شارون: لا يوجد شيء شخصي بيني وبين عرفات والفلسطينيون يضيعون «فرصة وجودي» للوصول إلى حل نهائي

TT

قال رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون، أمس، إنه سيأخذ، في الاعتبار، إمكانية السماح للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بالخروج من الطوق المضروب على مقر السلطة الفلسطينية الرئيسي في رام الله للذهاب إلى قطاع غزة، لمعرفة ما إذا كان مستعدا لاستخدام قوى الأمن في غزة لإيقاف العنف هناك.

لكن شارون قال في مقابلة اجرتها معه «نيويورك تايمز»، إنه يتوقع فشل الزعيم الفلسطيني في هذا الاختبار، فهو مقتنع بعدم إمكانية أي شخص «تحقيق السلام مع عرفات».

وأضاف شارون في المقابلة، أنه كان قد وعد الرئيس الأميركي جورج بوش، في أول لقاء لهما، بعدم إلحاق الأذى الجسدي بعرفات. ويؤكد مسؤولون إسرائيليون أن شارون لا يمتلك خطة لإبعاد عرفات عن الأراضي الفلسطينية على الرغم من رغبته في ذلك.

وتأتي ملاحظات شارون الأخيرة، كأول اقتراح يسعى من خلاله الخروج من المأزق القائم في رام الله، على الرغم من رفض شارون الاعتراف به. وكانت القوات الإسرائيلية قد حاصرت عرفات داخل المجمع الحكومي الفلسطيني، منذ بداية ديسمبر (كانون الاول) الماضي.

لكن شارون هو الآخر وضع في الزاوية نتيجة لفرض حصار على خصمه القديم، لكنه في الوقت نفسه، غير قادر على تسليط ضغط أكثر على عرفات. ولم تتعاون الحكومات الأخرى معه في تنفيذ عزل عرفات، وهذا يتضمن الإدارة الأميركية. في الوقت نفسه، بينما حققت شعبية عرفات ارتفاعا كبيرا، بين الفلسطينيين، خلال الحصار، باعتراف مسؤولين إسرائيليين كبار.

ويتهم شارون عرفات بايواء أشخاص مطلوبين داخل المجمع، لكن الجنود الإسرائيليين لم يقوموا باختراق المبنى. ويعزو شارون ذلك الإحجام عن الدخول إلى الوعد الذي قطعه على نفسه للرئيس الأميركي، بأنه لن يلحق أذى بعرفات، وهذا هو السبب وراء الوضع الحالي. قال شارون في المقابلة: «لولا التزامي بالوعد، لكنا قمنا باعتقالهم منذ فترة طويلة، ولانسحبت القوات الإسرائيلية من رام الله».

لكن مسؤولين إسرائيليين بارزين، قالوا إن شارون غير متأكد من رد فعله، في حال وقوع هجوم فلسطيني آخر. فحتى الآن، تعارض حكومته تنفيذ اقتراحه بإقصاء عرفات الى المنفى، لكن شارون وضع شرطا على عرفات في حال ذهابه إلى غزة، بعدم اصطحاب أولئك المطلوبين معه، وقال موضحا: «نحن مستعدون لاعتبار ذلك الاقتراح».

وقد يساعد، إنهاء الحصار المضروب على عرفات في رام الله، الولايات المتحدة في الحصول على الدعم العربي الضروري لتنفيذ مخططها في ضرب العراق. وقال مسؤول إسرائيلي، إن نقل عرفات إلى غزة سيمنح الولايات المتحدة فرصة لتنفيذ مخططها بفترة أقصر.

لكن صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، سخر من اقتراح شارون، عندما قال للصحافيين: «هو أعلن لكم رسميا، هذه الليلة، عن نيته اعادة احتلال الضفة الغربية، ونفي عرفات إلى غزة. أظن أن شارون كشف لأول مرة عن خططه بوضوح».

وخلال عطلة نهاية الأسبوع، أوقف شارون اكبر هجوم بري شنته إسرائيل منذ غزوها للبنان قبل 20 سنة، حيث كان شارون آنذاك وزيرا للدفاع، وكان مسعى شارون لدفع المقاومة الفلسطينية عن حدود إسرائيل الشمالية، ثم إخراج عرفات، أخيرا، من لبنان. واستطاع شارون تحقيق هذا الهدف، بعد فرض الحصار على عرفات في بيروت.

لكن شارون ينكر سبب المواجهة القائمة في رام الله إلى تاريخه المرير مع الزعيم الفلسطيني. يقول شارون نافيا في مقابلته: «صدقني، ليس هناك شيء شخصي».

وقال شارون إنه يرى نفسه واحدا من القادة الإسرائيليين القلائل المستعدين لإقناع الشعب الإسرائيلي، للقيام بـ«تنازلات مؤلمة» ضرورية لتحقيق السلام. «أنا استطيع أن أقوم بذلك.. أنا اريد أن أقوم بذلك». وأضاف: «أنا على استعداد للقيام بالكثير من التنازلات، وأنا أعتقد أن الفلسطينيين يضيعون فرصة، بوجودي سنتمكن من الوصول الى حل نهائي، لكن ماذا استطيع القيام به؟».

استغرقت المقابلة، التي جرت اول من امس في مكتبه، تسعين دقيقة، وبدا شارون، 74 سنة، مرهَقا لكنه مسترخ، ولم يرجع الى الملاحظات التي سجلها مساعدوه له الا مرة أو مرتين، واحيانا كان يمزح مع ضيوفه، لكنه تكلم بحدة عن التعاطف العالمي تجاه عرفات: «الزعماء من كل انحاء العالم جاءوا إليه، لتقبيله والتحدث معه، إضافة إلى الاتصال بي ليلا ونهارا لابداء الاهتمام به: هل لديه شموع كافية؟ وماذا جرى لبطاريات هاتفه الخليوي التي توشك على النفاد؟.. لم يسألوا أبدا عن تلك الناجية من الهولوكست، والبالغة من العمر 93 سنة، والتي قُتلت في ليلة عيد العبور»، اشارة للهجوم الانتحاري الذي وقع في نتانيا وسبّب مقتل 28 إسرائيلياً.

لكن الاتصالات بين الفلسطينيين والإسرائيليين لم تنقطع حتى في فترة الاجتياح العسكري، فابن شارون، عومري، قابل السبت الماضي المسؤول الفلسطيني محمد رشيد، فالجيش الاسرائيلي لم يقم باجتياح غزة، وعومري شارون كان يسعى الى الحصول على ضمانات تقضي بان تقوم قوى الأمن الفلسطيني بانهاء أعمال العنف هناك. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي إنه حصل على ضمانات في هذا الشأن، وتابع قائلا: مع ذلك، فان الإرهاب أصبح أكثف من السابق ولم يتخذوا أي اجراءات لوقفه.

وأضاف: «ان الحكومة الإسرائيلية لم تستبعد هجوما كبيرا على قطاع غزة».

من جانبهم، قال المسؤولون الفلسطينيون، إن الغزو الإسرائيلي قد شل عمل قوى الأمن الفلسطيني في الضفة الغربية، لكن هذا الوضع لا ينطبق على غزة، حسب ما يقوله شارون في المقابلة، وإنه أعطى التعليمات لقواته «بعدم الرد في غزة» بعد سماعه تصريحات الفلسطينيين المتعلقة بالضفة الغربية.

لكن صائب عريقات قال إن إسرائيل ظلت خلال الأشهر التسعة عشرة الأخيرة لم تتوقف عن قصف مقرات أجهزة الأمن، بالصواريخ والقنابل، في غزة، إلى الحد الذي لم يبق هناك أي مبنى تستطيع قوى الأمن أن تستغله.

وقال شارون إن المسؤول الوحيد على معاناة الفلسطينيين هو عرفات، وزعم أن الكثير من الفلسطينيين يشاركونه في هذا الرأي: «إنهم يعرفون بالضبط ما سببه من معاناة للشعب الفلسطيني».

وكان شارون قد اقترح عقد مؤتمر اقليمي يضم الدول العربية واسرائيل تحت اشراف الولايات المتحدة، لمناقشة التطور الاقتصادي والسلام. وفي المقابلة قال شارون، ولأول مرة، إن لقاء كهذا يجب عقده بانتظام بين كل عدة أشهر لخلق «القاعدة التحتية للعلاقات بين دول المنطقة».

وعبّر شارون عن ترحيبه المشروط بالمبادرة السعودية، التي تم تبنيها في مؤتمر القمة العربية الأخير، والتي تهدف الى إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل مقابل انسحابها الى حدود ما قبل حرب حزيران 1967 وحل مشكلة لاجئ .1948 وقال في هذا الصدد: «إنه لأمر مهم جدا أن تأتي هذا الرؤية من دولة مهمة مثل العربية السعودية، لكن إسرائيل لن تستطيع البقاء اذا انسحبت الى حدود 1967».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»