روسيا لن تصدق مطلقا على قرار لمجلس الأمن بشن ضربة عسكرية ضد دمشق

عسكريان بريطانيان يتحدثان لـ «الشرق الأوسط» عن سوريا والدروس المستفادة من غزو العراق

اللواء البريطاني المتقاعد رودي بورتر (وسط) وتيم كروس (يمين) يتحدثان إلى «الشرق الأوسط» (خاص بـ«الشرق الأوسط» - جيمس حنا)
TT

جاء القرار الذي تبنته الولايات المتحدة بالرد على استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل النظام السوري بعد عامين ونصف العام من حرب أهلية وأخرى بالوكالة، أسفرتا عن سقوط 100 ألف قتيل، معظمهم من المدنيين، وكثير منهم من النساء والأطفال. وقد سبق تبني التصنيف نفسه للأسلحة غير القانونية كذريعة لغزو العراق عام 2003 واحتلاله. لكن بعد نحو عشرة أعوام لم يسفر استخدام تلك الأسلحة ضد المدنيين في ضواحي دمشق سوى عن حديث عن «هجمات تكتيكية فورية» ضد منشآت النظام السوري، فيما حافظت قوى إقليمية ودولية عدة على دعم عسكري ولوجيستي وسياسي فعلي لنظام الأسد، بل وعززته. وتعتبر روسيا وإيران وميليشيات حزب الله اللبناني من أبرز الأمثلة على ذلك الدعم وأشهرها.

وفي مواجهة ذلك، زودت دول الخليج العربي المعارضة المسلحة بالدعم، في محاولة منها للعمل كقوة مساندة لـ«حركة المقاومة». بالمقارنة، أظهرت دول غربية كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أكبر قدر من التردد في نشر قوات حفظ سلام. بل تم رفض تسليح الثوار السوريين في محاولة لتجنب تكرار «برنامج وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لتسليح المجاهدين» الذي يحمل اسم «عملية الإعصار» في أفغانستان عام 1980. وهذه العملية المخزية التي قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية، والتي تعود إلى عقد مضى، زودت المجاهدين بالأسلحة والتدريب، إذ حاولت الولايات المتحدة أن تصبح لها اليد الطولى على الاتحاد السوفياتي.

يعتبر رودي بورتر وتيم كروس، وهما لواءان في الجيش البريطاني تقاعدا مؤخرا، التقتهما «الشرق الأوسط» في مكان خاص، أن هذا التردد والتأجيل أمران محتومان تماما، بالنظر إلى العمليات العسكرية «خلال العقد أو العقدين الماضيين»، والتأثير اللاحق الذي أحدثاه على السياستين الخارجيتين البريطانية والأميركية.

إن الصورة التي رسمها اللواءان اللذان تحدثا باستفاضة خلال المقابلة تعكس وضع مجتمع دولي يعاني من شكوك عميقة، تتزعمه إدارة أميركية يحكمها للأسف، خطاب «الخط الأحمر». يقول بورتر «لقد تسرع البعض كثيرا في قولهم إن أسلحة كيماوية أو أسلحة دمار شامل تعتبر خطا أحمر، من دون معرفة ما قد يفعلونه حيالها إذا ما تم تجاوزها بالفعل». ويؤكد قائلا «لقد تم تجاوز تلك الخطوط الحمراء. لكنني لا أعتقد أن الأميركيين لديهم أي رغبة في أي نوع من التدخل، بالطبع ليس من جانب واحد. وليس لدي تصور كيف سيعالجون الأمر».

لقد جرى التأكيد على الحاجة إلى تحالف دولي و«شرعية» المجتمع الدولي، خلال الدعوة لتوجيه ضربة عسكرية، أما اليوم فقد أخلى التهديد باستخدام القوة المجال للدبلوماسية.

وفي شهادته خلال التحقيق الذي أجري حول حرب العراق عام 2009، وصف تيم كروس الاستعداد لبناء عراق ما بعد صدام - تم التخطيط له على مدى أشهر وأعوام - بأنه «هزيل بشكل محزن». أما خطط شن هجمات ضد النظام السوري فيبدو أن التخطيط لها جرى خلال أيام.

أما الجنرال رودي بورتر فقد حذر من الافتقار إلى صبر استراتيجي حيال توجه ما يحظى بفرصة حقيقية للنجاح.

وتحدث الجنرالان لـ«الشرق الأوسط» عن أسباب حرص الغرب على تجنب أي تورط في سوريا، على الرغم من الاستخدام الأخير لأسلحة كيماوية الذي تسبب في إدانة دولية واسعة وأودى بحياة 1300 شخص، ونقل 3600 شخص إلى المستشفيات للمعالجة، بحسب منظمة «أطباء بلا حدود».

تخرج تيم كروس، الذي تقاعد في عام 2007، في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في عام 1971، جنبا إلى جنب مع حاكم قطر السابق، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. ولفت نظر من هم أعلى منه مرتبة في كوسوفو، حيث تعامل مع أزمة إنسانية واسعة النطاق، ووجد نفسه «يبني مخيمات لاجئين للمسلمين الألبان في كوسوفو الذين كانوا يلوذون بالفرار من المسيحيين الأرثوذكس والصرب، ويديرها».

* العراق عام 2003

* يحظى الدور الذي لعبه الجنرال كروس في غزو العراق واحتلاله لاحقا باهتمام خاص، إذ يقدم دروسا قيمة لواقع سوريا ما بعد الحرب. عن ذلك الدور قال الجنرال كروس «لقد شاركت في هيئة التخطيط لما بعد الحرب في واشنطن، والتي أصبحت مكتب المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار، الذي تحول من ثم إلى (سلطة الائتلاف المؤقتة). ذهبت إلى بغداد في أبريل (نيسان)، بعد فترة وجيزة من انتهاء الغزو، وشاركت في جهود ما بعد الحرب المباشرة مع جاي غارنر». «شاهدت الأمر برمته يتخذ شكلا عشوائيا»، قال كروس معربا عن إحباطه من حقيقة أنه «لم تكن هناك أي خطة بديلة» لعراق ما بعد صدام. وفي أعقاب إقالة جاي غارنر من سلطة الائتلاف المؤقتة - وهو قرار يراه كروس «مخزيا» - أرسلت الإدارة الأميركية بول بريمر، وهو دبلوماسي أميركي، إلى بغداد. وهناك، حسبما يزعم الجنرال، تخلى «الحاكم» عن العمل الذي كان يقوم به هو وجاي غارنر، لإشراك القيادة السياسية الجديدة، قليلة الخبرة، في إدارة العراق.

يقول كروس «مع بريمر جاءت عملية اجتثاث حزب البعث، التي لا أعتقد أنه قام بها بشكل فوري، فقد جلبها معه من واشنطن. وقد تم جعل هذا الأمر قانونا في إطار الأمر رقم 1 الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة»، الذي حاول مخاطبة «التهديد الذي شكله استمرار شبكات حزب البعث وطاقم العاملين بها في إدارة العراق».

على الرغم من ذلك، فإن الأمر، الذي أدخله بريمر حيز التنفيذ يوم 16 مايو (أيار) عام 2003، حمل في متنه معنى تفكيك الهيكل الكامل للجيش العراقي السابق، وتمت إقالة أعضائه - الذين لديهم معلومات عن التجهيزات العسكرية ومخابئ الأسلحة - من مناصبهم، وحرمانهم من معاشات التقاعد.

يسترجع كروس قائلا إن «إرسال الجيش إلى أرض الوطن كان موقفا ساذجا بشكل ملحوظ». حرفيا، اتصل الناس هاتفيا برفاقهم في الفرق القتالية وقالوا «حسنا، أين بنادق الكلاشنيكوف؟ علينا أن نقف ونبدأ في كسب عيشنا نظرا لأنه ليس ثمة سبيل آخر للبقاء على قيد الحياة». و«كان ثالث ما فعله بريمر هو أنه وحد القيادة السياسية التي أمضى غارنر وقتا طويلا في الحديث إليها - وكنت جزءا من تلك العملية - وقال لهم (نحن لا نسلم لكم السلطة، سوف أدير هذه الدولة خلال العام المقبل، سأكون حاكم العراق، ولن ينتهي بكم الأمر إلى الاعتناء بأمر هذه الدولة)».

وواصل قائلا «كانت هذه بحق لطمة قوية لهم في ما يتعلق بمطامحهم السياسية». وأضاف «حين قال بريمر هذا لم يكن في وضع يسمح له بإدارة المكان. ومن ثم، خلق حالة التمرد، وقضى على أي نوع من الظهور الداخلي لنظام ديمقراطي - مع الضعف الذي يحتمل أن يكون عليه. ومن ثم كنت منتقدا له طوال الوقت، وما زلت كذلك. لكن، بالعودة إلى نقطتي السابقة، لم تكن هناك (خطة بديلة)، يحاول الناس إعدادها بشكل مستمر.. كانت مجرد وسيلة غير مجدية للقيام بالأشياء».

ويؤكد الجنرالان بورتر وكروس على أن هذه القرارات بالذات هي التي أتاحت تشكيل ميليشيات متعددة وبداية حالة تمرد ضخمة، وألقت بظلالها على العراق حتى اليوم. وهي تشير إلى أن الدرس الأساسي المستفاد، بالنسبة للدول التي تمر بمرحلة انتقالية - مصر وليبيا واليمن، وربما سوريا - هو تضمين كل عناصر المجتمع. وبصرف النظر عن مدى الصعوبة التي ربما يبدو عليها هذا، فإنه يشمل «عناصر النظام السابق». وأوضح الجنرال بورتر كيف كان ممكنا عام 2008 استغلال المسؤولين العسكريين العراقيين السابقين بشكل جيد بحق.

* المصالحة

* يتحدث اللواء رودي بورتر كيف أنه في عام 2008، خلال ذروة أحداث العنف تلك «عمل لحساب القائد العام والسفير الأميركي - الجنرال راي أوديرنو والسفير ريان كروكر - في إدارة خلية عسكرية - مدنية أميركية بريطانية صغيرة، كانت تسعى بفعالية للمصالحة بين ميليشيات الشيعة والسنة».

ويشرح الصعوبات الشخصية بالنسبة لهؤلاء المعنيين بالمصالحة الوطنية في أي نزاع، مستشهدا بتجربته مع اتفاقية «الجمعة العظيمة» - إطار سياسي لتحقيق السلام في شمال آيرلندا «كنا سنشجع على مشاركة قسم من السلطة مع أناس أدركنا أنهم قتلوا أطفالنا وجنودنا. في تلك المرحلة لم يكن بمقدوري هضم ذلك - على المستويين الشخصي والخاص - كمبادرة تحمل أي مغزى بالنسبة لي، وفي الوقت الذي عدت فيه كقائد لواء في عام 2003، كنت قادرا على تحقيق تقدم على المستوى الشخصي، ونظرت لتلك العملية باعتبارها الوسيلة الوحيدة للمضي بالمشكلة قدما».

وبعد مرور خمس سنوات تعين عليه محاولة التوسط بين الميليشيات الطائفية. ويعتبر التسامح والمصالحة، اللذان يحدثهما هذا، أقوى عنصرين لتحقيق الأمن والاستقرار والحكم الذي يكفل بناء الأمة. لكنهما الأصعب في التحقق.

يتحدث بورتر عن اضطراره للسفر في أنحاء عديدة في العالم «من أجل التعرف على الدور الذي ربما كانت بعض عناصر النظام السابق قادرة على أن تلعبه في العراق الجديد. كانوا أناسا على درجة جيدة جدا من الثقافة، ويتمتعون بقدرات هائلة، وخلفوا وراءهم سيرة مهنية كاملة في الجيش». في ذلك الوقت «كان ما يحتاجه العراقيون هو الاستقرار، ولم يكن بحاجة إلى تجريب، أو إلى محاولة فرض ديمقراطية ليبرالية وتطبيق اقتصاد سوق». ومن ثم، كان من الممكن أن توظف «عناصر النظام السابق»، ما لم تكن تتحكم في الجيش العراقي الجديد - لأنه ربما كان ذلك يتجاوز حدود المنطقة الحصينة للحكومة الشيعية، أن تمتلك أفرادا من السنة، كانوا في السابق أعضاء رفيعي المستوى بحزب البعث، يشغلون مناصب على مستوى الفيالق والفرق العسكرية - لكنهم يقدمون عمليا إرشادات حول كيفية تدريب وتجهيز وإدارة ما كان يعد بالأساس جيشا جديدا تماما».

شرح الجنرال السابق كيف وجد هو وفريقه «ضباطا سابقين برتبة عقيد وعميد في الجيش العراقي يقودون سيارات أجرة في مصر والأردن، لأنها الطريقة الوحيدة التي يمكنهم من خلالها كسب قوت يومهم. لكنه قال، مبديا بارقة أمل كانت تحدوه من قبل «كثيرون كانوا يقولون الشيء نفسه، إنهم يروق لهم لعب دور في العراق الجديد، وإن لديهم الكثير ليقدموه. وعرضنا هو: دعونا نأت ونتحدث إليكم، الأميركيين والعراقيين، حول هذا الأمر».

وعلى الرغم من ذلك فقد يثبت أنه كان طريقا مسدودا، مثلما أوضح بورتر «لم يكن الأميركيون شديدي الحرص لأنهم أدركوا ما سيكون عليه رد الفعل العراقي - كان رد الفعل العراقي هو (مستحيل). وفعليا، كان إدراج أفراد الجيش السابقين على لائحة قانون معاشات التقاعد الجديد أحد الأمور التي تمكنا من تحقيقها، وأبعد ما وصل إليه الأمر».

غير أن كلا من الجنرالين عرض قصة نجاح مصالحة في الشرق الأوسط. وعلق تيم كروس منتقلا إلى حكومة إقليم كردستان شبه المستقل «لم يكن طالباني وبرزاني أفضل الرفاق، كانت الخلافات بينهما خطيرة جدا. لكن، لأجل الصالح العام في المنطقة الكردية، كانا قادرين على أن يتصالحا معا، وظلا معا بشكل جيد جدا. لذلك، فإن كل شيء متاح.. ففي نهاية المطاف ينبغي على غالبية السكان أن تقول (كفى)».

ينطبق مفهوم المصالحة أيضا على علاقات العراق الخارجية. يقول بورتر «كانت هناك فرصة للتخفيف من حدة المشكلات بين الشيعة والسنة بشكل هائل، أو على الأقل إعادتها إلى وضعها السابق. وكان هذا متعلقا بأسلوب المالكي تجاه مجلس التعاون الخليجي، لنقُل بعد عام 2007 على الفور، حين تم انتخابه رئيسا للوزراء. أعتقد صادقا أنه أضاع ذلك. كانت هناك فرصة متاحة لمد الحوار مع مجلس التعاون الخليجي، خاصة مع السعودية. أعتقد أن تلك الدول - السعودية والكويت، وغيرهما - كانت في انتظار بدء نوع ما من الحوار. وأعتقد أنه ربما شهد المرء بعض التقدم في ما يتعلق بالتعاون الاقتصادي والتنمية، الأمر الذي كان ليفضي إلى تخفيف حدة التوترات، وربما توفير مكان أصيل في الشرق الأوسط للعراق خلال السنوات المقبلة. لكن تركيز المالكي، عموما كان منصبا على العلاقة مع إيران».

تقاعد الجنرال بورتر عام 2011، بعد مسيرة مهنية شهدت مشاركته في حربي العراق والبوسنة عامي 1994 و1995. وهناك، سعى لإتاحة إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية - حجر زاوية للسياسة الخارجية لرئيس الوزراء توني بلير في ذلك الموضع. قال متذكرا تلك الفترة في البوسنة «أعتقد أن المجتمع الإسلامي شعر في ذلك الوقت بأن المجتمع الدولي خذله. التقيت العديد من الساسة والأئمة في البوسنة ممن شعروا بأن الأمم المتحدة قد خذلتهم. لا يمكن القول بأن هذا الشعور انتشر في الشرق الأوسط، لكني أعتقد أن المنطقة شهدت توترا».

* سوريا وتاريخ التدخل

* «هناك قوة محركة مثيرة جدا دفع بها بلير في 1991 في كوسوفو»، حسبما يروي الجنرال بورتر. ويقول «في بعض الأحيان يتفوق الدافع الأخلاقي للتدخل على التصديق القانوني عليه. لم يكن هناك قرار بالتدخل في كوسوفو، ولو حاولوا لآل بهم الآمر إلى الفشل. غير أن الحجة الأخلاقية، التي قبلتها غالبية الأطراف، إن لم يكن كلها، كانت هي أن التدخل لا يتطلب قرارا - كان من الضروري فقط القيام به».

«ومع العراق في عام 2003، كان بوش مؤيدا بشدة لهذا الرأي. إذا استمعت لخطاباته من عام 2001 فصاعدا تجد أنها اتخذت خطا أخلاقيا ينص على حتمية التدخل: لا يمكننا أن نقف موقف المتفرجين وندع هذا الديكتاتور يمضي في مسلكه. من ثم، تظهر قضية أخلاقية، وفيها يكون من الصعب تشكيل قضية قانونية»، على حد قوله، مستخلصا أن هناك «جدالا نظريا يجب وضعه في سياق سوريا والمناطق الأخرى».

وكرر الجنرال تيم كروس قائلا «لم يصدر قرار عن الأمم المتحدة بشأن كوسوفو، لكنه كان الإجراء الصائب اللازم اتخاذه. لم يكن قانونيا، لكنه كان مشروعا. بالطبع، لن يكون التدخل في سوريا قانونيا، لأن الروس لن يصدقوا مطلقا على قرار مجلس الأمن». في واقع الأمر، كثير من المحللين والمعلقين عبروا عن اعتقادهم أن شن هجوم على نظام الأسد لا يخلعه من السلطة، ولن يفعل سوى زيادة الدعم المقدم له.

وهناك خطر يتمثل في تكرار «الخطة الأولى» الفاشلة من غزو العراق عام 2003، والتي بحسب الجنرال كروس افترضت أن «الشعب العراقي سيشعر بالسعادة الجمة بالتحرر، إلى حد أنه سيغدق علينا سيلا من الاستحسان، وسوف نعود إلى أرض الوطن». علاوة على ذلك، إذا ما أدى هجوم إلى هزيمة عسكرية للأسد، فإنه لا يضمن الاستقرار - بالطبع - من دون إجراءات ملائمة لحكومة مؤقتة لما بعد النزاع.

وأشار الجنرال كروس قائلا «لقد ولت أيام رفع العلم وإعلان الانتصار - كما في ألمانيا في عام 1945 - منذ فترة طويلة. في الأغلب الأعم، لا نعلن الحرب من خلال هذه الأشكال من نشر الجنود».

لم يترك هذا سوى قليل من الخيارات الأخرى. بدلا من سياسات «عدم التدخل»، اقتصرت هذه الخيارات على منح المساعدات الإنسانية، أو الإمداد بالأسلحة والتدريب على نطاق واسع، وهو قرار رفضه مسؤولون بريطانيون وأميركيون.

وتساءل كروس «هل تقومون بتسليح الثوار؟ إذن، من هم هؤلاء الثوار؟ وما نوع الأسلحة التي تسلحونهم بها؟». «لو كان هناك درس مستفاد من أفغانستان والمناطق الأخرى، فهو أن تسريب تلك الأسلحة سيتم. من ثم، فإنني لست مندهشا من أننا عالقون في هذه المعضلة»، هذا ما يقوله وهو يومئ في إشارة إلى برنامج عملية الإعصار. ويواصل «بكل صراحة، شعرت بذلك في هذا الوقت فعلا، ليس ارتباطا بالأحداث الماضية والتأمل فيها وحسب، بل لاعتقادي أيضا أننا دفعنا بالنظام في سوريا إلى موقف محرج بسرعة فائقة وسهولة شديدة، نظرا لعدم تعلمه من الدروس المستقاة من تجربتنا مع صدام وميلوسوفيتش وفي أفغانستان».

«ينتهي الأمر بالأسد إلى وضع نفسه في هذا الموقف المحرج. وبسرعة شديدة سنجد الجميع يقول إنه على الأسد الرحيل. هذا النوع من القادة (الأسد)، لا يقول في تلك الحالة: (حسنا، حسنا.. سوف أرحل). بل يضع نفسه في مأزق، ويخرج للقتال مع جيش يستمر في دعمه - وهو يفعل ذلك حقا، على عكس الجيش العراقي، الذي انهار في غضون ساعات، خلال حملة الخليج الأولى، وبسرعة فائقة في الحملة الثانية. هذا (الجيش السوري)، جيش قوي جدا»، هذا ما يقوله كروس مستندا إلى معلومات مسؤول أمضى حياته المهنية في تحليل التهديدات الأجنبية.

ويضيف «طالما شعرت بأننا دفعنا به إلى موقف عصيب بسرعة شديدة، ولا أتفق شخصيا مع كثير من التصريحات التي كانت تصدر عن مكتب الخارجية البريطانية – وحقيقة الصادرة عن جهات أخرى».

ثمة تناقض في ما يتعلق بالاستعداد لتقديم المساعدة في ليبيا والتردد إزاء سوريا. ضمن التدخل في ليبيا فرض منطقة حظر جوي لا تقدر بثمن. في الشرق، من شأن هذا أن يجعل الميزان يميل لصالح الثوار السوريين، إضافة إلى منع وقوع المزيد من الإصابات بين المدنيين. في حقيقة الأمر، يوضح تقرير صادر في وقت سابق من هذا العام، من قبل منظمة «هيومان رايتس ووتش»، كيف تم قتل 4300 مدني سوري نتيجة غارات النظام الجوية، في فترة الأشهر الثمانية بين نهاية يوليو (تموز) 2012، و22 مارس (آذار) 2013.

إلا أن اللاعبين الإقليميين والدوليين راقبوا استنزاف النزاع السوري للأمة والمنطقة، وعلى نحو متزايد العالم الخارجي. وأكد الجنرال تيم كروس قائلا «لو كانت سوريا قد ظهرت من قبل لشهدنا رد فعل مختلفا تماما» إزاء الأزمة السورية. وواصل، مقارنا الموقفين من منظور عسكري «من السهل نسبيا فرض منطقة حظر جوي في ليبيا. ليبيا عبارة عن شريط ساحلي - نحن فقط بحاجة للرجوع إلى الحملات من عام 1941 إلى 1944 عبر الشريط، بينما يتقدمون ويتراجعون. لا يوجد عمق لهذا. إنها منطقة قريبة من البحر. يمكنك القيام بالأشياء في ليبيا بسهولة نسبيا. سوريا مختلفة تماما. إنها كبيرة وقوية، ولديها كثير من المعدات - إمكانات دفاع جوي حديثة - والوصول إليها ليس بالأمر الهين. إن إنشاء منطقة حظر جوي أمر صعب جدا. لن أقول مستحيلا، لكنه بالغ الصعوبة».

* سوريا والمجتمع الدولي

* واستمرارا للحديث عن الجانب الدولي للنزاع، أقر الجنرال بورتر بـ«مدى حساسية المنطقة بأسرها للاضطراب في دولة أو أخرى». وطالما اهتم المحللون والخبراء بما يعرف بالتأثير الجانبي. فعبر الخطاب الطائفي، والصلات القبلية والأسرية التي تمتد عبر الحدود، والعلاقات السياسية المتأصلة، أثرت سوريا على الأحداث في لبنان. وينطبق هذا على وجه الخصوص على أماكن مثل طرابلس، حيث وصل العنف الطائفي إلى أبعد مدى منذ الحرب الأهلية المستمرة منذ 18 عاما في الدولة والتي مزقت نسيج المجتمع.

إن النزاع في سوريا «قد أثر على الوضع السياسي والعسكري في تركيا وفي إسرائيل وفي لبنان وفي إيران والعراق»، حسبما يشرح. ويضيف «بالطبع، العراق، حسبما أعتقد، قضية محورية، لأسباب ليس أهمها أن ملايين اللاجئين قد شقوا طريقهم إليه، وإنما أيضا بسبب المشكلة بين الشيعة والسنة. هناك، لديك حكومة شيعية في بغداد، وهي، إن شئنا الصراحة، عازمة على ألا يتشارك السنة السلطة، مجددا، مع السواد الأعظم من الطبقة الوسطى السنية، والفئة المقاتلة التي تم نفيها إلى أماكن مثل مصر وسوريا، ممن يتوقون إلى العودة تحت ستار ما، بسبب الدعم الضخم لدولة العراق الإسلامية.. ومن ثم، لدى السنة القدرة على إلحاق قدر كبير من الضرر بالعراق. وقد امتد هذا على نطاق واسع ليؤثر على الاستقرار هناك».

لكن فيما تمثل سوريا الآن شأنا دوليا مباشرا، يشعر الجنرال كروس بأن القضايا الإقليمية - مثل النزاع في الشرق الأوسط - تتطلب لمسة أكثر إقليمية.