مغامرة حزب الله الكبرى تقوده إلى انتحار سياسي بطيء

بدد تاريخه في الهيمنة على السلطة والتدخل في سوريا.. و«مربعه» في الضاحية لم يعد آمنا

TT

أنشد الجمهور الذي احتشد في ملعب أزادي بطهران، لمشاهدة المباراة التي أقيمت في يونيو (حزيران) الماضي، بين لبنان وإيران، ضمن تصفيات كأس العالم لكرة القدم، التي ستقام في البرازيل العام المقبل: «لا لغزة، لا للبنان، حياتي هي لإيران فقط». لكن الرسالة البسيطة والواضحة، الموجهة إلى القيادة الإيرانية والمسؤولين الرسميين القلائل الذين حضروا المباراة، وصلت إلى لبنان أيضا، حين تم نقل المباراة مباشرة.

ترتبط التطورات السياسية في لبنان بالأحداث في إيران، منذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979. فقد ألهمت الرسالة الثورية الإيرانية آنذاك، التجمعات الشيعية، وعبأتها من الخليج إلى أفغانستان. لكنها وجدت شعبية خاصة بين شيعة لبنان الذين اعتبروا أنفسهم، تقليديا، ضحايا الاضطهاد والتمييز السياسي.

انشق الشيعة في لبنان، كما انشقوا في أماكن أخرى بالمنطقة، إلى مجموعات عدة، لكل منها تفسيره الديني الخاص.

على سبيل المثال، عانى مؤيدو حركة أمل، (أفواج المقاومة اللبنانية)، التي تكبدت خسائر فادحة في أوائل الحرب الأهلية اللبنانية، من الانقسام والتشدد. وقد تمردت إحدى مجموعاتهم المتشددة بقيادة رجال دين متعصبين، وأقامت في وادي البقاع، حيث استقبلت وفدا إيرانيا أرسله آية الله روح الله الخميني، ضم المئات من عناصر «الحرس الثوري»، وتعهدت تلك المجموعة بالولاء للوفد، وأسست، لاحقا، حزب الله، الذي أُعلن رسميا عام 1985.

لقد وجد حزب الله في إيران مصدرا مهما للدعم الآيديولوجي واللوجيستي، بينما أصبحت إيران صاحبة تأثير كبير على حزب بات، أخيرا، دولة ضمن الدولة اللبنانية، وربما فوقها، وبات لديها حليف قوي في قلب الصراع العربي - الإسرائيلي معاديا للمصالح الأميركية في المنطقة.

في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، بدأ حزب الله وإيران في التقارب مع سوريا، التي يقودها علويون، حول هدف طرد القوات الإسرائيلية من لبنان، والحفاظ على مصالح دمشق هناك.

وأصبحت سوريا الطريق الذي مررت إيران عبره دعمها لحزب الله. واليوم يمتد هذا الطريق من طهران إلى بيروت عبر دمشق. من وجهة نظر الرئيس السوري، بشار الأسد، والأمين العام الثالث لحزب الله، حسن نصر الله، تحولت هذه العلاقة الآيديولوجية الاستراتيجية، التي تثير مخاوف من يخشون ما يسمى بـ«الهلال الشيعي» إلى مسألة بقاء. وبينما دعمت دول الخليج، وكذلك أميركا وأوروبا، إلى حد ما، المعارضين السوريين لنظام الأسد، ساندت إيران وحزب الله الأسد عسكريا واقتصاديا، خوفا مما يترتب على خسارته الحرب من عواقب.

ولأشهر عدة، ظلت قيادة حزب الله ترفض تأكيد مشاركة قواته في القتال إلى جانب قوات الأسد. وظل حسن نصر الله ينفي تلك المشاركة، إلى أن قُتل قائد عمليات حزب الله في سوريا. وأقيمت له جنازة رمزية، وجرى التكتم على أسباب مقتله. لكنه اضطر، بعد معركة القصير، وهي معقل علوي يقع في مكان استراتيجي بين دمشق وساحل المتوسط، حيث تعرض مقاتلوه إلى إصابات كثيرة، إلى أن يعترف بما كان قد نُشر من قبل.

وقال في خطاب ساخن ألقاه في أواخر مايو (أيار): «هي معركتنا وأعدكم النصر. وسوف نتحمل المسؤوليات كاملة»، وأضاف مهددا: «إن سقطت سوريا سقطت فلسطين والضفة الغربية وغزة والقدس. سوف ندخل مرحلة مظلمة جدا». وهناك أسباب عدة لتبني حزب الله مأزق الأسد، وما يترتب عليه من مخاطر كبيرة على مستقبل الحزب، وعلى استقرار لبنان.

* أبعد من بقاء الحزب

* شكّل عام 1934 معلما تاريخيا في طريق لبنان إلى الاستقلال والتحرر من الهيمنة الفرنسية؛ إذ اتفق الموارنة بزعامة الرئيس بشارة الخوري، والسنة بزعامة رئيس الوزراء رياض الصلح، بصورة غير رسمية، على ميثاق وطني لتقاسم السلطة بين الطوائف. كفل الميثاق أن يكون الرئيس اللبناني مارونيا على الدوام، ورئيس الوزراء سنيا، بينما منحت رئاسة مجلس النواب (البرلمان) للشيعة، بالإضافة إلى أشياء أخرى اتُّفق عليها، مثل تقسيم مجلس الوزراء على مقاس الخارطة الطائفية. لقد احتفظت الرئاسة بالصلاحيات التنفيذية الحاسمة، لكنها لم تحظ بآليات تترجم مسؤولياتها.

وبالإضافة إلى ذلك، دعا الميثاق الطوائف المختلفة، إلى بذل جهدها في سبيل تحقيق سياسة خارجية مستقلة محايدة بعيدا عن التركيب الطائفي للبنان. وكان الهدف كبح التأثيرات الخارجية، ومواجهة حماس المسيحيين اللبنانيين لإقامة علاقة حميمة مع الغرب، وحماس المسلمين لعلاقات قوية مع حلفائهم في المنطقة.

لكن على الرغم مما بذل من جهد لإبعاد لبنان عن الضغوط الخارجية، فإن العروبة والصراع العربي - الإسرائيلي كانا حاضرين إلى حين اندلاع الحرب الأهلية في 1975. وجاءت الضربة القاضية لحياد السياسة الخارجية للبنان، مبكرة، مستبقة تلك الحرب بست سنوات، حين تم توقيع «اتفاق القاهرة»، الذي أعطى منظمة التحرير الفلسطينية، تفويضا بشن عمليات عسكرية ضد إسرائيل انطلاقا من الأراضي اللبنانية.

بعد 15 عاما من حرب أهلية مدمّرة وهجمات إسرائيلية وانسحابات، وبقاء القوات السورية لفترة طويلة، إلى أن وقع اغتيال رئيس الوزراء، رفيق الحريري، ظل لبنان رهينة لأشباح الماضي. مزّق دور حزب الله النشط في الصراع السوري «إعلان بعبدا»، الذي وقعه حزب الله والطوائف السياسية الأخرى في لبنان، في يونيو (حزيران) الماضي، وقضى بعدم التدخل في الصراع.

ومع أن حزب الله كان مدركا للعواقب الخطيرة المحتملة لتدخله في الأزمة السورية، على لبنان، إلا أنه قرر المشاركة الكاملة في الحرب. أكثر التفسيرات تداولا لقرار حزب الله، كان خوفه من خسارة الإمدادات الإيرانية في حال قيام حكومة غير حليفة له في سوريا.

غير أن قراءة مخاوف حزب الله هذه، لا تستقيم بمعزل عن التوترات الآيديولوجية والطائفية الأوسع في المنطقة، فهو لم يكن ليتخذ قراره دون الحصول على الضوء الأخضر من طهران. فانهيار محور بيروت - دمشق - طهران، سوف يفقد إيران حضورها في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وسيواجه العلويون والشيعة في سوريا، وفي المنطقة ككل مستقبلا كئيبا.

قالت فيرا يمين، وهي شخصية بارزة في تيار المردة (جزء من تحالف 8 آذار) لـ«الشرق الأوسط»، إن لمشاركة حزب الله في الحرب الدائرة في سوريا مفهوما سلبيا. إلا أنها أضافت: «اعتبرت تلك الأنشطة (دفاعية) وليست (تدخلا). فحزب الله لم يتخذ قراره دفاعا عن أضرحة دينية وحسب، بل عن لبنان في ظل الهجمات المتكررة عليه أيضا». ومن أجل «محور المقاومة كله», وذكّرت يمين بقول عبد الحليم خدام النائب السابق للرئيس السوري الذي هرب من البلاد عام 2005، من أن الجيش السوري الحر سوف يدخل إلى لبنان ويعزل حزب الله.

وبرأي يمين، فإن الأمر أكبر من قرارات حزب الله الاستراتيجية ومواقفه الآيديولوجية؛ فهو يتعلق بـ«تحالف عريض تمثله جبهة مقاومة»، تهدف إلى استعادة التوازن الدولي.

وتقول: «لو كانت المسألة آيديولوجية فقط، لما ضمت هذه الجبهة عددا من الدول العلمانية».

ورفض العميد السابق أمين حطيط اتهام حزب الله بالتدخل. وقال المراقب الموالي للحزب، لـ«الشرق الأوسط»: «إن الصراع فرض على الحزب طبقا للعقيدة. فهو إن لم يحارب أعداءه في سوريا اليوم، فسوف ينقلون إلى لبنان غدا. لذلك يعتقد الحزب أن تأثيره سيمنع أعداءه من قطع خطوطه الاستراتيجية مستقبلا».

ويعكس وجود آلاف السلفيين الجهاديين في سوريا الوجه الطائفي للصراع، ويثير مخاف مواطنين لبنانيين عاديين، عبّر بعضهم في حديث مع «الشرق الأوسط» عن شعوره بالتهديد.

وقال طالب مسيحي من الأشرفية، في شرق بيروت: «هناك تهديد سلفي في كل المنطقة كما شاهدنا. لذلك وجود حزب الله يعتبر ميزة»، ويعتقد لاجئ سوري أن السلفيين يعززون مصالح إسرائيل. ويقول إن «أفعال حزب الله عادلة وكريمة، و(عناصره) دافعوا عن بلادنا ضد العدو الصهيوني. المشاركة في سوريا ليست تأييدا لبشار الأسد وحسب، بل لكي لا يستولي الإرهابيون والصهيونيون على بلادنا الحبيبة».

ويتفق معه في قوله موظف شيعي في الحكومة في بيروت قال إن «العدو هو إسرائيل وعلى الشيعة وغيرهم أن يدركوا أن ما يفعله حزب الله هو دفاع عن بلادنا».

لكن آخرين اعتبروا دعم حزب الله لحكومة الأسد خطوة بعيدة عن مصالح لبنان الوطنية، وقد تتسبب في المزيد من العنف وعدم الاستقرار. تعتقد ممرضة سنية في مركز كليمنصو الصحي في بيروت، أن مشاركة قوات حزب الله، هي «للدفاع عن الأضرحة الشيعية في سوريا، وهي لا تعكس المصالح اللبنانية الوطنية، بل مصالح الشيعة»، وتضيف أن الانقسامات على أيدي النظام السوري كانت دائما قائمة في لبنان «لكن التدخل غريب».

وتعتقد ناشطة في مجال حقوق الإنسان أن أناسا مثل أحمد الأسير، (وهو رجل دين سني راديكالي مقره مسجد بلال بن رباح في صيدا بجنوب لبنان، ومن معارضي تصرفات حزب الله في سوريا)، يضخمون فكرة تهديد السلفيين في سوريا، وأنها لا تصدق بوجود تهديد سلفي في لبنان.

وتضيف: «حتى محافظو لبنان سوف يتجنبون هذا التشدد، وسيكون من الصعب على مجموعة سلفية أن تتغلغل».

ويجتاز متطرفون لبنانيون سنة الحدود، ليقاتلوا إلى جانب المعارضين للنظام السوري، غير أن حزب الله، هو المجموعة السياسية اللبنانية الوحيدة التي قررت دعم طرف في الصراع ضد الآخر. وبغض النظر عن الدوافع وراء قرار حزب الله، فقد أدت مشاركته في الحرب إلى زيادة التوتر السياسي في لبنان. ويوم الخميس الماضي، انفجرت سيارة مفخخة في بير العبيد (معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية)، وقتل أكثر من 20 شخصا وأصيب قرابة 100 آخرين بجروح.

وشهدت طرابلس، الواقعة في الشمال ويقطنها سنة معارضون لحزب الله، بالإضافة إلى مسيحيين، وكذلك أقلية علوية مؤيدة لبشار الأسد، أعنف اشتباكات في تاريخها الحديث. كما وقعت أحداث عنف بين مناصري حزب الله وأتباع الشيخ الأسير. وفي أواخر يونيو الماضي، اضطر الجيش اللبناني الذي يتهمه الأسير بالتواطؤ مع حزب الله وبالتغاضي عن تورطه في سوريا إلى التدخل، بعد أن قام أتباع الشيخ السلفي بالاعتداء على نقطة تفتيش عسكرية، مما أسفر عن مقتل اثنين من الضباط وجرح أربعة آخرين.

أما في مايو (أيار) الماضي، فقد أطلق مجهولون صواريخ عدة على مقرات حزب الله في بيروت. كما سقط أخيرا، المزيد من الصواريخ على معاقل حزب الله وحركة أمل الشيعية، وكذلك على أحد معسكرات الجيش اللبناني الواقعة داخل محيط أمن القصر الجمهوري.

في يوليو (تموز) الماضي، لقي محمد ضرار جمو، أحد مؤيدي الأسد البارزين، وكان كثير الظهور في برامج الحوار، وانتقاد المعارضة السورية، التي اعتاد اتهامها بالخيانة، مصرعه، إثر إطلاق النار عليه في منزله الواقع في مدينة صرفند على الساحل اللبناني.

بالإضافة إلى العنف المتصاعد وحالة عدم الاستقرار، فقد أسهمت موجات اللاجئين السوريين إلى لبنان (يقدر عددهم بحوالى 650 ألفا) في إحداث تراجع حاد في الاقتصاد اللبناني وتزايد في عجز الموازنة في البلاد.

حتى الآن، لا يزال امتداد الأزمة السورية إلى لبنان محدودا نسبيا، ذلك أن الندوب التي تركتها الحرب الأهلية لا تزال تذكر اللبنانيين بضرورة تجنب العودة إليها مرة أخرى مهما كلف الثمن. ومع ذلك فإن الآثار السياسية للتحالف القائم بين الأسد وحزب الله تنذر بما لا تحمد عقباه.

* انتحار سياسي

* في حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال صحافي لبناني: «يقولون إن عواقب تورط حزب الله تعتمد على نتائج الصراع السوري المرير، ولكن هذا ليس صحيحا، فتورط حزب الله يزيد من عمق الانقسامات الطائفية في كلا الاتجاهين، الانقسامات بين تحالف 8 آذار وتحالف 14 آذار، وبين المواليين للأسد والمعارضين له، والسنة والشيعة، والليبراليين والمحافظين. تورط حزب الله يعزز كل هذه الانقسامات».

ويرى مراقبون للمشهد السياسي اللبناني أن الخطوة التي أقدم عليها حزب الله تشكل لحظة فارقة في تراجع وضع الحزب المهيمن في لبنان. ويرى كثيرون من العرب أنها تحطم شعار الحزب كمقاوم لإسرائيل والإمبريالية والقمع، وتجعله في صورة ميليشيا مسلحة يتم توجيهها من طهران لدعم الديكتاتور الأسد المستعد لإحراق سوريا من أجل البقاء في السلطة.

ما يقوم به حزب الله ينتهك قرار الأمم المتحدة رقم 1701، الذي يدعو إلى نزع سلاح الجماعات المسلحة في لبنان كافة، ويؤكد على ضرورة ممارسة الحكومة اللبنانية سيادتها وسلطتها الكاملة على البلاد. وقد فرضت دول مجلس التعاون الخليجي عقوبات على حزب الله تستهدف أنشطته المالية والتجارية وتصاريح الإقامة لأعضائه، كما وضع الاتحاد الأوروبي الجناح العسكري لحزب الله على لائحة المنظمات الإرهابية.

لقد تسبب دعم حزب الله للأسد في تصاعد التوترات السياسية، التي قادت إلى استقالة رئيس الوزراء السني نجيب ميقاتي، في مارس (آذار) الماضي، في أعقاب خلاف بين مجلس الوزراء وحزب الله بشأن الانتخابات البرلمانية، وتمديد مدة عمل مسؤول أمني بارز. ودعا ميقاتي في حينها إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية لإنقاذ البلاد من «الحرائق الإقليمية والدولية.. والانقسامات الداخلية».

ومن جهته، وصف سعد الحريري رئيس وزراء لبنان السابق وزعيم تيار المستقبل، قرار حزب الله بالتورط في الصراع السوري بأنه «انتحار سياسي وعسكري».

وفي كلمته أثناء الاحتفال بعيد القوات المسلحة في الأول من أغسطس (آب)، انتقد الرئيس اللبناني ميشال سليمان، تورط حزب الله في سوريا. كما أشار إلى ضرورة «إعادة النظر في الاستراتيجية الدفاعية (في البلاد)، لا سيما بعد خروج سلاح المقاومة (سلاح حزب الله) إلى ما وراء الحدود اللبنانية»، والعمل على تقوية الجيش اللبناني.

وأشاد رئيس الوزراء السابق، فؤاد السنيورة، الذي يرأس تيار المستقبل، بتصريحات سليمان، في الوقت الذي قال المتحدث الرسمي باسم حزب الله إن تلك التصريحات تسكب الزيت على النار.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، ولكن هناك انتقادات من القاعدة الجماهيرية للحزب على هذه الخطوة. وفي يونيو (حزيران) الماضي، التقى وفد يمثل أسر مقاتلي حزب الله بمحمد يزبك، وهو عضو مجلس الشورى الذي يعد أعلى سلطة في الحزب، وبعث الوفد برسالة مفادها أنهم كانوا فخورين في الماضي لرؤية أولادهم يقاتلون ضد إسرائيل، لكن دفاع حزب الله عن حكومة الأسد «خطأ كبير ولا يحتمل»، ولن يؤدي إلى شيء سوى إلى زيادة الانقسامات الطائفية في لبنان.

وقد عبرت بعض الشخصيات الشيعية المعروفة داخل لبنان وخارجه، عن معارضتها الشديدة لوجود حزب الله في سوريا. ورفض آية الله العظمى علي السيستاني المقيم في العراق، ويتمتع بنفوذ كبير بين الشيعة في جميع أنحاء العالم، فكرة أن مشاركة الشيعة غير السوريين، في الصراع السوري، يمكن أن تكون مشروعة.

وفي مقابلة مع قناة «العربية» الإخبارية، أدان الأمين العام السابق لحزب الله صبحي الطفيلي، الذي انشق عن الحزب بعد وصفه له بأنه «معتدل للغاية» ومتساهل في تعامله مع الدولة اللبنانية، تدخل الحزب في سوريا، مشيرا إلى أن هذه الخطوة «أثارت العالم بأكمله»، وأن «مشروع حزب الله كحزب مقاوم يعمل على توحيد العالم الإسلامي قد سقط». وأضاف الطفيلي: «إنه لم يعد ذلك الحزب الذي يدافع عن الأمة الإسلامية، ولكنه أصبح وبالا على الأمة بدلا من ذلك».

ومنذ ثورة الأرز في مارس (آذار) 2005، أصبح تحالف 8 آذار وتحالف 14 آذار المسيطرَيْن على المشهد السياسي في لبنان. وقد ظهر كلا التحالفين في سياق مظاهرات حاشدة، أعقبت اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، مع سوريا وضدها.

وخلال الشهر الماضي، أعلن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري رسميا تفكيك تحالف 8 آذار. وعلى الرغم من أن التحالف لا يبدو وقد تم تفكيكه، فإنه تأثر كثيرا بالخلافات السياسة الداخلية، بمعنى تمديد الدورات البرلمانية، وتمديد ولاية قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي.

ومع ذلك، كانت التوترات بين حزب الله والتيار الوطني الحر، بزعامة الجنرال ميشال عون، الذي يحظى بدعم كبير من الطائفة المسيحية، مصدرا من مصادر الخلاف داخل التحالف.

في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، قال رامي الريس، المتحدث الرسمي باسم الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يتزعمه وليد جنبلاط، إن تورط حزب الله في سوريا أحدث تصدعا في تحالف 8 آذار، مشيرا إلى أن بري نفسه قال: «تأثر تحالف 8 آذار بذلك، على الرغم من الإعلان، في وقت سابق، بأن الخلاف يتعلق بالقضايا الداخلية، وليس بالقضايا الاستراتيجية». ومع ذلك، لم يشعر الريس بحدوث أي تحولات كبرى في الساحة السياسية اللبنانية.

وقال حطيط: «إنه لخطأ شائع أن نفترض أن تحالف 8 آذار قد تفكك، لأن التحالف لم يشمل التيار الوطني الحر، الذي لم ينزل إلى شارع رياض الصلح في 8 مارس (آذار) 2005، ليقول (شكرا سوريا)، مثل بقية الأطراف داخل التحالف».

وأشار حطيط إلى أن التيار الوطني الحر وحزب الله، وضعا تفاهما حول عشر نقاط «بما في ذلك مواضيع مثل مقاومة إسرائيل والحفاظ على المقاومة»، إلا أن التيار الوطني الحر لم يوافق مطلقا على كل مكونات التحالف.

وأضاف حطيط: «كل مكونات تحالف 8 آذار تدعم مشاركة حزب الله في الحرب السورية»، مشيرا إلى أن أي التباس حول ذلك قد تم توضيحه في وقت لاحق، من خلال «قبول التيار الوطني الحر لحق المقاومة في الدفاع عن النفس».

وعلاوة على ذلك، تتداخل التوترات بشأن دعم حزب الله للأسد مع جهود رئيس الوزراء المكلف، تمام سلام، الرامية لتشكيل حكومة جديدة، مما يزيد من الشكوك التي تحيط بالمستقبل السياسي في لبنان. وثمة محاولات من قبل بعض فصائل تحالف 14 آذار لعزل حزب الله، حيث دعا سمير جعجع، وهو زعيم حزب «القوات اللبنانية» اليميني المسيحي، وأحد فصائل تحالف 14 آذار، إلى استبعاد حزب الله من الحكومة في المستقبل، وذلك للحفاظ على مكانة لبنان الدولية.

وردا على ذلك، ادعى قادة التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل الشيعية أن استبعاد حزب الله من شأنه أن يزيد من عدم الاستقرار في البلاد.

وردا على سؤال حول تأثير تدخل حزب الله في سوريا على الجهود المبذولة لتشكيل الحكومة الجديدة، قال حطيط: «حزب الله ماض في دعوته للحوار، غير أن موقفه أصبح أكثر حزما بعد قرار الاتحاد الأوروبي» بوضع الجناح العسكري للحزب على قائمة المنظمات الإرهابية، لأن «ترك الحكومة سوف يبدو وكأنه استجابة أو دعم لهذا القرار».

من جهته، قال الريس: «ليس هناك أدنى شك في أن تدخل حزب الله في سوريا يزيد من صعوبة تشكيل الحكومة، على الرغم من أن المأزق لا يقتصر على ذلك فقط».

ويعني الموقف الرسمي لحزب الله تجاه الصراع السوري، استبعاد العودة إلى الوراء. وفي ظل استمرار النزاع وتفاقم التداعيات على لبنان، فإن احتمال قيام الشيعة بتحويل دعمهم لحركة أمل الشيعية سوف يزداد خلال المرحلة المقبلة.

وفي حديثه لصحيفة «الشرق الأوسط» في يونيو (حزيران) الماضي، قال الشيخ محمد الحاج حسن، الذي يترأس التيار الشيعي الحر (وهو فصيل من تحالف 14 آذار) إن أكثر من 300,000 شيعي لبناني يعارضون الخطوة المثيرة للجدل التي أقدم عليها حزب الله. ومع ذلك، يتمتع حزب الله بقاعدة دعم مخلصة للغاية. وردا على سؤال حول وجود انقسامات داخل حزب الله بسبب ضلوعه في الصراع السوري، قال الريس: «هناك احتمال بسيط للتغيير داخل الحزب، ومهما تكن التغيرات التي تحدث، لا يتم الإعلان عنها أو تسريبها».

وفيما يتعلق بانخفاض شعبية حزب الله بين الشيعة في لبنان، قال الريس، إنه «لا يمكنه أن يتخيل أن أيا من تصرفات حزب الله، سواء كانت داخلية أو خارجية، سيكون لها أي تأثير كبير على شعبية الحزب، لا سيما أنه يتمتع بدعم سياسي ومالي من إيران، مما يجعل قدراته أفضل بكثير من منافسيه». وأضاف الريس أنه لا يوجد ما يكفي من أواصر الوحدة بين الحركات الشيعية المستقلة لتوفير بديل، «الأمر الذي يجعل السواد الأعظم من السلطة في يد حزب الله وحركة أمل».

وقال حطيط: «يتم الترويج لحدوث انقسامات في الحزب، وهناك أشخاص يرغبون في ذلك، لكن طبيعة حزب الله وبنيته لا تسمحان بالانقسام». وأضاف حطيط: «بعد اتخاذ القرارات، يجب على الجميع الالتزام بها، ومن لا يفعل ذلك يتعين عليه ترك الحزب. في عام 2000، وهو عام التحرير، وصلت نسبة المواطنين الشيعة الذين يدعمون حزب الله إلى 40 في المائة. ولكن بعد مشاهد حرق الأحياء وصور قطع الرؤوس في سوريا، ارتفعت نسبة الشيعة المؤيدين لحزب الله، لأنه حزب المقاومة الوحيد، ولأنه يواجه خطر الإرهاب».

في عام 2009، روج البرنامج السياسي الجديد لحزب الله لاستعداده للاندماج بصورة أكبر في الدولة والمؤسسات اللبنانية. ومع استمرار الظروف الخارجية وتأثيرها بصورة أكبر على خيارات الحزب، تلاشت هذه الفكرة على أرض الواقع، وتم استبدال بها صورة من النضال من أجل التكيف مع البيئة المتغيرة والتوفيق بين آيديولوجية الحزب وحاجته إلى البراغماتية السياسية. ويبقى السؤال: هل أصبح حزب الله أقوى من كونه حركة مقاومة، أم أنه مستمر في كونه فصيلا متشددا للدرجة التي تجعله لا ينضم إلى الحكومة؟

* ساهم في كتابة التقرير نادين مكارم