مشروع الـ8 نقاط السعودي يدفع إدارة بوش إلى إعادة تقييم خططها

مسودة بيان مشترك أغضبت وفد الرياض ومكتب باول قال إنه لم يطلع عليها * مسؤول أميركي: فرقة مطافئ نيويورك لم يكن بامكانها تخفيف غضب الأمير عبد الله في لقاء تشيني

TT

قال مسؤولون أميركيون وسعوديون أمس الأول إن ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز عرض على الرئيس بوش يوم الخميس اقتراحا يتضمن ثمان نقاط تدعو لنهاية العمليات العسكرية الاسرائيلية في الضفة الغربية ولبدء مبادرة سلام في منطقة الشرق الأوسط تقودها أميركا وتدعمها قوات حفظ سلام دولية. وخلال حديثه للصحافيين في مزرعة الرئيس بوش بكروفورد في تكساس، قال المتحدث باسم البيت الأبيض أري فلايشر ان إدارة بوش رحبت بالمقترحات السعودية واعتبرتها «بناءة»، وأضاف ان هناك مناقشات شاملة تجري بين مسؤولين بارزين في البيت الأبيض وسعوديين بشأن التعامل مع المقترحات.

ويدعو المشروع السعودي، الذي قدمه الأمير عبدالله للرئيس بوش خلال لقائهما يوم الخميس، الى تبني جهد تتزعمه أميركا لتوفير الدعم والمساعدة في جهود إعادة البناء الفلسطينية. ويعتبر السعوديون ان الالتزام الأميركي بتقديم الدعم للفلسطينيين يشكل عاملا في إعادة الثقة مع العالم العربي ويشير إلى الالتزام الأميركي باستراتيجية سلام متوازنة، توضح «التضامن» مع الفلسطينيين ومع الإسرائيليين أيضا. وقد أقرت ادارة بوش تقديم الدعم لجهود إعادة البناء الفلسطينية، رغم حالة العنف التي اعاقت تحقيق تقدم في هذا المجال.

وتدعو الخطة السعودية أيضا طرفي النزاع لادانة العنف، ولوضع حد لبناء المستعمرات الإسرائيلية فوق أراض يمكن أن تشكل جزءا من الدولة الفلسطينية الجديدة، في حالة قبول إسرائيل لمبادرة السلام التي تبناها الزعماء العرب في قمة بيروت التي عقدوها خلال شهر مارس (آذار) الماضي. وتعرض تلك المبادرة، التي اقترحها ولي العهد السعودي، اعتراف العرب بإسرائيل وتطبيع العلاقات مقابل انسحابها إلى حدود ماقبل حرب عام .1967 وفي واشنطن قال مسؤولون اميركيون ان إدارة بوش لم ترغب في أن ينظر إليها على أنها تستجيب للمقترحات تحت تأثير الضغط، وقد حذر مسؤولون سعوديون من «عواقب وخيمة» إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من كبح جماح الحملة العسكرية المتواصلة في الأراضي الفلسطينية.

وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد نقلت يوم لقاء الأمير عبد الله وبوش نقلا عن مصدر سعودي قوله «اننا سنراعي مصالحنا، واذا اضطررنا ان نكون على يمين بن لادن فليكن، واذا اضطررنا ان نكون على يسار القذافي فليكن واذا اضطررنا ان نطير الى بغداد ونحتضن القيادة العراقية فليكن».

ولم يتحدد بعد إطار زمني للرد الأميركي الرسمي على الخطة، التي كانت قد وضعت لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية. لكن فلايشر، الذي بدت عليه علامات التجهم وهو يتحدث للصحافيين ، قال إن الاطر الزمنية «يمكن اختصارها إذا ما تعززت الثقة، والرئيس يعتقد ان اجتماع الأمس ساهم في تعزيز الثقة، وتلك مسألة تساعد في اختصار الوقت».

من جانبهم، قال مسؤولون مقربون من الوفد السعودي إن الأمير عبد الله، بعد توجيهه لتحذير واع للبيت الأبيض يوم الخميس من أن العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة تتعرض لـ«تصدع عميق» بشأن سياسة إدارة بوش المتعلقة بالشرق الأوسط، كان يأمل أن تستجيب الإدارة قبل أن يغادر الولايات المتحدة يوم الأحد، بعد حضوره مأدبة عشاء مع كبار مسؤولي صناعة النفط في أميركا مساء السبت.

ولتأكيد أهمية مناقشاته مع ولي العهد السعودي، فقد لجأ الرئيس بوش إلى أبيه، الرئيس السابق جورج بوش، لكي يلتقي بالأمير عبد الله. وقد اصطحب الرئيس السابق، والذي كان باسلوب ادارته لحرب الخليج في عام 1991 قد أثار اعجاب السعودية، الأمير عبد الله بالقطار في رحلة استغرقت قرابة 90 دقيقة من هيوستن إلى محطة كوليغ. وفيما بعد تفقد الاثنان مكتبة الرئيس بوش في جامعة إي آند إم بتكساس. ولم يتحدثا أمام الملأ لكنهما ودعا بعضهما بحرارة عقب لقائهما.

ويبدو ان الجهد الدبلوماسي المتعلق بالمشروع السعودي، والذي امتنع البيت الأبيض عن الكشف عن تفاصيله ، دفع الرئيس بوش وكبار مستشاريه لإعادة تقييم خطتهم المتعلقة بالسلام في الشرق الأوسط التي أعقبت اسابيع من النقاش الداخلي.

وفي الوقت نفسه لم يشر الرئيس بوش عندما تحدث للصحافيين في مزرعته بتكساس، للمشروع السعودي عندما قال إن «شيئا واحدا يمكن للعالم التأكد منه وهو إننا لن نسمح بسحق إسرائيل».

وأضاف انه مع ذلك ، فقد «آن الأوان» لكي تنهي القوات المسلحة الإسرائيلية حملتها العسكرية في الضفة الغربية، حيث تواصلت معارك شوارع قاسية يوم الجمعة. واستطرد الرئيس بوش قائلا: «لقد أخبرت ولي العهد بأننا نتمتع بعلاقات متميزة مع اسرائيل». وقال بوش يوم الخميس ان «ولي العهد سيبقى في أميركا لعدة أيام مقبلة، وإن مسؤولين من جانب حكومتينا سيواصلون المناقشات على أمل أن تساهم جهودنا في استئناف مسار السلام ـ سلام دائم».

ومن بين القضايا الأكثر صعوبة التي طرحها المشروع السعودي هناك مستقبل المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية وحدود أية دولة فلسطينية. وقال فلايشر إن الولايات المتحدة تعتقد ان هذه المسائل يجب «التعامل معها ضمن مفاوضات سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين».

وأضاف المتحدث باسم البيت الأبيض، مشيرا الى المقترحات السعودية: «ان هناك الكثير من الاشياء المشتركة فيما نرغب في عمله. ومعظم هذه الأشياء جاءت ضمن ما أشار إليه الرئيس في خطابه الذي ألقاه في الرابع من شهر ابريل (نيسان) بحديقة الزهور، باعتبارها مسؤوليات تتحملها الأطراف الثلاثة. وهكذا سنواصل الحديث مع السعوديين ونواصل تحقيق تقدم بشأن هذه النقاط الثمان».

ولم يكشف البيت الأبيض عن تفاصيل الخطة وهو يتناول لقاء الرئيس بوش بالأمير عبد الله الذي استغرق خمس ساعات. وبدلا من ذلك برزت المقترحات يوم الجمعة خلال لقاء فلايشر بالصحافيين بعدما حصلت «نيويورك تايمز» على تفاصيلها وطلبت ردا من الإدارة الأميركية.

ويبدو ان المقترحات السعودية ليست بعيدة عن الأفكار التي يدافع عنها وزير الخارجية كولن باول، والذي اعرب عن اهتمامه بفكرة استخدام قوة متعددة الجنسيات لإعادة الاستقرار للمناطق الفلسطينية وبعقد مؤتمر دولي للسلام.

وقال مسؤول بارز في الادارة الاميركية: «المناقشات في صورتها الاجمالية ايجابية للغاية، لكن تفاصيلها مختلفة».

مسؤول أميركي آخر قال: «أراد السعوديون أن يطرحوا التالي: لقد جئنا وعبرنا عن الغضب العربي; وهذا مقبول بالنسبة لنا، الأميركيين». وكان ولي العهد السعودي قد بعث بمشروع النقاط الثمان للرئيس بوش ليلة الثلاثاء كجزء من النص المعد سلفا للملاحظات التي طرحها لاحقا في المباحثات، بحيث يتمكن بوش من التعرف على ما يتضمنه.

وبدلا من الرد على المقترحات ، بعث البيت الأبيض للجانب السعودي مشروع بيان مشترك عن اجتماع الزعيمين لم يتضمن الإشارة للمقترحات السعودية بل أخطأ في تفسير مبادرة السلام السعودية التي تبنتها اجتماعات قمة بيروت العربية.

ووفقا لشخص مطلع على المفاوضات السعودية ـ الأميركية الجارية هذه الأيام، فإن السعوديين غضبوا من مشروع البيان المشترك الذي تقدم به البيت الأبيض، وعندما أعربوا عن احتجاجهم لمكتب كولن باول، لمح موظفوه بأنهم لم يطلعوا على نسخة من الوثيقة، وقد بعثها لهم السعوديون عن طريق الفاكس.

وعندما التقى ولي العهد بنائب الرئيس تشيني يوم الأربعاء، قال مسؤول اطلع على ما دار في حديثهما «لم يكن بإمكان فرقة مطافئ من نيويورك» أن تخفف من حدة الغضب الذي أعرب عنه ولي العهد السعودي خلال اللقاء. وصباح اليوم التالي، غادر تشيني متوجها إلى كروفورد عن طريق الجو لتقديم تقرير عن ذلك اللقاء الحاد لبوش قبل وصول الأمير عبد الله لمزرعة الرئيس بعد رحلة استغرقت خمسين دقيقة.

في ملاحظاته التي أعدت سلفا خلال لقائه بالرئيس بوش، قال ولي العهد السعودي للرئيس ان أمام الولايات المتحدة خيارين: الأول يمكنها من خلاله ممارسة الضغط اللازم للحصول على انسحاب إسرائيلي فوري من جميع الأراضي المحتلة ووضع حد لحصار ياسر عرفات. وهذا ، حسب ما قاله، قد يخفف من حدة النزاع ويمهد الطريق لمفاوضات سياسية.

أما الخيار الثاني، كما قال، فيسمح لإسرائيل بـ«إلحاق الضرر بالعلاقات المتميزة مع الولايات المتحدة» من أجل دعم «السياسات المتشددة» التي تتبعها حكومة شارون. وعواقب هذا ستكون تصعيدا حادا للعنف قد يؤدي إلى انهيار شامل للأمن والاستقرار في المنطقة.

* خدمة «نيويورك تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»