التمدد الإيراني في اليمن

علاقة إيران بجيرانها العرب.. ما بين التوتر والخصومة

تضخم التدخل الإيراني في اليمن بعد أحداث ثورة 11 فبراير 2011
TT

كشف الربيع العربي بمحطته السورية، عن حقيقتين مرتين عربيا، تتعلق الأولى بمدى التغلغل والنفوذ الإيرانيين في المنطقة العربية، المتكئ على ورقة التباين المذهبي والطائفي، فيما تتعلق الحقيقة الثانية بالغياب التام لمشروع عربي بأي شكل كان، يصد هذا السهم الإيراني المصوب للجرح العربي النازف، الذي ما لبث يندم من ثنائية الاستقطاب الآيديولوجي، ليقع فريسة لاستقطاب أكثر مرارة بعناوين طائفية مخيفة. فيمنيا لم تعد مسألة التدخل الإيراني المباشر في اليمن كغيره من البلدان العربية الأخرى، مسألة بحاجة للمعلومة فالتحليل والاستنتاج، فقد غدت ظاهرة بارزة للعيان، تضخمت بشكل كبير بعد ما بات يعرف بثورة 11 فبراير السلمية 2011م، التي تعد بمثابة نقطة البدء لبروز النفوذ الإيراني في اليمن من الخفاء إلى العلن، والذي أخذ بفعل متغيرات عدة يمنيا وعربيا، شكلا أكثر وضوحا لم يكن معهودا من قبل.

تبقى الحقيقة الأكثر مرارة اليوم، هو أن ما حصل ويحصل في لبنان وسوريا واليمن والبحرين وقبله في العراق، من نفوذ إيراني متعاظم لم يكن سوى نتيجة طبيعية وتحصيل حاصل، للفراغ الاستراتيجي الكبير الذي خلفه سقوط بغداد في أبريل (نيسان) 2003م وانهيار نظام صدام حسين، الذي كان بمثابة حائط الصد الأول في وجهة المشروع الإيراني للتمدد والسيطرة على العالم العربي، ليدرك عرب 2013م أنهم قد أكلوا يوم أكل الثور الأبيض في 2003 بسقوط بغداد.

عدا عن ذلك، فإن الفراغ الآخر والأكثر خطرا في المنطقة العربية، بعد سقوط بغداد، كان هو فراغ غياب وجود مشروع عربي ناظم للمنطقة العربية، مما سهل تمدد وحضور المشاريع الإقليمية المجاورة ممثلا بالمشروع الإيراني والتركي، وكذا المشروع الإسرائيلي ومحاولته المستميتة في طمس القضية الفلسطينية بتمزيق الحالة العربية طائفيا، بعد فشله آيديولوجيا.

اليمن وإيران.. العلاقات الرسمية رسميا لم يكن هناك أي علاقة قائمة بين اليمن وإيران حتى قيام الثورة الإسلامية الإيرانية 1979م، والتي ما لبثت أن دخلت في صراع مرير مع نظام حزب البعث العربي الحاكم حينها في بغداد بقيادة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين والذي كانت له علاقة على أعلى المستويات مع النظام السياسي الحاكم حينها شمالا في اليمن قبل إعلان الوحدة اليمنية في 22 مايو (أيار) 1990م.

وفي تلك الفترة وصلت العلاقات الثنائية بين نظامي بغداد وصنعاء إلى مستوى التحالف الاستراتيجي والتنسيق والشراكة بالحرب ضد جمهورية إيران في حرب الثماني سنوات 1980 - 1988م، والتي شاركت فيها اليمن بإرسال عشرة ألوية عسكرية للقتال إلى جانب الجيش العراقي، بحسب تصريح الرئيس السابق صالح لقناة «العربية» مؤخرا.

أما مبدأ تصدير الثورة الذي بدأت برفعه جمهورية الخميني الإسلامية مبكرا، فلم يكن له أي تأثير على المستوى الشعبي باستثناء بعض النخب «الشيعية» مما دفع بالإيرانيين إلى وضع استراتيجية خاصة لتصدير ثورتهم وذلك باستقطاب طلاب يمنيين للدراسة في الجامعات والحوزات والحسينيات الإيرانية في طهران ودمشق وبيروت على حد سواء طوال فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.

لكن الإشكالية التي وقفت أمام عدم نجاح هذه الفكرة بشكل كبير هي التباين المذهبي بين الحالتين الشيعيتين الزيدية يمنيا والاثنى عشرية إيرانيا، مما حد من التأثير الكبير لمبدأ تصدير الثورة الإيرانية، هذا عدا عن حالة العداء التي كانت حاصلة إيرانيا تجاه اليمن بنظامه السياسي الحاكم المساند حينها لخصمها اللدود نظام صدام حسين في بغداد.

وبإعلان الوحدة اليمنية في مايو 1990م، أدركت بعض الدول ومنها إيران أهمية هذا التحول الكبير في المشهد السياسي اليمني، فعملت على إعادة علاقتها وبقوة خلال تلك المرحلة، وهي المرحلة التي أثمرت اختراقات إيرانية عديدة للحالة المذهبية في اليمن، فعملت على تشكيل خلايا تبشيرية بالتشيع الاثنى عشري، وحاولت التقرب مع الحالة الشيعية الزيدية، من خلال عدد من الأنشطة، كدعوة عدد من ممثليها لزيارة طهران، تحت لافتات عدة كالمشاركة باحتفائية الثورة الإسلامية ومؤتمرات الصحوة الإسلامية وغيرها.

بيد أن اللافت في تلك المرحلة الجديدة في اليمن حينها بعد الوحدة، هو التحولات السياسية والثقافية الكبيرة المصاحبة لإعلان قيام الوحدة اليمنية التي تبنت التعددية السياسية والثقافية دستوريا، وهو ما أثمر عددا من الأحزاب والصحف والتيارات والجماعات، وعاشت اليمن فترة من أفضل فتراتها السياسية على مدى فترة انتقالية استمرت قرابة ثلاثة أعوام، انتهت بإجراء انتخابات أبريل 1993م، التي أدت للأسف لتفجر حرب صيف 1994م، التي مثلت انتكاسة كبرى للسياسة في اليمن.

وطول الفترة بين 1994م وحتى 2004م، كانت العلاقة اليمنية الإيرانية على مستوى جيد، تمكن الإيرانيون خلالها من التبشير المذهبي بشكل كبير، بواسطة كوادر شيعية عراقية ممن كانوا مقيمين في اليمن تحت ذريعة النزوح جراء الحصار الأممي المضروب على العراق حينها.

وكان ذلك التبشير على محورين، الأول التبشير بالاثنى عشرية، وكانت نتائجه غير مشجعة، فيما المحور الثاني وهو الأهم وذلك بإقامة علاقة جيدة مع رموز الزيدية الشيعية، التي أثمرت بعد ذلك ما بات يعرف بالظاهرة «الحوثية» التي فجرت في يونيو (حزيران) 2004م ست جولات من المواجهات المسلحة مع قوات النظام اليمني في محافظة صعدة الشمالية على التخوم الجنوبية للمملكة العربية السعودية.

وخلال الفترة الواقعة بين 2004م و2011م شابت العلاقات اليمنية الإيرانية نوعا من الفتور والتوجس والريبة، نتيجة للاتهامات اليمنية المتكررة، للحكومة الإيرانية بوقوفها وراء دعم وتشجيع جماعة الحوثي المتمردة، وظلت تلك الاتهامات دون أي إثبات مادي معلن حينها، فيما كانت تصر الحكومة الإيرانية على النفي القاطع، وهو النفي الذي كان يفسره الجانب اليمني بأن الدعم ليس رسميا وإنما يقدم للمتمردين الحوثيين من خلال المرجعيات الشيعية وحوزاتها الدينية في الخليج.

لكن التطور الخطير في مسار العلاقة الإيرانية اليمنية، هو التحول الحاصل بعد قيام الثورة الشبابية السلمية فبراير (شباط) 2011م، حيث ظهر جليا مدى حقيقة التوغل الإيراني في الحالة المذهبية، والاتكاء عليها في تموضع نفوذها، شمالا، وبتحالفات سياسية جنوبا.

فقد ظهر المشروع الإيراني، بتحالفات جديدة خارج إطار النمط المألوف مع الأقليات الشيعية، فقد مدت إيران خيوط تحالفاتها مع عدد من الشخصيات السياسية والواجهات الاجتماعية في عدد من المناطق اليمنية كتعز وغيرها من محافظات جنوب اليمن السنية، كما هو الحال لعلاقتها مع نائب الرئيس السابق علي سالم البيض المقيم حاليا في بيروت حيث محطته الفضائية «عدن لايف»، التي تبث بدعم إيراني من الضاحية الجنوبية.

* تعاظم نفوذ إيران في يمن ما بعد ثورة 2011

* ما يميز هذه المرحلة، هو الدور الإيراني المتعاظم وتمدد نفوذها على المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي، بفعل الغياب الكبير لأي مشروع أو دور مقابل عربيا وخليجيا تحديدا، فعلى مدى الشهور الأولى للثورة السلمية كان يعزف الإعلام الإيراني على أن هذه الثورة هي امتداد واستلهام طبيعي للثورة الإسلامية في طهران، ونزلت المجاميع الحوثية للساحات مشاركةً بالثورة السلمية.

لكن التحول المفاجئ، في موقف إيران وحلفائها من الثورة، كان بعد مجزرة جمعة الكرامة في مارس (آذار) 2011م، والانشقاق الكبير الذي أحدثه اللواء علي محسن الأحمر قائد المنطقة الشمالية الغربية حينها، عن نظام صالح، وتطورات الأحداث السياسية بعدها، ممثلا بما عُرف بالمبادرة الخليجية المعلنة في 3 أبريل 2011م، حيت غير الإعلام الإيراني وحلفاؤه من موقفهم تجاه الثورة، والانتقال مباشرة إلى مربع الثورة المضادة، بالتحالف غير المعلن مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح وبقايا نظامه.

تعاظم النفوذ الإيراني يزداد طرديا اليوم مع ضعف أداء الدولة اليمنية المكبلة بما بات يُعرف بالتوافق الوطني، الذي أملته المبادرة الخليجية، والذي مثل عائقا كبيرا أمام سرعة وجودة أداء الحكومة في هذه المرحلة وانزوائها عن المشهد الخدماتي والأمني والاقتصادي الذي يزداد سوءا.

لقد بات معروفا للجميع محاولة الرئيس السابق وأنصاره وحلفائه الجدد، والذين لا يزالون ممسكين بنصف الحكومة الحالية، عرقلة العملية السياسية بممارستهم التخريبية للمصالح العامة كالكهرباء وأنابيب النفط والغاز، وافتعال للفوضى الأمنية بحسب تقرير مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر لمجلس الأمن الدولي في 16/2/2013م والذي أشار أيضا إلى نائب صالح السابق علي سالم البيض، ودوره هو الأخير في عرقلة العملية السياسية، وكلاهما صالح والبيض باتا حليفين لإيران.

لا شك أن كل هذا ساعد المشروع الإيراني بتوسيع ساحة استقطاباته وتحالفاته داخل الخارطة السياسية اليمنية، في كل اتجاهاتها وأطرها شمالا وجنوبا، وتبلورت من هذا التمدد حالة أكثر شبها للحالة اللبنانية، التي يراد إعادة استنساخها يمنيا من خلال ما يحدث حاليا من دعم مالي وإعلامي وعسكري وتدريبي لكوادر وأفراد جماعة الحوثي، تجلى ذلك بشكل كبير من خلال فعالية دفن رفات زعيم الجماعة حسين بدر الدين الحوثي في 7/6/2013م، في مدينة صعدة، تلك الفعالية الاستعراضية التي ظهرت بها الجماعة كنسخة يمنية لحزب الله اللبناني باللباس العسكري لأفراد أمن الجماعة والبساط الأحمر الذي يمرون عليه وشعاراتها المرفوعة.

ما تقوم به إيران في شمال الشمال المتاخم للحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية هو نفس السيناريو وإن بعنوان ولون آخر، في جنوب اليمن حيث تدعم هناك بقوة الحراك الانفصالي الجنوبي بالمال والسلاح والإعلام والتدريب المتواصل لكوادر هذا الفصيل، في لبنان وطهران وغيرها من مناطق النفوذ الإيراني، كالعراق وسوريا.

خطورة المشروع الإيراني بالنسبة لما هو حاصل في اليمن، يكمن في توزيع الأدوار والتلون والتماهي مع كل مرحلة من مراحل العملية السياسية الحالية، فمثلما كانت إيران معارضة في العلن للحرب الأميركية على العراق في 2003م، كانت موافقة على تلك الحرب في الخفاء، من حيث سيطرتها على كل تفاصيل المشهد الأمني والسياسي والديني، لتظل هي حتى النهاية صاحبة القول الفصل في العراق، لسيطرتها على كل خيوط اللعبة هناك وهذا ما تحاول اليوم تكراره في يمن ما بعد ثورة فبراير السلمية.

يتجلى ذلك في موقفين متناقضين لإيران وحلفائها تجاه المرحلة السياسية الراهنة ففي أحدهما تقف وحلفاؤها معارضةً للمبادرة الخليجية، في حين أنهم جزء من مقتضياتها المتمثل بحكومة الوفاق والحوار الوطني، حيث إن حلفاءها ممثلين في الحكومة والحوار، وفي هذا لعب سياسي مكشوف لا يجيده سوى سادة الشطرنج في طهران، مستهدفين بذلك التمكين لنفوذها بكل الطرق والوسائل المتاحة وغير المتاحة السلمية وغير السلمية.

فعلى امتداد العامين الماضيين من الثورة، جندت إيران لمشروعها أمولا طائلة استطاعت من خلاها كسب ولاء الكثير من الأطراف، ودعمت بسخاء كبير الجهاز الإعلامي لمشروعها المتمثل بإطلاق عدد من القنوات الفضائية الموجهة، بالتزامن من إطلاق قناة الميادين، ومن مكان واحد في الضاحية الجنوبية من بيروت، حيث تم إطلاق قناة «المسيرة» التابعة لجماعة الحوثي، وقناة «الساحات» التابعة لمجموعة من الناشطين المحسوبين على اليسار، وكذا قناة «عدن لايف» التابعة للحراك الانفصالي.

عدا عن ذلك، يصدرون عددا من الصحف الأسبوعية التي تم إصدارها كـ«المسار» و«الديمقراطي»، و«الصمود» فيما هناك عدد آخر من الصحف تصدر في مدينة عدن باسم الحراك الانفصالي بقيادة علي سالم البيض.

لم يقف شره التمدد الإيراني عند المستوى السياسي والإعلامي فحسب، بل تعدى الأمر الدعم المالي والعسكري وشراء الولاءات بالمال والوعود، فعلى مدى أشهر مضت تمكنت الأجهزة الأمنية من إيقاف عدد من محاولات تهريب الأسلحة إلى اليمن، كما حصل لسفينة جيهان 2 الإيرانية التي تم إيقافها وتفريغ حمولتها في ميناء عدن وبحضور رئيس جهاز الأمن القومي، ووزير الداخلية، وخضعت حملة السفينة لفحص لجنة خاصة من الأمم المتحدة التي أكدت تورط إيران في الأمر.

ما بات يثير قلقا لدى المراقبين اليوم من التمدد الإيراني الكبير في اليمن، هو محاولة تكرار سيناريوهات خطيرة نفذت بالعراق كسلسلة الاغتيالات المتتالية لكوادر الجيش والأمن، التي حدث منها العديد من العمليات في صنعاء وعدن وكثر هذا السيناريو في حضرموت، ومعروف جيدا أن هذا الأسلوب معروف لدى المخابرات الإيرانية «الباسيج»، التي نفذت سلسلة عمليات اغتيالات لتصفية خصومها في كل من العراق ولبنان على مدى السنوات الماضية والتي يُعتبر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 2005م أبرزها.

* اليمن في الاستراتيجية الإيرانية

* تمثل اليمن البوابة الجنوبية للوطن العربي عموما والجزيرة العربية والخليج بشكل خاص، وتنبع أهمية اليمن من إطلالها على أهم ممرات الطاقة والتجارة العالمية ممثلا بمضيق باب المندب، الذي يمر خلاله ما يقارب 3.2 مليون برميل نفط يوميا.

ولا تغفل الاستراتيجية الإيرانية أيضا في نظرها لليمن كونها تمثل العمق الديموغرافي البديل والطبيعي للمجتمعات الخليجية التي باتت اليوم مؤشراتها الديموغرافية تنذر بالكارثة المحتملة، المتمثلة بالاختلال الديموغرافي الذي بات يتهددها لصالح عدوها الرئيس إيران وجالياتها الكبيرة في الخليج.

كما تنظر إيران لليمن أيضا بأنها البديل المحتمل والأنسب لمواجهة أي تطورات في المشهد السوري، قد تؤدي لسقوط نظام الأسد وتداعيات ذلك السقوط على النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان.

هادي في وجه المشروع الإيراني الرئيس عبد ربه منصور هادي المنتخب في 21 فبراير 2012م، بموجب المبادرة الخليجية، يدرك جيدا منذ لحظته الأولى في قمة هرم السلطة التوافقية أن ثمة خطرا حقيقيا من وراء تعاظم الدور الإيراني في اليمن، لذا لا يكل من التحذير من هذه المشروع، ففي إحدى خطاباته أمام حشد من قادة الجيش في الكلية الحربية في 29 سبتمبر (أيلول) 2012م قال بالحرف الواحد: «إن على إخوتنا في إيران أن يرفعوا أيديهم من التدخل في شؤون اليمن».

مثل هذا الموقف من إيران واتهامها بالتدخل بالشؤون اليمنية، تكرر من أكثر من مسؤول يمني، كمسؤول ملف الهيكلة في وزارة الداخلية اللواء الدكتور رياض القرشي، الذي قال: «إن السلاح الذي كان على متن السفينة جيهان كان متوجها للحوثيين» ورئيس جهاز الأمن القومي علي الأحمد، ووزير الداخلية ووزير الخارجية، وفي نفس هذا السياق جاء الإعلان عن الكشف عن خلية تجسس إيرانية وغيرها من الأدلة التي تؤكد حقيقة التدخل الإيراني كما جاء في تقرير لجنة مجلس الأمن الخاصة بفحص أسلحة السفينة جيهان 2.

ما يزيد الوضع تعقيدا أمام الرئيس هادي، هو عدم وجود موقف خليجي واضح المعالم وجاد تجاه الوضع اليمني الراهن وعدم الاستشعار المطلق لمدى التهديد الذي يترصد المنطقة برمتها، مهددا أمنها القومي، في حال نجحت إيران وحلفاؤها في إفشال الحوار الوطني ومن ثم العملية السياسية برمتها والتي ستؤدي باليمن إلى مصير أكثر سوءا من مصير الصومال والعراق الذي لم يعد سوى محافظة إيرانية تدار من طهران.

فما حدث مؤخرا أمام مبنى الأمن القومي، هو مؤشر مبكر وخطير على ذلك، لا يخرج عن هذا السياق، مؤكدا الدور الذي باتت تلعبه إيران في اليمن من خلال جماعاتها على الساحة اليمنية، حيث تم حشد مظاهرة كبيرة لأنصار جماعة الحوثي الممولة إيرانيا إلى أمام مبنى الأمن القومي، مطالبين بإطلاق سراح عدد من المتهمين بالتخابر مع إيران وكذا خلية التجسس التي تم القبض عليها قبل عام من الآن والمعتقلين في مبنى الأمن القومي. وبعد مواجهة دامية 9/6/2013م، راح ضحيتها 13 فردا من أنصار جماعة الحوثي، التي اتخذت من الحادث أداة للضغط والتصعيد على المستوى السياسي بتعليق مشاركتها في الحوار الوطني، وعلى مستوى الشارع بمزيد من المظاهرات، مطالبةً بالإفراج عن تلك العناصر المحتجزة، فما كان من الرئيس هادي بحسب بعض التقارير إلا أن رضخ لمطالب هذه الجماعة وإطلاق سراح معتقليها، في بادرة خطيرة، تؤكد مدى ما باتت تمثله هذه الجماعة من قوة ضغط بفعل تعاظم النفوذ الإيراني المساند لها بشبكة تحالفاته مع حزب صالح وبقايا نظامه.

وفي تطور لافت في موقف الرئيس هادي الغاضب من استمرار التدخلات الإيرانية في شؤون اليمن الداخلية واحتجاجا على ذلك رفض الرئيس هادي أن يستقبل سفير إيران لدى صنعاء محمود علي زاده بحسب صحيفة «الناس» اليمنية 16/6/2013م، حيث إن السفير زاده قد انتهت فترة عمله كسفير لبلاده وبروتوكوليا كان يفترض لقاءه برئيس الجمهورية واكتفى بلقاء وزير الخارجية، هذا عدا عن تسريبات تتحدث عن عدم موافقة الرئيس هادي على تعيين سفير جديد لطهران لدى صنعاء.

* أميركا والنفوذ الإيراني في اليمن

* يدرك المراقبون لسير عملية الصراع الأميركي - الإيراني في الشرق الأوسط، حقيقة أن ذلك الصراع لا يخرج عن كونه صراع نفوذ ومصالح، وليس صراعا آيديولوجيا عقائديا، بحسب ما يفضل الإيرانيون تقديمه من خلال شعاراتهم التضليلية للشارع البسيط، كالشعار الذي ترفعه جماعة الحوثي في اليمن: «الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام».

ولا شك أن أوضح مثال لحقيقة الصراع الأميركي الإيراني على المصالح ومناطق النفوذ هو ما دار على أرض العراق على مدى الفترة التي تلت سقوط بغداد 2003م وحتى اللحظة، حيث لم يجد الأميركان من بد أمام الحضور الكبير للنفوذ الإيراني في المشهد العراقي وإمساكها بكل ملفات الوضع العراقي الأمنية والسياسية والاقتصادية، من خلال أحزابها السياسية وميليشياتها المسلحة ومرجعياتها الدينية في كربلاء والنجف، وغيرها، لذا كان من الطبيعي حينها تلك الطريقة المهينة التي سلم بها الأميركان العراق لإيران على طبق من ذهب.

مؤشرات التوجه الأميركي للتعامل مع النفوذ الإيراني في اليمن كأمر واقع، باتت خطيرة وحاضرة بقوة، فكثيرا ما يتم الحديث عن ضغط السفير الأميركي لإضافة ناشطين محسوبين على جماعة الحوثي، كأعضاء في مؤتمر الحوار، فيما الضغط باتجاه حصر تمثيل قضية صعدة من قبل الحوثيين دون غيرهم، وإعطائهم عددا كبيرا من المقاعد في الحوار الوطني، مع أن قضية كصعدة متعددة الأطراف، وما الحوثيون فيها سوى طرف واحد ضمن كل الأطراف، فيما جرى حصر تمثيلها بهم دون غيرهم، فيما أبناء المحافظة الذين تم تهجيرهم من قبل هذه الجماعة، لم يتم تمثيل أي منهم في مؤتمر الحوار الوطني.

يصر دائما السفير الأميركي بصنعاء جيرالد فايرستاين في معرض حديثه أو إجاباته عن تساؤلات الصحافيين عن حقيقة الشعار الحوثي الموجه ضد الأميركان، فيرد بما يوحي أن ذلك الشعار، ليس فقط مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي بقوله: «نحن نتعامل مع الأفعال لا الأقوال»، مما يعني أن ذلك لا يشكل أي خطر على أميركا ومصالحها، من هذه الجماعة التي ترفع شعار «الموت لأميركا» وربما في هذا شيء من المنطق أميركيا، كون كل ضحايا هذه الجماعة هم يمنيون فقط.

* أجراس الخطر وسيناريوهات على الأرض

* بات أكثر وضوحا الآن حقيقة السيناريو الإيراني واضح المعالم لتطويق المنطقة العربية وتشكيل ما أطلق عليه الهلال الممتد من باكستان مرورا بإيران فالعراق فسوريا فلبنان، ومن ثم التوجه لإشعال فتيل الأقليات الشيعية في الخليج العربي، وما يجري حاليا في سوريا من تدخل إيراني سافر في القتال هناك بشكل مباشر من خلال ألوية الحرس الثوري أو غير مباشر من خلال قوات حزب الله ولواء أبو الفضل العباس العراقي، لهو دليل كاف على حقيقة ذلك السيناريو الإيراني المرسوم للمنطقة العربية.

أما يمنيا فقد بات واضحا أيضا أن المشروع الإيراني باتت له عناوينه الرئيسة التي تمثله وتعمل تحت غطائه كجماعة الحوثي وفصيل الحراك الجنوبي الانفصالي عدا عن تيار الرئيس السابق علي عبد الله صالح في المؤتمر الشعبي العام، الذي بات في تحالف واضح وغير معلن مع جماعة الحوثي، وإذا ما تم تحديد هذه الأطراف كحوامل للمشروع الإيراني في اليمن، يكون قد وضحت الرؤية للتعامل مع هذا الوضع ومتغيراته.

يحرص الخبراء والمهتمون بهذا الشأن، على أن تكون هناك خطة واستراتيجية واضحة للتعاطي مع هذا الوضع، بالنظر إلى تلك الأطراف المتحالفة مع إيران أنها جزء من مشروعها في المنطقة، التي باتت مهددةً برمتها بحرب طاحنة.

التعامل مع حلفاء المشروع الإيراني بجدية وحذر شديدين، ومن ثم اتخاذ موقف واضح وحازم حيال تلك الأطراف، التي تقدم نفسها للخليجيين كتيار الرئيس السابق صالح، على أنه حليف للأنظمة الخليجية في وجه الإخوان المسلمين في اليمن، فيما هو في حقيقة الأمر حليف غير معلن لإيران ومشروعها بتحالفه مع جماعة الحوثي ودعمه لنظام بشار وميليشيات حزب الله.