 من الإعدامات إلى منظمات حقوق الإنسان بشكل غير رسمي».

ونفذت السلطات حكم الإعدام بحق أحد سجناء الرأي «غلام رضا خسروي» في مطلع يونيو (حزيران). وأصدرت محكمة في مدينة رفسنجان الحكم الابتدائي القاضي بعقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات بحق خسروي في 2007. لكونه مواليا لمنظمة مجاهدين خلق المناهضة للنظام. وأجرت محكمة الثورة في طهران تعديلا على الحكم وتحويله إلى عقوبة الإعدام.

وأثارت عملية اقتحام عنبر السجناء السياسيين في سجن إيفين في أبريل (نيسان) خلال تفتيش مأموري السجن للعنبر المذكور، جدلا واسعا في إيران. وقال المتحدث باسم الحكومة محمد باقر نوبخت في تصريح صحافي، على أثرها، إن «وزارتي العدلية والأمن ستقدمان المعلومات اللازمة حول أحداث سجن إيفين إلى البرلمان». ولكن البرلمان لم يتلق أي تقرير بهذا الخصوص حتى الآن. وأكد نوبخت أن الحكومة ستتابع الأمر.

ويعتقد البعض أن حكومة روحاني قد تحتاج لمزيد من الوقت لمتابعة قضية الزعيمين المعارضين مير حسين موسوي ومهدي كروبي، والمعتقلين السياسيين، غير أن استمرار الاعتقالات وتنفيذ الأحكام القضائية بحق النشطاء يجعلان الظروف لحلحلة ملف المعتقلين صعبة.

* ملاحقة الصحافيين.. قبضة الرقابة

* في العام الماضي، نشر موقع الحملة الرئاسية لروحاني كتابا يتناول برنامج حكومة «التدبير والأمل» في خضم الانتخابات الرئاسية. تمحور الكتاب حول سياسة «الثقافة الإعلامية، والإعلام الثقافي». وتضمنت هذه السياسة ثلاثة مواضيع مختلفة، وهي «توفير مكانة مستقلة لتنمية الاتصالات في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية»، و«تعديل قانون الصحافة، وإقامة نظام إعلامي شامل»، و«تقوية الثقافة الإعلامية، والتدريب على مفهوم الصحافي المواطن». وتفيد الإحصاءات بأن وزارة الثقافة والإرشاد لم تدرج هذه البرامج على أولوياتها.

أطلق حسن روحاني، وخلال أول مؤتمر صحافي له بعد الفوز بمنصب الرئاسة، وعودا «بإعادة فتح النقابة المهنية للصحافيين، وتنشيط جميع النقابات المهنية وفقا للقانون».

لكن يبدو أن أحد الموانع لإعادة فتح النقابة المهنية للصحافيين هو العراقيل التي تضعها وزارة العمل بهذا الشأن. وقال سكرتير اللجنة القانونية التابعة لنقابة الصحافيين كامبيز نوروزي في تصريح لموقع «تدبير» الإلكتروني: «إن التعامل الباهت لوزارة العمل في الحكومة الجديدة بشأن النقابة المهنية للصحافيين، الذي لم يكن حتى على مستوى الحكومة السابقة، هو أحد الموانع لإعادة فتح النقابة المهنية للصحافيين».

وخلال العام الماضي جرى إيقاف خمس مجلات إيرانية، إذ تم إيقاف مجلة «9 دي»، وجريدة «ابتكار»، فيما لا تزال صحف «آسمان»، و«بهار» (قانون) قيد الحجز.

وفيما يتعلق بالاعتقالات، وأحكام السجن بحق الإعلاميين، فالوضع لم يختلف كثيرا في هذا العام عن الأعوام الأخرى. إن الخلاف الوحيد هو ظهور الحرس الثوري كلاعب رئيس في إدارة هذه الملفات، في حين انسحبت وزارة الأمن من حملة الاعتقالات بحق الصحافيين. وأصدرت السلطات القضائية على غرار السابق أحكام العقوبات بحق النشطاء، حيث وصلت أحكام السجن الصادرة بحق نشطاء الشبكات الاجتماعية إلى 20 عاما، ومحاولة بأن تظهر بأن فوز روحاني بمنصب الرئاسة لم يؤد إلى تغيير في مسار الأحكام القضائية.

واعتقلت السلطات الإيرانية الصحافية الناشطة في حملة روحاني الرئاسية «فريبا بجوه» في يوليو (تموز) 2013 بعد تولي روحاني السلطة، وهي تعد أول صحافية جرى اعتقالها في ظل الحكومة الجديدة. وآخر عمليات الاعتقال كان من نصيب الصحافية في جريدة «اعتماد» «صبا أذر بيك» في مايو (أيار) 2014، وذلك بالتزامن مع اقتراب ذكرى الانتخابات الرئاسية. كما أن أوساط الإعلاميين شهدت اعتقالات أخرى بحق أعضائها.

وقال مسؤول القسم الاجتماعي في جريدة «شهروند» الإيرانية «أفشين أمير شاهي» في تصريح لـ«الشرق الأوسط» منذ فترة حول الحريات الإعلامية: «شهدنا بالتأكيد انفتاح الأجواء مقارنة مع السابق. كانت الأجهزة الحكومية في السابق تتعامل بشکل انتقائي، وبصرامة، وقسوة مع وسائل الإعلام المنتقدة. وكانت ترفع الشكاوى ضد الصحافيين، وتقيم مؤتمرات صحافية بمشاركة مندوبي وسائل الإعلام التي كان يجري انتقاؤها. لم تحدث معجزة بعد، ولكن الظروف شهدت تحسنا، ونستطيع أن نتنفس الصعداء. ما زلنا نشعر بالقلق من الاعتقالات».

ورغم الموقف الحكومي الواضح من الرقابة، فإن بعض المشاكل في قطاع الكتاب والرقابة ما زال قائما. مدير العلاقات العامة لدار «ققنوس» للنشر في طهران أحمد تهوري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» منذ فترة قال: «لا يمكنني أن أقول إننا لم نشهد تغييرا ملحوظا في الحكومة الجديدة، فهناك كتب حصلت على رخص للإصدار، كما أن بعض الكتب الممنوعة في الحكومة السابقة حصلت على رخص».

وقد أدلى المترجم الإيراني خشايار ديهيمي لوكالة «إيسنا» للأنباء بتصريحات تدعو للتأمل، حيث قال: «الرقابة لم تشهد تخفيفا في الحكومة الجديدة، والبيروقراطية هي البيروقراطية نفسها التي كانت موجودة قبل ذلك».

وأضاف ديهيمي: «يطالبون بحذف أبسط العبارات على غرار كلمة (الحلوة) من النص. من الذي يتولى قراءة الكتب وفرض الرقابة عليها؟! هذا أمر مثير للاستغراب».

* روحاني وقطاع الصحة.. خطوات أولية ناجحة

* تدل مراجعة البرنامج الذي قدمه حسن روحاني، خلال حملته الرئاسية، بشأن الخدمات الصحية، على أن الإجراءات الحكومية في هذا القطاع كانت أنجع، مقارنة مع القطاعات الأخرى. وتتضمن برامج روحاني لقطاع الرعاية الصحية «العمل على سحب جميع مصادر التشويش على الأقمار الصناعية»، و«توفير وقود البنزين التي تتوافق مع مقاييس يورو 4، ويورو 5 للاستهلاك المحلي»، و«إقامة نظام صحي شامل»، و«توفير خدمات التأمين الصحي للإيرانيين»، وغيرها.

وأشار روحاني في البرنامج الذي قدمه للبرلمان خلال حفل أداء اليمين الدستورية إلى محورين رئيسين في قطاع الصحة، وهما «تطوير نظام خدمات الرعاية الصحية، وتطوير البنى التحتية، والموارد، وقطاع الاتصالات التابع للرعاية الصحية».

ويبدو أن روحاني أوفى بوعده في قطاع الرعاية الصحية من خلال تدشين نظام صحي شامل في أبريل (نيسان) 2014، إذ قدم المشروع الخاص به إلى البرلمان. وقام روحاني بتوفير وقود البنزين التي تتوافق مع مقاييس «يورو 4، ويورو 5»، مما أدى إلى انخفاض نسبة تلوث الهواء، الذي تسبب بأضرار مباشرة على سلامة المجتمع.

وتعمل الحكومة على توفير خدمات التأمين الصحي للمواطنين الذين لم يتمتعوا بهذا التأمين حتى الآن. وكانت الميزانية المخصصة لقطاع الرعاية الصحية أكبر من الكمية المخصصة له في العام الماضي.

وفي حين يشكك بعض المراقبين في قطاع الرعاية الصحية في قدرة الحكومة على الاستمرار في تطبيق نظام صحي شامل، غير أن روحاني تمكن من إحراز نجاح أكبر بشأن خدمات الرعاية الصحية مقارنة مع القطاعات الثقافية، والاجتماعية.

* الأداء الاقتصادي.. ومعدلات التضخم

* يمكن تقييم الأداء الاقتصادي السنوي لحكومة روحاني، من خلال مقارنة وعوده الاقتصادية بالمؤشرات الاقتصادية الأساسية. ونشر المصرف المركزي الإيراني إحصاءات بشأن أداء الحكومة في احتواء التضخم، وغلاء المعيشة، وانخفاض معدل البطالة، وكيفية إدارة أسعار العملة الصعبة من خلال إعطاء تطمينات لسوق العملات الصعبة، وتنفيذ المرحلة الثانية من خفض الدعم الحكومي للسلع الأساسية، وتوفير خدمات التأمين للجميع، وتمهيد الأرضية للنمو الاقتصادي.

شهد معدل التضخم وتيرة تصاعدية منذ 2010، وذلك بسبب ارتفاع نسبة السيولة النقدية في حكومة أحمدي نجاد. وبلغت نسبة التضخم 10.8 في المائة في 2010. فيما وصلت إلى 31.5 في المائة، في مايو (أيار) 2013. واستمر تصاعد نسبة التضخم حتى أكتوبر (تشرين الأول) 2013. حيث بلغت 40.4 في المائة، وذلك بالتزامن مع نهاية رئاسة أحمدي نجاد، وانتقال الحكومة لروحاني. وتمكنت حكومة روحاني إلى تخفيض معدل التضخم إلى 34.7 في المائة، في مارس (آذار) 2014. و28.4 في المائة في مايو 2014، وذلك من خلال اعتماد سياسات تقوم على أساس إزالة التوتر في الشؤون الخارجية، وتعديل قانون الميزانية بناء على النظام المالي.

وتطمح حكومة روحاني إلى انخفاض معدل التضخم إلى 25 في المائة، في نهاية العام الحالي، ويبدو أن هذه الخطة قابلة للتحقيق، وذلك نظرا إلى الانخفاض الحالي لمعدل التضخم.

ويظهر انخفاض نسبة البطالة من 12.2 في المائة في 2011، إلى 10.4 في 2012 الجهود التي تبذلها حكومة روحاني لتوفير فرص الشغل في المجتمع منذ توليه السلطة. ولكن هذه الجهود لا تبدو كافية، وذلك نظرا إلى أن عدد الباحثين عن العمل في الوقت الحاضر بلغ 2.5 مليون مواطن، بينما تشير التقديرات إلى أن هذا الرقم يصل إلى ستة ملايين شخص خلال السنوات الثلاث المقبلة. ويشكل خريجو الجامعات معظم الأفراد الباحثين عن العمل. وينبغي تكثيف الجهود الحكومية كي يتمكن روحاني من الوفاء بوعوده في مجال فرص العمل.

وسجلت العملة الوطنية الإيرانية هبوطا قياسا أمام العملات الصعبة منذ 2011 بسبب تشديد العقوبات الاقتصادية وسوء الإدارة في فترة ولاية أحمدي نجاد الرئاسية، إذ بلغ سعر الصرف 10500 ريال للدولار الواحد في 2010، في الوقت الذي وصل هذا الرقم إلى 34000 ريال للدولار الواحد في مارس (آذار) 2012، ونهاية فترة أحمدي نجاد الرئاسية في مطلع صيف 2013. وخسرت العملة الوطنية في هذه الفترة نحو ثلثين من قيمتها، ولكنها عادت وانتعشت رويدا رويدا، مع تولي روحاني الرئاسة. وبلغ سعر الصرف 30000 ريال للدولار الواحد في مارس (آذار) 2014، ووصل سعر الصرف إلى 33000 ريال للدولار الواحد في ربيع 2014. الأمر الذي يشير إلى استقرار نسبي لسعر الدولار في إيران. وينسجم مع معدل التضخم الحالي.

وقامت حكومة روحاني بخفض الدعم الحكومي للسلع الأساسية منذ أبريل (نيسان) الماضي. ويتمثل أحد الأهداف من تطبيق هذه الخطة الوفاء بالوعد الذي أطلقه روحاني خلال حملته الرئاسية، بشأن توفير خدمات التأمين لكل المواطنين. وتسعى الحكومة إلى تخصيص جزء من الإيرادات الحاصلة من رفع الدعم عن السلع الأساسية، وارتفاع سعر مصادر الطاقة، لتوفير خدمات التأمين لكل المواطنين.

من دون شك، فإن تطبيق هذه الخطة له نتائجه وتداعياته على الاقتصاد الإيراني، ويتطلب تقييم مثل هذا البرنامج مزيدا من الوقت لكي تتضح معالمه.

لكن لم تقدم الحكومة خطة واضحة حول إصلاح النظام الإداري بهدف الحد من البيروقراطية الحكومية ومكافحة الفساد. ويبدو أن أداء الحكومة في إصلاح النظام الإداري ومكافحة الفساد لم يتكلل بالنجاح حتى الآن.

ومکن القول في نظرة إجمالية حول «تقييم الوعود الاقتصادية التي حققها روحاني» إن أداء حكومة روحاني يتميز بنجاح نسبي، بعد مرور عام على توليه للسلطة، وذلك نظرا للظروف المحلية والإقليمية والدولية. وبعد مرور أربعة أعوام على توليه السلطة، وفي الانتخابات الرئاسية المقبلة سيجري التقييم النهائي لأداء روحاني ومدى تحقيقه للوعود التي أطلقها من خلال صناديق الرأي، ولكن الرئيس الإيراني أمامه أكثر من ثلاث سنوات للوفاء بوعوده، وكسب تأييد الناخبين التي صوتوا لصالحه في الانتخابات الرئاسية.

* الإنجازات والإخفاقات في السياسة الخارجية

* لعل أهم الوعود الانتخابية لحسن روحاني في الشؤون الخارجية ما يتعلق بالملف النووي، إذ قال الرجل إنه سيعتمد النهج الدبلوماسي، وإجراء المفاوضات لحلحلة البرنامج النووي. ولتحقيق هذا الهدف، فقد اعتمد روحاني خلال العام الماضي استراتيجية تقوم على «تحسين مكانة إيران على المستوى الإقليمي والدولي»، التي تمثل وسيلة لإحياء الاقتصاد الإيراني الذي يقع تحت ضغوط هائلة منها العقوبات الدولية، وسوء الإدارة المحلية.

ومنذ توليه للسلطة، بذل حسن روحاني جهودا للوصول إلى حل للبرنامج النووي، وتخفيف العقوبات على طهران لكونهما يتصدران أهم التحديات في السياسة الخارجية الإيرانية. وقام روحاني بإحالة الملف النووي من المجلس الأعلى للأمن القومي إلى وزارة الخارجية، وتولي وزير الخارجية محمد جواد ظريف والدبلوماسي المعروف لدى الأميركيين، مسؤولية الملف النووي.

واتخذ حسن روحاني بعد ذلك الخطوة الثانية التي تمثلت في زيارته لنيويورك للمشاركة في الجلسة العمومية للأمم المتحدة، بعد مرور أسابيع على توليه الرئاسة الإيرانية. وتوقع الكثيرون أن تشكل هذه الزيارة منطلقا لإجراء لقاءات ثنائية بين روحاني وأوباما، أو حتى تكون البداية لاتصالات بين البلدين. ويرى كثير من المحللين أن نيويورك كانت ستشكل الخطوة الأولى للانفراج في السياسة الخارجية، وتحسين مكانة إيران الدولية.

ويعلم الجميع أن أهم التحديات الخارجية التي واجهتها إيران خلال الأعوام الـ35 الماضية تمثلت في استئناف العلاقات أو انقطاعها مع الولايات المتحدة. وساهم توتر العلاقات بين طهران وواشنطن بشكل كبير، وأكثر من أي عامل آخر، في فرض العقوبات الدولية عليها، وتحويل البرنامج النووي إلى أحد أهم التحديات الدولية بالنسبة لإيران.

فرغم وجود مثل هذه الحواجز أمام تحسين العلاقات الثنائية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية في المستقبل القريب، قامت حكومة روحاني في مجال استراتيجي آخر، أي تحسين العلاقات بين طهران ولندن، بخطوات صغيرة لكن مهمة. وإثر التوافق بين الجانبين على تعيين قائم بأعمال غير مقيم في سفارتي البلدين، تحسنت العلاقات بين إيران وبريطانيا المقطوعة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2011، ويجري الحديث حاليا عن استئناف عمل السفارتين. كما استضافت إيران بعض المسؤولين الأوروبيين الكبار خلال العام الماضي.

المجال الآخر الذي شهد تقدما لفريق السياسة الخارجية لروحاني، هو المفاوضات النووية التي تقضي عامها الـ11، ويرى البعض أن كلمة روحاني في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، والمكالمة الهاتفية بينه وبين الرئيس الأميركي باراك أوباما، واجتماع وزير خارجية إيران مع وزراء خارجية مجموعة «5+1» في نيويورك، والمفاوضات الثنائية بين وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف ووزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري، كلها تعد نجاحا لروحاني وفريق سياسته الخارجية، لأن زيارة نيويورك أسفرت في الأشهر التالية عن اتفاق نووي في جنيف.

ففي خريف 2013 وبعد عدة مفاوضات مكثفة، وصل محمد جواد ظريف في مفاوضاته مع مجموعة «5+1» (التي تتشكل من الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا)، برئاسة مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، إلى اتفاق نووي مؤقت لمدة ستة أشهر. وكانت الأجواء المسيطرة على الاتفاق، أجواء أخذ وعطاء كامل، حيث تقبلت إيران بأن تقلل من أنشطتها النووية وأن تفرض قيود دولية أوسع على برنامجها النووي.

وفي المقابل تقبلت مجموعة «5+1» بأن تعلق قسما من العقوبات الدولية المفروضة على إيران. وكانت الإجراءات العملية للجانبين، ملموسة ومحسوسة بعد سنوات من الحرب الكلامية والدبلوماسية في المفاوضات النووية السابقة. وقد أوقفت إيران التخصيب بنسبة 20 في المائة، وفي المقابل، قامت دول «5+1» برفع الحظر عن أكثر من أربعة مليارات دولار من الإيرادات النفطية المسدودة، وعلقت قسما من العقوبات المفروضة، على النفط والتأمين والمصارف والملاحة البحرية الإيرانية.

لكن بعد فترة قصيرة، أي في ربيع 2014، عندما وصل الأمر إلى مرحلة الصياغة للاتفاق النهائي بين الجانبين، تباطأ التقدم، وتحدث الدبلوماسيون والإعلام عن نوع من الطريق المسدود في المفاوضات.

فمن جهة، ركز الغربيون على مفاعل الماء الثقيل في مدينة أراك وعدد أجهزة الطرد المركزي وقوة إيران الصاروخية، ومن جهة أخرى، في داخل إيران، حذر المتشددون الإيرانيون ومنتقدو حكومة روحاني، الفريق المفاوض الإيراني، إزاء أي نوع من التراجع في هذه المجالات.

في مثل هذه الأوضاع، وبينما يتحدث الجانبان عن احتمال تمديد فترة الأشهر الستة للمفاوضات، يبدو من الصعب جدا صياغة وثيقة واتفاق نهائيين. كما يبدو أن إدارة أوباما (الطرف الرئيس في المفاوضات) وحكومة روحاني غير مستعدتين لفشل المفاوضات، ويعلمان عن تداعياتها الوخيمة والمدمرة.

ويتعرض أوباما لضغوط المتشددين داخل الولايات المتحدة وإسرائيل حيث يطالبونه بأن يستخدم عقوبات أشد بدل الدبلوماسية، من أجل دحر إيران بالكامل. وبعد فشل المساعي الأميركية لاستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإن فشلت المفاوضات مع إيران، ستكون التكلفة أثقل في حسابات السياسة الخارجية لإدارة أوباما.