الإخوان دخلوا «حارة سد» ويغوصون في رمال متحركة

تورطهم المثبت في العنف يهدد مستقبل جماعتهم بعد مطاردتهم دوليا

TT

قال الدكتور محمد حبيب، النائب السابق للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، لـ«الشرق الأوسط»، إن الإخوان المسلمين دخلوا في «حارة سد» على الصعيدين الداخلي والخارجي، لأن من فشلوا في حكم مصر هم أنفسهم من يديرون قضيتهم اليوم، وكان مفترضا تغيير هذه القيادة مباشرة، إلا أن إصرارهم على الاستمرار يؤدي إلى مزيد من الفشل، ولا أتوقع للجماعة أي نجاح، لأنها تقود القضية بالعقلية والاستراتيجية الفاشلة نفسها، ومن ثم فالتغير الحادث لهم سيكون للأسوأ.

وفي تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، أيضا، أكد عبد الرؤوف الريدي، سفير مصر السابق في واشنطن والرئيس الشرفي للمجلس المصري للشؤون الخارجية، حدوث تغيير تدريجي في الموقف الأميركي تجاه الإخوان، وأنهم أصبحوا كمن يغرق في رمال متحركة كلما ارتكبوا عنفا تركوا أثرا عكسيا أكثر سوءا.

قبيل إجراء مرحلة التصويت الخاصة بالمغتربين المصريين في الانتخابات الرئاسية المصرية بأيام، ظهرت انشقاقات في صفوف جماعة الإخوان، بخروج أصوات حاولت الظهور بموقف أكثر مرونة تجاه العملية الانتخابية، في محاولة اعتبرت مناورة لكسب أصوات في الانتخابات البرلمانية المقبلة. وجاء هذا الموقف مواكبا للإعلان عما أطلق عليه وثيقة بروكسل، التي اعتبرها البعض، وراء شق صفوف مؤيدي الرئيس المعزول. كما اعتبرت ورقة يحاول الإخوان اللعب بها لكسب التعاطف الدولي من جديد، بعد تعرضهم، أخيرا، لمطاردات قانونية وأمنية، ومواجهتهم لقرارات حظر من قبل دول عربية وغربية كثيرة.

وكانت الفترة الأخيرة، شهدت تحولا كبيرا في الموقف الدولي من جماعة الإخوان المسلمين وتنظيمها الدولي. وهذا ما بدا واضحا في صدور قرارات خاصة بتعقبهم أو حظرهم أو وضع نشاطهم رهن التحقيق القانوني في الكثير من دول العالم، لا سيما الدول الغربية المعروفة بنشاط الجماعة المكثف على أراضيها، مثل بريطانيا وأميركا، الأمر الذي اعتبره خبراء بمثابة حصار خانق للجماعة، ويخلق أزمة غير مسبوقة في تاريخها تجعل مستقبلها على المحك وتهددها بالزوال.

هذا التحول في الموقف الدولي، جاء في أعقاب أحداث عنف إرهابية شهدتها مصر، نسبت لجماعة الإخوان، واعتبرت دليلا دامغا على تورطهم في ارتكاب أعمال إرهابية، واكبها تهديد من قيادات إخوانية بارتفاع موجة العنف في العالم إذا ما تم حظر الجماعة. فهل تتخلى الدول الكبيرة عن دعم الإخوان في ضوء هذه التحولات؟ وكيف يؤثر ذلك على مستقبل جماعة الإخوان في مصر والعالم؟ وهل لمناورات الجماعة الأخيرة دور في استعادة جزء من الدعم الدولي الذي فقدوه مؤخرا؟

الدكتور عبد الرؤوف الريدي، سفير مصر السابق لدى الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، الرئيس الشرفي للمجلس المصري للشؤون الخارجية، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن مستقبل جماعة الإخوان يتوقف عليهم أنفسهم، وعلى سلوكهم. فإذا استمروا في ممارسة العنف فستزداد كراهية الناس لهم، وهم لا يستطيعون الاعتماد على الأطراف الخارجية. وأنه لكي تستمر الحركة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في قوتها، لا بد أن تكون قوية داخل مصر أكثر منها خارجها. لكنهم في مصر الآن، يخسرون كثيرا بسبب ما يرتكبونه من عنف.

وأضاف الريدي أن مجموعة الإجراءات التي تم اتخاذها أخيرا، في عدد من دول العالم ضد الإخوان، تؤثر عليهم بقوة. ولكن يبقى السؤال عن حقيقة الموقف الأميركي من الإخوان. وأرى أنه من الممكن حدوث تغيير تدريجي في هذا الموقف لكنه لن يكون تغييرا حاسما، بمعنى أن أميركا لن تعتبرهم جماعة إرهابية، لأنها دخلت مع الإخوان بشكل قوي وواضح، ولدى الأميركيين إخوان يعملون معهم في واشنطن وعلى تواصل مع مراكز الأبحاث وبعض مؤسسات المجتمع المدني وأعضاء بالكونغرس، مشيرا إلى أن الإخوان عرفوا أصول اللعبة في أميركا، وأن بينهم وبين أوباما وإدارته، تفاهمات، كانت سببا في تفاجئهم بما حدث في 30 يونيو. وكانت أكبر خسارة للإخوان، هي الفترة التي تولوا فيها حكم مصر، لأنهم ارتكبوا خلالها أخطاء كبيرة كشفت عن فضائح كثيرة. وهم الآن، كمن يغرق في رمال متحركة، كلما ارتكبوا عنفا تركوا أثرا عكسيا. ومن ثم فحتى لو كان لجماعة الإخوان وجود في الخارج، فهو لن يغنيها عن قوة رئيسة لهم في مصر، ما لا أتوقعه في الفترة المقبلة، في ظل المضي قدما في خارطة الطريق التي أخذ العالم يتجاوب معها، وبات يتقبل الشرعية المصرية مع الوقت.

وعما إذا كان ما يحدث في العالم ضد الإخوان، مجرد تكتيك، قال الدكتور أحمد يوسف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، عميد معهد الدراسات العربية لـ«الشرق الأوسط»، إن المسألة حقيقية وليست خداعا سياسيا أو تكتيكا، لأن تصرف جماعة الإخوان المسلمين بهذا الشكل العنيف، في أعقاب عزل الرئيس السابق، وتورطهم في أعمال إرهابية حقيقية، حتى لو لم تكن راجعة كلها للجماعة، إنما تزامنت مع إعلان اعتراضهم على عزل مرسي، كما أنها نمت من قبل تنظيمات هي فروع من الشجرة الأصلية للإخوان. ونحن نذكر طريقة استقبال القوى الكبرى لما حدث يوم 3 يوليو الماضي، حين اعتبرته انقلابا وأيدت الإخوان. لكن تطورين مهمين حدثا بعد ذلك، أولهما رد الفعل الإخواني الذي اتخذ أشكالا عنيفة لا يمكن الدفاع عنها، حتى لو كانت من قبل تنظيمات أخرى. وكان سهلا إثبات هذه الأشياء، فهم متورطون على الأقل في أعمال تخريب، خاصة في المنشآت الجامعية وغيرها، إلى جانب تورطهم في التحريض على العنف. وهو ما جعل هذه الدول تشعر بنوع من القلق، من خطر وجود الإخوان على أراضيها. من هنا بدأت المسألة بقرار من ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا، إجراء تحقيق حول نشاط هذه الجماعة. وهناك تحقيقات أخرى في بعض المدارس البريطانية التي ثبت اختراق الإخوان لها.

واستبعد يوسف اختفاء الإخوان، مؤكدا أن الاتجاه سيبقى نحو إدخال مزيد من الدين في السياسة. وقال إن كل ما سيحدث في تقديري، أنه إذا أصر الإخوان على منهجهم الحالي، فإنهم سوف يختفون خلال مرحلة تاريخية قد تمتد لعقد أو اثنين، لأن المواطن العادي لا يستسيغ هذا الأسلوب على الإطلاق، خاصة أن الإخوان قبل توليهم الحكم، كانوا يقومون بالدعوة وتقديم المساعدات، ولم يجرب المصريون ممارستهم السياسية.

وفي هذا السياق كشف مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، الذي يديره د. سعد الدين إبراهيم بالقاهرة، لـ«الشرق الأوسط»، عن تبنيه حملة عالمية واسعة لجمع الوثائق والمستندات التي تثبت تورط جماعة الإخوان في أعمال إرهابية، أو التحريض عليها، وتقديمها للدول الغربية لحضها على اعتبار الإخوان جماعة إرهابية بالفعل.

وقالت داليا زيادة، المدير التنفيذي للدراسات الإنمائية بالمركز لـ«الشرق الأوسط»: «إننا قمنا بحملة دولية لإدراج جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي، وجمعنا أوراقا ومستندات تثبت قيام الجماعة بالتورط في دعم منظمات إرهابية وهو ما يترتب عليه أن يجري إدراج الإخوان كتنظيم إرهابي».

وأضافت داليا، لا شك أن تطور الموقف الأميركي تجاه أنصار بيت المقدس، ومن ثم تجاه الإخوان، ستتبعه مواقف لدول أخرى ستدرج الجماعة على قائمة الإرهابيين، هذا بالإضافة لتصنيفها، خليجيا، كمنظمة إرهابية. كما أن بريطانيا فتحت تحقيقات، تأسيسا على أن أي أمر يشار إليه دوليا يجب التحقيق فيه. وبعد ذلك لو ثبت تورطهم في أعمال إرهابية، تصنف الجماعة كإرهابية وتوقف أنشطتها، وهو الهدف المراد بشكل نهائي من إثارة المسألة، ليس في مصر وحدها، وإنما على المستوى الدولي. فالمطلوب ما يترتب على ذلك من قرار بوقف نشاط الجماعة بالكامل ومعاقبة أعضائها. وعلى ذلك أرى أن مستقبل جماعة الإخوان إلى الهاوية، فهم يتهاوون والعالم يتعامل معهم بشكل قوي وحاسم.

وأكدت زيادة، أن ما يتعرض له الإخوان الآن، من مختلف دول العالم، يعد أزمة كبيرة غير مسبوقة في تاريخ الجماعة، مشيرة إلى أن الأزمات السابقة كانت فردية، تأتي من طرف واحد، أما الآن، فنرى العالم كله ضد الإخوان، وهو ما يعد خطرا كبيرا يهدد مستقبل الجماعة.

وكشفت داليا زيادة، لـ«الشرق الأوسط»، عن حملة مركز ابن خلدون للحصول على أوراق ومستندات تثبت تورط الإخوان في الإرهاب. وقالت إنه تم الحصول على هذه الأوراق من دول عدة منها دولة الإمارات العربية وأميركا وإيطاليا. وأضافت، «إننا حصلنا على وثائق من واقع تحقيقات إف بي آي الأميركية، وصدور أحكام قضائية أميركية تدين الإخوان. كما توصلنا إلى وثائق تثبت علاقة تركيا بالتنظيم الدولي للإخوان». وقالت، «إن أكثر الدول التي ترتبط بعلاقات قوية مع جماعة الإخوان، هي بريطانيا وأميركا. وهناك خطة إخوانية لاستغلال الدولتين. ففي لندن تصاغ الأفكار والرؤى، وفي واشنطن تكون التحركات السياسية. هذا بالإضافة إلى أن أغلب الثقل الاقتصادي للإخوان موجود في بريطانيا».

وعن الرؤية الأمنية لمستقبل الإخوان، قال الخبير الأمني اللواء طلعت مسلم، لـ«الشرق الأوسط»، إنه في ظل الإجراءات التي تشهدها بعض الدول ضد جماعة الإخوان، فلا شك أنها ستضيّق عليهم، لكنها لن تقضي على الجماعة، لأنها تعتمد بدرجة كبيرة على خداع المواطنين. فهي قادرة على الخداع، وتتخذ من الدين وسيلة سهلة لديها، سواء للتأثير على محدودي الثقافة أو المتعلمين وذوي الشهادات العليا. وعلينا أن نتابع ما تفعله أميركا. وأعتقد أنها تتابع نشاط الجماعة ولا تهتم إلا بما يؤثر على مصالحها. وبالنسبة لباقي الإجراءات في الدول الأخرى، فهي تحمل إشارات إيجابية، وعلينا أن نتابعها، لأننا تعودنا على صدور قرارات بلا نتيجة، خاصة أنه في القضايا الدولية لا توجد حكومة لمتابعة تنفيذ القانون، وإنما تقوم كل دولة على حدة بتنفيذ القانون الدولي، حسب ما تراه. وعلينا أن نتابع تلك القرارات في مصر بالصورة التي تتناسب مع الواقع لتحويله إلى واقع فعال.

وحول حقيقة وجود التنظيم الدولي للإخوان، قال مسلم، «حتى وإن كان لا يرقى إلى مستوى تنظيم بالمعنى المتعارف عليه، لكنه موجود على أرض الواقع. وقد نجح الإخوان في الوجود في تلك الدول الأجنبية، لأنهم درسوا قوانينها وخاصة حساسيتهم لحرية التعبير. وهم يستغلون الحريات الزائدة في هذه الدول كما أنهم لا يتورطون في أي شيء داخلها وإنما يوجهون نشاطهم لبلاد أخرى. وبالنسبة للواقع في مصر فقطعا سيكون هناك تأثير لهذه التغيرات الحادثة في الخارج على مصر لكني لا أتوقع أن يكون التأثير كبيرا فإذا كنا كمصريين لا نستطيع أن نحكم الإخوان فمن غير المعقول أن نطالب غيرنا أن يحكموهم لكن تلك القرارات تفيد على الأقل في التوقف عن مساعدتهم».

جدير بالذكر أن علاقات جماعة الإخوان المسلمين بالعالم الخارجي، بدأت مبكرا منذ عهد حسن البنا، حينما أنشأ مجلسا تنفيذيا يضم في عضويته فروعا من دول العالم، ثم توقف في عهد عبد الناصر. ثم قام الإخوان بإحياء التنظيم الدولي، وبدأت لقاءاته بمكة المكرمة والمدينة المنورة وتركيا ولبنان والأردن وبعض الدول الأوروبية. ويذكر مؤرخو الجماعة أن أول شعبة أنشأها الإخوان خارج مصر كانت في جيبوتي عام 1933، وبعدها أنشئ قسم الاتصال بالعالم الإسلامي في أوائل عام 1944، وتولى مسؤوليته القيادي الإخواني عبد الحفيظ الصيفي.

وتعليقا على ما تتعرض له جماعة الإخوان من إجراءات مشددة اليوم، بهدف التضييق عليها، قال القيادي الإخواني المنشق، ثروت الخرباوي في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، «لا شك أن الإجراءات التي يواجه بها الإخوان اليوم داخل مصر وخارجها، تصب ضدهم وتعرضهم لأكبر أزمة في تاريخهم، وكأن وصولهم للحكم كان أكبر عقاب لهم. وقد تنبأت منذ سنوات، أن عام 2018 هو عام النهاية بالنسبة لهم. فلن نجد وقتها أثرا لأحد منهم».

وعن أعداد الإخوان في العالم قال الخرباوي، إنه يتوازن مع عددهم في مصر، حيث لا يتجاوز 400 ألف. وهو العدد نفسه حول العالم تقريبا، لأن وجودهم يرتبط بالجاليات العربية والإسلامية المنتشرة في مختلف أنحاء العالم، وتتركز بصفة أساسية، في أميركا وبريطانيا، حيث يوجد حوالي عشرة آلاف إخواني في كل منهما، بينما يزداد العدد قليلا في ألمانيا لوجود جالية تركية كبيرة هناك. وعلى مستوى دول الخليج، سيتناسب أيضا عدد الإخوان هناك مع العدد الصغير للسكان. ويتركز العدد الأكبر في دولة الكويت، يليها الإمارات والمملكة العربية السعودية، حيث يبلغ العدد في كل منهما نحو ثلاثة آلاف إخواني. بينما يتناقص العدد في باقي أنحاء العالم. وعلى سبيل المثال، لا يتجاوز عدد الإخوان المسلمين في جنوب أفريقيا المائة وخمسين فردا، بينما يزداد قليلا في دول آسيوية كباكستان وأفغانستان. وبحسبة بسيطة نجد أن إجمالي عدد الإخوان خارج مصر أقل من نصف مليون. وأضاف الخرباوي، على الرغم من أن قوة الإخوان اكتسبوها من قوتهم التنظيمية وليس من أعدادهم، هذا بالإضافة إلى القوة المالية الجبارة التي يمتلكها الإخوان في التنظيم الدولي. فإن قوة الإخوان المالية لن تحمي التنظيم الدولي من الفناء، ولن تدفع عنهم التأثيرات السلبية لأسوأ أزمة يتعرضون لها في تاريخهم، قائلا إن «التنظيم الدولي للإخوان قد انتهت صلاحيته، لأن الفكرة التي أقاموا عليها تنظيمهم قد انهارت أصلا، ومن ثم حدث تناقص للمقبلين عليها من القوى البشرية وتناقص معها القوى المالية بشكل كبير، بعد أن أصبح التوجه الجديد البديل حاليا هو لصالح الجماعات السلفية».

وعن مستقبل التنظيم وتوجهه الجديد في ضوء تلك المطاردات الدولية، أكد الخرباوي أن القبلة الجديدة للتنظيم الدولي للإخوان، ستكون تركيا أو ألمانيا، حيث يوجد رأسمال إخواني كبير هناك.

وعلى الرغم من تحفظه الشديد وإصراره على عدم الإدلاء بأي أحاديث صحافية، فإن الشرق الأوسط نجحت في اختراق صمت سيف الإسلام حسن البنا، ابن مؤسس جماعة الإخوان، الذي قال في اتصال تليفوني تعليقا على ما تتعرض له الجماعة من حصار وإجراءات تضييق على أنشطتها في دول العالم المختلفة، ومدى خطورة ذلك على مستقبل التنظيم الدولي أو جماعة الإخوان في العالم: «إنني لا أشعر بأي خطر على مستقبل الجماعة لأنه يرتبط بالإسلام وليس بالتنظيم، كما يرتبط بكل فكر مفكر للعقيدة الإسلامية. ففكر الإخوان ينتشر في العالم أوتوماتيكيا. وهو ما قاله لي الدكتور مصطفى محمود في لقاء سابق معه، فلا داعي لنحطم تاريخنا أو نماذجنا من أجل صراع هو في حقيقته صراع سياسي مع جماعة الإخوان».

وأضاف البنا أن الإخوان المسلمين لحن مميز ألفه حسن البنا، ويغنى في كل مكان، لكن لا يوجد تنظيم دولي، وكل ما في الأمر، هو أن الدول تتلقف مظلة حسن البنا الفكرية التي تستقطب الجمهور. وليت الغرب يعرف حقيقة دعوة التآخي والتسامح التي يدعو لها الإخوان، وكتابات حسن البنا الذي استنكر أسلوب العنف وأفتى بعدم إقامة الحدود، وأن الدولة هي المنوطة بذلك، وإن كان حدث انحراف فكري في الجماعة بظهور آراء متشددة لبعض الأفراد خلال عهود سابقة، فإن ذلك كان رد فعل على عمليات التعذيب البشعة التي تعرض لها الإخوان في تلك المرحلة. ويشرفني أن تعرف الدول الغربية والعربية حقيقة موقف الإخوان وتدرسه دراسة حقيقية لتتأكد من سلميتهم.

ومن واقع تجربته معهم كنائب سابق للمرشد، قال الدكتور محمد حبيب، إنه في الأزمات التي كانت تحدث بين الجماعة والأنظمة السياسية في الماضي، كانت الجماهير تتعاطف مع الإخوان. ولكن للأسف الشديد أصبح صدام الإخوان هذه المرة ليس مع مؤسسات الدولة فقط، وإنما مع الشعب المصري أيضا، بعد أن حل عدم الرضا والقبول والكراهية محل ذلك التعاطف. وبالتالي فهذه القيادات ظلمت نفسها وجماعتها وتاريخها والدعوة الإسلامية ذاتها والوطن كله، وأصبح المستقبل السياسي والدعوي لجماعة الإخوان المسلمين يكاد يكون اليوم قاتما. وفي الوقت الذي يفترض فيه أن يحاولوا تحسين صورتهم الذهنية لدى الشعب المصري، إذا بهم بتصرفاتهم وسلوكياتهم وممارساتهم يلعبون دورا من أخطر ما يمكن في تشويه ومسخ هذه الصورة. ولا أتوقع لهم مستقبلا لا في المدى القريب ولا البعيد، والمسألة ستستغرق ما لا يقل عن 15 سنة. أما بالنسبة للإجراءات الدولية ضد التنظيم الدولي للإخوان، فأحب أن أوضح أولا، أن التنظيم الدولي قبل 25 يناير لم يكن موجودا بالمعنى التنظيمي، وإنما كان أقرب للشكل التنسيقي، فكانت هناك تنظيمات للإخوان في مختلف الدول بالإضافة إلى وجود أمانة للتنظيم في لندن، يمثل أعضاؤها همزات وصل بين مكتب الإرشاد العام وبين باقي تنظيمات الجماعة في دول العالم، وبعد ثورة يناير ووصول الإخوان إلى قمة هرم السلطة في مصر، بدأ التنظيم الدولي للإخوان يأخذ شكلا أكثر فاعلية وتأثيرا، خاصة أنه لاقى قدرا كبيرا جدا من الدعم الأميركي والأوروبي إلى جانب الدعم القطري والتركي، ومن ثم فإنه حينما أطيح بحكم الإخوان في الثالث من يوليو الماضي نتيجة لفشلهم وسوء إدارتهم، أحدث ذلك ارتباكا في كل الحسابات والمشاريع الأميركية في المنطقة. وإذا كانت أميركا شعرت بإحباط من الفشل الإخواني، إلا أنها ظلت لفترة طويلة تحاول أن تدعم الإخوان وأنصارهم للعودة إلى السلطة ثانية، مما جعل الإخوان يراهنون على ذلك الدعم، بالإضافة لمراهنتهم على أعمال العنف والإرهاب وتأزيم الوضع الاقتصادي بمصر، وانهيار النظام.

لكن تقدم مؤسسات الدولة فيما يتعلق بخارطة الطريق والاستفتاء على الدستور والاستعداد للانتخابات الرئاسية والمضي قدما في إجراء المحاكمات، أدى جميعه إلى تقزيم سقف الإخوان وتضاؤل الدعم الغربي لهم.