تصحيح مقاربات خاطئة عن ديموغرافيا البحرين

هناك أدلة واضحة على أن البحرينيين الشيعة يتمتعون بالمساواة في توزيع المنافع الاقتصادية

البحرين.. شعب واحد بطوائفه كافة
TT

تميل تحليلات متابعين للربيع العربي عموما، والشأن البحريني بشكل خاص وأكثر تحديدا، إلى تبسيط مخل في النظرة إلى مظاهر العنف المتقطعة التي تشهدها البحرين، إذ يبالغون في بعض الأحيان، أو يتغاضون عن جذور المشكلة وسياقها العام، أو يتجاهلون أسبابها.

ويبدو أن الرأي العام العالمي، يحب تصوير مشاهد العنف السياسي، أو العنف الذي يتم باسم السياسة، ونشره، بدلا من الأحداث العادية التي قد تكون أكثر أهمية من حيث تأثيرها في الأسباب التي تخلق الأحداث والاضطرابات.

يركز هذا التحليل على واحدة من الآليات الأكثر تأثيرا في تفجير الأحداث في البحرين، مما تكشف حاليا؛ أي المشكل الديموغرافي (السكاني).

في مثل هذا الجو المشحون، طرحت حجتان رئيستان من وجهة نظر ديموغرافية بحتة: تقول الأولى، إن التركيبة السكانية في البحرين تميل لمصلحة طائفة الشيعة، في حين تتمركز السلطة في أيدي طائفة السنة. أما الثانية، فتقول إن طائفة الشيعة مهمشة اقتصاديا، ومحرومة من حقوقها الاقتصادية وفرص العمل، مقارنة بالمواطنين السنة.

بعد إجراء بحوث ميدانية امتدت 18 شهرا، بدا واضحا أن كلتا الأطروحتين خاطئ، ويهدف إلى خدمة أجندة تسعى لتأجيج المزيد من نيران الاستقطاب الطائفي في المجتمع البحريني، ما يجعل من العسير التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض، إن لم يكن ذلك مستحيلا بالفعل.

لسنا بصدد تحديد المسؤول عن نشر مثل هذه المعلومات المضللة عن البحرين ولا عن دوافعه. بل يسعى هذا التحليل، إلى طرح حجة مضادة، تمكن الباحثين من التوصل إلى استنتاجاتهم الخاصة في ضوء عرض الأطروحتين.

ولأغراض هذا التحليل، لجأنا إلى استخدام منهجين:

أولا، عرضنا الأطروحة التي قدمها منصور الجمري ومن ثم نقدها. وطالما أن أطروحات الجمري تشكل الأساس لمجموعة واسعة من البحوث اللاحقة، يصبح من المهم جدا، التحقيق في الطريقة التي استمد منها استنتاجاته التي تؤكد أن طائفة الشيعة تشكل غالبية سكان البحرين. لذلك، يرفض الفصل الأول من الدراسة هذه الفرضية أو النتيجة التي توصل إليها الجمري، فهي لا تخلو من الهوى والغرض والتضليل في ما يتعلق بالوضع الديموغرافي في البحرين.

وبعد أن يتم نسف هذا الادعاء الخاطئ، يتجه البحث لدحض الفرضية الثانية التي ترتكز على ممارسة التمييز في البحرين ضد الشيعة. ومرة أخرى، وبعد 18 شهرا من العمل الجاد والمضني والبحث والتقصي الميداني، اتضح لنا مدى خطأ ذلك، وثبت لنا أن الحياة الاقتصادية متوازنة بطريقة عادلة أكثر مما كان يعتقد سابقا.

* الوضع الطائفي

* على الرغم مما يشاع عن «الطائفية» وتفشيها وتجذرها في البحرين، إلا أن الدراسات العلمية، لا تكشف عن مؤشرات واضحة على توجهات دينية. وتعتبر هذه ميزة فريدة من نوعها في البلاد، لأن البحرين هي الدولة الوحيدة في المنطقة عموما، التي لا تسأل عن الهوية الدينية في الإحصاءات السكانية الوطنية. في الواقع، وبالرجوع إلى جميع الإحصاءات السكانية التسعة السابقة، التي أجريت في سنوات1941، 1950، 1959، 1965، 1971، 1981، 1991، 2001، 2010، ينبثق السؤال المهم التالي: كيف يمكن تحديد وجود مفاضلة طائفية بين المواطنين البحرينيين، في غياب أي سجلات رسمية جرى فيها تحديد الهوية على أسس طائفية؟

فيما هو متاح من معلومات وكتابات ووثائق، لا توجد إجابة مقنعة على السؤال. وكلما تعمقنا في البحث حول هذا الموضوع كانت الإجابة أكثر تناقضا. ومع ذلك، في حين أن معظم الكتاب يفترضون، ببساطة، عدم التوازن السكاني بين السنة والشيعة، إلا أن البعض اعتمد على أساليب غير رسمية أكثر غرابة، مثل التخمينات والمغالطات والاستنتاجات الإحصائية التي قد لا تصمد أمام الحقائق الدامغة. يدعي الجمري على سبيل المثال، أن نسبة سكان البحرين الشيعة، تبلغ أكثر من 60 في المائة من مجموع السكان، مع أنه يقر بغياب إحصاء رسمي، ويزعم أنه في حين «لا توجد إحصاءات دقيقة لعدد الشيعة والسنة، إلا أنه وبنظرة فاحصة على نتائج انتخابات سنة 2006، نجد أن نحو 62 في المائة من السكان هم من المسلمين الشيعة».

هناك، بالطبع، الكثير من المشكلات التي تكتنف حجة الجمري، التي تربط بشكل تعسفي بين عدد الأصوات التي ذهبت لمصلحة كتلة سياسية شيعية مثل الوفاق، وانتماء الناخب المذهبي أو الديني؛ على افتراض أن كل أصوات الشيعة تذهب إلى الكتل الشيعية فقط، والأهم من ذلك، هو التشكيك في هذه الإحصاءات بعد الفحص والتأمل المنطقي الدقيق. لذا علينا أن نراجع بمزيد من التفصيل وتمحيص المعلومات، من أجل دحض مثل هذه الحجج الطائفية الخاطئة، وبالتالي، يمكن أن نتبين أن تصوير البحرين كبلد للشيعة يهيمن عليه نظام سني، هو تصور خطير ومبالغ فيه، يهدف إلى المزيد من تأجيج لهيب الطائفية ويؤدي إلى الاتهامات المتبادلة ويولد أعمال العنف المحتملة.

في ما يتعلق بالنقطة الأولى، من الواضح أن نتائج الانتخابات، ليست المعيار الصحيح في تحديد المعتقدات الدينية للسكان، ما لم يكن هناك افتراض خاطئ، بأن المسلمين الشيعة فقط هم من يصوتون إلى الكتل الشيعية، في حين أن المسلمين السنة سيصوتون فقط للأحزاب والكتل السنية.

وبنظرة موضوعية فاحصة على انتخابات سنة 2006، نكتشف أن التصويت من قبل ناخبي كلتا الطائفتين الشيعية والسنية، إلى مرشحي الطائفة الأخرى ليس ممكنا وحسب، ولكن هناك احتمالا كبيرا جدا أن يكون ذلك قد حدث فعلا، نظرا لطبيعة الكتل الدينية الرئيسة الثلاث؛ جمعية الوفاق (شيعية)، جمعية الأصالة (سنية سلفية) والمنبر الإسلامي (سنية ليبرالية)، حيث تتنافس الجمعيات الثلاث فيما بينها، بالإضافة لجمعية المنبر الديمقراطي وجمعية التجمع الوطني وكلتاهما علمانيتين.

في الحالة الأولى، من الواضح أن وضع جمعية الأصالة كان حرجا، مقارنة بوضع جمعية المنبر الإسلامي في انتخابات 2006، حيث كانت المنبر تتبنى خطا أكثر ليبرالية في ما يتعلق بحقوق المرأة في إطار النظام السياسي الاجتماعي البحريني.

في الحقيقة، وفي مقابلة مع صحيفة «البحرين تربيون»، قال النائب الدكتور علي أحمد، إن «منح المرأة حقوقها السياسية ليس ضد التعاليم الإسلامية. بل ينبغي تحفيز المرأة لتحقيق تطلعاتها والمساهمة في تنمية المملكة». كما علينا أن نتذكر أن «جمعية المنبر الإسلامي دعمت الناشطات في مجال حقوق المرأة، في حملتهن لسن قانون موحد للأحوال الشخصية، لاقى معارضة شديدة من قبل المسلمين الشيعة».

ولم تقتصر المعارضة على المسلمين الشيعة، فقد كانت جمعية الأصالة السنية أيضا، تصر على استبعاد المرأة من الحياة السياسة في البحرين، كما أنها تعارض القانون الموحد للأحوال الشخصية. إذن، لماذا كل من الوفاق والأصالة (وكذلك المنبر) يريدون التركيز على القضايا السياسية والاجتماعية بدلا من إلهاء المواطنين بالحديث عن السياسة الطائفية؟ هل من المستحيل تصور أن أنصار الأصالة سيصوتون لصالح الوفاق طالما كلاهما يعارض ما يعتبرانه انحلالا أخلاقيا، وهما على استعداد لتوحيد صفوفهما والقيام بحملة معا ضد قضايا أخلاقية بحتة؟

وما دامت انتخابات 2006 أجريت بالاقتراع السري، فإنه لا توجد وسيلة للتأكد من أن من صوتوا لمصلحة الوفاق هم، في الواقع، من الشيعة فقط. وأن نستنتج أنهم كانوا كذلك بالفعل، فهذا استنتاج خاطئ، وهو عن بإحصاءات الانتخابات ولي لعنق الحقيقة.

علاوة على ذلك، شهدت انتخابات 2006 نسبة إقبال من الناخبين وصلت إلى 72 في المائة، وهذه نسبة مرتفعة مقارنة بنسب المشاركة في أعرق الديمقراطيات. لكن يحق للمرء، أيضا، أن يتساءل ويبحث عن تفسير، طالما أن هناك 28 في المائة من الناخبين لم يشاركوا في الانتخابات. فإذا شكل المسلمون السنة غالبية هذه النسبة (28 في المائة)، إذن، ما أثر ذلك على افتراضات الجمري الإحصائية؟ وتزداد المشكلة تعقيدا، عندما ندخل المجموعات غير الدينية في المعادلة. هل يمكن أن يكون عدد متساو من أصوات السنة والشيعة تأرجح بين الطائفتين، أو أن تلك الأرقام يمكن أن تكون قد توزعت بشكل غير متوازن لمصلحة إحدى الطائفتين أو الأخرى؟ الشيء نفسه يمكن أن يقال عن المجتمعات السكانية الأخرى. وهل من المستحيل أن يصوت المسيحي أو اليهودي أو أي فئة من البحرينيين المجنسين أيضا، لجمعية الوفاق؟ بالتأكيد، ليس المقصود من هذه الأسئلة أن نحصل على إجابة قاطعة، بل نهدف إلى الطعن في الادعاء القائل بأن دعم الوفاق في انتخابات 2006 يعكس تلقائيا، وبالضرورة، عدد الشيعة من إجمالي سكان البحرين.

والمشكلة الثانية، التي تأخذ مسارا مختلفا للوصول إلى النتيجة نفسها في دحض تأكيدات الجمري، تدور حول مسألة تشكيل طائفة الشيعة نفسها. حيث لا توجد مؤشرات واضحة على سلوك معين لجميع الشيعة ككتلة واحدة متجانسة. إذا تغاضينا عن ممارسة الشعائر الدينية، حينها يحق لنا أن نسأل: لماذا يجب على كل الشيعة دعم الوفاق؟

في الواقع، هناك الكثير من الجماعات الشيعية المختلفة التي تعيش في البحرين، مثل طائفة العجم الشيعية التي يمكن النظر إليها كمثال على ذلك، وهي مجموعة لجأت إلى البحرين في وقت مبكر من القرن العشرين، بسبب الاضطرابات والصراع في إيران، واستقرت في جزيرة البحرين، حيث تم الترحيب بها وانخرط أفرادها فورا في مشاريع بناء الدولة، مع الحفاظ على جوانب في تراثهم الفارسي.

مع ذلك، فهم كمجتمع، يفضلون التمييز بينهم وبين الشيعة والفرس الآخرين، ويضعون معايير لتحديد تراثهم الفريد ومكانتهم داخل المجتمع البحريني. ومع أن جذور الشيعي العجمي تعود إلى بلاد فارس، إلا أنه يجب أن ينتمي أيضا إلى البحرين. وتجدر الإشارة إلى أن مجموعة العجم تدعم، في العادة، عائلة آل خليفة، ومن المستبعد أن تصوت للأطراف الشيعية المعارضة، وهم أنفسهم ممن يستخدمهم الجمري وأمثاله لتحديد النسبة المئوية للشيعة في البحرين.

في الواقع، قد يكون عدد الشيعة أكبر مما حدده الجمري، إذ لم يصوت العجم لمصلحة الوفاق في انتخابات 2006، وبالتالي لم يضمنهم الجمري في إحصاءاته. ومع ذلك، في بلد لا يمثل فيه الانتماء الديني عنصرا أساسيا في تحديد الانتماء السياسي، يصبح إصدار مثل هذه الإحصاءات مسيسا بدرجة كبيرة، ويكون الغرض منه تهييج مشاعر التمييز الطائفي إلى جانب أحد الأطراف ضد الطرف الآخر، وليس تحديد التركيبة الدينية في البلد.

مركز المشكلة الثالثة والأخيرة:

من الواضح، من إحصاءات التعداد، أن البحرينيين يشكلون، في الواقع، أقلية في البلاد. وبعبارة أخرى، لماذا هو مهم جدا لبعض العلماء والصحافة والناشطين والجماهير على نطاق أوسع، تسليط الضوء على أن الشيعة هم أغلبية والسنة أقلية في بلد يمثل كلاهما الآن أقلية فيه؟

في الواقع، الوفاق والكتلة الشيعية التي يمثلونها، لا يعتبرون الكثير من الهنود والباكستانيين والفلبينيين، والسريلانكيين، ناهيك بالأميركيين والأوروبيين الذين أصبحت البحرين موطنهم، ومنهم حاصلون على الجنسية البحرينية ممن تشملهم فئة البحرينيين الفعليين من ثلاثمائة وخمسين ألفا من المغتربين الهنود الذين يعيشون في البحرين.

يشكل الهنود نسبة 44 في المائة من السكان، ثلثهم حاصل على الجنسية البحرينية. وعلى الرغم من هذه الأدلة الدامغة، فإن الوفاق لا تزال تتمسك بفكرة قديمة مفادها أن الشيعة يشكلون أغلبية، وهذا غير صحيح على الإطلاق.

الإحصاءات الديموغرافية التي ترد إلى المنح الدراسية والصحافة الدولية لا تعكس الواقع، ويتم إنتاجها باستخدام أساليب بحوث غريبة الأطوار، ونجحت فقط في استقطاب المجتمع المدني في البحرين. بالتأكيد، من المفيد التحقق من الخصائص الديموغرافية بشكل شامل ودقيق، واستيعابها في الخطابات السياسية الإقليمية، وسيظهر التحليل، بأن الزعم بأن البحرينيين الشيعة هم الأغلبية هو افتراض غير مثبت وغير علمي. «جيل فيلر (2012)، (العلاقات الهندية الاقتصادية مع إسرائيل والعرب)، دراسات الأمن في الشرق الأوسط والسياسة، 96، ص 27»

* الحقائق الديموغرافية في البحرين

* على النقيض من المغالطات التي تفترض أن الشيعة يمثلون غالبية المجتمع البحريني، هناك أدلة واضحة على أن البحرينيين الشيعة يتمتعون، نسبيا، بالمساواة في توزيع المنافع الاقتصادية في الكثير من القطاعات والصناعات الرئيسة في البلاد. لا يسعى هذا القسم لإثبات أن أيا من الشيعة أو السنة يشكل غالبية السكان. ويسعى، بدلا من ذلك، إلى إثبات أن الشيعة والسنة يمثلون في اقتصاد البحرين بالتساوي، مع استثناء وحيد هو الشركات الكبرى حيث غالبية من يملكونها هم من الشيعة، إذ إن نسبة ما يمتلكه السنة منها، هي 1.9 في المائة. والطريقة الوحيدة لتحديد ما إذا كان الشيعة أو السنة هما الأغلبية من الطائفتين، مع مجال صغير للخطأ، هي العودة إلى شهادات الزواج التي تصدرها المحاكم. هنا يجب مراعاة 3 نقاط من شأنها أن تقلل من مصداقية النتائج وهي:

1 - يلجأ الكثير من الشيعة إلى الزواج في المحاكم السنية، بسبب قبول الشق السني في قانون الأسرة الجديد، ورفض المحاكم الشيعية وكتلة الوفاق القانون نفسه كونه يمنح حريات أكبر للنساء.

2 - البحرين تعطي الحرية لأبناء جميع الديانات، وحتى للأشخاص الذين لا يدينون بدين معين، للزواج في المحاكم التي تتبع الدولة، وهنا تصدر شهادات زواج سواء كانت شيعية أو سنية لأناس لا ينتمون لأي من الفئتين.

3 - التحليل لا يشمل غير المتزوجين أو من هم خارج البحرين، وبذلك تكون الأعداد ناقصة ولا يمكن أن تكون النتيجة حتمية، ولكنها أقرب ما يكون إلى الواقع.

من خلال هذا البحث، تم التوصل إلى سلسلة من الملاحظات المثيرة للاهتمام، تدور حول الحجج الرئيسة التي تستخدمها الوفاق وغيرها لتبرير تصرفاتها، وتحديدا البطالة وادعاء التوزيع غير العادل للثروة والموارد.

جرى استقاء المعلومات بعد سلسلة من المقابلات تمت في المجلس الأعلى للمرأة، ومناقشة مع مستشار قانوني للمجلس، بين 25 - 30 يناير (كانون الثاني) و2 - 8 مارس (آذار) 2013.

ومن أجل تفنيد ودحض المزاعم القائلة بأن تمثيل المجتمع الشيعي في البحرين ناقص أو استبعدت منه عناصر متقدمة من الحياة الاقتصادية في البحرين، بحثنا في 4 مجالات رئيسة للاقتصاد البحريني: الحكومة (وقد تم اختيار 6 وزارات و5 منظمات على أساس عدد الموظفين)، والمناطق التخصصية ذات الدخل المرتفع (قطاع الصحة، المالية والمحاسبة، وتكنولوجيا المعلومات إلخ)، القطاع الخاص (تم اختيار الشركات الـ10 الأكثر نجاحا في البحرين)، والقطاع المصرفي (أكبر 5 بنوك للممتلكات الشخصية والمالية) بالإضافة إلى ذلك، تمت دراسة أكبر 10 شركات يمتلكها الشيعة في محاولة لإظهار التباين.

* الوزارات والمؤسسات الحكومية

* تم اختيار 6 وزارات حكومية و5 مؤسسات لفهم أفضل للانقسام الطائفي بين الشيعة والسنة البحرينيين في عدد الموظفين، وقد تم اختيار هذه الوزارات الحكومية على 3 معايير رئيسة هي:

أولا: أنها تعتبر من الوكالات الرئيسة للإدارة والتنمية الوطنية.

ثانيا: أنها وزارات توظف أكثر من 1000 شخص، ومؤسسات توظف أكثر من 300 شخص حتى يكون البحث أكثر عمقا.

ثالثا: لأسباب عملية، هي سهولة الوصول الواسع إلى المعلومات في هذه الوزارات والمؤسسات.

الوزارات التي تمت دراستها لغرض هذا البحث هي: التعليم، الصحة، الشؤون البلدية والتخطيط العمراني، والعدل والشؤون الإسلامية والأشغال والمالية. باستثناء وزارة المالية، فإن غالبية الموظفين البحرينيين في الوزارات الأخرى، هم من الذين تزوجوا في محاكم شيعية، وانتماؤهم المذهبي واضح للطائفة الشيعية، والنتائج التي أظهرتها الدراسة خرجت بأرقام مذهلة، على سبيل المثال: في وزارة التربية والتعليم، من مجموع 14536 موظفا، بلغ عدد الشيعة 9427 موظفا، والسنة 5109، مما أدى إلى تناسب 35.1 في المائة سنة و64.9 في المائة شيعة، والاختلال هنا واضح لصالح الموظفين الشيعة. الوضع الديموغرافي في وزارة الصحة أكثر إثارة للتعجب حيث إن الموظفين من الطائفة الشيعية يشكلون نسبة 83.4 في المائة من بين 7407 موظفين. أما في وزارة الشؤون البلدية والتخطيط العمراني، فإن الموظفين من الطائفة الشيعية يشكلون نسبة 75 في المائة، وفي وزارة الأشغال يشكل الموظفون من الطائفة الشيعية نسبة 72.1 في المائة. أما في وزارة العدل والشؤون الإسلامية، فإن الموظفين من الطائفة الشيعية يشكلون نسبة 51.7 في المائة، وليس هنالك سوى استثناء واحد، هو وزارة المالية حيث كان أغلب الموظفين من السنة بنسبة 79.1 في المائة.

كوصف عام للوزارات الـ6 التي تمت دراستها، فإنه من الدقيق الاستنتاج بأن نسبة الموظفين الشيعة بلغت 68.7 في المائة مقابل 31.3 من السنة.

المؤسسات الحكومية الخمسة تحت المجهر، أظهرت خللا طفيفا، وبعض الاختلال الأكثر حدة في بعض المنظمات. وبينما يتعذر شرح أسباب حدوث مثل هذه الاختلالات، فمن المؤكد أن كلا من الطائفتين ممثلين في الحكومة. على سبيل المثال: تمثيل الشيعة هو الأعلى في هيئة الكهرباء والماء، حيث لديهم 80 في المائة من الوظائف المتاحة، والأدنى في هيئة شؤون الإعلام بنسبة (22.8 في المائة) وفي الوقت نفسه، في جامعة البحرين التي توظف نحو 1400 شخص، هنالك نوع من التوازن، إذ تبلغ نسبة عدد الموظفين السنة 53.3 في المائة والشيعة 46.7. ومع ذلك، على الرغم من التمثيل الناقص في بعض المؤسسات، فإن الموظفين من الطائفة الشيعية لا يزالون يحافظون على وجود أكبر بنسبة 57.4 في المائة في الوزارات، ونسبة 42.6 في المائة من الوظائف المتاحة في الهيئات.

وبالنظر إلى المعلومات الواردة أعلاه، ونظرا لترجيح حدوث مثل هذه الحالات في الوزارات الأخرى، يخلص هذا التحليل إلى غياب التمييز المنهجي ضد الشيعة، من حيث العمالة وموظفي الخدمة المدنية في البحرين.

* تخصصات الدخل المرتفع

* بالإضافة إلى استكشاف الوزارات والمنظمات الحكومية، تطرق البحث أيضا إلى بعض التخصصات المهنية ذات الأجور المرتفعة. وهكذا تم اختيار عدد 17 من الصناعات والتخصصات من أجل تحديد ما إذا كانت التحيزات الطائفية في عملية التوظيف موجودة أم لا. والمجالات التي تمت دراستها هي التالية: إدارية، الموارد البشرية، التربية والتعليم والمالية والمحاسبة، والهندسة وتكنولوجيا المعلومات، والإعلام والسياحة والتفتيش ومراقبة الجودة، والسكرتارية، والعلوم اللينة، وعلم النفس (علم الاجتماع)، والتمريض، والطب، والصحة العامة، والمستحضرات الصيدلانية، والعلاج الطبيعي، والتغذية والطبية، وفنيي المختبرات، (بما في ذلك المناصب الإشرافية والتنفيذية، والفيزيائيون والكيميائيون والإحصائيون.

وفي حين تبين الدراسات التوزيع الطائفي الشامل بين هذه التخصصات ذات المرتبات العالية، من المهم ملاحظة أن الموظفين الشيعة هم الأكثر تمثيلا في قطاع الرعاية الصحية بنسبة (84.8 في المائة) في التمريض، وبنسبة (85.3 في المائة) في مجال الصحة العامة، بنسبة (85.3 في المائة) في وظائف فنيي المختبرات.

ومن مجمل عدد الموظفين البالغ عددها 23252 المشاركين، يخلص البحث إلى إظهار تمثيل الشيعة بنسبة 62.6 في المائة والسنة بنسبة 37.4 في المائة. ولذلك من الممكن القول بأنه لا يجري التمييز ضد الموظفين الشيعة في الوظائف ذات الدخل المرتفع في البحرين على الإطلاق.

* الخلاصة

* الديموغرافيا كحل:

* سوف يشير منتقدو هذا البحث بالتأكيد، إلى توزيع فرص العمل، باعتباره مؤشرا إلى أن السطر الأول من الحجج - أن الشيعة يشكلون الغالبية من السكان - هو أمر دقيق. ومع ذلك، فإن الاستدلال على أن القطاعات الرئيسة للاقتصاد، تحتفظ بأغلبية شيعية بين القوى العاملة، لا يعني انعكاسه على المجتمع الأكبر. على العكس من ذلك، تسعى مثل هذه الإحصاءات، كما بينا، إلى إظهار أن نظرية اليأس الاقتصادي وعدم التمكين هي أمر زائف.

بالإضافة إلى ذلك، إذا تم استخدام الديموغرافيا كأداة لنزع الشرعية عن هياكل الحكم في البحرين، قد يفيد البعض في قلب المناقشة رأسا على عقب، والجدل بأن الديموغرافيا قد تستخدم، في الواقع، كحل لمكافحة الهجمات ذات الدوافع السياسية ضد المجتمع المدني في البحرين، وخصوصا عند استخدام مختلف الحجج لتسييس السكان؛ وهي الحجج التي تشير إلى أن الحكومة البحرينية تحاول تغيير التوازن الديموغرافي من خلال دعوة العرب السنة والهنود والباكستانيين وغيرهم إلى البلاد، وتوفير وثائق التجنس لهم.

وعلى الرغم من التصوير المبالغ فيه، بأن المهاجرين هم مرتزقة يعملون لقمع الأغلبية الشيعية، فإن معظم المهاجرين إلى البحرين، خلال القرن الماضي، أبعد مما ينطبق عليهم وصف السنة المتعصبين الذين يسعون للقضاء على الشيعة في البلاد، وغالبا ما يكونون من ضمن المقهورين سياسيا أو المسحوقين اقتصاديا.

لقد توافدوا من جميع أنحاء العالم، من الفلبين، وكردستان، وإريتريا، والسودان، وتركيا، وأوروبا الغربية، والولايات المتحدة. وفي القرن الماضي، قدموا بشكل مطرد من الهند، وبنغلاديش، وباكستان، وسريلانكا، وبلوشستان ومن جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وعلى هذا الصعيد، هناك حاجة لوقفة تأمل، إذ تبين هجرة الفلسطينيين والسوريين إلى البحرين بوضوح، أن سياسة الهجرة لا يقصد بها تغيير الوضع الديموغرافي على الأرض - وقد أدركت حكومة البحرين، أن البحرينيين من الشيعة والسنة، هم الأقلية في البلاد - ولكنها تسعى لتوفير السلامة السياسية والفرص الاقتصادية لأولئك الذين هم في حاجة ماسة لها.

لم تكن البحرين تحاول العبث بخلل ديموغرافي وهمي؛ لم تذكر فكرة القيام بذلك في أي وثيقة سياسة عامة، وليس من المعقول الإشارة إلى أن قادة البحرين قاموا بالنظر في هذا الاحتمال. على العكس من ذلك، استجابت البحرين للأزمة الإنسانية التي تواجه الفلسطينيين. في هذه الحالة، ونظرا للأهمية المرتبطة بالقضية الفلسطينية في المجتمع الدولي، تدعي الوفاق والكتل السياسية الشيعية الأخرى أن حكومة البحرين تجلب المسلمين السنة إلى البلد لتشكيل أغلبية، من دون الإشارة إلى الفلسطينيين بالاسم، وهم إلى حد كبير، من المسلمين السنة. وسيكون من غير المعقول أبدا، أن تطالب الوفاق علنا بإرسال الفلسطينيين مرة أخرى إلى فلسطين، ويفترض أن يطعن الكثير من أتباعها في هذه النقطة. لذلك، بدلا من قبول حقيقة أن البحرين عملت، واقعيا، لمصلحة الفلسطينيين بمنحهم الجنسية البحرينية، فإن جمعية الوفاق تخفي تفاصيل القضية الفلسطينية في هجومها الواسع النطاق على القيادة في البحرين.

ويمكن قول الشيء نفسه بالنسبة للسوريين الذين تدفقوا إلى المملكة منذ عام 1981، في أعقاب تدمير حافظ الأسد مدينة حماة في سعيه لإنهاء أشهر من عنف الإخوان المسلمين ضد الدولة. وكان معظم، إن لم يكن كل، اللاجئين السوريين الذين تم منحهم حق اللجوء إلى البحرين - أصبحوا، في وقت لاحق، مواطنين مجنسين - هم من المدنيين الذين عانوا من ويلات حرب وحشية، ولم يأتوا إلى البحرين بناء على طلب من الحكومة. لقد كانوا لاجئين يبحثون عن الأمن والفرص الاقتصادية.

وظهر نمط مماثل منتصف مارس (آذار) 2011، عندما تحولت مظاهرات الإصلاح السياسي في سوريا إلى حرب أهلية؛ فقد قامت البحرين بمساعدة مئات من الناس على الاستقرار في المملكة. وكونهم من المسلمين السنة، لا صلة له بالموضوع، أو على الأقل لا ينبغي أن يكون له صلة.

سواء جرت مناقشة وضع الفلسطينيين أو السوريين أو غيرهم، لا يمكن للوفاق (وغيرها)، إلا تبني المنظور الطائفي، فكل شيء بالنسبة لهم، يعد هجمة شرسة ضدهم. وهذا ليست مجرد حالة طارئة من العداء الاجتماعي، إنها حالة مستديمة، تستلزم تسليط الضوء على هذا العصاب الجماعي، لكي يستنير أولئك الذين تعلموا قراءة السطور من دون التمعن في النص.

لا يزال مجتمع البحرين، نابضا بالحياة، يتمتع غالبية المواطنين فيه والمقيمين من كل الأطياف والجماعات العرقية والدينية واللغوية والاجتماعية والسياسية، بحرية التعبير والتجمع والعبادة، وتأسيس الجمعيات.

وأخيرا، من المهم أن نلاحظ أن معدل الهجرة من البحرين منخفض جدا؛ فالبحرينيون لا يميلون إلى مغادرة بلدهم.

لذلك، على عكس الفلسطينيين أو السوريين، البحرين ليس بلدا يتسم بالهجرة، حيث يشعر الناس، شيعة أو سنة، بالحاجة إلى بدء حياة جديدة في مكان آخر، على النقيض من ذلك، يفضل البحرينيون البقاء في البحرين، في السراء والضراء.

* د. ميتشل بيلفر، مؤسس ورئيس قسم العلاقات الدولية والدراسات الأوروبية في «جامعة ميتروبوليتان» في براغ، جمهورية التشيك، ورئيس تحرير نشرة الدراسات الدولية والأمنية «سي إي جي آي إس إس»